الجزائريون يتشبثون بالساحل التونسي وجهة سياحية وجدل حول العرض السياحي المقدم

ماهر جعيدان

كلما مررت ببوجعفر، الكورنيش، المدينة العتيقة، منتجع القنطاوي السياحي إلا ولاحظت سيلًا من السيارات والحافلات ذات اللوحة المنجمية الجزائرية الصفراء اللون أو البيضاء، تحسب نفسك في طرقات الجزائر العاصمة أو قسنطينة أو عنابة. وتتعالى من هنا وهناك اللهجة الجزائرية العربية والأمازيغية ممزوجة بالفرنسية وترى عشرات العائلات في أزقة المدينة العتيقة وشواطئ البحر ذات الرمال اللؤلئية والبياض الناصع.

منذ ما يزيد على الخمس سنوات يتوافد الآلاف من الجزائريين على مدينة سوسة الساحلية وافدين من كافة المدن في البلد الشقيق، شعب اختار وجهته السياحية وأسس تقاليد راسخة في سياحة موسمية في اتجاه البلدان الساحلية التونسية.

العرض السياحي في سوسة يحتوي على عوامل جذب قوية أهمها الطبيعية بما يتوفر من شريط ساحلي مهيأ والأثرية نظرًا للقيمة التاريخية للجهة والثقافية بما يتوفر من مهرجانات وتنشيط خاصة في فصل الصيف. ومن أهم مقومات العرض السياحي تلك المنتجات المرتبطة بالإقامة والتنقلات وخدمات أخرى أمنية ومصرفية مما يؤثر مباشرة على الأسعار فالعرض مرتبط بالسعر فكلما “زاد السعر زاد العرض من المنتجات السياحية والعكس صحيح، فكلما انخفض السعر انخفض العرض من المنتجات السياحية والمنتجات المساعدة لها نظرًا للعلاقة الطردية التي ترتبط بينهما”.

الأشقاء الجزائريون يتوافدون على تونس برًا وجوًا وذلك عبر رحلات منظمة تعبر الحدود الجزائرية التونسية خاصة عبر معبر “أم طبول” في الشمال الغربي أو نقاط حدودية أخرى أو جوًا عن طريق الناقلة الجوية التونسية أو الجزائرية ذات الحركية النشيطة، كما نلاحظ عملية التوافد إما عن طريق وكالات أسفار ورحلات جماعية منظمة أو بطريقة فردية. كافة هذه المعطيات تمكننا من معرفة طبيعة السوق الجزائرية ومدى مردوديتها في السياحة التونسية كمنتج اقتصادي وتنموي هام.

غير أنه تردد في وسائل إعلام جزائرية مؤخرًا نقلًا عن نائب رئيس النقابة الوطنية للوكالات السياحية الجزائرية أن ” الفنادق و المركبات السياحية التونسية رفعت أسعار خدماتها المقدمة للجزائريين بنسبة تصل إلى 30 في المائة سواء ما يخص الحجوزات الشخصية أو حجوزات العطل التي تم إجراؤها عن طريق الوكالات السياحية وجاءت هذه الإجراءات الفجائية المتخذة من الطرف التونسي ومن جانب واحد بعد حجز أغلب الفنادق من قبل السياح الأوروبيين بعد عزوف دام لسنوات”.

وعلى إثر هذه التصريحات حاولنا استجلاء طبيعة السياحة للأشقاء الجزائريين في تونس ومدى توزعهم على الإقامات في مدينة سوسة الساحلية فلاحظنا وفود الأشقاء على ثلاثة أنواع من الإقامات أولها النزل السياحية المصنفة والتي تخضع لرقابة الدولة التونسية عبر هياكلها الرسمية مثل “ديوان الخدمات السياحية و تنضوي تحت نقابات ومنظمات وطنية مثل الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وجامعة النزل، وثانيها إقامات خاصة في شكل شقق لمبيتات على ملك مستثمرين خواص تستعمل كإقامات للطلبة في مواسم الدراسة وتكترى من طرف منظمي رحلات جزائرية خلال فصل الصيف وخاصة شهري جوان وجويلية، وثالثًا منازل في أحياء من سوسة تكترى لعائلات بطريقة مباشرة ودون خضوع لأي رقابة من الهياكل السياحية.

وبتنوع هذه الإقامات المذكورة يختلف العرض والطلب من حيث جودة الخدمات وكافة الأنشطة المرافقة للإقامة السياحية. وفي هذا الصدد أجرينا حوارًا مع خالد النايلي، وكيل شركة خاصة للخدمات السياحية بالجزائر عند وجوده بإحدى النزل التونسية، الذي قال لـ”الترا تونس” إن “السياحة بين تونس والجزائر تطورت في السنوات الأخيرة لعدة اعتبارات منها عامل الجوار الذي كان له تأثير كبير خاصة في مجال التنقل بين التراب الجزائري والتراب التونسي، وفي العموم خدمات الفنادق على مستوى تونس جيدة عادة بالرغم أن هناك فنادق تشتكي من بعض النقائص والعيوب وهذا طبيعي في العالم ككل وليس خصوصية تونسية”.

وأضاف أن “مسألة الأسعار عامل محدد للحركية السياحية ومدى الإقبال ونحن نعرف أن الوجهة التونسية لدى الجزائريين بصفة عامة هي تقريبًا الأولى نظرًا للتكاليف والخدمات غير أن الجانب الثقافي والحضاري المتبادل بين الشعبين يبقى المحدد الأقوى لاختيار هذه الوجهة “. وتابع “لاحظنا ارتفاعًا طفيفًا لأسعار الفنادق في شهر جويلية ونحن نطالب أصحاب الفنادق بمراجعة أسعارهم وذلك مقارنة بالسنة الفارطة التي كانت أرخص بقليل”.

ونفى النايلي نفيًا قاطعًا ما راج حول طرد جزائريين من فنادق تونسية قائلًا “أنفي تمامًا ما يروج عن طرد الجزائريين من فنادق تونسية وأنا زرت فنادق في سوسة والمنستير والمهدية والحمامات ونابل ولم نر إلا حسن الضيافة والاستقبال الجيد”.

“الترا تونس” التقى أحد السياح الجزائريين ويدعى أمين بن عمر، وهو مقيم في أحد الفنادق بمنتجع القنطاوي بحمام سوسة، فحدثنا “نحن نلاحظ أن الأمن على ما يرام ويكفي أن تكون علاقة الشعبين تاريخية حتى نشعر بأننا في بلدنا، أما أسعار الإقامات فنتفهمها نتيجة الظروف الاقتصادية وتأثيراتها على العرض والطلب، أما اجتماعيًا فلم نلاحظ أي تغيير في المعاملة بين التونسيين والجزائريين من جهة أو بين السلط التونسية والوافدين الجزائريين من جهة أخرى”.

ومن الجانب التونسي اتصلنا بالمندوب الجهوي للسياحة بسوسة فأكد لـ”الترا تونس” أن “الموسم السياحي بمدينة سوسة يشهد حركية كبيرة منذ بداية السنة وتشهد المنطقة توافدًا كبيرًا سواء من التونسيين في تنشيط للسياحة الداخلية أو من الوافدين من الجزائر الشقيقة علاوة على الأسواق الخارجية خاصة الأوروبية، وقد بلغت الأرقام إلى حد 30 جوان زيادة بأكثر من 60 في المائة في عدد الوافدين وزيادة بأكثر من 67 في المائة في عدد الليالي المقضاة، وننتظر توافدًا كبيرًا من الجزائريين في الأيام القادمة ونحن نستعد أحسن الاستعداد لاستقبالهم والدفع بالمتداخلين في القطاع السياحي بتوفير كافة سبل الراحة”.

أما خارج الفنادق فإن العديد من العائلات الجزائرية تتوجه مباشرة نحو كراء منازل عائلية بعدة أحياء من محافظة سوسة وهذا ما يجعل الأسعار متغايرة عما هي عليه في الفنادق وتخضع لعدة معايير أهمها مدى القرب من الشواطئ من جهة ورقي الأحياء التي تتوفر فيها الإقامات، وهنا يمكن الإشارة إلى أن التوجه المباشر من السائح الجزائري إلى أصحاب الشقق والإقامات يخضع للاتفاقيات الثنائية التي لا تتدخل في الهياكل الرقابية السياحية الملحق بالدولة.

وفي تصريح صحفي لجريدة يومية تونسية أوضح جابر بن عطوش رئيس الجامعة التونسية لوكالات الجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة أن “العديد من السياح الجزائريين توافدوا على بلادنا دون المرور بوكالات الأسفار، التي تقدم لهم أسعارًا تفاضلية، تمكنهم من اختيار السعر المناسب”. وأضاف أن السائح الجزائري يتصل مباشرة بالنزل، وهو ما يجعله يقتني الغرف بأسعار مرتفعة، مبينًا” أن استعانة السائح بوكالة الأسفار، يمكنه من اختيار الأفضل إضافة إلى تدخل الوكالة إن تعرض السائح إلى أي إشكالية مع النزل”.

من جهته، قال المستشار المكلّف بالإعلام والعلاقات العامة بوزارة السياحة سيف الدين الشعلالي في تصريح لصحيفة تونسية إن “وزارة السياحة قامت بحملة إشهارية انطلقت منذ شهر مارس/ آذار الماضي وكانت موجهة للسوق الجزائرية والمحلية، تحث على ضرورة الحجز مبكرًا، لأن المؤشرات أكدت تعافي النشاط السياحي وتسجيل نسبة اكتظاظ على مستوى المركبات السياحية”. في حين أوعز الارتفاع الطفيف في الأسعار إلى “التضخم المالي الذي يعاني منه الاقتصاد التونسي”.

ورغم تأخر قدوم الأشقاء الجزائريين بسبب تأخر الإعلان عن نتائج البكالوريا فإن آخر الأرقام تشير إلى توافد 905 آلاف سائح جزائري على التراب التونسي إلى حدود 30 جوان/ حزيران 2018 أي بنسبة زيادة 18.1 في المائة مقارنة بسنة 2017.

وتذكر آخر المؤشرات التي قدمتها وزارة السياحة إلى حدود 30 جوان/ حزيران أن 302 ألف سائح توافدوا من السوق الفرنسية التقليدية أي بزيادة تقدر بـ49.7 في المائة، في حين أن السياح الألمان كان عددهم 96 ألف بزيادة تقدر بـ 60.6 في المائة مقارنة بالعام الماضي، أما السوق الروسية فكان نصيبها 221 ألف سائح بنسبة زيادة 48.3 في المائة، كما استقبلت تونس 15 ألف سائح من الصين الشعبية بنسبة زيادة 54.8 في المائة.

ويمكن القول إنه من خصائص الطلب السياحي أنه يتسم بالحساسية والمرونة والموسمية لذلك كان الجدل حادًا هذا الموسم حول السوق الجزائرية التي تعتبر سوقًا سياحية استراتيجية.

ولن تبقى الشراكات السياحية التونسية الجزائرية رهينة للهزات الاقتصادية والمالية بل إن العمق الثقافي والحضاري أكثر تجذرًا بين البلدين. وقد أكدت المحن التي مرت بها تونس جراء العمليات الإرهابية خاصة سنة 2015  إثر  حادثة نزل الامبريال الإرهابية بسوسة أن مساندة الأشقاء الجزائريين لا تقدر بثمن في تعويض الخسائر التي مست السياحة التونسية جراء قرار حكومات أوروبية بحجر السفر على رعاياها.

الترا تونس

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

رمضان أبو جناح: تأخرنا في دمج الاقتصاديين وفرص كثيرة أمامنا لبلوغ اقتصاد قوي مشترك بين تونس وليبيا

ثمّن نائب رئيس مجلس الوزراء بحكومة الوحدة الوطنية الليبية ووزير الصحة، رمضان أبو جناح، عراقة …