عبد الباري عطوان: باسم يوسف تمنّى “الشهادة” في عصر مرسي فنالها في زمن السيسي!

عبد الباري عطوان

لم أكن في أيّ يوم من الأيام من المعجبين ببرنامج “البرنامج” الذي يقدمه النجم الكوميدي الساخر باسم يوسف، وتوقفت عن مشاهدته بعد حلقتين فقط، ليس لأنني من محبي “النكد” وإنما لان هذا النوع من السخرية الأحادية الجانب، والبعيدة عن الموضوعية، لا يروق لي، لكنني أعلن تضامني الكامل مع الدكتور يوسف، وإدانتي المطلقة لوقف برنامجه، والطريقة التي تم بها هذا الوقف، والجهات التي تقف خلفها.

توقعنا أن يكون العيب في الدكتور يوسف، وتحديناه ان ينتقد العهد الجديد، وهو الذي تخصص في التشهير بالرئيس المنتخب محمد مرسي وحكمه، ولكنه كسب التحدي، ولو في الحد الأدنى، عندما وسع دائرة انتقاده ولو على استحياء، وبطريقة غير معهودة منه، بالنظام الجديد.

النظام الجديد الذي وصل إلى الحكم على ظهر ثورة شعبية قوامها أكثر من ثلاثين مليون متظاهر حسب أدبياته ومريديه، هو الذي خسر التحدي، عندما لم يتحمل غير حلقة واحدة من برنامج “البرنامج”، تطرقت فقط إلى الهوامش، ولم تتطرق مطلقا إلى الجوهر، أي قلب رئيس منتخب، واعتقاله بتهم “ملفقة” وارتكاب مجزرة ضد محتجين سلميين، والفشل في تحقيق الاستقرار في البلاد وإخراجها من أزماتها الاقتصادية والأمنية.

ما جرى للدكتور باسم يوسف وبرنامجه انتكاسة لأهم قيم الثورة المصرية التي قدم الشعب المصري الالآف من أرواح أبنائه لانجازها، ومن المؤسف اننا نرى إرهاصات لتدمير هذا الانجاز العظيم.

الرئيس مرسي قد يكون ارتكب أخطاء عديدة، نتفق عليها او نختلف ولكنه لم يغلق اي قناة او صحيفة مصرية، ولم يوقف برنامج باسم يوسف رغم خروجه عن كل الآداب والأعراف، وتطاوله على رأس الدولة، والخوض في خصوصياته بتشهير يضعه تحت طائلة القانون وها هم من انقلبوا عليه، يفعلون عكس ذلك تماما.

لولا سعة صدر الرئيس مرسي لما سمعنا بباسم يوسف وبرنامجه، ولولا ضيق صدر خلفه لما حزم الرجل حقائبه وطار على أول طائرة إلى خارج مصر، ضيقا واحتجاجا، وبعد بث حلقة واحدة فقط من برنامجه في العهد الديمقراطي المصري الجديد.

فإذا كان النظام الحاكم في مصر الذي يقول انه مدعوم بثورة شعبية، والمؤسسة العسكرية القوية، لا يستطيع ان يتحمل برنامجا تلفزيونيا ساخرا، يعده شخص ليبرالي كاره للإخوان والسلفيين ومعارضا لحكمهم وعقيدتهم، فهل سيتحمل هذا النظام، ومن يقفون خلفه معارضة برلمانية حقيقية منتخبة، تراقب السلطة التنفيذية، وتحاسب الحاكم، وتمثل مصالح الشعب، وتحمي خياره الديمقراطي؟

إذا كان الفريق السيسي لا يقبل بانتقاد خفيف سطحي لأنصاره ومحبيه، وهو ما زال وزيرا للدفاع ولم يصبح رئيسا للجمهورية بعد، فكيف سيكون حكمه او من يدعمه ديمقراطيا لا يمارس الإقصاء ضد الخصوم، ويحترم حرية الصحافة والتعبير؟

حرية التعبير في مصر تعني ان يهاجم الدكتور يوسف الرئيس مرسي المعتقل خلف القضبان وزملاءه، حرية ذات اتجاه واحد فقط، اما ان تصبح حرية موضوعية مهنية فهذا امر ممنوع ومحرم، ومن المؤسف ان كبار الإعلاميين والصحافيين في مصر الذي جرى تكميم افواهمم في عهد الرئيس مبارك واشتكوا مر الشكوى من ذلك يصمتون على هذه الانتكاسة للحريات في بلدهم، ويصمتون على ما حدث للدكتور يوسف الذي طالما ما صفقوا له وهو يسخر من الرئيس مرسي بطريقة استفزازية طمعا في الحصول على شرف الاسكات لكي يتحول الى بطل وهو ما لم يحدث.

من المفارقة ان الدكتور باسم يوسف حصل فعلا على شرف البطولة، وتحول الى شهيد للحريات الصحافية، ولكن في عهد الفريق أول عبد الفتاح السيسي وجبهة الإنقاذ الليبرالية وليس في عهد الرئيس محمد مرسي.

نتمنى ان يقرأ حمدين صباحي ومحمد حسنين هيكل وكل الليبراليين والقوميين والناصريين واليساريين هذا المقال.

 

رأي اليوم

تعليقات

عن taieb

شاهد أيضاً

يوسف العتيبة: الرجل الأكثر سحرًا في واشنطن

كتب رايان غريم وأكبر شهيد أحمد: في سبتمبر الماضي وإبان اقتحام المتشددين من الدولة الإسلامية …