أحمد المناعي: وضع متفجّر في ليبيا لا يعقل أن تقف فيه تونس في وضع المتفرّج

هدى القرماني

تطورات عدّة ومتغيّرات سريعة تشهدها الجارتان ليبيا والجزائر شغلت مؤخرا الرأي العام الدولي وخلقت جدلا كبيرا وتخوفات لدى السياسيين والمراقبين للأوضاع في تونس من تداعيات الأزمة التي تعيشها ليبيا حاليا بالخصوص على بلدنا وأمننا.

مذكرتا تفاهم أمنية وبحريّة وقعتهما حكومة الوفاق الوطني الليبية والحكومة التركية بحضور الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان ورئيس المجلس الرئاسي الليبي، فائز السراج باسطنبول في 27 نوفمبر الماضي. مذكرتان أشعلتا فتيل التوتّر داخل ليبيا خاصة من قبل البرلمان الليبي في طبرق والجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر الذي أعلن على إثر هذا الاتفاق المعركة الحاسمة في طرابلس وما أطلق عليه بـ “ساعة الصفر” لتحرير العاصمة ممن أسماهم ببقايا ميليشيات الإرهاب والتطرّف. كما أجّجت غضب الأطراف الخارجية الرافضة لحكومة الوفاق وغير المعترفة بشرعيتها على غرار مصر.

وللتذكير فإنّ المذكّرة الأولى تتعلّق بترسيم الحدود الملاحيّة في البحر المتوسط والتي أكّد إثر إقرارها الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان أنّ بلاده ستقيم خطا بحريّا مع ليبيا الشيء الذي أثار غضب الحكومة اليونانية معتبرة هذه الاتفاقية تعديّا على مياهها الاقليمية وأدانتها كل من مصر وقبرص.

 أمّا مذكّرة التفاهم الثانية فتتعلّق بالتعاون الأمني والعسكري والتي يمكن بمقتضاها ارسال قوات تركية الى ليبيا إذا ما طلبت حكومة الوفاق دعما عسكريا من تركيا. وتشمل هذه المذكرة التعاون في مجالات الأمن والتدريب العسكري، والصناعات الدفاعية، ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وغيرها من أشكال التنسيق العسكري.

وأمام كلّ هذا فالموقف الرسمي التونسي من الملّف الليبي مع رئاسة الجمهوريّة الحاليّة يصفه عدد من المحلّلين بغير الواضح والسلبي مع سياسة خارجيّة خالية من الاستراتيجية وما يمكن أن يٌذكر في علاقة بهذا الملّف هو فقط ما أعلنته رئاسة الجمهورية في بلاغ لها عن اللقاء الذي جمع الأسبوع الفارط رئيس الدولة قيس سعيد برئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السرّاج والذي تطرّق إلى ضرورة إيجاد حلّ للوضع في ليبيا في إطار الشرعيّة الدولية يكون نابعا من إرادة الليبيين أنفسهم مؤكدا على ضرورة إيجاد تسوية سياسية شاملة تخدم مصلحة الشعب الليبي ومعتبرا أنّ الشأن الليبي هو شأن تونسيّ.

أما فيما يتعلّق بالجزائر فقد عاشت لمدّة أشهر حراكا شعبيّا استقطب أنظار العالم وتمكّن من الإطاحة بحكم عبد العزيز بوتفليقة وإنجاز انتخابات رئاسية أفرزت فوز عبد المجيد تبون كرئيس ثامن للجزائر بنسبة 58.18 بالمائة من أصوات الناخبين الجزائريين الذين أدلوا بأصواتهم.

انتخابات وان تخللتها مقاطعة واحتجاجات كبرى من قبل المتظاهرين الرافضين لها وللمترشحين الذين اعتبروهم امتدادا لنظام بوتفليقة فإنّ المؤيدين لها اعتبروا أنّها المخرج الوحيد من الأزمة الّتي تعيشها الجزائر منذ فترة.

 

ديبلوماسية تنقصها نظرة استراتيجية

عن كلّ هذه المسائل كان لنا لقاء مع رئيس المعهد التونسي للعلاقات الدوليّة، أحمد المناعي، الذي اعتبر أنّ الحكومات المتتالية والرؤساء الذين تداولوا على رئاسة الدولة لم تكن لديهم سياسة خارجيّة وفيّة لتاريخ تونس وللتقاليد الدبلوماسية التونسية.

ومواقف الرئيس الحالي في نظره لا تنبئ بأنه على دراية بالعلاقات الدولية وبالدبلوماسيّة التونسيّة.

ولفت المناعي الى أنّ حركة النهضة وأساسا رئيسها راشد الغنوشي منذ تسلمهم للسلطة بعد الثورة هو المحدّد للعلاقات التونسيّة الليبيّة خصوصا مع موقف النهضة الداعم لحكومة السراج.

ويقول ” مع كلّ الأسف تونس خرجت منذ سنوات وخاصّة مع الحكومة الحاليّة من التاريخ ومن الجغرافيا ولم يعد لها دور في حلحلة الملّف الليبي وذلك لأنه لا توجد للحكام نظرة استراتيجية ولا واقعية لما يحدث الآن مشيرا الى اقصاء تونس وتغييبها من المبادرة الألمانية الخاصة بعقد مؤتمر دولي حول ليبيا ببرلين مطلع 2020 يتمّ من خلاله اعتماد أطر سياسية لإطلاق عمليّة سلام بين الأطراف الليبية بواسطة الأمم المتحدة، ومقلّلا في الآن ذاته من إمكانية منح هذا المؤتمر حكومة الوفاق الوطني إمكانيات أكبر.

ولئن عقدت عديد المؤتمرات في هذا الشأن وسيعقد كما أسلفنا مؤتمر برلين الذي يعتبره البعض “فرصة أخيرة” فإنّ محدّثنا لا يرى الحلّ في ليبيا سياسيا بدعم الأطراف الخارجيّة بل يراه عسكريا من قبل الجيش الوطني الليبي.

ويشير المناعي إلى أنّه لا يعقل أن تبقى تونس في دور المتفرّج أمام الوضع المتفجّر في ليبيا والّذي يمكن أن تلسع بناره.

ويضيف أنّه “على رئيس الجمهوريّة أن يعدّل الموقف ويستقبل المشير حفتر مثلا أو ممثّلا عنه مثلما استقبل السرّاج”.

وبيّن المناعي أنه على عكس الموقف الجزائري الذي يجب أن يكون محايدا حفاظا على أمنه فإنّ الموقف التونسي بالعودة الى حجمه السياسي والعسكري وغيره لا يمكنه أن يتّخذ الحياد التام بل علينا ان ننحاز لمن معه مصلحة لشعبنا ولبلادنا خاصة أمام الأطماع الخارجية الكبيرة في ثروات ليبيا من ناحية وفي الظفر بمسألة إعادة الاعمار من ناحية أخرى.

ويرى المناعي أنّ الغلبة ستكون لحفتر وسيٌحسم الأمر في الصراع الليبي إذا ما دخل العاصمة طرابلس وسيطر عليها.

ويضيف أنّ الجيش الليبي يحظى حاليا بمساندة أهم القوى في المنطقة وفي العالم على غرار الولايات المتحدة الأمريكية ومصر التي لن تقبل بنظام اخواني في ليبيا مؤيّد من تركيا وأن     يصبح الجيش التركي على حدودها.

وعلى عكس التخوفات من تدفق اللاجئين على البلاد التونسية في صورة اندلاع الحرب في طرابلس يوضّح المناعي أنّ الشعب الليبي ليس بشعب مهاجر وانه قد تزدحم الحدود التونسية وقتيا بالليبيين لكنهم سيمكثون في بلدهم ما ان يسيطر حفتر على طرابلس.

وقلّل المناعي من التداعيات الأمنية لهذا الصراع على بلادنا قائلا ” نحن للأسف من أثّرنا على الأمن في ليبيا وكان الليبيون ضحايا المقاتلين التونسيين الذي تسلّلوا هناك ثمّ الى سوريا”.

ويحمّل المناعي تونس مسؤولية المشاركة في تدمير ليبيا معتبرا ذلك انخراطا في عمليّة تقويض أمن المنطقة في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد حسب قوله.

 

الحلّ في ليبيا لم يعد سياسيا

ومعلّقا على مذكّرتي التفاهم بين تركيا وحكومة الوفاق قال المناعي ” هذه ليست مذكّرتا تفاهم هذه قضية استعمار جديد تذكّرنا بما وقع مع أحمد باي الذي أمضى معاهدة لحماية تونس، وهذه معاهدة لحماية ليبيا وهي تسمح للجيش التركي بأن يكون على حدودنا” مضيفا “وهو حاليا متواجد من خلال مخابراته وخاصة من خلال المجموعات الإرهابية التي تدعمها تركيا وعلى رأسها “داعش”” كما جاء على لسانه.

كما أظهر المناعي تخوفاته من مذكّرة التفاهم البحرية بين الطرفين والتي تعيد رسم الحدود البحريّة قائلا هذا الاتّفاق تجاوز حتى العالم العربي مشيرا مثلا الى اليونان والتي تظلّمت من هذا الاتفاق الّذي يمسّ من سيادتها ويحرمها من بعض الجزر التابعة لها الأمر الّذي جعلها تطرد سفير حكومة الوفاق من بلدها. كما بإمكان هذه المذكّرة وفق محدّثنا ” جعل مصر مثلا على حدود تركيا بالرغم من المسافة التي تفصلهما”.

يشار أنّ مصر قد وجّهت رسالة لمجلس الأمن الدولي تعترض فيها على هذه الاتفاقية ووصفتها بالباطلة وغير الصالحة وطالبت بعدم تسجيلها لدى المنظمة الدولية.

ويذكّر المناعي أنّه يجب أن لا ننسى أنّ هناك صراعا على العالم الإسلامي بين أربع قوى إسلامية كبرى وهي السعودية وتركيا ومصر وإيران.

ويشير المناعي الى أنّ السراج لا مشروعية له الا المشروعية التي منحتها إياه الأمم المتحدة واعترفت به الدول التي خرّبت ليبيا وعلى رأسها الحلف الأطلسي وتأييد تركيا للسرّاج جاء متأخرا جدّا لأنّ تحالفاتها في ليبيا كانت من نوع آخر على حدّ قوله.

ويرى محدّثنا أنّ البرلمان الليبي هو من يمثّل حقا الشعب الليبي لأنّه وقع انتخابه بديمقراطية وهذا البرلمان هو في الواقع ضدّ حكومة الوفاق. والحوار وعقد المؤتمرات لإيجاد حلّ سياسي بين الأطراف الليبية في نظره لن يحلّ الصراع في هذا البلد الجار بل لن يحسم الموقف، بعدما استنفذت كلّ الحلول، سوى الجيش بالانتصار ميدانيا على المجموعات المسلّحة الليبية.

ويضيف في الحقيقة وفي النهاية العمل العسكري والنتائج العسكرية على الميدان هي التي تمنح الشرعية لحكومة من الحكومات.

ويعتبر المناعي أنّ المشكل في ليبيا مشكل تاريخي فالتاريخ الليبي لم يفرز شعبا ليبيا بل بقي على مكوناته الأصلية التي تطغى عليها القبائل والزعيم الراحل معمّر القذافي خلق شيئا من الوئام والتوافق بينها وحين رحل انفصم هذا العقد.

وتعدّ ليبيا محلّ هذه الأطماع الخارجيّة لأنها بلد يزخر بالثروات من بترول وطاقات كبرى ومدخرات كبيرة من الغاز إضافة إلى موقعها الاستراتيجي إذ تمثّل المدخل الأهم لإفريقيا.

 

 الجزائر تسير نحو الاستقرار

وبالعودة الى الوضع في الجزائر يقول رئيس المعهد التونسي للعلاقات الدولية لكي نفهم الوضع هناك يجب أن نعود لفترة التسعينات والى حتى ما قبل الاستقلال وتحديدا الى سنة 1958 أين أصبح الجيش الجزائري هو الحاكم الفعلي في الجزائر سواء مباشرة أو حتى من وراء الستار واستمرّ كذلك رغم بعض الأزمات الّتي مرّ بها هذا البلد الشقيق وكان هو الحاسم فيها.

وتجدّدت الأزمة هذه الفترة الأخيرة عند اعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة نيته الترشّح لعهدة خامسة فظهر هذا الحراك الشعبي الذي انطلق من منطقة القبائل لينتشر بعد ذلك في بقيّة المناطق نظرا للظروف الصعبة التي يعيشها الجزائريون دون معرفة من وراء هذا الحراك ومن خطّط له.

ويرى المناعي أنّ التظاهر حقّ مشروع ولكن هناك حدّ أدنى من المنطق والمتظاهرون ارتكبوا خطأ حين طالبوا بإسقاط كامل النظام ورحيل كلّ من فيه وهو أمر غير مقبول وفق قوله.

ويتابع محدّثنا رغم التعطيل الذي شهده المسار الانتخابي لمدّة أشهر فالأمر قد حسم الآن ولم نعد نتحدّث عن ما قبل الانتخابات بل نتحدّث عن ما بعدها وعبد المجيد تبّون هو رئيس للجزائر الّتي تسير نحو الاستقرار ومن مازالوا يحتجون اليوم سوف يقبلون بالأمر الواقع.

ويرجّح المناعي أنّ تبون سيدخل في محاورات مع هؤلاء وما على هذا الحراك الّا أن يتقدّم بشخصيات على قدر من المسؤولية لتتحاور مع هذا النظام سواء على مستوى المناطق او الولايات أو على المستوى القومي حسب قوله.

ويختم المناعي حديثه بأنّه لا يمكن لنا أن نتحدّث عن الوضع الليبي على حدة والوضع الجزائري على حدة بل ما يعيشه العالم وخاصة في بعض المناطق من العالم العربي او منطقة الشرق الأوسط وغيره فكلّ هذا يندرج ضمن فلسفة ومخططات.

وهذه الفلسفة قائمة بصفة عامة على أن الغرب أي أوروبا والولايات المتحدّة الأمريكية يسعيان لبقائهما القوّتين الأكبر في العالم لكنّ أمريكا اليوم تجد نفسها مهدّدة على المدى المتوسط وبالأخص من الصين وروسيا ومن حولها لذلك نرى ردّة فعلها عنيفة.

فترة صعبة وتخوّفات وتحديّات كبرى تعيشها اليوم ليبيا ونعيشها نحن في تونس بحكم أنّ ليبيا تعدّ ضمن أمننا المتقدّم وجب التعاطي معها بحكمة ونظرة استشرافيّة حماية لحدودنا ولمصالحنا وعلاقتنا مع هذا البلد الشقيق وأن نستدرك موقعنا ومكاننا أمام الأطماع الكبيرة لمختلف الأطراف الخارجيّة في هذا البلد.

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

قضية الجيلاني الدبوسي: بطاقة إيداع بالسجن ضد وكيل عام سابق لدى محكمة الاستئناف بتونس

أصدر عميد قضاة التحقيق اليوم الإثنين 15 أفريل 2024، بطاقة إيداع بالسجن ضدّ إطار قضائي …