الدكتور أحمد المناعي: لا يوجد تصور واضح للسياسة الخارجية التونسية تجاه دول العالم العربي

هدى القرماني

لم تمر التصريحات المتضاربة مؤخرا لوزير الخارجية الطيب البكوش ورئيس الجمهورية والمتعلقة بإعادة العلاقات الدبلوماسية التونسية السورية مرور الكرام بين السياسيين والمحللين في الشأن السياسي وأيضا في وسائل الإعلام المحلي والأجنبي.

ولعلّ إعلان البكوش فتح قنصلية تونسية في سوريا والترحيب بعودة السفير السوري إلى تونس وتفنيد رئيس الجمهورية لذلك مشددا على  أنه من يسطّر السياسة الخارجية للبلاد وأن تونس لم تغير موقفها من سوريا بل هي ستتفاعل مع الإجماع العربي ضمن قرارات الجامعة العربية في هذا الملف النقطة التي أفاضت الكأس بعد عدة تصريحات لوزير الخارجية و التي لاقت انتقادات لاذعة آخرها كان استياء تركيا من اتهامها بتسهيل تمرير المقاتلين إلى سوريا.

وفي هذا الصدد استنكر رئيس المعهد التونسي للعلاقات الدولية الدكتور أحمد المناعي هذا التناقض في التصريحات ورجّح أن تكون هناك ضغوطا أجنبية جعلت رئيس الجمهورية يفند بعد يوم ما أعلنه وزير الخارجية خاصة إذا ما نظرنا إلى الزيارة الرسمية التي أداها رئيس الجمهورية بعد أيام قليلة إلى فرنسا المعروف موقفها المعادي إلى النظام السوري.

كما أشار المناعي إلى أن هذا التناقض يمكن أن يستشف منه أيضا أنه لا يوجد تصور واضح من قبل الحكومة الجديدة للسياسة الخارجية التونسية فيما يتعلق خاصة بالعالم العربي على خلاف علاقتنا مع أوروبا والغرب بصفة عامة.

وأضاف الدكتور أننا كنا نتصور مع صعود الحكومة الجديدة و رئيس الجمهورية الجديد تغييرا في السياسة الخارجية التونسية وأن القائد السبسي وعد خلال حملته الانتخابية بمراجعة العلاقات مع العالم العربي لكن يبدو وفقا لما سمعناه من تصريحات أن شيئا لم يتغير ولم يقع بعد ضبط  السياسة الخارجية وربما أيضا هناك ضغوطا أجنبية في هذا الشأن على حد قوله مشيرا إلى أنه حينما تكون حكومة ما في أمس الحاجة إلى قروض لدفع رواتب موظفيها فلا يمكننا حينها أن نتحدث عن سياسة خارجية مستقلة.

ومعلقا على ما أكده رئيس الجمهورية من ضرورة التفاعل مع الإجماع العربي في إطار الجامعة العربية في ما يتعلق بالعلاقات مع سوريا أكد رئيس المعهد التونسي للعلاقات الدولية أنه لا يوجد إجماع عربي حول هذا الملف إذ الدول العربية منقسمة بين متحفظ ورافض للتدخل الأجنبي والإقليمي والخليجي في الشأن السوري وبين دول تشارك في الحرب على سوريا كالمملكة العربية السعودية وقطر وبمساعدة الدول الإقليمية كتركيا وبرعاية من الولايات المتحدة الأمريكية كما جاء على لسانه.

وذكّر المناعي أن عدة دول عربية اليوم قد غيّرت موقفها من الملف السوري وأنها تسعى اليوم إلى إعادة العلاقات مع سوريا.

وعلى خلاف المنتقدين لتصريح البكوش فيما يتعلق بتسهيل تركيا لدخول المقاتلين إلى الأراضي السورية وما خلفه هذا من استياء من قبل تركيا وطلبها تقديم توضيحات في هذا الشأن فقد أيّد المناعي ما ذهب إليه وزير الخارجية مؤكدا أن 90 بالمائة من التونسيين الذين تطوعوا في السنوات الأخيرة للجهاد وللقتال في سوريا وفي العراق قد مروا عن طريق تركيا وبمساعدة المخابرات وعدد من المنظمات والجمعيات التركية وأن تركيا من هيّأت أيضا الأسباب المادية لخروج السوريين من سوريا قبل بداية الأحداث في 2011 وسمحت بإنشاء معسكرات لتدريب المقاتلين على حد قوله.

وفي سياق آخر اعتبر المناعي تحليق طائرة عسكرية أجنبية لساعات طويلة في الأجواء التونسية انتهاك صارخ للسيادة التونسية في صورة عدم علم السلطات بها أما إذا كانت هناك اتفاقيات تعاون بيننا وبين دول أخرى في هذا المستوى كما قيل فيطالب المناعي القيادات السياسية بالإفصاح عنها حتى لا تبقى سرية ومتستر عنها لأن في ذلك انتهاك أكبر للسيادة كما جاء على لسانه.

وذكّر الدكتور أن تونس منذ العهد السابق كانت تحضر اجتماعات حلف الشمال الأطلسي ” الناتو” الخاصة بالسلم في البحر الأبيض المتوسط  كما حضر رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي أيضا في وقت من الأوقات إحدى الاجتماعات في ألمانيا معتبرا أن هذه المنظمة هي أداة للتدخل الأجنبي في جنوب البحر الأبيض المتوسط على حد قوله.

يجب الإقرار بأن إيران دولة إقليمية نافذة

أكد مدير المعهد التونسي للعلاقات الدولية أن حصول الاتفاق الإطاري النووي مع إيران  هو أولا اعتراف الغرب و روسيا بحق إيران في الاستعمال النووي السلمي ثم اعترافهم أيضا بأن إيران أصبحت دولة إقليمية نافذة لا يستهان بها.

وأضاف المناعي أن إيران حضارة قديمة و استطاعت أن تتقدم على المستوى الاقتصادي والاجتماعي و البحوث العلمية وامتلاك الصناعة النووية وفي كثير من الميادين وأنها أصبحت اليوم القوة الأولى في المنطقة ويجب الإقرار بذلك فيما بقى العرب في العشرين سنة الأخيرة يتقاتلون فيما بينهم ويحيكون المؤامرات ليليا وذهب الكثير منهم في غرس الفتن الطائفية وساهموا في تدمير العراق التي كانت القوة القادرة على الوقوف في وجه إيران.

واستطرد المناعي قائلا أن هذا لا يعني أن إيران الشيعية ليس لها دور اليوم في ما يحدث في العراق وفي كثير من البلدان، وأن السنيّين فيها مهضومو الحقوق وهي تسعى أن لا تظهر هذا الدور في العلن لكن هذا أمر ثانوي حسب قوله إذا اعتبرنا أن الدور الأكبر الذي تولاه العالم العربي هو دور تخريب وتدمير وتشتيت الشعوب.

وتابع المناعي قوله بأنه لا يوجد منذ بداية التاريخ بلد ليست له أطماع وأننا عشنا عشرين سنة من الحكم المطلق للولايات المتحدة الأمريكية إثر انهيار الاتحاد السوفياتي لكن قيام بعض الدول اليوم واسترجاعها لبعض قوتها مثل روسيا وبروز دول ما يسمى بـ “البريكس” عدّل الموازين الدولية وقريبا سنجد إيران عضوا من أعضاء هذه مجموعة.

وذكر مدير المعهد التونسي للعلاقات الدولية أن نسبة هامة من الشيعيين يتواجدون اليوم في عديد الدول العربية على غرار المملكة العربية السعودية التي يتواجد في جنوبها وشرقها 30 بالمائة من الشيعيين كما يمثلون 60 بالمائة من سكان البحرين و 20 بالمائة من العلويين يقيمون في تركيا وغيرهم كثير حسب محدثنا ويجب التعامل معهم كمكون أساسي من مجتمعاتهم ومنحهم جميع حقوقهم الفردية والجماعية لا محاربتهم.

وشدّد المناعي على أن الصراع اليوم هو سياسي بالأساس وبامتياز وليس طائفي بين سنيين وشيعيين كما يحاولون إيهامنا والذي يحرك هذه الخيوط هم الإسرائيليون ومفكروهم ومثقفوهم عبر العالم فيما  يحرض على هذه الفتن وينفذها من أسماهم الدكتور بـ “غلاة السنة” من التكفريين من كل حدب ولون.

ويشير المناعي إلى أنه حتى نفهم حقيقة الأمر جيّدا فيجب أن نرجع إلى ما خطط له الإسرائيليون وأحباء إسرائيل في العالم وخاصة الأمريكيون فعلينا أن نعود إلى فترة السبعينات وحتى إلى ما قبل ذلك فبرنار لفيس صاحب المخطط الأكبر لإعادة جغرافية المنطقة سبق أن صرّح بأن أمن إسرائيل يقوم على إدخال المنطقة العربية والإسلامية في صراع طائفي بين الشيعة والسنة وأن هذا الصراع سوف يستمر مائة سنة وتستطيع إسرائيل في الأثناء أن تتركز أكثر كدولة يهودية وتزداد قوة في المنطقة في حين تنهار البلدان العربية وتنقسم إلى دويلات قائمة على الطائفية.

ومعلقا على ردود الأفعال حول الاتفاق الإطاري النووي قال المناعي أنه يحق لإسرائيل أن تتخوف من هذا الاتفاق لأن موقف إيران منذ الثورة الإيرانية من إسرائيل واضح وثابت وزاد تأكيده وزير الخارجية الإيراني مؤخرا حيث أكدت إيران عدم اعترافها بإسرائيل  لا اليوم ولا غدا . ويذكر أن إسرائيل قد طلبت طرح مسألة الاعتراف بها ضمن هذا الاتفاق. أما بالنسبة للملكة العربية السعودية فيتساءل المناعي لما تتخوّف من هذا الأمر؟

واعتبر المناعي أن لهذا الاتفاق انعكاس كبير حيث يقول أن عدة مراجعات سوف تحدث في المنطقة خاصة بالنسبة لما سماهم بالدول “ذات الحجم الوازن” مثل تركيا ومصر الذين اتخذا موقفا إيجابيا من الاتفاق الحاصل وأعلنا أنه سوف يساهم في إعادة الأمن والسلام والتوازنات الكبرى في المنطقة على عكس المملكة العربية السعودية التي يؤكد أنه باستثناء البترول الذي تمتلكه وأموالها الطائلة لا تشكل دولة ذات وزن  مستبعدا أن تحقق مطامحها في تولي مسؤولية هامة في المنطقة.

السعودية أخطأت كثيرا بتدخلها العسكري في اليمن ولن يكون هنالك تدخلا بريا

ذكر الدكتور أحمد المناعي أنه ما كانت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها ليتدخلوا عسكريا ويقصفوا المدنيين في اليمن لولا الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأمريكية التي هي بصدد مساعدتهم لوجستيا واستخباراتيا.

واعتبر المناعي أن سبب هذا التدخل ربما كان محاولة من السعودية لإفساد الاتفاق حول نووي إيران قبل توقيعه وأيضا ربما لجرّ هذه الأخيرة للتدخل في هذا الصراع ما من شأنه إفساد كل الاتفاقيات.

ويعتقد محدثنا أن المملكة العربية السعودية قد أخطأت خطأ كبيرا بتدخلها هذا قائلا أنها تستطيع أن تدمّر البنية التحتية البائسة لليمن وتقتل حتى الآلاف من اليمنيين لكنها لا تستطيع أن تحتل هذا البلد فاليمن من البلدان القليلة في العالم الذي يثبت تاريخها أنها مقبرة للغزاة والسعوديون يعرفون هذا جيدا فتجربة سعود الأكبر في القرن الثامن عشر تذكرهم بأنه لا يمكن أن يحتلوا اليمن وأيضا سعى العثمانيون والبريطانيون في السابق لذلك  لكنهم منيوا بالفشل.

وأكّد الحقوقي أنّ الحوثيين الذين يتم قصفهم الآن ليسوا بميليشيا وإنما جزء من الشعب اليمني يمثلون 25 أو 30 بالمائة من السكان وهم يرفضون أن يكونوا لقمة سائغة للمملكة السعودية ويرفضون نفوذها عليهم.

هذا واستبعد المناعي أن يكون هنالك في الفترة القادمة تدخلا بريا في اليمن مؤكدا أنّ ردة فعل اليمنيين ستكون عنيفة وأنهم الآن جبهة قوية متراصة في ما عدا الإخوان المسلمين والحزب الأحمر والرئيس المخلوع والهارب الذين أيدوا التدخل العسكري واصفا بمن ينادي بالتدخل الأجنبي في بلاده بالخائن.

وشدّد المناعي على أنه إذا ما قرر السعوديون والخليجيون النزول برا والدخول في حرب برية في اليمن فسيكون ذلك خطأهم الأكبر وستكون هزيمة لهم جميعا وسوف تتغير خريطة الجزيرة العربية حسب رأيه.

وأضاف المناعي أن هناك دعوات عدة اليوم من الجزائر وإيران وروسيا وحتى من اليمنيين أنفسهم للكف عن القصف والدخول في مفاوضات بين اليمنيين مقترحين أن تكون عمان حاضنة لهذا الحوار باعتبارها الدولة الوحيدة في دول الخليج التي اتخذت مواقف معتدلة وحيادية.

سياسة أمريكية متلونة

يصف البعض سياسة الولايات المتحدة الأمريكية مع أغلب دول المنطقة بالمتلونة فمن ناحية تساعد المملكة السعودية في تدخلها في اليمن ومن ناحية أخرى تتفاوض مع إيران حول مشروعها النووي والذي ترفضه السعودية كما ترفضه إسرائيل.

ويبرر الدكتور المناعي هذا التفاوض مع إيران بأنه أمر فرضته الوقائع والأحداث وأنه لو لم يدخلوا في مفاوضات معها لتمكنت إيران من صنع قنبلتها الذرية منذ أربع أو خمس سنوات مضت وأن الأمريكيين والمخابرات الغربية كلها تدرك هذا جيدا في حين قبلت إيران أن تتفاوض معهم من أجل أن يعترفوا بها كدولة إقليمية نافذة ويعترفوا أيضا بحقها في الاستعمال النووي السلمي.

وأوضح المناعي أن السياسة الأمريكية متلونة تضرب على كل الأوتار كما يقول ففي سوريا مثلا تعلن أنها مع الحل السلمي والرئيس باراك أوباما يعترف الآن انه لا حل للقضية السورية إلا مع بشار الأسد وهذا تراجع كبير في موقفها وفي نفس الوقت تساهم في عدّة أقطار في تشجيع الإرهاب وتدريب ما يسمونهم بـ “المعارضين المعتدلين” ويستمرون في دعم المقاتلين في سوريا لوجستيا واستخبارتيا وهذه سياسة معهودة ومعتادة لدى كل الدول الكبرى كما يرى الدكتور.

وفيما يتعلق بالتوتر الحاصل في الفترة الأخيرة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية فيقول المناعي أنه في الحقيقة توتر بين شخصي الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأنه يجب أن لا ننسى أن أمريكا هي المدعم الأول لإسرائيل على كل المستويات وأنها الضامن لاستمرارها  وكل الإسرائيليين مقتنعون بهذا وما حدث من مشاكل بين الطرفين مرده أنّ نتنياهو أراد إعادة انتخابه فتم له ذلك فيما أراد أوباما الخروج من مدته الرئاسية بشيء من الإنجاز فأنجز هذا الاتفاق مع إيران باعتبار أنه لا يمكن أن يدخل معها في حرب الشيء الذي خيّره أيضا مع سوريا متراجعا بذلك عن موقفه الأول وهذا الأمر لا يعجب الإسرائيليين  ولكنهم في الأخير سوف يقبلون به كما يرى محدثنا.

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

المرسوم عدد 55 لسنة 2022: تخوفات من خسارة المرأة التونسية لمكتسباتها

فادية ضيف كان اختيار تونس عاصمة “المرأة العربية ” لسنتي 2018 و 2019 و عاصمة …