الأربعاء , 6 نوفمبر 2024

الإرهاب لنشر الفوضى الخلاقة من مصر إلى الخليج العربي: واشنطن تحاول تجنب عثرات جديدة لمشروع الشرق الأوسط الجديد..

بقلم عمر نجيب

 قال محللون وكرروا قبل عقود أثناء الحرب العالمية الأولى ما بين 1914 و 1918 ومرة ثانية خلال الحرب العالمية الثانية 1939 و 1945 ومرة ثالثة خلال الحرب الباردة ما بين 1945 و 1991 أن مصير الصراع بين القوى الكبرى على منطقة الشرق الأوسط سيحدد مستقبل التوازن في العالم والدول التي ستتمكن من التحكم في توجيه لعبة الأمم لآجال مستقبلية ولمدد متفاوتة.


شكل الحصار الدولي الذي فرض على العراق بعد حرب الخليج الثانية سنة 1991 الذي اكتمل باحتلاله في 9 أبريل 2003 جزء من الفصل الجديد لمحاولة إخضاع المنطقة للاستعمار والهيمنة الصهيوأمريكية بأساليب محسنة مقارنة مع ما كان قد اتبع في السابق خاصة خلال النصف الثاني من القرن العشرين. طورت الإدارة الأمريكية ومن يدور في فلكها وخاصة ضمن حلف شمال الأطلسي وفي غيبة معارضة فعالة من جانب موسكو وبكين، إستراتيجية تعتمد على أسلحة متعددة لعل أهمها تشكيل قوى موالية داخل دول المنطقة توفر نشاطاتها عن وعي أو بدونه منفذا لإسقاط دول المنطقة تحت هيمنة الاستعمار في صورته المحسنة، وهو ما وصفه البعض بأحد أوجه الحرب الناعمة التي تفرز الفوضى الخلاقة.
شكل ركوب واشنطن حركة التطور الطبيعية في المنطقة العربية خاصة منذ سنة 2011، وتحويلها إلى فوضى خلاقة تحت غطاء الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية حقوق الأقليات إلى غير ذلك، بالتعاون مع تركيبة من القوى السياسية وتنظيمات المجتمع المدني الممولة من جانب البيت الأبيض قمة المنحنى البياني لتطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد. حتى منتصف سنة 2013 قدرت التقارير المقدمة إلى ساسة البيت أن مخطط المحافظين الجدد سيبلغ منتهاه بنهاية سنة 2016 أو بداية سنة 2017، حيث ستنتهي عملية رسم خريطة جديدة للمنطقة، بحيث تقوم فيها ما بين 54 و56 دولة متنازعة فيما بينها على أسس عرقية ودينية وطائفية ومناطقية.

العثرة

المشروع عرف عثرة كبيرة في 30 يونيو 2013 بمصر حيث فرضت انتفاضة 28 مليون مصري على الجيش التدخل لإبعاد حركة الإخوان من السلطة. التحول الذي حدث في القاهرة في 3 يوليو 2013 أوقف مشروع الزج بقوات مصر وبالتحالف مع تركيا ودول أخرى في الحرب الدائرة على أرض الشام لإسقاط النظام القائم في دمشق ثم تقسيم سوريا ولبنان والعراق على أساس ديني وعرقي، دولة كردية في شمال العراق وشمال شرق سوريا ودولة علوية وسط غرب سوريا ولبنان ودولة سنية وأخري شيعية فيما يتبقى من الأقطار الثلاث. وفي مرحلة لاحقة كان يخطط وبعد نشر الفوضى الخلاقة في مصر على شاكلة ما يحدث في العراق وسوريا تقسيم أرض الكنانة إلى أربع دول، دولة قبطية وأخرى مسلمة ودولة النوبة وأخيرا دولة سيناء حيث يتم إنشاء وطن بديل للفلسطينيين بالاندماج مع قطاع غزة. بعد ذلك كان توسيع نطاق نار التقسيم أسهل إلى كل دول الشرق الأوسط الكبير خاصة بعد أن نجح الاستعمار الجديد في بث سموم الفرقة والتقسيم وإن كان من تحت البساط، وتحت شعارات خادعة تبدوا أحيانا غير خطرة.
خلال الربع الأخير من سنة 2013 حذرت تقارير رفعتها إلى البيت الأبيض أجهزة المخابرات ومكتب الأمن القومي الأمريكي والمدعمة بدراسات أجرتها مؤسسات بحث في مقدمتها كارنغي ومؤسسة فورد والمعهد الديمقراطي الوطني وبيت الحرية ومعهد واشنطن ومعهد بحوث السياسات الأمريكية ومركز راند للأبحاث والتطوير الذي أسسته وزارة الدفاع الأمريكية ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية “كير” وغيرها، حذرت من خطر انهيار البرامج الأمريكية في الشرق الأوسط ليس فقط بسبب تطورات كالتي وقعت في مصر بل كذلك بسبب شروع روسيا في مواجهة السياسية الأمريكية والغربية في كل مناطق العالم وأوروبا الشرقية والشرق الأوسط بشكل خاص.
بالنسبة للمنطقة العربية ركزت التقارير السابق ذكرها كما أفادت مصادر رصد أوروبية، على أن مفتاح المواصلة الناجحة لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي سيكون من ثمراته إنهاء القضية الفلسطينية عن طريق الوطن البديل وتأمين إسرائيل، يتطلب عكس التطور الذي حدث في مصر في 3 يوليو 2013 وإسقاط النظام السوري ومنع المقاومة العراقية من سد الفراغ الناتج عن الصراعات المتعددة التوجهات التي تعرفها المنطقة.
وأكد المحللون والباحثون بشكل مشترك أن إخلال التوازن والاستقرار الأمني في دول شبه الجزيرة العربية وخاصة الدول الداعمة اقتصاديا لمصر سيكون ضروريا لنجاح السياسة الأمريكية، وأضافوا أن التضارب أو الخلاف القائم في بعض مراكز القرار بدول مجلس التعاون الخليجي سواء تجاه الحرب الدائرة على أرض الشام أو الصراع في اليمن حيث ساهم البعض في إسقاط الرئيس على عبد صالح يسهل مهمة التأثير الفعال على اختيارات دول الخليج.

السيطرة على العالم

يجمع خبراء وباحثون في دراسات الشرق الأوسط والعلاقات الدولية أن مراكز البحث عن القرار حول العالم ما هي إلا أداة في يد الساسة وصناع القرار، مؤكدين أن نشأتها في الغرب جاءت في الأساس للسيطرة على العالم خصوصا منطقة الشرق الأوسط.
يقول “جيمس ماك جين” أحد زملاء معهد بحوث السياسات الأمريكية عن مراكز الأبحاث الغربية: “إن النهم للمعلومات والتحليل المنهجي سيمة مركز مثل “راند”، حيث صارت هذه المراكز بمثابة المصدر الرئيسي ليس فقط للتزود بالمعلومات، بل لوضع وتقرير أجندة السياسات. وتابع: “تبدو خطورة هذه المراكز البحثية في أمرين أساسيين: أولا، كونها ترتدي ثوب الحياد الأكاديمي وترفع شعار المصالح الوطنية الأمريكية أمام منتقديها، وثانيا، هو التأثير المتزايد الذي تمارسه علي السياسة الخارجية الأمريكية.
أما عن تمويلها، فإن مصدر دخلها الأول من أموال وقفية عن طريق بيت الحرية ذات الصلة الوثيقة بجهاز المخابرات المركزية الأمريكية منذ عام 1941 والتي كان يدعمها بشكل مباشر الرئيس الأمريكي وقتها فرانكلين روزفلت وهو نفس الرئيس الذي استضاف في عام 1942 المؤتمر الصهيوني بحضور دافيد بن غوريون وتم الإعلان في هذا المؤتمر عن أحقية اليهود في وطن قومي على أرض فلسطين.
وقد أوضحت “إستراتيجية الأمن القومي” لعام 2010 والتي جددت لاحقا بتركيز أكبر على روسيا، تفاصيل رؤية الإدارة الأمريكية الإستراتيجية لأمن الولايات المتحدة، وهي الرؤية التي تستقي من جميع عناصر القوة الوطنية لضمان المصالح الأمريكية، بما في ذلك اتباع نهج متعدد الجوانب يهدف إلى التعاطي مع شركاء خارجيين. ووفقا لهذه الوثيقة، سيتم استخدام القيادة العالمية للولايات المتحدة لمتابعة قائمة طويلة من المصالح الأمريكية.
وقد كانت أيضا “إستراتيجية الأمن القومي” لعام 2010 الأولى من حيث دمج استخبارات الأمن القومي والداخلي. وبالنسبة للتحديات التي يثيرها هذا النهج ذكر مساعد وزير الأمن القومي الأمريكي تود روزنبلوم في ذلك التاريخ أن “الميدان الناشئ للأمن القومي” ومهمة “تزويده بدعم استخباراتي” يمثلان التزاما معقدا “يختلف بصورة جوهرية عن الاستخبارات الخارجية وتطبيق القانون والأمن القومي التقليدي“.

استهداف تخريبي

كتب محلل سعودي يوم الأحد 8 فبراير 2015: من الملاحظ، وفي الأيام الأخيرة، أن هناك استهدافا لمصر، وعلى مستويات مختلفة. ومن الواضح أيضا أنه منذ وفاة الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، وتسلم الملك سلمان بن عبد العزيز لسدة الحكم فإن هناك ماكينة إعلامية تعمل للتشويش على العلاقة السعودية المصرية.
ميدانيا، وفي مصر، هناك تصعيد إرهابي على الأرض وضد الجيش الذي يعد العمود الفقري للدولة، وهو، أي الجيش، المؤسسة التي تصدت لاختطاف الإخوان المسلمين للدولة المصرية، وبالتالي فإن ما يحدث على الأرض هناك هو محاولة لتصوير الوضع المصري بالفوضى، من ناحية، والأمر الآخر تعطيل عجلة التنمية، والقول بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي يتعرض إلى فشل، وفوق هذا وذاك، وهذا الأخطر، محاولة استفزاز الجيش المصري على أمل أن يقوم برد فعل عنيف من شأنه إثارة الداخل، أو استفزاز المجتمع الدولي!
والأمر الآخر، الذي يكشف محاولات استهداف مصر، هو الترويج بأنه بعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز فإن السعودية ستتخلى عن مصر الحالية، وتغير نهجها، وستباشر التعامل مع الإخوان المسلمين، وغيره من هذه التضليلات الإعلامية المقصودة.

نظرية المؤامرة

الحديث عن حملة منظمة لاستهداف الأطراف المعرقلة لتنفيذ جزء من المشروع الأمريكي ليس مبالغة ولا وليد تعلق غير منطقي بنظرية المؤامرة. يوم الخميس 5 فبراير 2015 ذكرت صحيفة ليزيكو الفرنسية ان باريس على وشك الاتفاق مع القاهرة على آلية لتمويل شراء مصر 24 مقاتلة من طراز “رافال” وفرقاطة متعددة المهام من طراز “فريم” في صفقة تقدر قيمتها بما بين خمسة وستة مليارات يورو شرع في التفاوض بشأنها قبل أشهر.
وأضافت صحيفة “ليزيكو” على موقعها الالكتروني أن وزارة المالية الفرنسية وافقت على ان تقوم الهيئة الفرنسية لتأمين التجارة الخارجية “كوفاس” بضمان هذه العقود بنسبة تناهز 50 في المئة من قيمتها.
وكانت القاهرة قد طلبت من باريس، بحسب الصحيفة، أن تصل نسبة الضمان هذه إلى ما بين 80 و90 في المئة بدون الدفعة الأولى، إلا أن وزارة المالية الفرنسية رفضت ذلك.
وقالت الصحيفة أن “الوفد المصري الذي وصل إلى باريس مطلع فبراير أبقى على رغبته في شراء حوالي 24 رافال وفرقاطة واحدة، ووافق على ان يدفع أكثر بقليل مقابل أن تغطي ضمانة كوفاس حوالي 50 في المئة من العقود، وهو ما وافقت عليه باريس أو أنها على وشك الموافقة عليه“.
وردا على سؤال لوكالة فرانس برس رفضت شركة داسو للطيران التي تصنع مقاتلات رافال التعليق على هذه المعلومات.
وبحسب الصحيفة الفرنسية فانه بعد توقيع الاتفاق يمكن تشكيل مجموعة من المصارف المعتمدة يتوقع ان يكون في عدادها “بي ان بي باريبا” و”سوسييتيه جنرال” و”كريديه اغريكول“.
مصادر رصد أوروبية ذكرت أن واشنطن تفرض ضغوطا متعددة الاتجاهات من باريس إلى الأمارات العربي والسعودية لعرقلة الصفقة، مضيفة أن هناك عملية إبتزاز من جانب حكومة واشنطن على بنك باريبا والمتعلقة بغرامات.
ومؤخرا قال الرئيس التنفيذي لبنك بي إن بي باريبا في مذكرة كتابية وزعت على العاملين إن البنك الفرنسي سوف يسدد غرامة هائلة تفرضها عليه السلطات المالية الأمريكية. وأضاف جان لوران بوناف في المذكرة الداخلية “لأكون واضحا معكم، سوف توقع علينا عقوبات قاسية“.
ومن المتوقع أن تصل الغرامة الموقعة على العملاق المصرفي الفرنسي إلى 8900 مليون دولار على خلفية ادعاءات بانتهاكه القواعد الخاصة بالعقوبات.

تلميحات نووية

أسلوب الابتزاز والضغط الأمريكي موجه كذلك مباشرة إلى الرياض، يوم 3 فبراير كتب سايمون هندرسون مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن في تقرير: من المرجح أن تؤدي الزيارة التي قام بها رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية إلى السعودية، إلى تنامي القلق في واشنطن وعواصم رئيسية أخرى بأن السعودية وباكستان قد أعادتا التأكيد على الترتيب القائم بينهما وبموجبه تقوم باكستان، إذا طُلب منها ذلك، بتزويد السعودية برؤوس نووية. وكان الاجتماع الرئيسي في قائمة زيارة الجنرال رشيد محمود سلمان مع العاهل السعودي الملك سلمان وحول المواضيع التي تمت مناقشتها أفادت التقارير بأنه جرى خلال الاستقبال التأكيد “على عمق العلاقات القائمة بين البلدين… إضافة إلى استعراض عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك”. وبشكل منفصل، التقى الجنرال رشيد أيضا مع وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان وكذلك مع ولي ولي العهد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف ووزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله. ويبدو أن المسؤول السعودي البارز الوحيد الذي كان غائبا من الاجتماعات هو ولي العهد الأمير مقرن.
على مدى عقود، كان ينظر إلى الرياض كمؤيدة للبرنامج الباكستاني للأسلحة النووية، بتوفيرها التمويل في مقابل ما يفترض على نطاق واسع بأنه تفاهم يتمثل بقيام إسلام اباد، إذا لزم الأمر، بنقل التكنولوجيا أو حتى الرؤوس الحربية. وكان يلاحظ أن التغييرات في القيادة في أي من البلدين سرعان ما كان يتبعها عقد اجتماعات على مستوى عال، كما لو كانت اللقاءات تأتي من أجل التأكيد على هذه الترتيبات النووية.
في عام 1999، وبعد عام من قيام باكستان باختبار اثنين من أسلحتها النووية، زار وزير الدفاع السعودي آنذاك الأمير سلطان بن عبد العزيز الموقع الباكستاني الذي جرت فيه عملية التخصيب بالطرد المركزي في كاهوتا خارج إسلام أباد مما أدى إلى احتجاج دبلوماسي أمريكي. وفي عام 2014، وبينما ازداد قلق الرياض من احتمال فرض هيمنة نووية إيرانية في الخليج، كان رئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال رحيل شريف ضيف شرف عندما استعرضت السعودية علنا صواريخها الصينية من طراز CSS-2، وذلك للمرة الأولى منذ تسليمها في ثمانينيات القرن الماضي.
وفي 23 يناير 2015، زار رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، السعودية للمشاركة في جنازة الملك عبد الله وكان قد زار البلاد أيضا قبل ذلك بأسبوعين لتقديم احترامه إلى العاهل السعودي المريض. وكانت تربط الزعيم المدني وقادته العسكريين علاقة شاقة فعندما كان نواز شريف في منصبه في وقت سابق، أطيح به في انقلاب عسكري وأُرسِل إلى المنفى في المملكة العربية السعودية، إلا أن البرنامج النووي الباكستاني هو على ما يبدو فوق أي تحزب مدني وعسكري.
وتأتي الزيارة التي قام بها الجنرال رشيد بعد يوم من إعلان باكستان عن إجراء اختبار ناجح على صاروخ كروز يطلق من الجو باسم “رعد” ومداه 220 ميلاً، يقال أنه قادر على حمل رؤوس حربية نووية وتقليدية بدقة بالغة.
وبينما ترأس العاهل السعودي أول اجتماع لمجلس وزرائه كرئيس للحكومة في الثاني من فبراير، أعلن الملك سلمان بأنه لن يكون هناك أي تغيير في السياسة الخارجية السعودية. وبطريقتها الخاصة، يبدو أن الاجتماعات رفيعة المستوى التي عقدت مع الوفد العسكري الباكستاني في الثالث من فبراير جاءت لكي تؤكد هذا الإعلان، وربما لتضيف المزيد من المضاعفات المربكة لجهود وسياسة إدارة أوباما“.
مصادر رصد أوروبية ذكرت كذلك أن الإدارة الأمريكية حذرت بشكل ملتوي كل من السعودية والإمارات والكويت من أن مساهمتها في تعزيز القدرات العسكرية والاقتصادية المصرية ومشروع بناء مفاعل نووي مصري في منطقة الضبعة قرب القاهرة سيؤثر سلبا على مشاريع الدول الخليجية الثلاث، فالرياض تخطط لامتلاك 16 مفاعل نووي عام 2030 والإمارات تخطط لإنشاء أول محطة نووية عام 2017 بينما تنوي الكويت الشروع في بناء مفاعل نووي عام 2015.

استهداف الإمارات

من المسلم به عالميا أن إدارة واشنطن بارعة في صنع أدوات الإبتزاز، يوم 6 فبراير 2015 قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إن الرؤساء التنفيذيين لأكبر 3 شركات طيران في الولايات المتحدة طلبوا من حكومة واشنطن تعديل أو إلغاء معاهدات الطيران الجوي السنوية مع الإمارات، وزعموا أن الدعم الذي تتلقاه شركات “طيران الإمارات” و”الاتحاد للطيران” من حكومتها “تشوه النقل الجوي العالمي“.
وزعم رؤساء “أمريكان إيرلاينز غروب”، و”يونايتد كونتينيتال هولدينغ” و”دلتا إيرلاينز” أن الشركات الخليجية تلقت مساعدات ودعما ماليا بقيمة 3 .36 مليار دولار منذ عام 2004 مصحوبةً بمزايا أخرى مثل الإعفاءات الضريبية والحسومات على رسوم البنى التحتية في المطارات المحلية.
وفي تقرير ملخص يتكون من 55 صفحة وزع على المسؤولين في إدارات النقل والخارجية والتجارة الأمريكية، قالت الناقلات الأمريكية إن رحلاتها من الوجهات الخليجية إلى أمريكا لم تشهد أي زيادة تذكر في حركة المسافرين، حيث فقدت حصتها في السوق لصالح الشركات الأجنبية.
من جانب آخر ومنذ شهر نوفمبر 2014 يشن مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية “كير” هجوما منظما على الإمارات ويحاول أن يقدمها للرأي العام الأمريكي كداعم للإرهاب ومناهض للتطورات الديمقراطية في المنطقة العربية، في حين تروج وسائل إعلام أمريكية معروفة بأنها تعكس آراء المحافظين الجدد لإطروحات حول قرب تفكك الإمارات والسعودية.
يذكر أنه بتاريخ 30 سبتمبر 2013 وبعد شهرين من سقوط حكم الإخوان في مصر كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن خطة تقسيم 5 دول عربية إلى 14 دويلة، وبحسب الخريطة فأن السعودية وسوريا وليبيا واليمن والعراق هي الدول التي يشملها التقسيم المفترض. ونصت الخطة على تقسيم السعودية إلى خمس دويلات.

سياسة ملتوية

يوم 28 يناير 2015 أعلن في العاصمة الأمريكية أن مركز دراسة الإسلام والديمقراطية يستضيف مجموعة ممن سماهم معارضي الانقلاب العسكري، وأعضاء من البرلمان المصري في المنفى الذي يعقد جلساته في تركيا، وتيارات سياسية مختلفة.
وأكد المركز أن الهدف من الاجتماع ويحضره كيث هاربر سفير الولايات المتحدة في مجلس حقوق الإنسان مناقشة أحدث تقارير حقوق الإنسان في مصر، والتي وصفها بالقاتمة.
الوفد عقد لقاءات مع أعضاء الكونغرس وواضعي السياسات ومؤسسات الفكر والرأي وبعض الأوساط الأكاديمية.
وقد عقدت الاجتماعات تحت عنوان الطريق إلى الأمام لاستعادة الديمقراطية في مصر.
الناطقة باسم الخارجية الأمريكية، جين بساكي، حاولت نفي سعي واشنطن زعزعة استقرار مصر وقالت إن الوزارة أجرت لقاء مع عدد من البرلمانيين المصريين السابقين، وبينهم بعض الأعضاء من حزب “الحرية والعدالة” الذين كانوا في زيارة إلى الولايات المتحدة بدعوة من جامعة جورج تاون، واصفة اللقاء بأنه “روتيني”، كما اعتبرت أن الوفد “لا يمثل” جماعة الإخوان.
وأقرت بساكي أن زيارة الوفد إلى الوزارة شهدت لقاءات مع مساعدي وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل. وردت على سؤال حول قيام أحد أعضاء الوفد بوضع صورة له على حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي إلى جانب شعار الخارجية الأمريكية وهو يرفع شعارات حركة الإخوان بالقول إن الآلاف من زوار الوزارة يوميا يقومون بخطوات مماثلة.
وزير الخارجية المصري، سامح شكري، انتقد التبريرات الأمريكية، معتبرا التصريحات الصادرة لشرح تلك الخطوة “غير مفهومة”، كما اعتبر أن القاهرة لا يمكن تفهم “التواصل مع عناصر ضالعة في عمليات إرهابية لترويع المصريين“.
وذكر شكري بأن مصر سبق لها أن وضعت الإخوان على قوائم الإرهاب قائلا: “الجماعة ليست حزبا سياسيا، وإنما هي بحكم القانون المصري الذي يجب أن يحترم كما نحترم قوانين الآخرين موصفة بأنها منظمة ارهابية” متسائلا: “من الذي يضع هذه المفرقعات؟ ومن الذي له مصلحة في أن يضعها؟“.

شراكة في الإرهاب

لم يقتصر انتقاد السلوك الأمريكي على الجانب المصري حيث أن خبراء أمريكيين اعتبروا الأمر دعما للعنف، خاصة وأنه جاء بالتزامن مع تبرير جماعة الإخوان للجرائم الإرهابية التي شنتها عناصر ولاية سيناء “بيت المقدس سابقا”. فقد أكد آدم كريدو المحلل السياسي الأمريكي، أن جماعة الإخوان أصدرت بيانا بعد أيام من هذا اللقاء، وقبل يومين من الهجمات الأخيرة في سيناء، قالت فيه، إنهم دعوا إلى جهاد طويل في مصر لا مساومة فيه.
ويري صمويل تادروس، الباحث بمعهد هادسون بواشنطن، أن دعوة الإخوان للجهاد بعد يومين من مغادرة وفدهم واشنطن تعود بالفائدة على نظريات المؤامرة المناهضة لأمريكا، والتي أصبحت تتمحور حول شراكة مفترضة بين إدارة أوباما وجماعة ضالعة تاريخيا في الإرهاب، فيما طالبت الباحثة باميلا جيلير الرئيس باراك أوباما بأن يسارع بغسل يده من جماعة الإخوان المسلمين التي ستلحق أسوأ سمعة ممكنة بمكانة واشنطن الدولية، على حد تعبيرها، وأن يتعاون بدلا من ذلك مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أظهر جدية في حربه على الإرهاب ودعا بشجاعة إلى تطهير التراث الإسلامي من الأفكار الدخيلة التي تدعو إلى العنف، كما كان أول رئيس مصري يزور الكاتدرائية لتهنئة المسيحيين بأعياد الميلاد.
منتقدون آخرون أشاروا إلى أن الوفد قام بعقد عدة ندوات في واشنطن تحت رعاية “مركز دراسات الإسلام والديمقراطية، طالب خلالها المتحدثون بعودة الرئيس المخلوع محمد مرسي وعودة “الإخوان” إلى السلطة في مصر. المشهد يوضح أن أمريكا ما زالت تمد يد العون لجماعة الإخوان، وتقدم صورا من الدعم العلني لها مثل هذه اللقاءات العلنية زيادة على الدعم السري، وهي رافضة الاعتراف بأنها جماعة إرهابية، لها اليد الطولى فيما يحدث من إرهابٍ منظم هنا وهناك، خاصةً بعد تصاعد العمليات في شبه جزيرة سيناء وارتباطها الدائم بإشارات الجماعة إلى أن توقف ما يحدث مشروط بعودة حكمهم.
ويري مراقبون أن جماعة الإخوان أرادت عبر هذا اللقاء كذلك وعبر إجراء لقاءات ومشاورات مع مسئولي مركز كارتر، التشكيك في نزاهة الانتخابات البرلمانية القادمة، مطالبة بربط المساعدات الأمريكية الاقتصادية والعسكرية لمصر، بتنفيذ مطالبها.

أوامر الموت والفضائيات

إذا كانت إدارة واشنطن تحاول تبرير تواصلها مع جماعة الإخوان، فإن دعم حلفاء مقربين منها للجماعة يفضحها.
ففى خطوة لافتة، اعتبرت صحيفة “حريت” أوسع الصحف التركية انتشارا، الفضائيات المناوئة للدولة المصرية بمثابة منابر تنطلق منها أوامر الموت التي تستهدف رجال الشرطة والجيش معا.
وأشارت إلى أن شبكات رابعة ومصر الآن والشرق التي تبث برامجها الاخبارية من اسطنبول على مدار 12 ساعة يوميا باللغة العربية توجه تهديدات صريحة ضد الأجانب وتطالبهم بمغادرة مصر، وذلك قبل انعقاد المؤتمر الاقتصادى فى الفترة من 13 إلى 15 مارس بمدينة شرم الشيخ والذى ستشارك فيه أكثر من 120 دولة لجذب الاستثمارات الأجنبية المتوقعة قيمتها ما بين 10 و 12 مليار دولار.
وقالت حريت إن أنصار جماعة الإخوان من اسطنبول زادوا من تحركاتهم، وخاصة فى إطار توقعاتهم بحدوث تغيير كبير فى العالم العربى بعد وفاة العاهل السعودى الملك عبد الله بن عبد العزيز، مستشهدة فى ذلك بزيادة أعمال العنف عقب الهجمات الإرهابية فى سيناء.

زيارة بوتين

أكثر ما يزعج أصحاب تطبيق معادلة الفوضى الخلاقة في مصر، ليس فقط السند الخليجي بل الدعم الروسي.
جاء في تقرير مؤرخ في 6 فبراير وضعته آنا بورشيفسكايا الزميلة المساعدة في معهد واشنطن والزميلة في المؤسسة الأوروبية للديمقراطية:
في التاسع والعاشر من فبراير يزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مصر لعقد اجتماع ثنائي بناء على دعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ووفقا لبيان صادر عن الكرملين فإنه “سيتم في القمة المقبلة مناقشة العلاقات الثنائية على نطاق كامل، بما فيها العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية والإنسانية، كما سيتبادل الزعيمان وجهات النظر حول الوضع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة في العراق وسوريا وليبيا، وسيناقشان موضوع عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية”. وبالإضافة إلى ذلك، يقال إن موسكو تسعى إلى بناء محطة للطاقة النووية في مصر، كما أن الشركات الروسية تتطلع إلى دخول قطاع النفط والغاز في البلاد.
مع تراجع العلاقات الأمريكية المصرية بشكل حاد بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في يوليو 2013، بدأت العلاقات الروسية المصرية بالتحسن. فقد نما الارتياب المتزايد في القاهرة بسبب ما اعتبرته مصر تعاطي الولايات المتحدة مع جماعة الإخوان. ومن جهته، كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما منتقدا نوعا ما في كلامه حول هذا الانقلاب، ولكن ربما الأمر الأكثر أهمية هنا هو أن واشنطن أخرت من تسليم شحنات الأسلحة إلى مصر وحجبت المساعدات العسكرية وأوقفت في وقت لاحق الحوار الاستراتيجي الثنائي الناشئ.
وفي المقابل، أعرب الكرملين عن دعمه للقيادة المصرية الجديدة، كما وتبادل كبار المسؤولين عددا من الزيارات منذ ذلك الحين. وفي نوفمبر 2013، زار وفد مصري موسكو وشكر روسيا على دعمها لثورة 30 يونيو. وفي فبراير التالي، أيد بوتين بحماس ترشح المشير السيسي للانتخابات الرئاسية خلال لقائه به خارج موسكو، إذ قال له: “إنه لقرار مسؤول جدا أن تأخذ على عاتقك مسؤولية مصير الشعب المصري. بإسمي وباسم الشعب الروسي أتمنى لك حظا موفقا“.
ومع استمرار تدهور العلاقات الأمريكية المصرية، ابتعدت القاهرة على نحو متزايد عن الغرب باتجاه روسيا. وفي عام 2014، وقعت الدولتان مصر وروسيا بالأحرف الأولى على عقود لشراء أسلحة بقيمة 3.5 مليار دولار، وهي أكبر صفقة لهما منذ سنوات عديدة، وستقوم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بتمويلها. وقد أفادت التقارير أن العقد ينص على أن روسيا ستزود الجيش المصري بطائرات مقاتلة من طراز “ميغ 29″، ومروحيات هجومية من طراز “مي 35″، ومجمعات صواريخ الدفاع الجوي والذخائر والمعدات الأخرى. يذكر أن الحصول على المزيد من الطائرات المروحية أمر بالغ الأهمية بشكل خاص للحملة التي تقوم بها مصر ضد المتمردين. فالجيش يملك بالفعل عدة طائرات مروحية روسية، ووفقاً لأقوال الطيارين المباشرة، فإن هذه المروحيات مناسبة جدا لتلبية احتياجات مصر. ومع ذلك، لا يوجد أي دليل حتى الآن على أنه قد تم إتمام عملية البيع، ويعود ذلك على الأرجح لأن السعودية لم تقم بعد بدفع التكاليف.
يتقارب موقف موسكو من جماعة الإخوان من موقف الرئيس السيسي تجاهها. ففي فبراير 2003، حظرت “المحكمة العليا الروسية” الجماعة من العمل في الاتحاد الروسي واصفة إياها رسميا منظمة إرهابية.
وعلى العكس من ذلك، تعتقد مصر أن الولايات المتحدة قد تخلت عنها في معركتها ضد الإرهابيين. إذ صرح الرئيس السيسي في مقابلة أجراها مع صحيفة “واشنطن بوست” في أغسطس 2013 قائلاً: “أدرتم ظهركم للمصريين ولن ينسوا لكم ذلك”، وجاء هذا التصريح بعد وقت قصير من تجميد الرئيس أوباما تسليم طائرات من طراز “إف 16” كما كان مقررا وإلغائه مناورات عسكرية مشتركة. وبالنسبة إلى بعض المصريين، ظهرت واشنطن أيضا بأنها تقف إلى جانب مرسي. وفي يوليو 2013، أكد حسام الهندي، القيادي في حركة “تمرد” التي قادت حملة الإطاحة بمرسي، أن إدارة أوباما كانت تتعاون مع الإخوان المسلمين. وقد جاءت التقارير عن استضافة الرئيس أوباما ووزارة الخارجية الأمريكية عدداً من أعضاء الإخوان لتزيد من نظريات المؤامرة هذه.
وفي هذا السياق، يعزز موقف روسيا من جماعة الإخوان من مصداقية موسكو في نظر القاهرة، في حين يقلل من مصداقية الولايات المتحدة. فالكرملين لن ينتقد القاهرة بسبب نزعتها السلطوية، الأمر الذي يجعل العلاقات مع روسيا أسهل كثيرا من وجهة نظر مصر ويتيح خيارات أمام القاهرة إذا ما أصبح خيار واشنطن حرجاً للغاية.
يواصل بوتين الاستفادة من الغموض والتناقضات التي تظلل السياسات الغربية تجاه الشرق الأوسط، وبالتالي ينبغي أن تفسر زيارته إلى القاهرة من خلال هذا المنظور. بالإضافة إلى ذلك، يمر الاقتصادين الروسي والمصري في حالة ركود. فقد دخلت روسيا في ركود اقتصادي عميق بسبب تراجع أسعار النفط وفرض العقوبات الغربية التي أثارها ضم شبه جزيرة القرم في مارس 2014. أما في مصر، فإن مستوى الفقر والبطالة مرتفع وسط تهديدات الإرهاب والمعارضة الداخلية العنيفة. لذا من غير الواضح ما إذا كانت زيارة بوتين ستحقق خطوات ملموسة أو أنها ستقتصر على مجرد كلام.
ومع ذلك، فإن الرحلة قد تتيح لبوتين فرصا على عدة جبهات. فمن الناحية السياسية، تشكل هذه الزيارة إعلانا للغرب بأنه ليس معزولا على الساحة الدولية على أثر العدوان الذي يمارسه في أوكرانيا على الرغم من التصريحات الغربية التي تشير على عكس ذلك. وفي الواقع، قد يزيد الرئيس الروسي من زياراته الرسمية إلى البلدان غير الغربية في الأشهر المقبلة ليؤكد أنه زعيم عالمي قوي. وإذا ما توصل إلى أي اتفاقات ملموسة في القاهرة، فمن المؤكد أن ذلك سيدعم ادعاءه. وفي هذا الصدد، فإن إحراز أي تقدم في صفقة الأسلحة التي تبلغ قيمتها 3.5 مليار دولار هو أمر يجب الانتباه إليه“.

العلم

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

المرسوم عدد 55 لسنة 2022: تخوفات من خسارة المرأة التونسية لمكتسباتها

فادية ضيف كان اختيار تونس عاصمة “المرأة العربية ” لسنتي 2018 و 2019 و عاصمة …