الخبير الأمني علي الزرمديني : الإرهاب في تونس يمر من التنظيم العنقودي إلى مرحلة الذئاب المنفردة

هدى القرماني

مثلت العملية الإرهابية التي استهدفت متحف باردو يوم أمس الأربعاء 18 مارس 2015 والتي راح ضحيتها 23 شخصا منهم 20 سائحا وإصابة 43 آخرين نقلة نوعية للعمليات الإرهابية من حيث المكان والهدف وتحديا واضحا من قبل الإرهابيين بحكم تواجد متحف باردو حذو مجلس نواب الشعب رمز السيادة التونسية.

وتأتي هذه العملية إثر كشف قواتنا الأمنية والعسكرية مؤخرا لترسانة من الأسلحة النوعية في مخزنين للأسلحة بمدنين كانت موجهة وفقا لما أعلنته وزارة الداخلية حينها إلى الجماعات الإرهابيين في جبل الشعانبي.

ومعلقا على هذه العملية قال الخبير الأمني علي الزرمديني أن ما قامت به قواتنا الأمنية رغم الخسائر وفي ظرف وجيز ليس بالأمر الهين.

وكشف الزرمديني اننا بهذه العملية انتقلنا اليوم من مرحلة التنظيم العنقودي و المجموعات إلى مرحلة الذئاب المنفردة التي يعاني منها المجتمع الأوروبي أيضا وهي من أخطر العمليات وفقا لقوله.

وأوضح الخبير أن 3 مراحل يمر بها الإرهاب تتمثل الأولى في ضرب الجدار الواقي ألا وهو المؤسسة الأمنية والعسكرية وتتمثل الثانية في ضرب المصالح الحيوية والإستراتيجية للبلاد ومؤسساتها أما المرحلة الثالثة فهي الضرب في العمق الشعبي وكل هذه المراحل وفقا للعقيد لا يوجد بينها فاصل زمني.

ويشير الخبير الأمني إلى أن للإرهابيين إستراتيجية تقوم على التحرك في شكل تنظيم عنقودي فإذا اختل ذلك التنظيم يلتجؤون إلى ما يعبر عنه بالذئاب المنفردة مضيفا أن وحداتنا الأمن والعسكرية تمكنت من ضرب الجماعات الإرهابية في تركيبتها وضيقت عليها نسبيا عمليات الإسناد وأفشلت عديد مخططاتها وأربكتها وأحدثت لديها فراغا ولهذا التجأت هذه الجماعات اليوم إلى مرحلة الذئاب المنفردة.

ويؤكد الزرمديني أننا وصلنا اليوم إلى المرحلة الأخطر باعتبار أن الطرف المقابل أي الإرهابي أصبح هو الذي يخطط ويستقي المعلومة وينفذ العملية بمفرده دون اللجوء إلى القيادات والتعليمات وبذلك لم نعد نعلم التركيبة وهذا يتطلب عملا في العمق وتلاحم المنظومات الأمنية مع بعضها لتحقيق النتيجة المرجوة.

ويعترف الزرمديني أننا تمكنا إجمالا من تحقيق نجاحات أمنية حقيقية على مستوى تفكيك المجموعات مشيدا بوحداتنا الخاصة قائلا إنها على درجة عالية من الجاهزية والحرفية ويشهد لها عالميا ولكن هناك نقائص متعددة لا يمكننا إنكارها وهي فنية بالأساس والفراغ اليوم هو على مستوى مواجهة الإرهابيين فرادى.

تونس من مركز عبور للأسلحة إلى ساحة للمواجهات

شكلت تونس إثر الثورة نظرا لارتبك وضعها الأمني والعام بصفة عامة ودخولها في فوضى عارمة مركزا لعبور الأسلحة في اتجاه مالي حيث كان هدف الإرهابيين حينها

بالأساس وفقا للخبير الأمني علي الزرمديني خلق اضطرابات في الجنوب الجزائري وفي مالي وإرجاء تونس إلى ما بعد.

ويصرّح العقيد الزرمديني بأن كميات السلاح حينها دخلت إلى تونس بطرق متعددة من خلال حتى مساعدات قدمتها جمعيات ليبية إلى بلادنا حين واجهنا موجة من البرد كما جاء على لسانه وبأن الجماعات الإرهابية كانت تقوم بجمع الأطراف التي تتدرب بالشعانبي.

ويؤكد العقيد أنه وفقا للتحريات فإن الجانب الأوفر من الأسلحة قد مر من تونس ولم يبق إلى القليل القليل منها واليوم حين اكتمل مشهد الإرهابيين وأصبحت لديهم جماعات مقاتلة فعلية في تونس وترتبط بالأجنحة المقاتلة في الجزائر وبالأجنحة المقاتلة في شمال مالي فهذا الوضع سمح لهم بإبقاء السلاح في بلادنا ولم تعد تونس مركزا للعبور فقط بل أصبح الإرهابيون يسعون إلى الاحتفاظ بكميات هامة من الأسلحة لتقديمها للجبهة المقاتلة المتواجدة في الشمال وفي الغرب التونسي بصفة عامة.

تونس أمام جبهة مفتوحة

ويرى العقيد علي الزرمديني في قراءته للطبيعة الجغرافية ولطبيعة الميدان التي تسمح بدخول السلاح إلى تونس أن دخول الأسلحة إلى بلادنا أمر طبيعي لأننا أمام جبهة مفتوحة وهي حسب قوله ليست ككل الجبهات إذ أنها تخزن وفقا للخبراء وحسب معطيات ميدانية ما يناهز عن 30 مليون قطعة سلاح بمختلف أنواعه بعضها مما تركه الزعيم الراحل معمر القذافي والبعض مما خلفه الناتو والبعض الآخر مما ورد على ليبيا خلال الفترة الأخيرة.

ويتابع الزرمديني بالقول أنه من يعلم طبيعة الحدود وتضاريسها يعلم أنه مهما أحكمنا السيطرة وحاولنا غلق المنافذ فمن الوارد أن يتسلل السلاح إلى بلادنا خصوصا أمام وجود مهربين يمسكون نسبيا بالميدان ويدركون جيدا المسالك وطبيعتها ويترصدون كذلك أنشطة الأمنيين وأيضا نشاط الرعاة.

ويضيف أن الثغرات موجودة وأن الأطراف المناوئة لها مخططات ولديها خلايا للاستعلام وللإرشاد وتساعدها أطراف متواطئة لذلك فمن الطبيعي أن يصل البعض من الأسلحة إلى الجبال.

 ويقول الزرمديني أنه يجب أن ننوه بما قام به جيشنا الوطني مؤخرا لأن اكتشافه لترسانة أسلحة نوعية تقدر بمئات الملايين (مخزني مدنين) وهي مازالت في مستوى الحزام الأول في منطقة متاخمة للحدود في انتظار توجيهها إلى الإرهابيين في الجبال ولم تصل بعد إلى أحواز تونس العاصمة أو إلى وسط البلاد عمل جبار خاصة وأن هذه الأسلحة كانت مدروسة لها أهداف معينة واستجلابها لتونس لم يكن عفويا بل موجه وفقا لما يقتضيه التعامل مع القوات المسلحة ميدانيا.

الجماعات الإرهابية في حاجة إلى المد وخاصة إلى أسلحة نوعية

ويقول الزرمديني أنّنا إذا درسنا طبيعة الأسلحة التي وجدناها لدى الإرهابيين الذين تم قتلهم وكذلك نظرنا إلى نداءات الاستغاثة التي قدمتها كتائب عقبة ابن نافع أو أسد ابن الفرات أو غيرها من الكتائب إلى الأطراف المقابلة في جهة المد بالسلاح ألا وهي ليبيا وأيضا إذا نظرنا إلى الهجمات العنيفة التي تقوم بها قوات الجيش والأمن الوطنيين والتي تستخدم فيها مختلف الأسلحة وخصوصا الطيران ندرك جيدا أن الجماعات الإرهابية في حاجة إلى المد وخاصة إلى أسلحة نوعية تسمح لها بمواجهة قواتنا المسلحة وقواتنا الأمنية ووقف عملياتها.

ويرجح الزرمديني أن تكون القذائف المضادة للدبابات التي تم عرضها ضمن الأسلحة المكتشفة في مخزن مدنين موجهة للآليات العسكرية وأن تكون الصواريخ الراجمة موجهة لضرب الطيران الذي يقصف معاقل الإرهابيين في جبل الشعانبي والسلوم وورغة وغيرها.

استراتيجيات مقاومة الإرهاب نسبيا واضحة

ويشدد الزرمديني على أن الحرب على الإرهاب مفتوحة وضد أطراف متعددة ضد الإرهابيين الذين يباشرون بالسلاح وضد المهربين وضد كل من يساند الإرهاب ولا تقتصر فقط على من يقاوم بالسلاح.

ويقول الزرمديني أن هدف الإرهابيين هو إرباك النظام التونسي وبث الفوضى والجريمة وعدم الاستقرار في البلاد وضرب المجتمع التونسي في كيانه وأنه من الثابت أننا في حال حرب فعلية فيها كل أسس وسبل الحرب من الحرب المباشرة التي نراها في الجبال إلى حرب الاغتيالات إلى التهديد إلى الحرب النفسية إلى كل ما يرتبط بمفهوم الحرب وأن العمليات الإرهابية لن تنتهي لا اليوم ولا غدا لذلك يجب أن نحذر ونتهيأ ونكون جاهزين للحرب والقضاء على الإرهابيين.

ويضيف الزرمديني أن المخططات قائمة والاستراتيجيات نسبيا واضحة وهي شعبية وموجودة من قبل وعلينا أن نعتمدها وندعمها انطلاقا من دراسة الواقع الميداني المحلي و الإقليمي المتجدد والمتغير دراسة عميقة استباقية وبهذا يمكننا مواجهة ظاهرة الإرهاب.

ويحدد الخبير الأمني عدة عناصر يجب أن تتوفر لنتمكن من السيطرة على هذه الظاهرة من أهمها الجانب الاستعلاماتي من الجهتين من الداخل والخارج المتمثل أساسا في ليبيا التي يقول أنها البؤرة التي توزع السلاح على كامل الدول الإقليمية لذلك يجب التفطن استباقيا إلى كميات السلاح قبل خروجها من ليبيا إضافة إلى تشخيص المواقع التي يمكن أن يأتي منها الخطر ميدانيا وأيضا تسخير شبكة من المرشدين الذين هم على اتصال بالمهربين.

 ومقاومة التهريب بأي شكل من الأشكال لا تقتصر وفق الزرمديني على الحدّ بل تتعدى الحزام الأول إلى الحزام الثاني وحتى الثالث المتمثل في داخل المدن وكلما تقدمنا من حزام إلى حزام تتقلص نسبة كميات السلاح بحكم المسافات وبالتالي ما يتواجد على الشريط الحدودي ليس بالكميات الموجودة على الحزام الثاني ولذلك يجب أن تتوفر الإمكانات المادية والبشرية لنتمكن من السيطرة على كل حزام وفقا لطبيعته.

ويستبعد الزرمديني أي امكانية لسيطرة تنظيم “داعش” على بلادنا قائلا ” أنا أتوقع أن تكون هناك عمليات إرهابية نوعية متفرقة في أي بلد لأنه لا يوجد أي بلد محصن من هذه العمليات أما الحديث عن “دولة خلافة” أو “دولة داعش” في تونس فهذا لا أتوقعه أبدا”.

الترويكا تعاملت برهبة مع ظاهرة الإرهاب

وفي تقييمه لتعامل مختلف الحكومات المتعاقبة بعد الثورة مع ملف الإرهاب يقول الخبير الأمني أن تناول موضوع الإرهاب يجب أن يكون من مختلف الجوانب ويرى أن حكومة الترويك قد أساءت التقدير وتعاملت بحذر ورهبة مبالغ فيهما مع هذا الموضوع ولم تتخذ إجراءات حازمة في إبانها للحد من هذه الظاهرة أما حكومة جمعة والحكومة الحالية فقد تعاملتا معه بطريقة أكثر حرفية في مختلف جوانبه من الناحية الإعلامية ومن ناحية كيفية المجابهة وحتى من ناحية التعامل مع الأسلحة المحجوزة وطريقة عرضها للتصوير.

ويعتبر الزرمديني وصول العمليات الإرهابية إلى العاصمة وبلوغنا اليوم هذه المرحلة الخطرة نتيجة لإرباك المنظومات الأمنية وإرباك وزارة الداخلية وإقصاء الكفاءات وعدم تقدير جدي للواقع الإقليمي والمحلي الذي نعيشه.

ويختم الزرمديني بالقول أنه حين تتوفر الإرادة السياسية مع إرادة وطنية لأن التونسيين يرفضون الإرهاب ويحاسبون الحكومات على تعاملها مع هذه المسألة مع إرادة دولية أيضا لأن الجزائر وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية يقفون معنا بقوة في هذا الموضوع ويريدون مساعدة تونس فالموضوع لم يعد داخليا فقط فيمكننا حينها التصدي لهذه الظاهرة.

 

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

المرسوم عدد 55 لسنة 2022: تخوفات من خسارة المرأة التونسية لمكتسباتها

فادية ضيف كان اختيار تونس عاصمة “المرأة العربية ” لسنتي 2018 و 2019 و عاصمة …