الأمينة العامة للحزب الجمهوري ميّة الجريبي: لا يمكننا أن نساند طروحات هامشية تنادي بحلّ المجلس التأسيسي و بتكرار السيناريو المصري

حاورتها هدى القرماني

انتقادات واتّهامات عدّة وجهت مؤخرّا إلى الحزب الجمهوري إلى درجة شكّك فيها البعض إن كان لا يزال هذا الحزب في صفوف المعارضة.

عن هذه المسألة وعن الصعوبات التي يعاني منها الحزب خاصة إثر الاستقالات العديدة التي شهدها مؤخرّا، وعن الحملة الموجهة ضدّ قيادييه، وعن الخطوات التي يقوم بها الجمهوري الآن لتجاوز صعوباته، وعن الاختلاف في المواقف بين أحزاب الاتحاد من أجل تونس وآخر ما تمّ الاتفاق عليه فيما يتعلق بمبادرة حلّ المجلس الوطني التأسيسي والحكومة الحاليّة، وعن الدروس التي يمكننا استخلاصها من التجربة المصرية وغيرها من المسائل المطروحة داخل الحزب وعلى الساحة السياسية حدثتنا النائبة والأمينة العامة للحزب الجمهوري ميّة الجريبي وكان معها هذا الحوار..

المواقف الأخيرة التي اتخذها الحزب الجمهوري جعلت البعض يتساءل إن كان لا يزال الجمهوري في أحزاب المعارضة، فكيف ترون ذلك..؟

حزبنا من أول الأحزاب التي كانت في المعارضة وأذكر أننا بعد 24 أكتوبر قد صرحنا بأننا نقف في صف المعارضة وعاب علينا البعض ومنهم رئيس المجلس الوطني التأسيسي معلنا أنه لا يفهم ما معنى معارضة، فكانت إجابتنا بأن الديمقراطية تقوم على أغلبية تحكم وعلى أقلية تعارض، على سلطة وسلطة مضادة ناقدة.

ثمّ بعد ذلك تطورت الأمور ونقدنا أداء الحكومة وطالبنا بإصلاحات وبتشكيل حكومة إنقاذ وطني على إثر نزول الترقيم السيادي لتونس، ونبهنا كذلك إلى مخاطر ما بعد اغتيال شكري بلعيد وطالبنا من جديد بحكومة كفاءات محدودة العدد كما رفضنا المشاركة في الحكومات التي اقترحت علينا لأنّ الغاية منها ليست إلا تجميع الأطراف للمصادقة على توجهات الحكومة ونحن هدفنا ليس الحصول على مقاعد وإنما خدمة هذا الوطن.

وقد شاركنا في الحوار الوطني حول الدستور من موقع المعارضة ومن موقع الدفاع عن مصالح التونسيين وحققنا مكاسب تاريخية لازالت في حاجة إلى مزيد التدعيم والتوسيع، و كنا في صدارة من طالب بحلّ رابطات الثورة ومواجهة العنف السياسي ومازلنا نطالب بذلك وقمنا بتحركات ومظاهرات لأجل ذلك، ووقفنا إلى جانب عائلة لطفي نقض.

فصنفونا إذا كما تريدون، نحن حزب معارض مسؤول يحب هذا الوطن ويعمل من أجل مصالحه ولا يطرح مواقفه استجابة لرغبة هذا أو ذاك، ومواقفنا من عهد بورقيبة إلى بن علي إلى اليوم إلى الغد يحرّكها أمر واحد وهو خدمة الوطن ومصلحة التونسيين. ولتعطونا أيّ موقف اتخذه الحزب الجمهوري أو أي تصريح أدلى به يسير في اتجاه غير مصلحة الشعب التونسي.

قد يكون موقفكم من مشروع الدستور الّذي انتقدتموه في البداية ثم اعتبرتموه بعد ذلك دستورا جيّدا من المواقف التي آخذكم عليها البعض خاصّة أمام عديد الانتقادات الموجهة إلى هذا المشروع من قبل عدد كبير من نواب المعارضة..؟

فعلا كنا ننتقد الدستور ولنا مقترحات واضحة وخضنا معارك سياسية حوله، وأذكّر من لهم ذاكرة قصيرة أنّنا كنّا المحرّك الأساسي لمسيرة 13 أوت الفارط ضدّ التنصيص على التكامل ومع التنصيص على المساواة، وهذه معركتنا من أجل الدستور، وكنا نساهم دائما في اللجان التأسيسيّة من مواقع متقدمة عبر ممثلينا في مختلف اللجان، وقد حققنا من خلال مشاركتنا في الحوار الوطني عديد المكتسبات من حرية الضمير والمعتقد التي لم تكن موجودة و حق الاضراب من دون قيد أو شرط ووسعنا من صلاحيات رئيس الجمهورية كما تمكنّا من التنصيص على نظام سياسي مختلط وأضفنا ما أسميناه بالبند الجامع والذي يفيد بأنّه لا يمكن للقوانين أيّا كانت أن تتعارض مع روح هذا الدستور ومع الحقوق والحريات المنصوص عليها قاطعين بذلك مع سياسة العهد السابق أين كانت القوانين لا دستورية.

ونحن لا ندعم هذا الدستور ولا نعارضه بل نحن نخوض معارك لتحقيق مكتسبات حققنا الجزء الأكبر منها ولازال ينتظرنا شوط آخر، نحن نواصل معركتنا من أجله ولنا الشرف في ذلك. والمعارك هي محطات مختلفة خضنا محطات على غاية من الأهمية ومازالت المحطة الأخيرة أين ستجدون الجمهوري في مقدمة معركة الربع ساعة الأخير من الدستور.

والدستور عموما يتجاوز التموقع في المعارضة أوفي السلطة بل هو ما يتوحد عليه التونسيون. وعلى سبيل الذكر رغم معارضتنا لحزب التكتل من أجل العمل والحريات أداء وتموقعا وأفكارا وتصريحات إلّا أننا التقينا معا في عديد النقاط في ما يتعلق بالدستور. فالمسألة إذا ليست مجرّد معارضة وحكم بل هي توحيد الجهود بين كلّ الأطراف التي تؤمن بأنّ تونس في حاجة إلى دستور ديمقراطي يؤسّس إلى مدنيّة الدولة ويضمن الحقوق والحريات ويؤمّن التوازن والفصل بين السلطات.

ولكن هناك انتقادات عدّة لهذا الدستور حتى أنّه وصف بأنه مزوّر فأي مصداقية لهذا المشروع..؟

من يدّعي أنه مزوّر فليثبت ذلك، وما أراه شخصيا مصدر إشكال في الدستور هو الباب العاشر الذي يجب أن يحذف تماما ويغيّر وهذا ما يجمع عليه الكثيرون، وهنا أحمّل حركة النهضة المسؤولية كاملة إذا لم تسع إلى إزالة العقبات أمام هذا الباب. هناك أيضا الفصل 141 الّذي يحتوي على الكثير من الجدل والّذي في تقديري حذفه لن يغيّر أيّ شيء في المعنى ولكن يهدّأ هذا الطرف أو ذاك ونحن نناضل ونخوض المعارك من أجل هذا الآن .

هناك بنود أخرى أيضا في باب الحقوق والحريات وفي توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية وتدقيقها وبعض التنقيحات التي لا أعتقد أنها تحمل أوجه خلاف، وبالتالي أقول أنه مازالت أمامنا معركة الربع ساعة الأخير في الدستور وعلى الديمقراطيين أن يتوحدوا للضغط على حركة النهضة حتى تزيل العقبات أمامه حتى نكون كنواب قد أدينا مهمتنا على أحسن وجه بعد فترة طويلة ومريرة وصعبة على جميع التونسيين.

ونحن مطالبون بالضغط على أنفسنا وعلى كل الأطراف وبصفة خاصة على حركة النهضة التي يعود إليها التنازل في هذه العقبات حتى ننهي الدستور في 30 سبتمبر القادم كآخر أجل لإنهائه.

وعموما، لكلّ الحرية في اتّخاذ الموقف الذي يناسبه لكنّنا نحن في مواقفنا وتصريحاتنا نركّز على ما يفيد التونسيين ومصلحة الوطن وما يرضي ضميرنا ولا ننظر إلى كيف يفكر الآخرون ولا إلى الطرح الّذي يقدمه المنافس لأنّنا لسنا بتجار بل نذرنا أنفسنا من أجل خدمة هذا الوطن.

وجل الخبراء إن لم نقل جميعهم ثمّنوا موقف الحزب الجمهوري كما أنّ جل المتدخلين السياسيين عندما نتدخل وإياهم في مناقشة الدستور بندا بندا نجد أنفسنا على نفس المستوى من المطالب وبالتالي أنا أنبّه إلى خطر الانطباعية في الدستور.

تشنّ بعض الأطراف هذه الفترة حملة موجّهة ضدّ قيادات الحزب الجمهوري فكيف ترون هذه الحملة وهل من شأنها أن تؤثر على مصداقية الحزب وعلى قواعده..؟

فعلا الحزب الجمهوري مستهدف، وقد استهدفنا قبل الانتخابات من قبل حركة النهضة والجميع يعلم ذلك واستهدفنا من طرف العديد من صفحات التواصل الاجتماعي ويعلم الجميع لفائدة من تشتغل، وانتهكت أعراضنا وشوّهنا وألصقت بنا تهم لا ناقة لنا بها ولا جمل، والآن هناك تشويهات من قبل أطراف أخرى ولذلك أقول “ربي يهديهم”. وهذه التشويهات لن تثنينا أبدا فنحن سبق وأن واجهنا بن علي وقامت صحافة المجاري قبلا بتشويهنا ولكن المناضل محسوب على الصمود في وجه الاستبداد وفي وجه كلّ المواجهات .

نحن مناضلون وهبنا أنفسنا لخدمة الوطن وأقول لكلّ من يتهمنا بأيّ اتّهام كان فلتوضحوا لنا أيّ مواقف اتخذناها لم تخدم مصلحة تونس ولنناقشها فنحن نقارع الحجة بالحجة ولا ننزل إلى مستويات دنيا بل نتركها لمن امتهن ذلك.

يعاني الحزب الجمهوري اليوم من عدّة مشاكل فما هي في اعتقادك أهم هذه المشاكل..؟

صحيح أن الحزب الجمهوري يعيش اليوم عدّة صعوبات وأعتقد وأسعى إلى أن تكون هذه الصعوبات صحية في هذه الفترة التي تشهد تغيرات داخل البلاد وتحولات داخل جميع الأحزاب وإحباطا شديدا لدى المواطنين والنخب.

ومن الأسباب الرئيسية الّتي جعلت الحزب الجمهوري يعيش هذه الصعوبات داخله هي أنّه رغم نشاطه الميداني الحثيث ورغم تعب مناضليه وقيادييه و تواصلهم مع المواطنين، ورغم محورية الحزب الجمهوري في الخارطة السياسية وتواجده في كلّ المبادرات إمّا مبادرا بها أو طرفا فيها، فإنّه لم يتمكّن من الإقلاع في عمليات سبر الآراء. وهذا يطرح تساؤلا حول طريقة التسيير التي يجب أن يعاد النظر فيها وفي أسلوب التواصل أيضا الّذي يعدّ من أهم المشاكل التي نعاني منها سواء في التواصل الداخلي أو الخارجي ومع ذلك لا أعتبر أنّه لدينا أخطاء في المواقف السياسية والتاريخ يثبت دائما صحّة مواقفنا.

وهذا خلّف حالة من الإحباط لدى البعض وجعلهم يفكرون في مراجعة انتمائهم وقد ظهر ذلك جليا عند تقديم بعض القياديين لاستقالاتهم قائلين أنّ الحزب الجمهوري لم يستطع الإقلاع وبالتالي لا يرون كيف يمكنه أن يساهم في عملية التغيير. وأنا أحترم مواقفهم ولكنني أقول أن هذا المشروع هو من أجل الوطن وليس من أجل عمليات سبر الآراء، نعم نأخذها بعين الاعتبار لنقوم ببعض التعديلات ونصلح أنفسنا وخاصة على مستوى التواصل ولكن ليس لنغير الوجهة، فالوجهة تمليها المصلحة الوطنية ويمليها الوضع و الانتماء للحزب.

يقوم الحزب الجمهوري خلال هذه الأيام باجتماعات مكثفة داخل مختلف المكاتب الجهوية فإلى ماذا توصلتم..؟

أنا أؤمن بالديمقراطية التشاركية وهو أمر ليس بالهين فهي تتطلّب ميكانيزمات وطاقات متفرغة نحن نفتقدها، وهذا يعيقنا كثيرا. وعلينا كحزب ديمقراطي أن نستمع إلى انتظارات مناضلينا لأنهم يعبرون أولا عن طموحاتهم وعن مواقفهم و أيضا هم نبض الشارع و سفراؤنا في كل الجهات.

وقد قمنا بداية بجولة في الجهات مع كل المكاتب لنشرح لهم ما يحدث داخل الحزب وأسباب الاستقالات المتعدّدة وكيف نواجه تداعياتها وتبيّن أنّ الإشكال كما ذكرت سابقا يكمن في عملية التسيير وعملية التواصل الداخلي والخارجي وأيضا في تشريك القيادات والكفاءات الجهوية التي يزخر بها الحزب في العملية السياسية وإبرازها.

والتواصل مع مناضلينا يزيد موقفنا السياسي تصلبا وفي كلّ مرّة نؤكّد على أنّنا في صفّ المعارضة ونناضل من أجل دستور ديمقراطي، وسعيدة بأن يشاطرني ويتفق معي مناضلونا في مختلف الجهات حول هذا المبدأ.

ذكرت أن أهمّ إشكال يعاني منه الحزب الجمهوري هو مشكل التواصل لكن بعض القواعد وأعضاء من المكاتب الجهوية يتهمون بعض قيادات الحزب بالسيطرة والتفرد باتخاذ القرار ..فكيف ترون ذلك..؟

أنا أتساءل أين وقع التفرد باتخاذ القرار، فالقرارات الهامة نتخذها في الهياكل القيادية سواء في اللجنة المركزية، مثلما فعلنا فيما يتعلق بالحوار الوطني، أو في المكتب السياسي أو في الهيئة التنفيذية التي تجتمع أحيانا يوميا لاتّخاذ المواقف الهامة وكلّ ما جدّ جديد تلتقي مختلف القيادات ونتشاور ونصوّت على القرار، وهذه آلية جيدة في الحزب الجمهوري ، ونلتزم به.

أمّا فيما يتعلّق بالتسيير اليومي فالأمينة العامة والمكتب التنفيذي يهتمون به ولا نستطيع أن نعقد اللجنة المركزية كل يوم وهذه هي الحوكمة الديمقراطية.

هناك حديث عن تشكيل تيّار داخل الحزب الجمهوري فما حقيقة ذلك وهل بإمكانه أن يحدّ من الخلافات ومن الاستقالات التي يشهدها الحزب اليوم..؟

هذا الموضوع لا يزال رهن النقاش وبناء التيارات مضمون بفعل القانون وأكون سعيدة لو نستطيع تشكيل تيارات داخل الحزب وأن نكون سبّاقين في ذلك، لكن في اعتقادي تشكيل تيارات داخل حزب ما يفترض وجود أرضية واضحة وأن تكون الهياكل القيادية مصادقا عليها حتى تكون في تناسق مع أرضية الحزب وتوجهاته العامة. ووجود تيار أيضا يفترض آليات تنظيمية تحدّد حقوق وواجبات كل طرف حتى يتمكن من هم في التيار من ممارسة حقوقهم وحتى لا يتجاوزوها ويستخدموا هياكل الحزب لخدمة أغراض أخرى غير أغراض الحزب الحقيقية وهذه مسألة على غاية من الأهمية.

كما أنّ الحق في بناء تيار يفترض قبلا القيام بالواجب داخل الهياكل وأن يكون من ينوون تشكيله في صلب الهياكل القيادية وأن يساهموا في بلورة القرار فيها وفي تنفيذ هذه القرارات.

والتيار السياسي داخل حزب ما ليس حزبا داخل حزب وليست الغاية منه تطويق الخلافات بل هو مجموعة تلتقي في أفكار معينة تتجانس مع توجهات الحزب ولكن لها خصوصيتها وتلتزم بالحزب وتشتغل في هياكله وبالتالي تلتقي وفق قوانين تنظيمية يصادق عليها الجميع وهذا ما نحن بصدد مناقشته.

وإن قبل الجمهوري بوجود تيارات داخله فلن يكون ذلك لتجنّب الاستقالات منه كما يذهب إلى ذلك البعض بل ليعمّق من ينوون تشكيله فكرة معيّنة في خدمة الحزب وفق القوانين التي نتفق عليها وهذا حق من حقوقهم ونرى فيه ثراء للحزب.

وعموما نحترم جميع الاستقالات التي رأى أصحابها إمّا أنهم لا يستطيعون أن يستمرّوا مع الحزب وهم أحرار في ذلك أو رأوا أنّ الانصهار لم ينجح على غرار ياسين ابراهيم وله الحق في ذلك أيضا.

وإلى أي مدى تأثّر الحزب الجمهوري من الاستقالات الأخيرة..؟

من المؤكّد أنّ الاستقالات تؤثّر على أيّ حزب خصوصا إذا ما كانت من قبل قيادات نوعية، ولكن الحزب هو مؤسسة لخدمة الوطن تتجدّد وتتفاعل مع صعوبات البلاد. وفي تقديري فإنّ عدم الاقلاع هو السبب الرئيسي لهذه الاستقالات، وعلينا الآن أن نزيد في تماسك الحزب و نصلح الأخطاء التي وقعنا فيها وأن نمضي دائما في خدمة هذا الوطن.

نلاحظ تباينا في المواقف بين أحزاب الاتحاد من أجل تونس فهل ترين أن هذا من شأنه أن يؤثر على التحالف وهل من الممكن أن يصمد هذا الإتحاد..؟

صحيح أنّ هناك خلافا حول عديد القضايا ولكن أُعلن للجميع أنّ الاتّحاد من أجل تونس سيصمد أمام الصعوبات، وأن نكون مختلفين في المواقف فهذا طبيعي لأن الاختلاف موجود حتى داخل الأحزاب ذاتها. والاختلاف هو ثراء ولا يجب أن يكون مصدر إزعاج لأننا أحزاب متعدّدة ومتنوعة ومع ذلك فالإرادة موجودة لتقريب وجهات النظر.

وقد اتفقنا منذ البداية على أن يحافظ كل حزب على ذاتيته وأن نجتمع حول القضايا الهامة ونتوحّد فيما نتّفق عليه ونتسامح فيما نختلف فيه وهذا هو الشعار الذي نسير عليه إلى اليوم وأعتبره إيجابيا.

وقد خضنا قبلا نقاشات معمّقة حول الدستور وغيره وحول تداعيات الوضع المصري على تونس والآن حول مسألة حلّ المجلس التأسيسي وإسقاط الحكومة وقد اجتمعت الهيئة العليا للاتحاد وكذلك الأمناء العامون وقربنا وجهات النظر واتفقنا مؤخرا على مزيد التعمّق في الموضوع حتّى نخرج بتوجه موّحد.

اجتمعتم مؤخرا مع الجبهة الشعبية ومع بعض الأحزاب الأخرى و مكونات من المجتمع المدني وأعلنتم في الأخير اعتزامكم القيام بمؤتمر وطني للإنقاذ يحتمل على إثره تشكيل حكومة إنقاذ فهل تراجعتم عن ذلك..؟

عقدنا في السابق لقاء تشاوريا بيننا وبين الجبهة الشعبية وقد تقدمّنا عن البيان الذي أّصدر في السابق، ونحن خلال اجتماع الأمناء العامين مؤخرا تطلعنا إلى اجتماع هيئتين هيئة الاتحاد من أجل تونس وهيئة الجبهة الشعبية لنتشاور أكثر في هذه المسائل قبل أن نتحدث عن أي مبادرة أخرى، ذلك أنّ وجهتنا اليوم هي رفض الفراغ ومنزلقات العنف لأن الضحيّة الأولى لهذه المنزلقات ستكون الانتقال الديمقراطي وعموم المواطنين.

وبالتالي اتفقنا على أن نسير نحو انجاح الانتقال الديمقراطي و التسريع في إنهاء مهام المجلس الوطني التأسيسي وكتابة الدستور وإجراء الانتخابات القادمة في أسرع وقت ممكن، خاصة وأنّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد تم التوافق حولها مؤخرا، في انتظار أن نصادق عليها في الجلسة العامة وتبدأ العمل وفي انتظار أيضا بعث القانون الانتخابي وتوفير المناخ الملائم لهذه الانتخابات بمواجهة العنف السياسي وحل رابطات حماية الثورة ورفع الغموض على قضية مقتل شكري بلعيد وتحييد الإدارة والمساجد والنأي بهما عن التجاذبات السياسية ومراجعة كل التعيينات التي قامت بها حركة النهضة، وسنسعى للضغط من أجل تحقيق ذلك. وجميع المبادرات المطروحة للإسراع بهذا المسار وتثبيت الديمقراطية هي بصدد الدرس، وهناك مقترحات لهيئات تتشكل في هذا الاتجاه بالذات نحن بصدد مناقشتها وعلى هذا الأساس سنحدّد موقفنا النهائي.

أمّا المبادرات التي تسعى إلى توتير وتعفين الأوضاع وتسير بتونس نحو المجهول لا يمكن للاتحاد من أجل تونس أن يسير فيها وهذا ما اتفقنا عليه مؤخرا.

وما الذي يضمن نجاح هذه المبادرة خاصة وأن عديد المبادرات قد طرحت في السابق وفشلت..؟

ما يضمنها أمران وحدة الديمقراطيين ومزاوجة الضغط والحوار وأن يفهم الخصم أنه إذا لم يستجب لما ذكرت سابقا ويقدم العديد من التنازلات فإن البلاد ستسير لا قدّر الله إلى الهاوية وسيأتي الأمر على الأخضر واليابس وندخل في دوامة من العنف، ولذلك نحن سنستميت في الدفاع عن تونس وفي الحفاظ عليها وأعتقد أننا قادرون على ذلك، ورغم الصعوبات فأنا متفائلة.

وهل نفهم من خلال كلامك هذا أنكم لن تدعموا حركة تمرد..؟

أنا مع تمرد سلمي من أجل أن ينهي المجلس الوطني التأسيسي مهامه، أنا مع تمرد سلمي وطني من أجل أن نحقق شروط الانتقال الديمقراطي وشروط الانتخابات ، أنا مع هذه الحركة الشعبية من أجل أن تقع الانتخابات في آجالها، ولكن لا يمكنني أن أساند طروحات أعتقد أنها هامشية تنادي بحلّ المجلس التأسيسي وتنادي بالسيناريو المصري ولن تزيدنا إلّا توجها نحو المجهول وإطالة لهذه المرحلة التي طالت أكثر مما ينبغي، ولا أعتقد أن هناك تونسيا وطنيا غيورا يريد لبلاده هذا السيناريو. وهذا موقف وتوجه وطروحات الحزب الجمهوري وسنواجه كل الدعوات لحلّ المجلس الوطني التأسيسي ولإسقاط الحكومة، نحن نعارض الحكومة ونعتقد أن أداءها سلبي للغاية ولم تتقدم في الاستجابة إلى مطالب الشعب ولكن الوضع يحتّم علينا الآن معارضة تكرار السيناريو المصري.

وحديث البعض عن إمكانية القيام بتحوير وزاري هو مضيعة للوقت ولا يمكنه أن يغطي هذا الفشل وإن كانت هناك مهمة للحكومة الحالية فهي الاستجابة لمطالب الشعب التونسي في توفير مناخ آمن لانتخابات قادمة حرّة ونزيهة.

أخيرا ما الدروس التي يمكننا أن نستخلصها من خلال التجربة المصرية..؟

الدرس الأول الّذي يمكننا استخلاصه هو أنّ من هم في الحكم والذين يغطون أعينهم ويصمون آذانهم على مطالب الشعب ويتغطون بالشرعية لتبرير الاستبداد ولا يستمعون لمطالب هذا الشعب لا يمكن أن يسيروا سوى لما سارت إليه مصر، وبالتالي ما وقع في مصر يتحمل مسؤوليته الحكام الذين جاء بهم صندوق الاقتراع والذين خدموا فئة دون أخرى. وأرجو من الحكام في تونس أن يتعظوا من هذا الدرس، فالشرعية الانتخابية ليست تعلة لتبرير الاستبداد.

أمّا الدرس الثاني فيتمثّل في ضرورة إبقاء المؤسسة العسكرية في نأي عن التجاذبات السياسية ، فهي الحامية للبلاد والعباد من كل استهداف داخلي أو خارجي وهي مطالبة بالحياد السياسي وأن لا تنصر جزء من الشعب ولو كان أغلبيا على جزء آخر.

والدرس الثالث في اعتقادي هو أنّ الاستقرار لا يمكن أن يتمّ إلا بالتحركات السلمية وليس بالعنف، والسيناريو المصري يقول لتونس حذاري من العنف والاقتتال ويقول للأحزاب السياسية الديمقراطية تكاتفوا وتوحدوا من أجل أن ينهي المجلس الوطني التأسيسي مهامه في أحسن الظروف وأن لا نسير إلى المجهول الذي سارت إليه مصر.

ودورنا نحن أن لا يتكرر ذلك السيناريو في تونس، و الإرادة السياسية ودعم كل الحركات الديمقراطية ووحدة الديمقراطيين والتعبئة في الشارع بشكل سلمي ومواجهة حركة النهضة لحملها على التنازل في مجمع النقاط التي ذكرتها سابقا وإنهاء هذه المرحلة في أسرع وقت وإجراء انتخابات نزيهة، كلها مقومات وضمانات تجعلنا نتفادى تكرار السيناريو المصري.

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

المرسوم عدد 55 لسنة 2022: تخوفات من خسارة المرأة التونسية لمكتسباتها

فادية ضيف كان اختيار تونس عاصمة “المرأة العربية ” لسنتي 2018 و 2019 و عاصمة …