تعيش ليبيا هذه الايام ازمة تعكس انهيار مؤسساتها وصراعات دموية حادة بين ميليشياتها جاءت مؤشرا على دخولها “رسميا” الحرب الاهلية في حين يقف المجتمع الدولي متفرجا، بينما تتدخل دولا عربية الى صالح هذا الطرف او ذاك بالمال والسلاح والطائرات الحربية، والشعب الليبي هو الخاسر الاكبر دون اي نقاش.

دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند (الخميس) الامم المتحدة الى “تنظيم” دعم استثنائي للسلطات الليبية لمساعدتها على اعادة هيبة الدولة ونفوذها، محذرا في الوقت نفسه بأن عدم تحقيق تلك الخطوات سيؤدي الى انتشار الارهاب في المنطقة برمتها.

كلام المستر هولاند بليغ ومعبر، وتحذيراته في محلها من اتساع خطر الارهاب في حال عدم عودة سلطة الدولة، ولكن السؤال هو عن اي دولة يتحدث، وعن اي سلطة التي يريدها ان تستعيد نفوذها وهيبتها؟

في ليبيا الآن جناحان للسلطة، لكل منه مؤسساته وميليشياته، الاول: برلمان طبرق، ومعه حكومة عبد الله الثني، ورئيس اركان الجيش اللواء عبد الرزاق الناظوري، والثاني المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، ومعه رئيس حكومة الانقاذ الوطني شكلها مرشحه السيد عمر الحاسي، وذراعه العسكري جاد الله العبيدي رئيس اركان الجيش الذي فصلته حكومة برلمان طبرق.

ميليشيا “الصواعق” و”القعقاع″ التي تتبع كتائب الزنتان تؤيد برلمان طبرق المنتخب، واللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يقود حاليا “معركة الكرامة” في مواجهة التيار الاسلامي المتشدد بزعامة انصار الشريعة، بينما تدعم ميليشيا “فجر ليبيا” التي احتلت مطار طرابلس المؤتمر الوطني اي البرلمان المؤقت، وتعتبر الذراع العسكري “لدولة مصراته” وانصار الشريعة وغرفة ثوار ليبيا.

دولة قطر تدعم الاسلاميين وانصار الشريعة وميليشيات مصراته والجبهات والقوى المتفرعة عنها، بينما تدعم كل من دولة الامارات العربية المتحدة ومصر كتائب الزنتان والبرلمان المنتخب الذي يضم اغلبية ليبرالية واقلية اسلامية متشددة.

واكدت تقارير نفتها البلدان بشدة، انطلاق طائرات اماراتية من طراز (اف 16) من قواعد عسكرية مصرية، في مرسى مطروح بقصف تجمعات ومخازن ذخيرة لميليشيا “فجر ليبيا” اثناء الحرب للاستيلاء على مطار طرابلس ودمرتها لمصلحة كتائب الزنتان.

المجتمع الدولي، وبتحريض من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة استصدر قرارا عن مجلس الامن الدولي يحمل رقم 1973 يقضي بالتدخل عسكريا لفرض حظر جوي لانقاذ ليبيا من مجازر مفترضة يستعد للاقدام عليها نظام العقيد معمر القذافي وكتائبه، وجرى تطوير هذا القرار من فرض حظر جوي الى اسقاط النظام وتغييره وهكذا كان.

المجتمع الدولي نفسه، ومعه الدول التي تدخلت عسكريا في اطار حلف الناتو اصدر قرارا قبل ثلاثة ايام بفرض عقوبات على الميليشيات المسلحة، ولكن لم يقل كيف سيطبق هذه العقوبات وعبر اي آلية.

ليبيا انتهت كدولة، والحرب الاهلية التي اشتعلت فيها ستتطور الى الاسوأ، والانقسامات السياسية والقبلية الحالية ستتفاقم، و”الارهاب” الذي جاء نتيجة للتدخل العسكري الدولي سينتشر في كل انحاء ليبيا وسيفيض على دول الجوار في الشرق (مصر) والغرب (تونس والجزائر) والجنوب تشاد ومالي والنيجر ونيجيريا.

تغيير الانظمة بالاعمال العسكرية امر سهل، وتفكيك الدول ومؤسسات حكمها وحل جيوشها امر ممكن ايضا، لكن اعادة بنائها، واقامة مؤسساتها، وتنصيب حكومات مركزية قوية من سابع المستحيلات، في المستقبل المنظور على الاقل، ولنا في ليبيا واليمن والعراق وربما سورية قريبا العبرة.

“راي اليوم”

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

النظام القانوني لتصنيف العقارات

الاعداد : معز بسباس متفقد رئيس للديوان الوطني للملكية العقارية ( فرع المنستير ) 1- …