الكاف: تعديلات في القانون الانتخابي ألغت مبدأ التناصف على مستوى الترشحات

بقلم محمد جوادي

نسرين عثماني 25 سنة تقطن بالكاف المدينة، لازالت تزاول دراستها كطالبة بالسنة أولى ماجستير مهني في التصرف الانتخابي والديمقراطية.

اعتقدت الطالبة نسرين أن يوم 25 جويلية 2022 سيكون تاريخا حافلا تشهد فيه تونس ومواطنيها تغيرات إيجابية تدفع المواطنين للعيش في كنف النزاهة.

 

 

وترى كذلك أن مشاركتها كامرأة في الحياة السياسية عامة وفي ولاية الكاف خاصة شيء مهم. لذلك فكرت نسرين بتقديم ترشحها لكنها وجدت أمامها قانونا لم يمكنها من ضمانات كفيلة لتكريس المساواة مع الرجل. فقد تم تنقيح القانون الانتخابي بالمرسوم عدد 55 لسنة 2022 من قبل رئيس الجمهوريّة ليتم إلغاء مبدأ التناصف عند الترشح للانتخابات.

هذا التعديل الجديد دفع نسرين إلى التراجع عن الترشح كغيرها من مترشحات بولاية الكاف خوفا من عدم التمتع بحقوقها أو عدم إيجاد تمثيليّة قويّة للمرأة في البرلمان القادم.

يذكر أن المجلس التأسيسي التونسي صادق على القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 والمتعلق بالانتخابات والاستفتاء، الذي شهد تعديلات متواترة بمقتضى القانون الأساسي عدد 7 لسنة 2017 ثم تنقيحا للمرة الثانية بمقتضى القانون الأساسي عدد 76 لسنة 2019 وتنقيحا ثالثا بمقتضى المرسوم عدد 34 لسنة 2022 حتى نصل إلى التعديل الرابع الذي جاء به المرسوم عدد 55 لسنة 2022 بتاريخ 15سبتمبر سنة 2022.

 

ما الجديد الذي جاء به المرسوم عدد 55 لسنة 2022 لتعديل القانون الانتخابي؟

 

 

قانون انتخابي يحقق التناصف على مستوى التزكيات وليس الترشحات:

 

نص دستور سنة 2022 في الفصل 39 منه على أن الدولة تعمل على ضمان تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة، حيث أنها ضمانة قانونية دستورية للمرأة ولتواجدها وتمثيلها في المجالس سواء النيابية أو البلدية أو غيرها من المجالس المنتخبة.

كما نص الفصل 51 من الباب الثاني للدستور على أن الدولة تسعى إلى تحقيق التناصف بين الرجل والمرأة في المجالس المنتخبة وهو ما يعني أن لها نفس الضمانات مثلها مثل الرجل حتى تكون متواجدة بمجلس النواب القادم موضوع انتخابات تشريعية يوم 17 ديسمبر سنة 2022.

ورغم الضمانات القانونية الصريحة التي نص عليها الدستور الذي يحتل أعلى سلم القواعد القانونية، إلا أن القانون الانتخابي الذي يحتل مرتبة أسفل من الدستور والذي تم تعديله وفق المرسوم عدد 55 لسنة 2022 لم يمكن المرأة من مبدأ التناصف على مستوى الترشحات بل اقتصر على التناصف على مستوى التزكيات حيث أقر ضمن شروط الترشح أن تمضي المرأة على نصف التزكيات أي 200 تزكية.

وهو ما مثل عائقا أمام النساء التونسيات اللاتي قدمن ترشحاتهن خلال الأيام الأولى لقبول الترشحات، بالمكاتب التي خصصتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في الغرض.

 

يذكر أن القانون الانتخابي بعد التعديلات التي جاء بها المرسوم عدد 55 لسنة 2022 أثار جدلا واسعا في صفوف التونسيين الذين عبروا عن استيائهم من هذا القانون الذي كان سببا في ضعف مشاركة المرأة في الحياة السياسية وعدم بروزها بشكل مكثف في المشهد السياسي المقبل.

وفي نفس السياق صرحت الناشطة النسوية والنائبة المستقلة بمجلس النواب سنة 2019 عن ولاية الكاف، الآنسة مريم اللغماني أن القانون الانتخابي على شكله الحالي مثل لها عائقا كامرأة شابة قدمت ترشحها على مستوى الدائرة الانتخابية “الكاف الغربية، الكاف الشرقية” باعتباره لم يعطها الحق لتكون شريكا حقيقيا للرجل في بناء الوطن وهنا أكدت المتحدثة أن القانون الانتخابي سبب تمييزا واضحا مورس ضد النساء المترشحات.

وعبرت عن رفضها في أن تكون لها مشاركة محدودة كالإمضاء على التزكيات والتصويت فقط.

تجدر الإشارة الى أن مريم دعت إلى تغيير القانون الانتخابي على شاكلته الحالية في الانتخابات البلدية القادمة “لأنو قانون سيئ” خاصة على مستوى التناصف الأفقي والعمودي ونسبة التمييز الإيجابي للمرأة حسب تعبيرها، وهو سيؤثر على تمثيلية المرأة في المجلس النيابي القادم بصفة سلبية “ما فما حد باش يعارك على النساء قد النساء” خاصة على مستوى التشريعات والقوانين التي سيصدرها المجلس النيابي القادم.

 

 

كذلك لم ينكر السيد ياسر قوراري أصيل ولاية الكاف الذي قدم ترشحه عن الدائرة الانتخابية “الكاف الغربية، الكاف الشرقية” أن التعديلات التي جاء بها المرسوم عدد 55 لسنة 2022 على القانون الانتخابي أضعفت حظ المرأة في المشاركة عبر الترشح لانتخابات البرلمان سنة 2022 وهو ما يتم استنتاجه من النتائج الصادرة عن هيئة الانتخابات الى حدود اليوم الرابع حسب تعبيره “من غير المعقول وجود برلمان ذكوري”.

 

 

في نفس السياق ترى السيدة آمال العرباوي رئيسة جمعية جسور المواطنة بولاية الكاف أن تمثيلية المرأة في مجلس النواب سنة 2022 ستكون ضعيفة.

 

 

وأرجعت ذلك إلى أن المجتمع لازال لا يقرأ البرامج الانتخابية بل يصوت حسب الأشخاص ومع وجود مجتمع ذكوري تصعب فيه إمكانية التصويت لامرأة مترشحة وفقا لأفكارها وبرامجها.

 

 

نظام اقتراع على الأفراد في تونس يؤدي إلى إقصاء الأحزاب السياسية وإقصاء المرأة

بداية علينا القول إنه لا يمكن كتابة القوانين كالقانون الدستوري وتوابعه من أنظمة سياسية وأنظمة الاقتراع والقانون الانتخابي دون الغوص في أعماق الواقع المعيشي إذ أن هذا الأخير يجب أن يتلاءم مع كل القوانين المذكورة سابقا، فالنظام السياسي الجيد والقانون الانتخابي الجيد هو الذي يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الموجودة في دولة معينة للواقع المعيش والعقلية المواطنية وخصوصيات فئات ناخبيه.

 

 

يرى السيد خالد الدبابي أن نظام الاقتراع على الأفراد في تونس سيؤدي إلى نتيجتين اثنتين هما إقصاء الأحزاب السياسية وإقصاء المرأة، بحيث أننا في إطار بيئة ثقافية وحضارية ذكورية لا يمكن نكرانها، إلى جانب أحزاب تدعي أنها ديمقراطية ولكن في الواقع مشاركة المرأة فيها نادرة.

إذ تتمثل خطورة نظام الاقتراع على الأفراد في تهميش دور الأحزاب وتهميش هاته العملية التي تصير داخل المؤسسات الحزبية من عقلنة الحياة السياسية بصفة عامة وعقلنة الترشحات بصفة خاصة في إطار المسألة الانتخابية.

وعلى سبيل المثال الأنظمة الأنجلوسكسونية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا، يترشح الأفراد في دوائر انتخابية مرتكزة على نظام الاقتراع على الأفراد بحيث يكونون مترشحين من حزب لأن الحزب مهيكل وقادر على القيام بالترتيبات الضرورية من أجل إعداد أرضية ملائمة لتقديم ترشحات على المستوى السياسي وقائمة على برامج تأخذ بعين الاعتبار تمثيلية الشباب والنساء.

كما تابع الدبابي الحديث عن بريطانيا، يقول أن حزب العمال أو المحافظين ببريطانيا والحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية هي أحزاب قديمة على المستوى التاريخي بحيث أن الحزبين ببريطانيا لهما وجود لقرون من الزمن ومهيكلة ولهما تاريخ في تأطير المواطنين واستقطابهم وفي العمل الميداني والتأثير على الشارع ولهما إمكانيات لوجستية وسياسية ومالية وخطابية وقيادية قادرة على تعبئة الشارع وبالتالي لهما وساطة ضرورية في الديمقراطية بين الشعب والنخب المتمثلة أساسا في العملية الانتخابية في الحزب لأن المواطن العادي حسب رأي الأستاذ خالد الدبابي، لا يستطيع حكم نفسه بنفسه بل يحدد مطالبه ويمكن سماعه لتحديد مشاغله ومشاغل جهته. لكن بلورة هاته المشاغل والمطالب في إطار برنامج منطقي وسياسي وموضوعي قائم على برنامج حقيقي وخطة واضحة للحكم لتطبيق هذا البرنامج تقوم به الأحزاب السياسية التي هي عقل الديمقراطيات.

ويفسر الدبابي حيثيات المشهد السياسي في تونس قائلا أن البلاد التونسية مرّت بنظام اقتراع على الأفراد مباشرة مع منظومة حزبية هشة ميزت المشهد السياسي التونسي منذ سنة 2011 فسيكون عدد النساء المترشحات قليلا وهو ما يضر بنسبة تمثيلية المرأة في تونس وهذا ما يتعارض مع ما ينص عليه الفصل 51 من دستور سنة 2022. فالمنظومة الحزبية تتكون من أحزاب قائمة على أشخاص وليست أحزاب مؤسسات قائمة على مؤسس الحزب وزمرته المحيطة به يغيب فيه الطابع المؤسساتي والعمل اليومي لتعبئة الشارع فهي أحزاب مواسم انتخابية فقط تتحرك قبل الحملة الانتخابية وإثر انطلاقها ثم تختفي … فهناك أحزاب تأسست واندثرت وأخرى جديدة تأتي من عهدة لأخرى في مشهد حزبي متغير بقي فيها فاعل سياسي وحيد بقي موجودا منذ سنة 2011 إلى يوم 25 جويلية 2021 هو حزب حركة النهضة.

وأمام خارطة حزبية هشة وضعيفة وغير قادرة على تعبئة الشارع على المستوى الوطني ولا على المستوى المحلي الضيق بالتالي المرأة هي التي ستدفع الثمن في ظل غياب أحزاب سياسية مهيكلة على الشكل الأنجلوسكسوني حاضرة لنظام الاقتراع على الأفراد وقادرة على العقلنة، وسيكون الناخب ضحية لاعتبارات السلطة المالية في الجهة مما سيفتح الباب أمام أي شخص له نفوذ مالي أو قبلي أو تاريخي أو اقتصادي ومما سيفتح المجال أمامه في هاته الدائرة الانتخابية ليكون له تأثير كبير على صوت الناخب آنذاك، إلى جانب الإضرار بمسألة التناصف لأن المرأة في دائرة انتخابية ضيقة سيكون من الصعب عليها التحصل على الشروط الشكلية والإجرائية الضرورية لتقديم ترشحها مثلا جمع عدد 400 تزكية حسب ما ضبطه القانون الانتخابي في ظل بيئة ثقافية وحضارية ذكورية لا يمكن نكرانها.

بالتالي سيكون عدد النساء المترشحات قليلا وهو ما يضر بنسبة تمثيلية المرأة في تونس وهو ما يتعارض مع ما ينص عليه الفصل 51 من دستور سنة 2022.

 

 

لا ينكر خالد الدبابي تطوّر القوانين المتعلقة بالتناصف الأفقي والعمودي فقد تم فرضها بالقانون الانتخابي الذي مكننا من حد أدنى لتمثيلية المرأة في المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011 بعدد 49 نائبة من مجموع 217 نائب ثم العهدتين لمجلس نواب الشعب سنة 2014 حين بلغت نسبة تمثيلية المرأة عدد 72 نائبة من مجموع النواب وسنة 2019 بعدد 51 نائبة من العدد الجملي للنواب رغم تراجعها في السنوات الأخيرة.

ويضيف أنه رغم الأسس الأولى لإكمال مشوار التناصف إلا أن المرسوم عدد 55 لسنة 2022 تقهقر بنا إلى وضعية ستكون فيها المرأة غير متواجدة بصفة تقريبية أمام مجلس نيابي ذكوري بامتياز.

 

 

أما عن الحلول المقترحة، فقد حدثنا السيد خالد الدبابي عن اشتراط التناصف في الترشحات في كل دائرة انتخابية بحيث يكون فيها عدد المترشحين متناصفين بين الذكور والإناث أو أن يمثل كل مترشح ولو بصفة فردية تيارا معينا بما يعني أن على كل تيار معين ترشيح امرأة ورجل في نفس الوقت ليكون هناك تمثيلا متناصفا بين النساء والرجال بطريقة تجعلنا نرسي بعض أدوات التمييز الإيجابي ونوع من المساواة لتجاوز اختلال تكافئ الفرص.

 

أضعفت التعديلات على القانون الانتخابي من ترشحات المرأة بولاية الكاف وتوقعات بمجلس نواب ذكوري بامتياز، إلى جانب صعوبات وتحديات للمرأة التونسية تزيد من الحيرة على مستقبل تمثيلية المرأة في البرلمان القادم ومشاركتها الفعالة في الحياة السياسية.

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

وزير الفلاحة يؤكد أن الظرف على المستوى الفلاحي صعب وخاصة في ما يهم الموارد المائية

أكد وزير الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية، عبد المنعم بالعاتي، على هامش زيارة عمل أداها …