لكم ليبياكم ولي ليبياي (حُكمُ طرابلس…عفوُ طُبرق)

أحمد الفيتوري

[لكم لُبنانكم ولي لُبناني
لكم لبنانكم ومعضلاته، ولي لبناني وجماله.
لكم لبنانكم بكل ما فيه من الأغراض والمنازع، ولي لبناني بما فيه من الأحلام والأماني. – جبران خليل جبران].

  • ليبيا قذافيستا!
    جمع”معمرالقذافي” مجموعةً صغيرة من الكُتاب في بيت”عبد السلام الزادمة”، وكُنت من بينهم و”الصادق النيهوم”، وساعة إعداد الشاي من قبل “الزادمة” كان “النيهوم” يتحدث مع “القذافي” دون كلفة قائلا: يا خي معمر لو تمشي معاس إلى سويسرا والله ما يعدل عليك حد ولا حد يعرفك. فقاطعه “الزادمة”: ما تلعبش بعشانا يا صادق.

«… قاطعه» الزادمة: «ما تلعبش بعشانا يا صادق»

في هذا الحوار والجلسة- ما استغرقت ساعات- كنت أتأمل الطاغية، وكيف يتعامل معه المقربون منه بهذه الأريحية، لاحظتُ أن هذا كما محاولة منه أن يُطلق العنان لمن ينبهه بين الحين والآخر، كي لا يشتط به مرضه «البارانويا: جنون العظمة»، وليكون واقعيا كي لا يسهو فتشبُّ به فرس السلطة وتطيحه، وذلك يحدث رغم أن القذافي بحكم تكوينه المتواضع كان يحتقر أقرب المُقربين له، وبهذا شهد بعضهم.

جنون القذافي من بنية الشخصية فهو عند نفسه: العظيم من منحته الاقدار شعباً متواضعاً بل لا قيمة له (وقد أشار إلى هذا القدر في إحدى خطبه)، وهذه الحالة أصابت الولد المُفرد لأسرةٍ معوزة من وادي جهنم، منذ أن أصبح صاحب السلطة والثروة والسلاح في العقد الثالث، أي مقتبل العمر. ومن هذا كان يُذِل هذا الشعب من به يحصل على سلطته وجبروته، كما لو كان هو «سيزيف» والشعب الليبي «الصخرة» ووجوده في أن يحمل هذه «الصخرة»، هذا كان يذله أو كما «غرغرينا» روحه، خاصة وأنه في الغرب والإقليم اعتبر «دون كيخوته محارب طواحين الهواء»، وعليه استخدم تمرده هذا كما جنون دون كيخوتة لتأدية بعض المهام، وكشخصية مكبوتة ومحافظة ظهرت سلطته فظة وفاجرة معا، «لأن موقفه الكئيب من العالم قد تشكل بفعل مطالبه القاسية من نفسه».

لقد لاحظت أن عقودا أربعة من هذا كما لو جعلته وباء فانتشر بين الليبيين إلا من رحم ربي، فبات أغلبهم يعتقد أن الشعب الليبي لا قيمة له وكل فرد يرى في نفسه أنه مُبتلى به، وإن لم يفصح عن ذلك لأنه بالطبيعة ليس القذافي من قدر له أن يفصح عن بلواه!، لكن هذا المصاب يفصح عنه في الجلسات الخاصة رجال ساسة وسلطة- ما بعد فبراير- وأتباعهم من سقط المتاع. ومن هذا لا تجد من الليبيين، إلا من رحم ربك، من يذكر لك ليبيا آخر بأنه مميز، وقد تم مؤخرا حصر المسألة الليبية في رئاسة الحكومة التوافقية: من يكون رئيس الوزراء ومن الوزراء؟، وكل يرى في نفسه من سيأتي بالثعلب من ذيله، لقد ألبس القهر بعض المقهورين حالة قاهرهم، رغم أنهم في بداية “انتفاضة فبراير” استمدوا وعيهم الوطني من الوجدان المُناهض لنظام القذافي، ولقد بات بعض المناهضين لعقود العسف يبررونه أمام مصابهم الراهن، رغم أنهم يدركون بعقولهم أن فاشية اليوم لا تبرر فاشية الأمس، ولهذا لم نجد من يجرؤ فيفصح بمديح “بالبو” مثلا فما بالك بموسوليني.

«جنون القذافي من بنية الشخصية»

  • ليبيا هذر!
    الروح الاستعلائية والحس الانتهازي تُعللان جلد الذات، وتدفعان حالة الانهزام إلى اعتبار أن مُصابنا كامن في الجينات الفاسدة للشعب، الشعب الذي يُقاتل ويُناهض الإرهاب وقوى الظلام، والذي قدم التضحيات لعقود وقام بثورة مجدها هؤلاء، نفس الذين الآن يعتبرون الليبيين شعباً غير لائق بل ولا يستحق الحياة، إنهم لا يرون الليبيين الذين في حالة حرب ضد الفصيل الفاشي سواء كان من السبتمبريين أو ممن لبسوا لبوس الدين، بل يرون فقط الفصيل الفاشي، أما النساء والرجال من يقامون في الداخل والخارج هذه الهجمة الهمجية الإرهابية الدولية فليسوا يستحقون النظر، ولا ينظرون إلى من قدموا أرواحهم ومن أرواحهم على أكفهم من أجل بلاد أمن ودولة مدنية، خاصة وأنهم يعانون من العُسر ومن قلة الدعم.

إن من لا يعتبر ذلك يجعل من ليبيا هذرا لا معنى له، ومنهم من يسقط في فخ التسليم بإرادته لألعاب سياسية مارسها القذافي، ويمارسها كل الفاشيين: إهدار طاقة الخصم في التفاصيل والأعيب الحواة، ومبدأ «غوبلز» المزيد من الأكاذيب، ما عشناه لعقود كما عاشهُ أغلب العرب. كان القذافي دائما ما يعمل على إلهائنا بشبكة لا تنتهي من الصراعات والقوانين والفتاوى وبيانات الوحدة العربية والمالطية والأفريقية… إلخ، ودائما يمارس عمليتهُ المفضلة: الهروب إلى الأمام.

هكذا مارس ورثة القذافي «بوسهمين وجماعته» نفس السياسة فبدوا وكأنهم الحصافة بذاتها، لمجرد كونهم يلعبون لعبة القانون والمحاكم!، وفي كل مرة يظهرون بـ«حزورة» جديدة تحتاج إلى الحواة من ساسة وقانونيين لتفسيرها وتأويلها، وبهذا يمدون جهنم الميديا بالحطب، ويتمكن البعض من الظهور على الشاشات مقابل 200 دولار للطلعة الواحدة.

«… وكشخصية مكبوتة ومحافظة ظهرت سلطته فظة وفاجرة معا»

بذا ظهر وكأنما «مؤتمرهم» الفاعل و«مجلس النواب» صاحب رد الفعل، وكأنما ما يعرض مباراة «كرة قدم» في الملعب «ليبيا» ومرمى في «طبرق» ومرمى في «طرابلس»، وما يحدث على الأرض وفي الواقع في «الصابري وسوق الحوت والليثي» وفي «سرت» وفي «درنة» وفي «أوباري» وفي «مصراته وصبراته»… إلخ، هو أعظم وما سيحدث الأعظم.

  • ليبيا
    لتدارك ذلك من المهم الآن أن تكون لمجلس النواب مسودته ومبادرته في كل الأحوال، وكما بدأ في لحظة تاريخية باتخاذ زمام المبادرة بالاجتماع في طبرق، هو الآن أحوج لأن يكون صاحب المبادرة، ومن ذلك عقد «جلسة تاريخية»، يعلن من خلالها مبادرة المجلس لليبيين والعالم، في مقر مجلس النواب «بنغازي»، قد تكون أيضا خطوة للخروج من الحرب، إن لم تكن الخطوة الأولى نحو السلام.

ونعلم أن مجلس النواب هو مبادرة الليبيين من أجل دولة مدنية، قاتلوا ويقاتلون من أجلها رغم أن كل المعطيات كانت تقول عكس ذلك.

بوابة الوسط

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

النظام القانوني لتصنيف العقارات

الاعداد : معز بسباس متفقد رئيس للديوان الوطني للملكية العقارية ( فرع المنستير ) 1- …