النائبة السوريّة ماريا سعادة: نشهد مرحلة مخاض تاريخي جديد لولادة نظام سياسي عالمي ستكون سوريا محوره و مركز ثقله

حاورتها هدى القرماني

القضية السوريّة ملف شغل ولازال يشغل بال المحلّلين والمشاهدين والمتابعين لما يحدث على الساحة الإقليمية وحتى الدولية وقراءات متعدّدة حول هذه القضيّة تختلف من عربية عربية إلى غربية.

فما حقيقة ما يحدث في سوريا..؟ وما حقيقة استخدام السلاح الكيمياوي من قبل النظام السوري..؟ وماذا تنتظر سوريا من مؤتمر جينيف 2..؟ وما مدى تأثير ما يحدث إقليميا الآن على القضية السورية..؟ وأيّ موقف من تدخل حزب الله في المعارك داخل الأراضي السورية..؟ وهل بالإمكان أن يتمّ التفاوض بين النظام السوري والمعارضة السورية..؟ وما صحّة الأخبار التي نشرت حول رفع الحكومة السورية لدعوى قضائية ضدّ تونس..؟

عن كلّ هذه الأسئلة وغيرها أجابتنا النائبة السورية المستقلة ماريا سعادة وكان معها هذا الحوار.

بوصفك نائبة مستقلّة كيف تقييمين الوضع الحالي في سوريا اليوم..؟

بعد سنتين من الأحداث المتتالية خلال الأزمة السورية أجد أن عامل الزمن كان اللاعب الأهم والورقة الرابحة التي كشفت زيف هذه الحرب المعلنة على سورية والتي كانت تنادي بأسباب ظاهرة لإسقاط النظام في سورية معتمدة على أدواتها من الشعب السوري المغرر به، وعلى بيئة حاضنة صاحبة حق و لها مطالب محقة و تنادي بإصلاح حقيقي ركبت عليها مصالح خارجية و بنيت عدة سيناريوهات لابد من تسليط الضوء عليها فقد بدأت من تحريض المظاهرات في الداخل السوري ومحاولة التصعيد المدفوع لها بقيم مالية ثابتة للمتظاهرين ثم عملية تسليح هؤلاء و إشعال الفتنة بين جميع الأطراف بواسطة عملاء مدفوعين أيضا ً.

كما رفعت الشعارات التي وضعت بعناية للمطالبة بالحرية و الديمقراطية و حقوق الشعب و حماية المدنيين وتغيير العلم كهوية بصرية جديدة وبالرجوع إلى علم الانتداب والذي يحمل الكثير من الدلالات، و شراء بعض القيادات في الجيش وفي السلطة واستعمال مصطلح الانشقاقات وغيرها من المؤثرات البصرية والسمعية عدا عن زعزعة العامل الاجتماعي بفرز المجتمع ما بين موالي ومعارض ثم محاولة تفتيت المجتمع بالاعتماد على العامل الطائفي و تغذية الطائفية بعدة وسائل لاسيما وسائل الإعلام التي كانت تدير هذه الحرب من البداية بالتحريض الإعلامي الممنهج والمخطط الذي حرّض وشوّه الحقائق واختلق الأحداث فكانت أكثر من 200 قناة عالمية تعمل على ذلك ، كما تم اعتماد التفجيرات لنشر الذعر و الخوف و الترحيل و التهجير.

إلى جانب ذلك تمّ قطع العلاقات الدبلوماسية وحجب كل القنوات مع الخارج، ولاسيما الإعلام السوري، التي من شأنها إظهار الحقائق أو نقل الوقائع كما هي بالإضافة إلى وضع العقوبات الاقتصادية والسياسية للضغط أيضاً في الجوانب الأخرى و التي أثرت على الشعب بشكل مباشر و ليس على النظام.

ثم بدأ يظهر تورط الدول المجاورة وبعض دول الخليج كقطر والسعودية التي كانت تموّل وتسلّح ،وتركيا التي كانت تستعمل أراضيها في التدريب والتسليح والتحريض وكل ذلك تحت شعار إسقاط النظام، وأيضاً ظهر دور دول الغرب والولايات المتحدة المتواطئ في التحريض والتخطيط والإدارة و إرسال المرتزقة والمتطرفين والقاعدة وتصنيع معارضة خارجية مرتبطة بأجندات واضحة ذات مصالح للدول التي تموّلها وتدرّبها وتحاول إعطاءها الشرعية.

علاوة على ذلك تمّ ضرب الصناعة والزراعة والبنية التحتية وخطوط النفط و غيرها وسرقة المصانع والمنتجات وخاصة من قبل تركيا بالإضافة إلى انتهاك الآثار و تدميرها و سرقتها، إلا أن تدخّل إسرائيل في مرحلة متأخرة بعد أن كانت خارج المشهد السياسي والاعتداء على سورية بضرب مواقع عسكرية زعمت أنها تحوي أسلحة كيماوية وانتهاك القوانين الدولية واتفاقية الهدنة مع سورية قد حرّف مسار الأزمة بشكل علني من صفة داخلية سورية إلى إقليمية دولية.

و من هنا نجد أن عامل الزمن وطول فترة الأزمة قد كشف الحقائق و الأسباب الحقيقية لتلك المؤامرة التي يمكننا تقسيمها إلى ثلاث مستويات داخلية و إقليمية ودولية.

وكيف ذلك..؟

على المستوى الداخلي سعوا إلى إضعاف سورية كدولة بالاعتماد على تفتيت المجتمع طائفياً وضرب بنية الدولة وهويتها السياسية والمجتمعية والاقتصادية والثقافية وتغيير نظامها السياسي العلماني إلى نظام تابع مبني على أساس ديني. أمّا على المستوى الإقليمي فسعوا إلى ضمان استدامة إسرائيل و ذلك بضرب خط المقاومة المحافظ على توازن القوى في المنطقة ولاسيما بالنظر إلى وضع إسرائيل المهدّد بعد الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها أمريكا والاتحاد الأوروبي والذين كانا يشكلان سنداً قوياً داعماً لها. كما سعوا إلى وضع خريطة شرق أوسطية جديدة تعتمد على حكم الإخوان المسلمين أي حكم مبني على أساس ديني و تحويل أنظمة المنطقة من أنظمة قومية إلى أنظمة دينية.

و على المستوى الدولي برز صراع على موارد الطاقة (النفط والغاز) وعلى خطوط المرور والسيطرة على القرار السياسي الدولي.

وكلّ هذه الأبعاد الكبيرة التي كانت ستتحقق بإسقاط النظام السوري، كما أسقطت أنظمة أخرى ابتدأت من العراق ثم تونس ومصر وليبيا ،تفشل اليوم بسبب عامل الزمن الذي يكشف الحقائق ويغيّر أوراق اللعبة التي ستؤدي إلى مخاض نظام سياسي واقتصادي جديد وبالتالي مفاهيم وقيم مجتمعية وإنسانية جديدة.

واليوم نجد أن الميزان ينقلب لصالح سورية بالتدريج سواء من خلال ظهور ميزان قوى جديد روسي- أمريكي أو بسبب اختلاف الرأي السياسي الأوروبي حول الأزمة السورية وأسباب حلّها و غرقهم بأزمة اقتصادية تفرق مصالحهم ، أو من خلال تكشّف أدوار بعض الدول العربية و تركيا المتواطئة و انتهاكاتها المعلنة، وفشل الأنظمة الجديدة ، بالإضافة إلى أن الدور الأوروبي لبعض السياسات المتواطئة في الحرب على سورية أصبح واضحا ًمن قبل مجتمعاتهم التي أدركت أن سياستها تسخر من عقول شعوبها مما سيفجر في الأجل القريب حراكا ًمجتمعيا ً في أوروبا، و هذا عدا عن دور روسيا والصين وبقية دول “البريكس” ( الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم : البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) الصاعد المساند لسورية.

وهل تعتقدين حدوث تغيير في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه سوريا من ناحية وتجاه المنطقة ككلّ بعد صعود الرئيس الإيراني الجديد..؟

تعتبر إيران دولة مؤسسات قوية بنت نفسها بدقة عالية على مدى ثلاثين عاماً وإن أي دور رئاسي جديد لا يغير الإستراتيجية الإيرانية والسياسة المرسومة لإيران، وبالتالي فإن أي رئيس جديد هو منفذ للسياسة الإيرانية ولاسيما أن ملفات السياسة الخارجية المتراكمة عبر السنين هي بأيدي الكثير من المؤسسات التي يتكامل عملها معاً وتبقى شخصية الرئيس الجديد هي من يضفي التفاصيل على التنفيذ وآلياته. وقد أثبتت إيران في انتخاباتها الأخيرة لرئيس الجمهورية قوة الدولة الحقيقية بدرجة الديمقراطية العالية التي ظهرت فيها.

أحداث مأسوية تشهدها مصر هذه الفترة فهل من تـأثير ترينه لما يحدث في مصر وما حدث في تركيا وأيضا لتغيير الأمير القطري على القضيّة السوريّة..؟ وكيف ذلك..؟

المطلوب اليوم حسب سياسة أمريكا والغرب هو تنفيذ خريطة شرق أوسطية جديدة تعتمد على حكم الإخوان المسلمين أي تحويل أنظمة الحكم العربية من أنظمة قومية إلى إسلامية تقوم على أساس ديني متطرّف و ضرب خط المقاومة لحماية إسرائيل تشكّل سورية فيه مفتاح العقد. وعلى هذا نجحت في زرع الأنظمة الجديدة بداية في العراق ثم تونس و بعدها في مصر و ليبيا و زرعت نظام أردوغان في تركيا الذي يلعب تارة على العلمانية للدخول في الإتحاد الأوروبي و ضمنيا ً يغذي أساسه الديني.

وقد كشف عامل الزمن و صمود سورية حتى اليوم ضد هذه الحرب العالمية عليها الكثير من الحقائق و الوقائع ولاسيما سياسة الإخوان الفاشلة في مصر و حتى قدرات المعارضة المصنّعة التي خيبت آمال السياسات التي عوّلت عليها كما انكشفت طبيعة المعارضة التي تموّلها قطر و أخرى تموّلها السعودية و هي غير ما يريده الغرب حسب تحليلي.

وكل تلك العوامل تجعل من الصعب اليوم البناء على هذه الأنظمة التي بدأت تهتز الأرض تحتها واحدة تلو الأخرى و سيسحب البساط منها و ما تغيير الأمير القطري إلا سيناريو جديد يخفي فشل قطر في إسقاط النظام السوري و رمي أوراق لعب جديدة على الطاولة الدولية .

كيف رأيتم الخطوة التي أقبل عليها الرئيس المصري المعزول محمد مرسي بشأن قطع العلاقات مع سوريا..؟ وكيف ترون مواقف الدول العربية إجمالا من القضيّة السورية..؟

لقد أوصل الرئيس المصري السابق مرسي نفسه إلى نهايته بسبب سياسته الواضحة في التبعية إلى أمريكا ولاسيما في خطوة قطع العلاقات مع سورية بدل أن يلتفت إلى قطع العلاقات مع إسرائيل و دعم القضية الفلسطينية و هذا من الطبيعي ألا يسكت عنه الشعب المصري المعروف بأصالته ووطنيته و قوميته مما أشعل الرأي العام المصري و رجالات مصر الوطنيين الذين يرفضون أن يسجّل التاريخ يوما ً نظاما ً في مصر تابعا ً لأمريكا و خائنا للقضية العربية.

و مع الأسف أجد أن باقي الأنظمة العربية لا تحترم عقول شعوبها و تسخر منها و أنا أعوّل منذ زمن على انقلابات الشعوب على أنظمتها الخائنة و التابعة و قريبا ً سنشهد ولادة جديدة للشعوب… فشعوبنا القومية ستغير علوم السياسة في المنطقة برمتها و ستنتج نظاما ً سياسيا ً و اجتماعيا ً جديدا ً و بالتالي اقتصاديا ً جديدا ًيخرج عن نمطية الأنظمة التابعة و سيكون له دور في تغيير الأنظمة العالمية، فنحن نشهد مرحلة مخاض تاريخي جديد لولادة نظام سياسي عالمي سيكون محوره و مركز ثقله سورية التي سيكون لها شأناً دوليا ً وبعدا ً استراتيجيا ً للعالم.

وماذا تتوقعون من مؤتمر جينيف 2..؟ وكيف ترون المفاوضات من أجل انعقاده..؟

جنيف 2 لن يكون قريباً وإذا كان فسيكون هناك جنيف 3 و4 و5 و…. و10. وهذا المؤتمر لن يعقد إلا عندما تكتمل الأوراق التي تستدعي فعلاً المفاوضات بين الدول وتتوضّح معالم الربح و الخسارة لطرف على آخر حتى وإن كان الحاضرون على الطاولة سوريين يمثلون كافة الاتجاهات السياسية بمن فيهم المعارضة الخارجية التابعة لأجندات ومصالح أجنبية.

وواهم من يعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية و حلفاءها يريدون حلا ًسياسيا ً للأزمة في سورية ، وفي اعتقادي أن من يريد الحرب لا ينهيها إلا إذا حقّق مكاسبه أو وصل إلى هزيمته، فأمريكا والغرب شنّت الحرب على سورية ولم تصل إلى مبتغاها بعد ومن خلال قراءتي أجد أننا أمام مشروعي حرب : الأول هو مشروع اقتتال طويل الأمد تدعمه أمريكا يكون فيه الصراع بين قوى النظام والمجموعات الإسلامية بشقيها السلفية المتطرفة (القاعدة) والإخوان المسلمين وتزج فيه باقي القوى الإقليمية كحزب الله ليكون صراعاً طائفياً دينياً ترمي فيه كل القوى التي تريد أن تتخلص منها في ساحة واحدة لإضعاف المنطقة ولصالح استدامة إسرائيل، وهي حرب أمريكية باردة بامتياز لا تخسر فيها الولايات المتحدة أي شيء.

بينما يدعم الغرب الحرب على سورية على أمل إعادة إحالة الموضوع إلى مجلس الأمن ولاسيما التدخل العسكري السريع لصالحهم حتى وإن كان يعتمد ذلك على القوى الموجودة في الداخل و لكن مع عملية إدخال للأسلحة الثقيلة ولذلك هم اليوم يدعمون فكرة التدخل الإنساني وإيجاد سبب إنساني كموضوع اللاجئين لطلب مساعدات إنسانية وبالتالي ممرات آمنة ثم منطقة عازلة لإضعاف قوة سورية الجوّية وهذا المشروع الثاني تبحث فيه الدول الغربية لاسيما فرنسا وبريطانيا على مصالح مباشرة ومكاسب سريعة في سورية.

وهنا نجد أن الطريق الثالث أو مشروع الحل السياسي هو ما تتبناه سورية وروسيا والصين وإيران ودول “البريكس”. فجنيف 2 أو غيره من المحاولات لإيجاد حل سياسي لن يكون مشروع حل بالنسبة لهذا الطرف وإنما طريقاً موازياً لرفد أحد مشروعي الحرب على سورية التي تدعمها الدول الغربية و أمريكا و لن يتغيّر الميزان إلا عندما ترجح كفة القوة الأخرى الشرقية و تصبح الأكثر قوة بإسقاط كل ذرائع هذه الحرب دوليا ً و أهمها صمود سورية ضد المخطط الجديد.

و خاصة أن ما حصل في مصر مؤخراً كان صفعة لأمريكا على مستوى قوة سيطرتها على القرار الدولي و على مستوى فشل نظامها الإسلامي في مصر الذي مهمته فرض سيطرة الإخوان المسلمين في المنطقة، كما أن انتصار الجيش العربي السوري على الأرض ولاسيما في القصير أيضا ً كان فشلا ً للسياسة الأمريكية، و بالتالي لا يمكن أن تجلس أمريكا أو أدواتها على طاولة دولية قبل الرهان على مكاسب بديلة قد تكون بإشعال الفتنة و التصعيد في مصر و كذلك النيل من سورية و من الإرادة الوطنية و الرهان على تسليح المعارضة و كسب جولات على الأرض و لكن لا شيء يعّوض خسارتها التي ستتداعى أوراقها واحدة تلو الأخرى.

البعض يقول أنّ تسليح المعارضة قد يقلب الموازين ميدانيا لصالحها..فهل يمكن في اعتقادك ذلك..؟

إن أيّ عملية تسليح هي عملية تصعيد وهذا يذكّرني تماماً عندما كانت الدول تتسلّح قبل الحرب العالمية الأولى أو الثانية ولكن اليوم القوى هي محلية بسلاح ودعم دوليين وإن أي تسليح للمعارضة من الطرف الغربي سيستدعي تصعيداً من الأطراف الداعمة لسورية كروسيا وإيران والصين ودعم سورية أيضاً باتفاقيات السلاح المواجهة لتحقيق التوازن أو الردع، وفي كل الأحوال هذا التصعيد لا يحتاج إلا إلى عود الثقاب الذي يمكن أن يرميه أي طرف يريد لهذه الحرب أن تشتعل ، وأعتقد أن الدولة السورية لا تزال تحافظ على هدوئها بإتباع الحل السياسي والردّ البارد متجنبّة أي شرارة حتى انتهاك إسرائيل لأراضيها.

والمعارضة الخارجية المصنعّة التي يدعهما الغرب هي فقط أداة بشقّيها السياسي والمجموعات المسلّحة على الأرض، كما أنه لا يوجد أي تأثير لأي قرار من هذه المعارضة على هذه المجموعات و يستعملها الغرب و أمريكا فقط كورقة شرعية لها صفة سورية تعارض نظامها السياسي حتى يتمكن من قلب النظام بذريعة شرعية محلية ومع الأسف هذا أصبح مكشوفا ً لدى الجميع.

أمام هذا الاحتدام بين النظام السوري والمعارضة السورية، هل للنظام السوري أيّ استعداد للتفاوض مع شقّ المعارضة..؟ وما الخيارات اليوم أمام كلّ منهما..؟

إن النظام السوري هو الدولة، و الدولة لا تتفاوض مع أطراف و إنما تتفاوض مع دول إذا أرادت أن تقبل بالتفاوض، أما المعارضة فهي تصنّف كطرف سياسي و الطرف السياسي يتحاور مع أطراف سياسية يمكن أن تكون موالية للنظام أو معارضة له ، فمثلا ً يمكن لحزب البعث و أحزاب الجبهة الوطنية أن تتحاور مع المعارضة بكل أنواعها و اختلافاتها و بين الأحزاب السياسية لا يوجد تفاوض فهم لا يملكون شرعية التفاوض كالدول.

أما عن مبدأ التفاوض فيكون بين طرفين متساويين نوعا ً ما بالقوة و يحملان الشرعية لكلِّ مصالح عند الآخر بحيث يؤدي هذا التفاوض إلى اتفاق و تنازلات وربح أو خسارة لدى كل طرف ، بينما لا يتم بين طرف يملك الأرض و الشعب و أطراف أصحاب مصالح ، فشرعية الدولة السورية راسخة و منبثقة من الشعب كما أن ثباتها و انتصاراتها على الأرض بالإضافة إلى الدول الداعمة لها هي التي تفرض ميزان القوى الجديد الذي سيكون له الفاعلية في القرار الدولي.

يقول البعض أيضا أنّ تدخل حزب الله في المعارك السورية قد أجّج الصراع داخل سوريا وعمّق المواقف الداخلية والخارجية الرافضة لنظام بشار الأسد. فما موقفكم من ذلك..؟

بعد سنتين من إرسال المرتزقة من كافة الجنسيات للقتال في سورية، و كان ذلك علنا ً من بعض الدول كفرنسا و على وسائل الإعلام لقتل الشعب السوري بهدف تغيير النظام ، و بعد كل ما اقترفته من جرائم ضد الإنسانية و جرائم حرب و انتهاكات بحق الشعب السوري في ظلّ صمت العالم أجمع ، و بعد أن دوّلت إسرائيل اليوم القضية السورية عندما اعتدت على أراضيها مرتين زاعمة أنها تضرب مراكز أسلحة دمار شامل و استعملت أراضي الدول المجاورة كالأردن، و بعد أن انتهكت الدول المجاورة كتركيا و الأردن و بعض الفصائل في لبنان المواثيق الدولية بتسليحها و تدريبها للمجموعات المسلحة و استعمال أراضيها ضد سورية، و بعد الدعم بالتمويل والسلاح من دول عربية ولاسيما قطر و السعودية، و بعد التحريض و التخطيط و الضخ الإعلامي ضد سورية، لتجييش الرأي العالمي ضد النظام السوري و تشويه الحقائق الخ… بعد كلّ هذا أستغرب أن يتمّ اليوم اتّهام حزب الله بتأجيج الصراع.

و حزب الله حزب عقائدي تشكّل عند الاجتياح الإسرائيلي للبنان فدافع عنها و انتصر ضد إسرائيل و حمى بلاده و دعّم الجيش الوطني.. وهو اليوم يدافع عن لبنان و عن التدخل الخارجي في المنطقة بكاملها بعد أن دُوّلت القضية السورية و أصبحت إقليمية بامتياز فنرى الحرب تشتعل على الحدود المفتوحة للدول الجوار لسورية و إن أي انتشار لهذه الحرب الباردة ستشعل المنطقة برمتها و لن تهدد أمن الشرق الأوسط بل الأمن و السلم الدوليين.

يقول نعوم تشومسكي أن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية لا يعارضان النظام السوري وأنه لو أرادت إسرائيل الإطاحة بنظام الأسد ودعم الثوار لكان لديها الكثير من الوسائل المباشرة لفعلها من دون سلاح عبر تحريك قواتها مثلا إلى مرتفعات الجولان فيضطر السوريون إلى تحريك قواتهم أيضا نحو الجولان وبالتالي إبعاد هذه القوات عن الثوار. فكيف ترون هذا التحليل..؟

كما قدمت تحليلي سابقا ً، إن أمريكا لا تهدف إلى تغيير النظام بل إلى تدمير سورية كدولة قوية لضمان استدامة إسرائيل في المنطقة و بالتالي فإن سياستها في الحرب الباردة هي تحويل المنطقة إلى ميدان صراع و اقتتال طويل الأمد بين قوى النظام (الدولة) من جهة و بين الأطراف الأخرى من الجهاديين المتطرفين أي القاعدة و بين الإخوان المسلمين و هذا أفضل ربح لأمريكا بألا تقوّي طرفا على طرف فهي تضمن بذلك القضاء على جميع الأطراف التي تشكل خطورة عليها و على أمن إسرائيل و كذلك تحويل مفهوم العدو من العدّو الإسرائيلي إلى صراع يقوم على أساس ديني سني- شيعي و ضد النظام السياسي القومي العلماني. كما أن تدخل أمريكا المباشر و توجيه حرب غير مبررة على سورية يعتبر انتهاكا دوليا كبيرا لا يمكن أن يعطيها استمراريّتها الشرعية في العالم و لدى الدول الأخرى مما سيكون له اثر سلبي على قوتها و نظامها السياسي في المستقبل ولذلك هي بحاجة إلى ورقة المعارضة كمفتاح دخول.

هناك حديث عن إمكانيّة فرض حظر جويّ على سوريا خاصّة مع إبقاء واشنطن لصواريخ الباتريوت على الحدود الأردنية فهل تتوقعون مثل هذا الإجراء من قبل واشنطن..؟

إن واشنطن و الغرب كما تحدثت سابقا ً تسعى إلى إضعاف قوة النظام العسكرية ولاسيما بعد صمود الدولة السورية الذي دام أكثر من سنتين خلال الحرب الباردة عليها و هي تسعى إلى إعادة إحالة المسألة إلى مجلس الأمن ثانية للتدخل و لكن بعد أن تكسب نقطتين أولا ً الضغط على روسيا و الصين بعدم استعمال الفيتو أو الحصول على شرعية دولية بطريقة أخرى، وثانيا ً ضمان منطقة حظر جوي في مناطق التدخل من الأراضي الأردنية و التركية و ذلك بهدفين إيجاد ممرات آمنة لتسهيل مرور أسلحة ثقيلة من جهة معتمدة على القوة المحلية و المتطرفة التي صنّعتها و دعمتها في الداخل من المجموعات المسلّحة و من جهة أخرى ضمان منع الطيران العسكري السوري للدولة القوية حتى تضمن نجاح تدخلها العسكري.

ومع الأسف هذه الخطة لا تخفى عن أي قارئ سياسي جيد للأحداث على الساحة الدولية، فقد تابعت السيناريوهات المركبة التي ابتدأت من نشر الفكر أولا ً لتعزيز مفهوم حماية المدنيين و التدخل الإنساني في المحافل الدولية التي أولت المسألة السورية خلالها شرحا ً وافيا ً تحرّض فيها ضد النظام السوري، ثم بحثت عن أسباب التدخل الإنساني فسارعت إلى تبنّي موضوع اللاجئين السوريين في الخارج و بطلب المساعدات الإنسانية و ضرورة إيجاد الممرات الآمنة لذلك وهذا ما يمكن أن يفرض منطقة حظر جوي.

والتصعيد لإثارة موضوع السلاح الكيماوي سيكون ليس إلا ذريعة للتدخل العسكري المطلوب و التي ابتدأت تعتبره كسبب للتدخل الدولي من اجتماع G8 شهر أيار كما ورد في بيانهم .

ألقيت مؤخرا محاضرة بجينيف حول السلاح الكيميائي في سورية..فما حقيقة هذا السلاح وحقيقة اتهام النظام السوري باستعماله ..؟

لقد ذكرت سابقا ً أن الغرب و الولايات المتحدة تريد التصعيد في المنطقة بزيادة التسليح و رفع الحظر عن السلاح و قد فشلت فرنسا و بريطانيا في هذا القرار بدايةً مع دول الاتحاد الأوروبي و لاسيما ألمانيا و السويد التي اختلفت حول مثل هذا القرار، والهدف هو التصعيد على الأرض و الضغط على النظام السوري بعدما فشل مخطط مجلس الأمن بسبب الفيتو الروسي الصيني فبدأت تلتف للتسليح بسيناريو آخر وكسب شرعية للتدخل في سورية و تعزيز مبدأ جديد هو مبدأ التدخل الإنساني و مفهوم الحماية و هو مفهوم جديد في السياسة الأمريكية لا شرعية دولية له جاء به المحافظون الجدد على حساب سيادة الدول و هو لا يميز بين الواجب في حماية المدنيين و آلياته و بين حق يراد به باطل لتدخل دول في شؤون دول أخرى و هذا ما يحصل في سورية و هو ما لا يخفى عن أي مثقف سياسي . فكان البدء بالعمل على تعزيز مبدأ حماية المدنيين و واجب التدخل الإنساني ثم البحث عن السبب الإنساني فجاء موضوع اللاجئين وأصبح يبحث على الساحة الدولية لتأمين المساعدات الإنسانية و الممرات الآمنة لنقل هذه المساعدات .

لكن إن كان فعلا ً التدخل الإنساني مراد به إيجاد آليات داعمة لتقديم المساعدات كان لابد من التواصل مع الدولة السورية التي لا تزال تتحمل مسؤوليتها و واجباتها تجاه مواطنيها و تتعاون معها لتضمن إيصال هذه المساعدات عن طريق فرق الإغاثة الوطنية و المنظمات غير الحكومية إلا أن مفهوم التدخل لم يتوقف عند الحالة الإنسانية بل يراد به التدخل العسكري و إدخال الأسلحة الثقيلة و لذلك كان لابد من خلق ذريعة التدخل الدولي و استحواذ على شرعية الرأي العالمي لهذا التدخل فجاء الحديث عن الكيماوي في بيان اجتماع G8 في أيار 2013 بعد ذكر نقاط أساسية تمهيدية كما يلي:

  • لأول مرة يذكر رسمياً عدد القتلى و اللاجئين و بالتالي طلب المساعدات الإنسانية و تعاون جميع الجهات للتعاون لإيصال هذه المساعدات.
  • تعهد بعملية انتقال سياسي بقيادة سورية ؟؟؟؟ (فهل هذا تبرير للاعتراف بالائتلاف)
  • دعا مجلس الأمن ليبقى على اضطلاع (محاولة لتحميل مجلس الأمن مسؤوليته في الحل)
  • أدان استخدام الأسلحة الثقيلة بين المدنيين ثم أشار إلى أن استخدام السلاح الكيماوي في أراضي البلاد يتطلب رداً جدياً من جانب المجتمع الدولي ( فهل أصبح السلاح الكيماوي هو الذريعة للتدخل في سورية )

ولا ننسى أن بذور السلاح الكيماوي قد رميت لأول مرة مع بداية الأزمة و في آب 2012 في خطاب أوباما عندما صرح أن استعمال الكيماوي في سورية هو خط أحمر كما حاولت إسرائيل أيضا ً من بداية الأزمة ضرب مواقع تزعم أنها مخازن للسلاح الكيماوي في سورية طالبة من الأردن استعمال أراضيها.

و قد صرحت سورية عندما بدأت أصابع الاتهام ضد النظام لإثارة هذا الموضوع منذ البدايةً “بأن سورية لن تستخدم سلاحا كيماويا ضد شعبها إن كانت تمتلكه “.

ولكن كانت محاولات الغرب و الولايات المتحدة الأمريكية جادة لتحقيق مخططهم الذي يكرر ذات السيناريو المعتمد في العراق و ذلك في استعمال الكيماوي في سورية و قد كشفت عدة مصادر هذه المحاولات التي باءت بالفشل و منها الكشف عن بريد الكتروني تمّت قرصنته يكشف مقترحا قطريا أمريكيا لاستخدام السلاح الكيماوي و توريط النظام بالقضية لاعتبارها ذريعة للتدخل في سورية ….

وقد تمت قرصنة بريد الكتروني بين شخصيتين كبيرتين في مؤسسة تابعة لوزارة الدفاع البريطاني تدعى بريتام ديفنس (Britam Defense) و هو دافيد غولدينغ مدير التطوير و المؤسس فيليب دوغتي،  من قبل نظام حاسوبي في سينغابور في نهاية كانون الثاني ٢٠١٣.

والايميل المبعوث في ٢٢ كانون الأول ٢٠١٢ جاء فيه أنّ : ” هناك مقترحا قطريا و مباركا من واشنطن بإرسال CW (السلاح الكيماوي) إلى حمص في سورية عن طريق احد السوفييت من ليبيا كالسوفييت الموجودون في سورية… هم يريدون أن ننشر احد عملائنا الأوكرانيين الذي يتحدث الروسية و تصويره بفيديو … قد لا يكون فكرة جيدة و لكن العرض مغري “.

كما جاء تصريح المحققة الدولية كارلا ديل بونتي بأن المجموعات المسلحة تمتلك غاز السارين وأنها من استخدمت الكيماوي في خان العسل شمال حلب، و قد أخطرت سورية الأمم المتحدة و طلبت إرسال لجنة تحقيق دولية فرفضت القدوم واضعة شروطا لتوسيع دائرة التحقيق و زيارة أماكن أخرى زعمت أنه استعمل فيها الكيماوي قبل عدة أشهر. و من الغريب أنه لم يتم سماع أي شيء بهذا الخصوص من أي طرف في ذلك الحين و هذا الطلب لا يمكن أن تقبل به أي دولة ذات سيادة و بذلك نعتبر أن الأمم المتحدة مقصّرة تجاه الشعب السوري في حماية المدنيين، كما أن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا الكيماوي يأخذ هذا الاهتمام على الصعيد الدولي و يتطلب تدخلا ً لحماية المدنيين كما زعموا و كل تلك الانتهاكات و الجرائم ضد الإنسانية من ذبح و قتل و تفجير و أكل لحوم البشر و غيرها من الانتهاكات التي تقوم بها المجموعات المسلحة و الإرهابية و ما يسمونها في الغرب مع الأسف “المعارضة المسلّحة” يتم الصمت عنها و لا يعنيهم قتل المدنيين بهذه الطرق !!

فهل يختلف الموت و القتل و الإبادة من القتل بالكيماوي عن أي جرائم أخرى ؟!! و هذا يدعونا إلى أن نسأل هل الهدف حقا ً هو حماية المدنيين أم التدخل في سورية تحت ذريعة الكيماوي….؟!!.

فهل يصمت اليوم المجتمع الدولي عن هذا المخطط و هل سينجح تمرير ذات السيناريو الذي اتّبع في الحرب على العراق حيث لم نجد حتى اليوم مخازن سلاح الدمار الشامل الذي كانوا يبحثون عنه و إنما دولة ضعيفة تتخبط في الصراعات و لازال الشعب العراقي يُقتل و لا أحد يسأل عنه.

ألم يحن الأوان لنضع حداً كمجتمع دولي و شعوب عربية مجتمعة لهذه السياسات التي تكيل بمكيالين و بمعايير مزدوجة و تنتهك سيادات دولنا و كرامة شعوبنا ؟!!.

أخيرا ما مدى صحّة الأخبار التي نشرتها صحيفة «الوطن السورية» حول رفع الحكومة السورية لدعاوي قضائيّة أبرزها ضدّ تونس وتركيا..؟ وكيف ترون مستقبل العلاقات التونسية السورية..؟

ليس لدي إطّلاع على تفاصيل الموضوع و لكن ما أنا واثقة منه أن الدولة السورية لا تعادي دولا و إنما تبني مواقفها حول سياسات هذه الدول معها. ومن حقّ سوريّة، إن انتهكت سيادة الدولة وانتهك الميثاق الدولي كما فعلت تركيا ذلك بسرقة المصانع السورية و القمح و القطن و تدريب المسلحين و غير ذلك من استعمال أراضيها، اتّخاذ أي إجراء قانوني دولي يضمن سلامة أراضيها و سلامة شعبها.

أما عن علاقة سورية بتونس و بتركيا فهي علاقة موجودة تاريخيا بين شعبين و نحن في سورية نبني العلاقة مع الشعوب و ليس مع السياسات فالسياسات زائلة و متغيّرة أما الشعوب فهي ثابتة.

و لذلك نبقى حريصين كشعب و كدولة مسؤولة أمام شعبها عن حماية هذه العلاقة الطيبة و التاريخية مع الشعوب العربية عامة و الشعب التونسي خاصة و لاسيما و أن سورية كانت دوما ً حاضنة و فاتحة أبوابها و داعمة لكل الشعوب العربية في كل أزماتها و نحن على ثقة أن مواقف شعوبكم مع الشعب السوري ثابتة و مشرّفة لنا.

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

المرسوم عدد 55 لسنة 2022: تخوفات من خسارة المرأة التونسية لمكتسباتها

فادية ضيف كان اختيار تونس عاصمة “المرأة العربية ” لسنتي 2018 و 2019 و عاصمة …