أنيس الخليفي: جمعيات خيرية دعوية تموّل عمليات إرسال الجهاديين التونسيين إلى سوريا والحكومة التونسية لا تتحرك…

حاورته هدى القرماني

قضيته هزّت المجتمع المدني والحقوقيين في تونس وخارج تونس وأقلقت بعض الأطراف السياسية، ومن مساهم في عودة خمسة تونسيين عالقين في سوريا إلى الأراضي التونسية إلى متهم بتهم إرهابية خطيرة.

عن هذه القضية وحيثيات التحقيق فيها وعن معاناة جاليتنا التونسية خاصة بعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، وعن من يغرر بأبنائنا ويرسلهم لساحات القتال بسوريا، وعن تعامل الحكومة التونسية مع الملف السوري وتحديدا مع ملف جاليتنا هناك ومدى التعاون السوري مع مبادرات عودة التونسيين كان حوارنا مع صاحب مبادرة إرجاع الـ 5 تونسيين من سوريا والّذي تمّ إيقافه لدى وصوله إلى مطار تونس قرطاج السيد أنيس الخليفي.

من مساهم في جلب خمسة تونسيين عالقين في سوريا إلى متهم بتهم أقل ما يمكن القول أنها إرهابية، كيف ذلك..؟

من البديهي أن يطرح هذا السؤال على الجهة التي حيكت لي بعلمها هذه المجموعة من التهم وبالنسبة إلي فقد تفاجأت ولم أكن أتوقع نهائيا أن أبادر بعمل أعتبره سامي ووطني فأجد نفسي متهما بتهم أقل ما يقال عنها أنها إرهابية.

ولقد قمت بذلك انطلاقا من حسّ إنساني بعد أن سمعت من قبل بعض الأصدقاء ان هناك تونسيين موقوفين بعد انتهاء مدة إقامتهم في سوريا وهم ليسوا متورطين في ما يسمى بـ”الجهاد” فأردت أن أتوسط عبر أصدقاء لي في المجتمع المدني السوري وعبر مثقفين وإعلاميين سوريين للمساعدة على إطلاق سراح هؤلاء التونسيين، وهذا ما تم بتفهم السلطات السورية وبتنسيق تام مع السفارة التونسية ببيروت وتحديدا مع القائم بالأعمال بالسفارة السيد الأسعد المحيصي وهو الّذي أمّن التذاكر وأمّن كذلك دخول التونسيين إلى لبنان.

ثمّ عدنا إلى تونس لأفاجأ بعد الإجراءات العادية من ختم الجواز وغيره بالتحاق ثلاثة من رجال الأمن بي اثنين منهم بالزي المدني وأحدهم بالزي الرسمي ليتولوا عملية إيقافي وإرجاعي داخل المطار، وكان ذلك يوم 12 ماي 2013 لتبدأ رحلة المتاعب مع هذه الافتراءات والأكاذيب والتهم.

فوقع إيقافي الساعة السادسة إلى حدود الساعة الثامنة ونصف أو التاسعة مساء لتأتي فرقة مقاومة الإجرام وتأخذني إلى القرجاني أين تم التحقيق معي ثم حجزي بعد ذلك في مركز الإيقاف ببوشوشة لمدة أسبوع ثم وقع تحويلي على السيد حاكم التحقيق الرابع وبصراحة كنت أعتقد كما كان يعتقد الكثيرون أنّ هذا الأخير سوف يحسم المسألة ويأمر بالإفراج عني، إلا أنّه كانت له وجهة نظر أخرى وأصدر بطاقة إيداع بالسجن المدني بالمرناقية في حقي، لكن أكثر ما فاجأني لائحة الاتهامات التي وجّهت إليّ، وكانت أوّل تهمة هي محاولة التخطيط لتفجير طائرات في سماء نيو يورك فخلت أنني ممثل بن لادن في تونس. وتمثلت التهمة الثانية في تهديد الأمن القومي الخارجي التونسي بما من شأنه أن يجرّ حربا على البلاد التونسية بدون علمها والإتيان بأفعال وأقوال من شأنها استعداء الشعوب الأخرى على الشعب التونسي واعتقدت أنني بصدد قراءة سيناريو لفيلم هزلي.

أوقفت في سجن المرناقية لمدة شهر ثمّ أطلق سراحي بعد ذلك مؤقتا مع تحجير السفر عليّ وكنت أنتظر أن يقع غلق الملف نهائيا لعدم ثبوت الأدلة ولعدم توفّر أيّ ركن من أركان هذه التهم لكن يبدو أن النيابة لازالت مصرّة على اتهاماتها رغم أنّ حاكم التحقيق كان مقتنعا ببراءتي، خاصّة وأنّ الوكالة التونسية للأنترنت فنّدت أيّ اتّصال لي بخمسة أشخاص من جنسيات مغربية وفرنسية ويمنية وموريتانية بعد اتهامي بأنّهم أصدقاء لي على صفحة التواصل الاجتماعي “الفايسبوك” الخاصّة بي ولا أيضا اتصال هؤلاء بي، وعلى هذا الأساس تمّ الإفراج عني ولكن بقيت القضيّة مفتوحة مع تجير سفري، علما وأني لا أعرف من هؤلاء ولا من أين جاؤوا.

وحقيقة أستغرب أن نعيش في تونس بعد انتفاضة 17 ديسمبر مثل هذه السيناريوهات التي خلت أنها قد اختفت مع عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وأنّ هذا التلفيق وفبركة التهم بهذا الشكل المضحك قد ولّت، لكن يبدو أننا مع كلّ الأسف لازلنا نعيش امتدادا لتصرفات تنتمي للمنظومة السابقة.

وهذا يترجم عن الفوضى العارمة على الساحة التونسية وفي كل الاتجاهات وخاصة على المستوى السياسي.

أعلن المحامي الأستاذ البشير بالصيد أنّ هذه القضية ملفّقة وسياسية بامتياز وأن هذه التهم مخالفة للقوانين والمواثيق الدولية فكيف ترى أنت هذه المسألة خاصة وأن المحامي ربط هذه القضية بالموقف التونسي الرسمي من الملف السوري..؟

أولا باعتباري صاحب مؤسسة ثقافية ومقرها دمشق ولديّ  ارتباطات مع مؤسسات ثقافية سورية لتوزيع وطباعة مشتركة لبعض الملفات إلى جانب أني كنت أقيم هناك فترددي إلى سوريا طبيعي وليس مستغربا، كما أني بصراحة لست مقيّدا بقرار رئيس الجمهورية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا ولا يوجد في القانون ما يجرّم سفري إلى هناك.

وثانيا لست وحدي من يعاني تبعات قرار رئيس الجمهورية بقطع العلاقات مع سوريا، وأرى أنّ المظلمة الكبيرة الّتي تعرضت لها هي بسبب هذا القرار. وأعتقد أنّ ملف الجالية التونسية بسوريا أصبح محرجا نوعا ما للحكومة التونسية في ظلّ عجزها التام عن إيجاد حلول لمواطنيها وعجز كذلك مؤسسة رئاسة الجمهورية التي قطعت العلاقات التونسية السورية وقالت لجاليتنا هناك، “لكم ربّ يحميكم”.

ولماذا تم ايقافك انت بالتحديد بالرغم من ذهاب العديد من البعثات التونسية التابعة للمجتمع المدني إلى سوريا ولم تتعرض لما تعرضت إليه..؟

ربما لأني لم أقم بهالة إعلامية كبرى كما فعل البعض قبل رجوعي إلى تونس لأني تعاملت مع الموضوع بشكل ثان واعتبرت أنّ هذه المبادرة مدنية إنسانيّة لم أكن ولم أرغب في تسييسها أو إخضاعها للتجاذبات السياسية في تونس، وربما لو قمت بهذه الدعاية لما اعتقلت.

ثانيا، لطالما كنت أصدح بمواقفي وآرائي سواء في الإعلام التونسي أو السوري من قطع العلاقات الدبلوماسية مع الشقيقة سوريا. وربما أيضا رأت الحكومة التونسية في ما قمت به إحراجا لها وزجا بها في الزاوية وتعميقا لمأساتنا تجاه علاقاتنا مع سوريا فأرادت أن تؤدبني بهذا الشأن.

أصدرت وزارة الخارجية بيانا نسبت فيه لنفسها مسألة إرجاع الخمسة تونسيين في حين أن العلاقات الدبلوماسية التونسية السورية هي مقطوعة كما أنها لم تذكر أيّ مجهودات قمت بها، فكيف ذلك..؟

تفاجأت حقّا لهذا البيان من قبل وزارة الخارجية مع أنه أنا من بادر بالاتصال بالقائم العام أكثر من مرة وتوليت عملية التنسيق وخروج هؤلاء، وكل ما قام به القائم بالأعمال هو أنه أرسل لي تذاكر السفر على الخطوط التونسية ثم استقبلنا في السفارة ببيروت وأمضى هؤلاء التونسيون على التزامات لدفع ثمن تذاكرهم عند عودتهم إلى تونس. وهذا تصرف غير لائق من قبل مؤسسة كوزارة الخارجية لها باع في التعامل والتعاطي الدبلوماسي وموقف غير مفهوم وغير مبرر ومناف للأعراف أن تنسب مجهودات مواطن تونسي لنفسها وهي لم تشارك في العملية أصلا.

بوصفك مطّلعا على أوضاع جاليتنا بسوريا إلى أي مدى تأثرت الجالية التونسية بقطع العلاقات مع سوريا..؟ وكيف هي أوضاع جاليتنا هناك عموما..؟

في كل زيارة أقوم بها إلى سوريا أكتشف معاناة أخرى لجاليتنا هناك. وفي آخر زيارة لي للأراضي السورية منذ قرابة الثلاثة أشهر وجدت مواطنين تونسيين قد دمرت بيوتهم بسبب المعارك هناك وهم الآن بدون مأوى، هناك أيضا تونسيون متزوجون من سوريات والعكس صحيح ولا يمكنهم تسجيل مواليدهم الجدد لعدم وجود سفارة تونسية حتى أن هناك وفيات لم تسجل بعد. كما لنا عددا من الطلبة الّذين خلصت مدة إقامتهم وهم الآن معطلون عن الدراسة.

هناك كمّ هائل من المشاكل خاصة مع الوضع السوري الصعب على مختلف المستويات وعجز العديد من التونسيين عن العودة إلى تونس وهؤلاء هم بحاجة إلى تدخلات سريعة، وإذا كانت سوريا قبلا تهتم بكل اللاجئين العرب فهي الآن في حاجة إلى من يساعدها ويداوي جراحها ولا أعتقد أنها سوف تقوى على تحمل عبء شعبها ومشاكل العرب الموجودين هناك.

وما مدى التعاون السوري فيما يتعلق بعودة التونسيين..؟

رغم جراح السوريين ورغم ما أحدثته هذه الموجة من “الجهاديين التونسيين” التي فاجأت الكثير من الشعب السوري واهتزت لها الصورة التي يحملها السوريون عن الشعب التونسي كشعب معتدل منفتح ومسالم ليفاجؤوا بعشرات الجهاديين والسلفيين الذين قدموا لمقاتلتهم ، وكنت أعتقد صراحة أن تقطع حتى العلاقات الشعبية بين بلدينا ومع ذلك لازال الشعب السوري يحمل للشعب التونسي الصورة القديمة للمجتمع المنفتح الغير عنيف والغير دموي وهم يرحبون ويتعاونون بكل إيجابية مع أيّ مبادرة لعودة التونسيين وعلى استعداد لتسوية كلّ الإشكاليات لو تتحرك الدولة التونسية في هذا الاتجاه . فالشعب السوري لم يتخلّ ولم ينس ذاكرته الطويلة في التعامل الإيجابي مع العرب و لازال يتمسك بتلك العقلية و الطريقة في التعامل رغم ما حدث.

نحن نعلم ان العلاقات الدبلوماسية مقطوعة بالرغم من أنه حتى في ظل النزاعات الدولية لا يجب قطعها ،ولكن من مسؤولية رئيس الجمهورية وأيضا الحكومة الآن أن يجدا طريقة ما ومسالك تسهل عملية فضّ مشاكل جاليتنا التونسية عبر المنظمات الدولية أو عبر مكونات المجتمع المدني مثلا، لكنّ الدولة التونسية لم تتحرك إلى حدّ الآن أو بالأحرى تتعامل بسلبية مطلقة مع وضع جاليتنا في سوريا وأنا أستغرب ذلك كما يستغربه الكثير من التونسيين في سوريا ويعتبرون أن الدولة التونسية قد تخلت عنهم. في حين أنّ حسّ الدولة بعد 14 جانفي تجاه مواطنيها ورعاياها يجب يكون أقوى بكثير من هاته الطريقة التي تتعامل بها السلطة السياسية مع مواطنيها في سوريا.

أحد المفرج عنهم أعلن أن السفارة التونسية ببيروت صرّحت بأنها راسلت وزارة الخارجية التونسية ولكنها لم تتلق أيّ رد منها، فما حقيقة ذلك..؟

فعلا لديّ معلومات أن هناك نوعا من التململ في وزارة الخارجية وعلى مستويات كبرى في تعاطي المسؤولين في تونس مع ملّف الجالية التونسية في سوريا. وقد سمعت تصريحا لوزير الخارجية يقول فيه أن هناك امكانية لعودة العلاقات أو امكانية لإيجاد حلّ. ومن مصادر خاصة في وزارة الخارجية أُعْلِمت انّ وزير الخارجية الحالي مستاء من سياسة الحكومة التي تصمّ الآذان عن كلّ المبادرات لحلحلة هذا الوضع.

وقد التقيت في آخر زيارة لي لسوريا مع دبلوماسيين من دول عربية فأعلموني بأنّ الحلّ مطروح، حتى وإن لم ترجع العلاقات في شكلها القديم، وذلك بفتح قسم للشؤون القنصلية يتولى شؤون جاليتنا في سوريا. لكن سياسة الحكومة الحالية هي سياسة الهروب إلى الأمام مع أنه بإمكانها معالجة عديد المشاكل التي هي بصدد التطور.

ولماذا في اعتقادك تتعامل الحكومة التونسية بهذا الشكل مع ملف جاليتنا في سوريا..؟

أعتقد أنهم اتخذوا قرار قطع العلاقات ولا يودون الرجوع فيه ولا حتى اعتباره خطأ كبيرا اقترفوه في حق جاليتنا التونسية، بل هناك حتى تعمّد وتعنّت لإغلاق هذا الملف، وربما يقومون بكلّ هذا حتى لا يوصفوا بفاقدي الكفاءة في التعاطي مع هذا الملف.

وكيف رأيت تعامل القضاء مع قضيتك..؟

كنت أعتقد أنا وهيئة الدفاع وعدد من أصدقائي أن حاكم التحقيق حين يستمع لي سيقرر إطلاق سراحي وستحفظ القضية لأنها لا تحتوي على أي ركن ولا على أشياء مادية تدينني لكن قرار حاكم التحقيق جاء ليس لصالحي وهذا ما يدفعني للتساؤل. وقد استغربت صراحة تعاطي القضاء التونسي ،مع احترامي للمؤسسة القضائية، مع ملفي. وهذا لا يمنعني من القول أن القضاء التونسي يسلّط عليه ضغط كبير من قبل المؤسسة السياسية ومحاولة للتأثير عليه لتوجيهه في قضايا معيّنة وبالأساس هي قضايا رأي ضدّ الخصوم السياسيين وحتى من يخالفونهم الرأي، وازددت قناعة بهذا عندما اتخذ القضاء قرارا بتحويلي إلى السجن في حين أفرج عن عديد السلفيين الذين اتهموا بالإعداد لتسفير تونسيين للخارج وأيضا أطلق سراح ليبيين اتهموا بتجارة السلاح بين ليبيا وتونس وهذا ما يجعلني أضع نقاط استفهام كبرى على أداء القضاء التونسي.

وبصراحة القضاء في تونس يعمل في جو مشحون جدا نظرا للتجاذبات السياسية ولعدم وضوح الرؤية في المشهد السياسي وحتى في التمشي العام للطبقة السياسية في تونس الآن، وكل هذا يؤثر في اعتقادي على القضاء الذي أراه لم يختلف كثيرا عن ما كان عليه في السابق قبل الانتفاضة التونسية.

وبماذا تطالب اليوم..؟

عقدت ندوة صحفية في الأيام القليلة الماضية ولن أركن أو أسكت عن حقي سأستمر في الدفاع عن نفسي وسأطالب بكل الطرق المشروعة والمتاحة لرفع هذه المظلمة الكبيرة وعلى هذه المهزلة القضائية أن تتوقف.

المسألة ليست شخصية بيني وبين المؤسسة القضائية أو الأمنية وحتى السلطة السياسية ، ما استغربه فقط هذه الطريقة في التعامل وأين الإشكال في أن أختلف في الرأي مع المسؤولين السياسيين.

والجهة التي أصدرت قرار إيقافي يبدو أنها إمّا جهة لا تعيش في تونس وأنّ موعد 17 ديسمبر، الانتفاضة الشعبية، لا يعنيها وربما مازالت نائمة وإمّا مع الأسف الإطارات أو الماسكين بزمام السلطة في تونس هم لا يزالون يفكرون بطريقة هي امتداد لطريقة الرئيس المخلوع وأعوانه.

وهذا التهور والاستهتار بحقوق المواطن في تونس ما بعد الانتفاضة التونسية يعتبر مسألة خطيرة على مستوى الحريات ومؤشرا سلبيا على عودة ممارسات كنا نعتقد أننا بدأنا نتخلص منها ولذلك لن أسكت وسأطالب برفع تحجير السفر والاعتذار مني كمواطن تونسي له الحرية كاملة في التعبير عن رأيه وفي التنقل وفي السفر خاصة بعد المظلمة الكبيرة التي أضرت بي ماديا ومعنويا.

في ما يتعلّق بالجهاديين التونسيين في سوريا هل لديك أيّ معلومات عنهم وعن الأوضاع الّتي يعيشونها هناك وعن من يرسل بهم إلى ساحات القتال في سوريا..؟

ليست لديّ أدلة ملموسة لكن سأصارحكم بمعلومات أكشف عنها لأول مرة وهي أنني حين كنت بسجن المرناقية التقيت بعدد من السلفيين العائدين من سوريا وتحديدا من اللاذقية ومقاتلين أيضا كانوا في حلب وينتمون إلى عدّة ولايات من الجمهورية وسألتهم عن من يغرّر بأبنائنا ويرسل بهم إلى جبهات القتال ليموتوا هناك ، فتحفظوا عن الإجابة إلّا أنّ أحدهم أخبرني بأنه كان مقتنعا بذهابه إلى هناك وبادر بالانتقال إلى ليبيا ثم إلى تركيا ثم إلى سوريا موضحا أنّ هناك جهات جهادية ليبية مسلحة أمنت لهم الخروج من بنغازي وهي تقوم بمساعدة الجهاديين بإعطائهم أموالا أو بتدريبهم أو بمنحهم جوازات سفر مزورة يدخلون بها إلى تركيا ثم إلى الحدود السورية.

كما سألتهم عن سبب عودتهم إلى تونس خاصة وأني شاهدت أعدادا كبيرة تتوالى يوما بعد يوم وجميعهم كانوا عائدين من سوريا فأخبرني أحدهم أيضا، كان مقاتلا في أفغانستان وشارك أيضا في الجهاد ضد أمريكا في بغداد، أنهم اكتشفوا بأنهم كانوا مجرّد لعبة لدى إحدى الأجهزة الاستخباراتية من كل العالم على الساحة السورية وأنهم كانوا يتاجرون بهم، كما اكتشفوا انهم كانوا الوحيدين الّذين كانوا يؤمنون بمثالية الجهاد أمّا الآخرون على الميدان من الجيش الحر وجبهة النصرة فكانوا يضعونهم افي الصفوف الأمامية للتخلص منهم معترفا أنّ همهم الوحيد كان جمع السبايا والغنائم وأنهم بعيدون كل البعد عن ما تروجه بعض القنوات الإعلامية العربية والغربية من أنهم يدافعون عن الحق وعن الثورة وضد الاستبداد.

وذكر لي أيضا حوادث أخرى مشينة في حق من يدعي أنه ثائر في وجه الظلم من اغتصابات و سرقات و استيلاء على البيوت مؤكدا أنّ ما يقومون به هؤلاء بعيد كل البعد عن مفهوم الجهاد وعن الصورة التي كانوا يحملونها قبل ذهابهم إلى “نصرة الشعب السوري” ضدّ النظام.

وأيضا حسب مصدري الخاص فإنّه بمجرد وصول هؤلاء “الجهاديين” إلى جبهات القتال تقع مصادرة جوازات سفرهم. وأمام ما اكتشفه العديد من أبنائنا التونسيين وأمام الوضع السيئ الذي شهدوه قرروا العودة إلى تونس فطلب مصدري الخاص تسليمه لجواز سفره رفقة أربعة تونسيين آخرين إلا أن المسؤول السوري في جبهة النصرة رفض في البداية ذلك مما جعل محدثي يتصل بشخص ليبي يبدو أنه على دراية كبيرة بالميدان وله وضع معنوي كبير جدا باعتباره كان مقاتلا كبيرا في أفغانستان وينتمي إلى الجماعة الليبية المقاتلة، فتوسط له لدى هذا السوري وسأله لماذا لا يرجع جوازات سفر التونسيين الذين جاؤوا طوعا ولديهم رغبة في المغادرة فظلّ يماطله قرابة العشرة أيام قائلا بأن الجوازات موجودة على الحدود التركية وأنه لا يعرف مكانها تحديدا ،فمكنني الليبي حينها من جواز سفر ليبي لشخص يقطن ببنغازي يشبهه نوعا ما وغادر عن طريق التهريب الحدود السورية إلى بنغازي ومن ثم إلى تونس.

ومما قاله لي هذا الشخص أيضا أنّه عندما يموت ثوار من ليبيا أو من تونس كانت تحرق جثثهم وأنهم دائما ما كانوا يتعرضون إلى نوع من الخدعة بدعوى أنهم سيأخذون هذه الجثث إلى مشفى ميداني للاحتفاظ بها في ظروف جيّدة في انتظار أن يقع دفنها. وأضاف لي بأن القائد الليبي الذي ساعدهم كشف ذات مرة أن قادة من جبهة النصرة أحرقت جثثا لجزائري و سوداني ومغربي بدعوى أنها تخاف من أن تستولي القوات النظامية السورية على الجثث وتستخدمها ضدها في الإعلام وبأن ظروف الحرب تجيز ذلك. وهذه المشاهد صدمت العديد من التونسيين خاصة الصغار في السن وعمقت مأساتهم لذلك طلبوا العودة.

ويبدو أنه بالتحقيق مع هؤلاء التونسيين العائدين والذين تمّ الإمساك بهم على الحدود التونسية الليبية بدأت تتكشف خيوط الجهات التي تولت تسهيل مهماتهم لكنني أستغرب متى ستنشر هذه الحقائق للشعب التونسي ليعرف من هي الجهات التي غررت بأبنائنا ومن هي الجهات التي من المفترض أنها مسؤولة عن منع هذه الأمور وكانت تراقب وتشاهد بصمت هذا السيل من الشباب التونسي المغرر بهم والذاهبون إلى ساحات المحرقة في سوريا.

وأنا شبه متأكد من أن ملف الجهاديين التونسيين في سوريا له علاقة بشبكات تونسية تتستر بالعمل الخيري والدعوي لتصدّر هؤلاء إلى سوريا وأكبر دليل على تلقي هؤلاء لأموال، الحالة المادية السيئة التي رأيتها لعدد ممن قابلتهم في السجن والعائدين من سوريا والتي لا أظن أنها تسمح لهم حتى باقتناء تذاكر السفر إلى هناك.

و لو توفرت لي فرصة ثانية لأقدم المساعدة لتونسيين عالقين في سوريا لن أتردد أبدا حتى ولو اتهموني في المرة القادمة بمحاولة اغتيال أوباما.

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

المرسوم عدد 55 لسنة 2022: تخوفات من خسارة المرأة التونسية لمكتسباتها

فادية ضيف كان اختيار تونس عاصمة “المرأة العربية ” لسنتي 2018 و 2019 و عاصمة …