التغوّل التركي في السوق الليبية ينهك الإقتصاد التونسي

لم يعد النظام التركي يخبأ نواياه تجاه الدول العربية، بل وبكل صراحة أصبح الرئيس التركي يتحدث عن أحقية بلاده في التواجد على أراضي تلك البلدان لأنها وببساطة كانت جزءاً من الامبراطورية العثمانية التي يحلم أردوغان بإعادة إحيائها.
فقد أكد أردوغان  في خطاب له في تشرين الأول الماضي أمام منتدى “تي آر تي ورلد” والذي عقد في إسطنبول ، على حق بلاده في التدخل بالشأن الليبي، معللاً ذلك بحسبان ليبيا إرث أجداده وجغرافيتها جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، حسب تعبيره.
إذ قال  :”الأتراك يتواجدون في ليبيا وسوريا، من أجل حقهم، وحق إخوانهم في المستقبل” ثم أردف :”الأتراك يتواجدون في جغرافيتهم احتراما لإرث الأجداد”.
إذ تعتبر ليبيا بالذات أثناء حكم الزعيم الرّاحل معمر القذافي سوقاً مهمة لقطاع الإنشاءات التركي. فقد ضخت أنقرة أموالاً في المؤسسات الليبية للاستثمار قبل توقفها عقب سقوط القذافي، فضلاً عن منطقة الهلال النفطي وحقول النفط في الجنوب، فبدلت أنقرة مواقفها وقناعاتها، وهو ما دفعها للتعويل على التيارات المتشددة والمجموعات المسلحة على أمل أن يكون لها دور في دولة غنية بالنفط وبمخزونات الغاز وتتاخم طرقا تجارية هامة في البحر المتوسط، كما تعمل أنقرة على جعل ليبيا سوقاً للسلاح التركي، ولا سيما الطائرات المسيرة.
وتسيل احتياطات الطاقة الليبية لعاب الكثير من دلو العالم لبما فيها تركيا التي تسعى لضمان حصة لها من هذه الاحتياطات، إذ قالت وكالة الطاقة الأمريكية أن احتياطي النفط الليبي ارتفع من 48 مليار برميل إلى 74 مليار برميل وبذلك تحتل ليبيا المركز الخامس عالمياً في احتياطيات النفط الصخري بعد روسيا و أمريكا و الصين و الأرجنتين.
فضلا عن أن تركيا تريد ضمان حصة من إعادة الإعمار في ليبيا لتعويض الخسائر والأضرار التي لحقتها بفعل الاضطراب السياسي والأمني في ليبيا الذي أنتج أزمة متعددة الأبعاد.
وقدرت قيمة التبادل التجاري قبيل اندلاع الأزمة الليبية إلى 10 مليارات دولار، كما أعلنت ليبيا عن تقديم استثمارات بقيمة 100 مليار دولار للشركات التركية إلى غاية 2013، واستثمارات بقيمة 15 مليار دولار في مجال البناء والتشييد لصالح تركيا، ومنذ 2010، بلغ عدد المشاريع التي دخلت حيز التنفيذ 160 مشروعا فيما تقدر الأعمال التي وصلت مرحلة التسليم قبل الحرب الأهلية بـ3-4 مليارات دولار.
في ذات السياق،استغلت تركيا لصالحها انحسار المبادلات التجارية بين تونس و ليبيا في ظل النزاع المستمر وأزمة وباء كورونا وما تبعها من غلق للمنافذ الحدودية لتغرق السوق الليبية بسلعها الرخيصة وتقصي المنتجات التونسية باعتبار أن تونس كانت أبرز شريك اقتصادي قبل الحرب.
إذ بدأت ملامح الاتفاقية المثيرة للجدل بين حكومة الوفاق الوطني الليبية وأنقرة تنعكس بوضوح على الاقتصاد التونسي، الذي تضرر بفعل غزو البضائع التركية إلى البلد الجار الغارق في دوامة الحرب منذ تسع سنوات.
وتشير التقديرات إلى الانحسار الكبير في حجم السلع التونسية بالأسواق التجارية الليبية ولاسيما في المنطقة الغربية بواقع 70 في المئة عما كانت عليه في السابق، لتحل محلها البضائع التركية.
وتراجعت المبادلات التجارية بين تونس وليبيا من قرابة ثلاثة مليارات دولار في عام 2010 إلى 600 مليون دولار بنهاية العام الماضي، كما تراجع عدد العمالة التونسية في ليبيا من 150 ألفا إلى بعض الآلاف فقط، ما من شأنه زيادة معضلة البطالة.
ولا تغزو السلع التركية وحدها أسواق ليبيا حيث تتواجد بكثافة السلع الصينية، غير أن المنتجات التركية حلت بالأساس مكان المنتجات التونسية خصوصا المواد الغذائية والألبسة والصناعات التحويلية.
وزاد غلق الحدود بين البلدين في أعقاب إجراءات مشددة لمكافحة كورونا من أزمة التصدير نحو ليبيا، إضافة إلى عدم انتظام الخط البحري التجاري بين محافظة صفاقس جنوب شرق البلاد والعاصمة الليبية طرابلس جراء الكلفة المالية وقصف الطيران الحربي.
ويعتبر التجار في مدينة بنقردان الحدودية  أن تواصل الحال على ما هو عليه الآن سيتسبب في أزمة معيشية عميقة بالنظر إلى أن أغلب العائلات تعيش على الدخل اليومي المتأتي من التجارة مع ليبيا.
من ذلك،قال أمين عام مجلس الأعمال التونسي الأفريقي أنيس الجزيري في تصريحات صحفية “إن الحرب الأهلية والتدخل الأجنبي وتداعيات فايروس كورونا في ليبيا أثرت بوجه الخصوص على مصالح تونس،كما أنالتدخل الأجنبي في ليبيا مكّن الأطراف المتدخلة من موطئ قدم في السوق الليبية، وهو ما يمكن ملاحظته من إغراق السوق بالسلع التركية خصوصا في المنطقة الغربية، حيث حلت مكان السلع التونسية، التي كانت إلى وقت قريب هي المهيمنة على السوق الليبية”.
تعتبر تونس متضرّر رئيسي في السوق الليبية التي كانت تمثل عنصر توازن للإقتصاد التونسي كإطار لضمان شكل من السلم الإجتماعي خاصة للمنطقة المتاخمة لليبيا،هذا الدور الجديد لتركيا الذي تلعبه في ليبيا لا يتنزل في إطار منطق المنافسة الإقتصادية للسلع على الأراضي الليبية بل مرده تسهيلات السلطة الليبية في طرابلس من أجل الدفع نحو إنقاذ الإقتصاد التركي المنهك فضلا عن دفاع الإسلاميين في تونس ليكون للأتراك موطئ قدم في المنطقة.

بوابة افريقيا للاخبارية

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

تستحوذ على غالبية الثروات.. تعرف على مستوطنات الضفة الغربية

تحتل مستوطنات الضفة الغربية المحتلة أكثر من 2400 كيلومتر مربع تمثل ما يزيد على 42% من مساحتها …