أعيش هنا منذ ثلاثين سنة ومازلت “براني”

بقلم فادية ضيف

أكد رئيس الجامعة الوطنية للبلديات التونسية عدنان بوعصيدة في تصريح لـ “افريكان مانجر” الخميس 3 مارس 2022،  أنّ البلديات عجزت عن إيقاف “نزيف البناء العشوائي” بسبب قلة الموارد البشرية والموارد المالية ذلك أنّها ” تفتقر للكفاءات جراء ضعف الأجور مقارنة  بباقي المؤسسات العمومية” لافتا في هذا الصدد ألى أن 37  بالمائة من البناءات في تونس غير منظمة و غير مرخص لها وان عدد الأحياء الفوضوية يناهز الـ 1250 حيا في كامل تراب الجمهورية التونسية.

ظاهرة عجزت البلديات عن التصدي لها بسبب استشرائها والتعقيدات التي واجهت الحلول المطروحة من خلال السلط والهيئات المتداخلة مما ساهم في تعميق الأزمة.

وأرجع رئيس بلدية مساكن محمد علية انتشار ظاهرة “الفقاعات” كما سماها في مساكن لعدة أسباب أولها غلاء الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للمواطن التونسي بصفة عامة إضافة إلى النمو الديموغرافي الكبير وخاصة تفشي ظاهرة النزوح من الأرياف الى المدن بالتوازي مع البطء في مراجعة مثال التهيئة مما ساهم في تنامي ظاهرة البناء بدون رخصة.

وأضاف علية أن بلدية مساكن واجهت أمرا واقعا حاولت التعامل معه كما هو من خلال محاولة إعادة ربط هذه المناطق بمحيطها البلدي قائلا ” فُرض علينا من باب المسؤولية تمديد الطرقات وربطها بالكهرباء وقنوات الصرف الصحي رغم العقبات خاصة فيما يتعلق بالادارت الجهوية المتدخلة على غرار التجهيز والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه وديوان التطهير”.

وأشار الى أن بلدية مساكن قامت في 25 مارس 2022 بتقديم طلب عروض لتعيين مكتب دراسات قصد مراجعة مثال التهيئة والذي تمت المصادقة عليه منذ سنة 2014 واصفا إياه بأنه ” ولد ميتا ” بسبب الفارق الزمني وما صاحبه من توسع للعشوائيات من تاريخ وضعه سنة 1998 الي تاريخ المصادقة عليه” كما جاء على لسانه.

 

https://www.easel.ly/index/embedFrame/easel/13561475?fbclid=IwAR3JCyog4jeKLWKROiwx3fMgyT-Avh4zC_pUpqWNGVU1xFv9WJl4Wd_36NU

 

الإطار التاريخي والاجتماعي لتشكّل الأحياء العشوائية في كل أنحاء الجمهورية باعتبارها نتاج ديناميكية غير مخططة من قبل الدولة التي تسيطر قانونيا وإداريا على الفضاء، مثلت نشأتها محصلة لخيارات اقتصادية واجتماعية لم تهتم بمجالها الجغرافي وتحافظ على تنوعه وديناميكيته وانما ركزت على المدن باعتبارها موردا ومجالا لممارسة السلطة.

و على مدى السنين تشكلت أحزمة حول هذه المدن المتعاظمة خارج اي تصور او تخطيط قبلي  و صارت هذه المدن  فضاءا جاذبا لهوامشها الريفية حتى تشكلت أحياء وأحزمة حول المدن دون أن ترافقها أي عمليات تهيئة حضرية ما جعلنا نتحدث عن ترييف المدن وانقسام الفضاء بين ذاكرتين ومجموعتين المجال الحضري والمجال الريفي وبينهما خطوط تماس خلقت نوعا من الفصل بين أهل من يعتبرون أنفسهم أصيلي المنطقة و من يُعتبرون “براينية “.

“عمادة بوعيسى ” واحدة من أربع مناطق تضم قرابة 120 منزلا عشوائيا على امتداد مساحة 200 متر مربع ويبلغ عدد السكان قرابة الـ 700 أغلبهم من سكان المناطق الداخلية اللذين منذ سنوات طويلة بحث عن لقمة الخبز.

و رغم أنها لا تبعد الا أمتارا قليلة عن قلب أكبر معتمدية في ولاية سوسة، يعاني جزء كبير منها خاصة بوعيسى الجنوبية من التهميش وغياب المرافق العمومية وأبسط الخدمات البلدية كتوفير حاويات الفضلات وانتشار الكلاب السائبة بشكل خطير يتهدد التلاميذ و النساء العاملات خاصة.

ورغم تأكيد رئيس البلدية أنه يتم التفاعل مع تشكيات المواطنين الواردة على مكتب الضبط حسب تصريحه فالجدير بالذكر القول أن الواقع الذي اصطدمنا به يعكس خلاف ذلك.

من جهة أخري أكد لنا متساكنو “بو عيسى” أن المسؤولين يتعمدون تجاهلهم ومنذ الانتخابات البلدية 2018 ورغم الوعود الانتخابية فان التهميش يبقى العنوان الأبرز للأربع سنوات الأخيرة من العمل البلدي.

واقع يكرس العزلة المجتمعية التي تعيشها مثل هذه الاحياء مع ما ينتجه بالضرورة من ارتفاع في نسبة البطالة وانتشار الجريمة وانخفاض نسبة التمدرس وانتشار العنف الأسري وعدة ظواهر تقول عالمة الاجتماع نسرين بن بلقاسم أن أسبابها نفسية بالأساس لانها تنتج عن شعور هؤلاء المواطنين بالغبن والإحساس بالنقص نتيجة وصمهم بذنب غير مبرر وغير مفهوم “من وراء البلايك” .

 

 

“أعيش هنا منذ ثلاثين سنة و مازلت “براني”

هكذا تحدث الينا ب.ح ( البالغ من العمر 50 سنة ) الذي نزح من مدينته القيروان في سن مبكر  مضيفا أنه دائما ما يتم التوجه اليه بالجملة التالية “شريتا شبر باش تحتلولنا البر”.

 

 

من جهتها تتحدث المواطنة ع.ك بحرقة عن معاناة التلاميذ وخاصة العاملات اللائي يضطررن لقطع طريق غير صالحة وسط العتمة وبالأخص في فصل الشتاء بالإضافة الى تعرضهن إلى التحرش وخاصة اللفظي من قبل المنحرفين اللذين يستغلون هذه المنطقة المعزولة للعربدة ويتساءل زوجها ” لماذ نحن مطالبون بدفع الاداءات ؟؟؟ مواصلا حديثه ” مانيش مستعد ندفع لا ضو لا اوناس لا طريق ….. عندي زوز أولاد بطلوا من القراية بسبب هالوضعية اللي عايشينها”.

وتشير الحاجة زهرة الى أن كل جريمة تحصل يتهمّ بها “البراينية” أو “حومة الوقف” مضيفة أنها كلما ذهبت الى “المستوصف” تواجه بنظرات الاحتقار ” وكأنها دخيلة عليهم والحال أنها تعيش معهم منذ أكثر من عشرين سنة.

و في معرض رده شدد  محمد علية رئيس بلدية مساكن أنه رسميا على الأقل ليس هناك أي اقصاء لمتساكني “بو عيسى” أو أي منطقة من البناءات العشوائية.

 

https://youtube.com/watch?v=pwOdd4HSOXU%3Ffbclid%3DIwAR1-3iul0XN6jh4ZoN1vJjR4t-vjc29EOUM0WQ2brpD9qM0vUt0zG00RuFw

 

“الشعب التونسي شعب عنصري بامتياز “

 

 

الباحثة في علم الاجتماع نسرين بن بلقاسم توكد على أهمية دورالمسؤولين في تونس بسبب السياسات المطروحة سواء كانت الاقتصادية أو على مستوى التعليم والمحتوى البيداغوجي في ترسيخ ثقافة الجهوية وتكريس العنصرية مؤكدة أن الشعب التونسي في ظاهره شعب متعاطف ولكن في العمق نحن شعب عنصري بامتياز.

وصم اجتماعي يُقابل به متساكنو العشوائيات في انحاء الجمهورية عمّق الصدع بين أفراد الشعب الواحد ويهدد في كثير من المناسبات الأمن والسلم الاجتماعي بما رسخه من حقد وضغينة مما يدفع بنا بعد البحث في الأسباب الى الاهتمام بالحلول التي يجب أن نسارع في طرحا وتبنيها وخلق آليات فعالة لرأب الصدع وتقريب المسافات.

 

 

يرى الباحث في القانون حمزة السعيدي الى أن النصوص القانونية التي تردع الخطاب العنصري موجودة وتعتبر جيدة ويبقى المشكل في الآليات. وهنا يتساءل الأستاذ حمزة السعيدي ” شكون الزوالي اللي عنده 750د يدفع لمحامي ليرفع قضية ضد متنمر أو عنصري ؟؟؟؟”

مقترحا خلق مركز على غرار” مراكز العنف ضد المرأة ” خاص بهذه القضايا يسهل الإجراءات ويقرب المعلومة ويشجع على وقف نزيف هذا الخطاب وتكريس ثقافة احترام الآخر باختلافه.

“موقف” “جبرية” ” نزوح” هكذا يتنمر جزء من شعب تونس على فئة من سكان تونس من الشعب الواحد لتتحول العنصرية الي سر محرج نحاول أن نداريه بثوب ممزق لا يكاد يستر سوءاتنا.

أنجز هذا العمل في إطار برنامج “مراسلو الديمقراطية المحلية” تحت إشراف المؤسسة الدولية للنظم الإنتخابية IFES

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

عائدات تونس من تصدير التمور ترتفع بنسبة 1ر19 بالمائة، مع موفى مارس 2024

ارتفعت عائدات تونس من تصدير التمور بنسبة 1ر19 بالمائة، مع موفى مارس 2024 (الشهر السادس …