الأربعاء , 11 ديسمبر 2024

التصرّف العشوائي في الزيوت المستعملة : نفايات خطرة تهدّد البيئة والمحيط

حماية من مخاطر الزيوت المستعملة : اتفاقية تعاون بين الشركة التونسية لمواد التزييت وشركة «عجيل»

 

هدى القرماني

تحت شعار »شراكة في خدمة البيئة« نظمت الشركة التونسية لمواد التزييت بالتعاون مع الشركة الوطنية لتوزيع البترول »عجيل« بمدينة سوسة مؤخرا يوما إعلاميا حول العمل المشترك بين الشركتين SOTULUB-AGIL لحماية المحيط من مخاطر زيوت التشحيم المستعملة وتدعيم منظومة  »ايكو-زيت« « ECO-ZIT ».

وقد حضر هذا الملتقى ممثلون عن كلّ من الشركتين إضافة إلى ممثلين عن الوكالة الوطنية لحماية المحيط والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات ووزارة الصناعة والمناجم والطاقة ووزارة البيئة.

وأفاد حمدي قزقز الرئيس المدير العام للشركة التونسية لمواد التزييت بأنّ هذا اليوم يندرج في إطار تثمين علاقة الشراكة الموجودة بين الشركة والشركة الوطنية لتوزيع البترول والتركيز على الالتزام البيئي للمؤسستين.

ولفت قزقز إلى أنّ الشركة قد حقّقت نتائج هامة جدا وتطورت بطاقات تونسية 100 بالمائة ولها رصيد تكنولوجي هام.

 

 

كما أبرز أنّ من بين أهداف هذا اليوم الإعلامي الوقوف على مخاطر الزيوت المستعملة على البيئة والفلاحة وصحة الإنسان عبر الاستعمال غير النظيف لهذه الزيوت أو إهمالها في الطبيعة ما من شأنه أن يؤثر على حياة الأجيال الحاضرة والقادمة.

وشدّد محدثنا على ضرورة أن يلتزم الجميع بوضع هذه الزيوت في مسارها الصحيح وتحويلها إلى الشركة التي تعيد تكريرها ومنحها حياة جديدة على حدّ قوله مضيفا أنّ هذا من شأنه ان يدعم الاقتصاد الوطني من حيث الحدّ من توريد الزيوت ومن استعمالات العملة الصعبة.

وأشار قزقز إلى أنّ الشركة منذ انطلاق نشاطها سنة 1979 قامت برسكلة أكثر من 400 ألف طن من الزيوت المستعملة معتبرا ذلك بالنتيجة المشرفة جدا وتمكنت بإمكانياتها وبتطوير المنظومة من تجميع ما يقارب الـ 60 بالمائة من الزيوت القابلة للتجميع لافتا إلى أنهم يعملون على تطوير هذه النسبة . أما فيما يتعلق بالتصنيع فيمكن تغطية ما يقارب الـ 30 بالمائة من حاجيات السوق من الزيوت في الاستعمالات الصناعية والميكانيكية.

هذا وتقوم الشركة بتوفير حاويات لمحطات “عجيل” قصد تجميع الزيوت إثر تفريغ السيارات ومن ثمّ تحويلها إلى المصنع.

 

من جانبه أكّد سامي بن ذيب المدير العام المساعد للشركة التونسية لتوزيع البترول أنّ البعد الأساسي لهذا الملتقى هو البعد البيئي والذي يترجم مسؤوليتهم كمؤسسة وطنية مسؤولة وملتزمة تجاه البيئة.

وشدّد بن ذيب على ضرورة أن يكون هناك وعي بخطورة مادة الزيت المستعمل على البيئة وعلى تلوث الماء والتربة لافتا إلى أنهم يعاضدون كلّ المجهودات، وفي إطار اتفاقية مع الشركة التونسية لمواد التزييت، من أجل رسكلة ومعالجة هذه الزيوت بطريقة علمية صحيحة.

وأضاف بأنّ “تونس تشكو اليوم من مشكل الاستعمال العشوائي للزيت المستعمل والحال أنّ هناك مسارا منظما مشيرا أنّ كيفية الاسترجاع والرسكلة والمعالجة لهذه الزيوت قد ضبطت بقوانين ودور الشركة التونسية لمواد التزييت كهيكل رسمي وطني القيام بهذه العملية. أما نحن كشركة “عجيل” وجميع محطات توزيعها فدورنا توعية وتحسيس وكلاء المحطات لنصل إلى الهدف الأخير من كلّ هذا ألا وهو الحفاظ على بيئة سليمة لنا ولأجيالنا القادمة”.

 

 

الزيوت المستعملة نفايات خطرة على الصحة والمحيط

 

تعتبر الزيوت المستعملة من النفايات الخطرة على الصحة والمحيط وتتعدّد المصادر المنتجة لهذه الزيوت وفقا لما بيّنه نبيل موحة مدير الجودة والسلامة والمحيط بالشركة التونسية لمواد التزييت لتشمل محطات التفريغ ومحطات الوقود وشركات النقل بمختلف أنواعه، المصانع والورش، الشركات الصناعية والموانئ وغيرها.

 

نبيل موحة مدير الجودة والسلامة والمحيط بالشركة التونسية لمواد التزييت

 

وحذّر موحة من المخاطر الكثيرة على الطبيعة والإنسان التي يمكن أن تنتج عن إلقاء الزيوت المستعملة في الطبيعة أو حرقها في ظروف وأماكن غير ملائمة مشيرا إلى أنّ أغلب مكوّنات هذه الزيوت ملوّثة للبيئة.

وأوضح المسؤول أنّ إلقاء هذه النوعية من الزيوت في الطبيعة من شأنه أن يكوّن طبقة على أديم الأرض تحدّ من إنتاجيّتها وتقتل كل عناصر الحياة بها كما أنّ بطء التحلّل الطبيعي لهذه الزيوت يجعلها تتسرّب إلى الطبقات الأرضيّة الجوفيّة وتتسبّب في تلويث الأرض والمائدة المائيّة إضافة إلى أن مياه الأمطار تأخذ جزءا من هذه الزيوت وتحملها إلى البحر ومجاري المياه.

وأضاف أنّ الزيوت المستعملة تكوّن طبقة رقيقة على سطح المياه تمنع دخول وتجدّد الأكسيجين والضوء إلى الماء ممّا يتسبّب في إختناق الكائنات الحيـّة داخل هذه المياه وتعفّنها.

كما يؤدي رمي الزيوت المستعملة في مجاري المياه والأنهار والأودية والبحر إلى تلوّث المياه بنسبة كبيرة بالزيوت والمعادن التي تنتقل من الأعشاب إلى الحيوانات والأسماك ومن ثمّة إلى الإنسان ممّا يتسبّب له في العديد من الأمراض والتسمّمات.

وتمثّل عمليّة حرق الزيوت المستعملة بشكل عشوائي مصدرا آخر للتلوّث لأن الدّخان يحمل معه الكثير من المكوّنات الملوّثة للهواء والخطيرة على صحة الإنسان والتي قد تتسبب في أمراض سرطانية خاصة إذا ما احتوت الزيوت المستعملة زيوتا للمحولات الكهربائية.

 

لتر واحد من الزيوت المستعملة يلوّث مليون لتر من المياه الصالحة للشرب

 

يقول نبيل موحة مدير الجودة والسلامة والمحيط بالشركة التونسية لمواد التزييت إنّ لترا واحدا من الزيوت المستعملة يمكنه أن يلوّث مليون لتر من المياه الصالحة للشرب أي ما يعادل استهلاك 55 شخصا لمدّة سنة كاملة من المياه النظيفة بمعدّل استهلاك يومي يقدّر بـ 50 لتر.

وينتشر لتر واحد من الزيوت المستعملة على مساحة هكتار واحد على سطح الماء.

 

 

كما يمكن أن يعطّل حجم ملعقة صغيرة من الزيوت المستعملة (ما نسبته من 50 إلى 100 وحدة بالمليون) في مياه المجاري عملية معالجة المياه المستعملة في محطات المعالجة.

وذكر المسؤول أنّ الهيدروكربونات تعطي طعما وروائح غير محبّذة لمياه الشرب والمأكولات من خضر وفواكه ولحوم وأسماك وغيرها ويمكن أن تتسبّب في التسمّم وبعض الأمراض كما تتسبّب أيضا الهيدروكربونات العطرية المتأتية من الزيوت الأساسية في التسمّم وفي أمراض سرطانية.

 

الشركة التونسية لمواد التزييت: خبرة لأكثر من 42 سنة

 

تعمل الشركة التونسية لمواد التزييت، والتي تأسست منذ أكثر من 42 سنة تحت إشراف وزارة الصناعة والمناجم والطاقة، إلى كسب رهانين كبيرين أحدهما بيئي والآخر اقتصادي إذ أنّ من فوائد تكرير الزيوت المستعملة حماية البيئة من التلوّث والمحافظة على الموارد الطبيعية إضافة إلى الاقتصاد في العملة الصعبة بإنتاج زيوت أساسية عوضا عن توريدها علما وأنّ 4 لتر من الزيوت المستعملة تنتج 2.5 لتر من الزيوت الأساسية. إضافة إلى أنّ عملية انتاج الزيوت محليّا من شأنها أن تخلق مواطن شغل مباشرة وغير مباشرة ممّا يساهم في إنعاش الدورة الاقتصاديّة.

وتقوم الشركة بتجميع وخزن ونقل وتثمين نفايات زيوت التشحيم المستعملة وتتصرّف في شبكة لتجميع الزيوت تغطي كامل تراب الجمهورية وفقا لمعايير السلامة والمعايير البيئية كما يؤكد المسؤولون في الشركة ذلك.

وتتضمّن هذه الشبكة حاليا وفقا لما أفادت به رجاء الشريقي المسؤولة بإدارة تجميع الزيوت بالشركة التونسية لمواد التزييت 13 مركزا جهويا لتخزين الزيوت المستعملة بطاقة تخزين إجمالية 1000 طن. وتبلغ طاقة تخزين مصنع الشركة ببنزرت لتكرير الزيوت المستعملة 2500 طن. ويعمل ضمن هذه الشبكة 13 مناولا مرخّص لهم لممارسة نشاط تجميع ونقل الزيوت المستعملة موزعين على كامل تراب الجمهورية.

كما تتضمن حوالي 12500 نقطة تجميع مزودة بأكثر من 20000 صهريج معدني ذو أحجام مختلفة للتخزين الوقتي توزع مجانا على الحائزين.

وتتميّز الشركة بمصنع بطاقة معالجة تقدّر بـ 16 ألف طن وطاقة تشغيلية بـ 190 عون ووحدة لصناعة شحوم التزييت بطاقة انتاج تقدّر بـ 2400 طن سنويا وتوفّر 80 بالمائة من حاجيات السوق المحلية.

 

رجاء الشريقي (إدارة تجميع الزيوت بالشركة التونسية لمواد التزييت)
رجاء الشريقي (إدارة تجميع الزيوت بالشركة التونسية لمواد التزييت)

 

تنشط الشركة التونسية لمواد التزييت ضمن المنظومة العمومية “إيكوزيت” والتي انطلق العمل بها منذ أفريل 2004 وتمثّل الشركة الركيزة الأساسية لهذه المنظومة المتعلّقة بضبط شروط استعادة زيوت التشحيم المستعملة والتي تسهر على تطبيقها الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات.

وتعمل الشركة بصفة تشاركية مع مختلف الأطراف المتدخلة من الوكالة الوطنية لحماية المحيط والتي تتولى مهام مراقبة التلوّث الناجم عن النفايات الصناعية والخاصة، والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات التي تقوم بمهمة المتابعة والتسيير، وشركات توزيع المواد البترولية على غرار “عجيل” والتي تقوم باسترجاع حصصها من الزيوت المرسكلة بالاعتماد على نسبة مبيعاتها للزيوت الجديدة بالسوق المحلية وذلك لإعادة تكريرها وفقا لشروط فنية مضبوطة تمّ تسويقها.

 

اتفاقية تعاون مع الشركة الوطنية لتوزيع البترول “عجيل” SOTULUB-AGIL

 

وبينت رجاء الشريقي المسؤولة بإدارة تجميع الزيوت بالشركة التونسية لمواد التزييت أنّ كميات الزيوت المستعملة المجمعة من محطات “عجيل” قد تراجعت من سنة 2020 إلى سنة 2010 بما يقارب 40 بالمائة إذ بلغت 480520 لترا سنة 2010 مقابل 298270 لترا سنة 2020.

وفي إطار التصدي لمخاطر الزيوت المستعملة والحدّ من تأثيراتها السلبية على البيئة قامت الشركة التونسية لمواد التزييت بإمضاء اتفاقية تعاون مع الشركة الوطنية لتوزيع البترول “عجيل” بتاريخ 9 جوان 2021 من أجل دعم العمل المشترك لتحسيس وتطوير درجة الوعي عند أعوان محطات “عجيل” بمخاطر زيوت التشحيم المستعملة وأهمية حسن التصرّف في عملية تجميعها ومتابعة رفعها إضافة إلى التعاون من أجل وضع استراتيجية اتصالية حول الجودة الفنية للزيوت المرسكلة.

ومن التحديات المستقبلية والأهداف المرجوة لهذا التعاون وفقا لما ذكرته المسؤولة نجد التصدي للمنافسة غير المشروعة ولمخاطرها، تحقيق أعلى مردودية لجمع زيوت التشحيم المستعملة على مستوى محطات “عجيل”، تحسين الخدمات ذات الصلة بتجميع الزيوت بهذه المحطات، المساهمة في المحافظة على ديمومة منظومة “إيكو-زيت” وتطويرها لتحقيق الأهداف البيئية والاقتصادية المرجوّة ومساهمة “عجيل” في تحقيق جزء من التزامها البيئي الذي تعتبره أولوية لحماية حق الأجيال وحقهم في العيش في بيئة نظيفة تضمن الصّحة والرّفاهية.

 

 

ومن المخاطر التي تهدّد منظومة “إيكوزيت” تفاقم ظاهرة التجميع العشوائي واستعمال بعض المرخّص لهم لتجميع الزيوت المستعملة لأساليب تضرّ بهذه المنظومة.

وأشارت إيناس جميل، مسؤولة بإدارة الزيوت والمواد الخاصة بالشركة الوطنية لتوزيع البترول، إلى أنّ عديد الإجراءات الفعالة قد تمّ اتخاذها على غرار القوانين الصادرة عن وزارة البيئة والتنمية المستديمة المتعلقة بتجميع الزيوت المستعملة للحفاظ على البيئة والمواطن.

كما بيّنت أنّ الشركة الوطنية لتوزيع البترول توّفر الخدمات اللازمة لتسهيل تجميع الزيوت في جميع نقاط محطات التوزيع وبناء على ذلك أُبرمت بين الشركتين اتفاقية لإسترجاع الزيوت المستعملة.

لئن وجدت المساعي من أجل المعالجة السليمة للزيوت المستعملة إلّا أنّ التصرف العشوائي والممارسات الضارة لازالت قائمة ومهددة لبيئتنا ومحيطنا وهو ما يستدعي ضرورة بذل مجهودات أكبر ومزيدا من المراقبة والتحسيس ولعلّ للمجتمع المدني دور أيضا في هذا المجال.

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

وزير الداخلية: مكافحة العنف لا تقتصر فقط على المقاربة الأمنية

قال وزير الداخلية خالد النوري، اليوم الثلاثاء، إنّ النجاح في مكافحة العنف والتوقي منه والحدّ …