بعد بلفور البريطاني.. هل ينجح الـ”بلفور” الأميركي؟

حسين عطوي

رغم مرور 66 عاماً على ذكرى وعد بلفور المشؤوم، الذي أعطى من لا يملك لمن لا يستحق، إلا أن الذاكرة الفلسطينية والعربية لم تنس كيف جرى التآمر على الشعب الفلسطيني، ومكنت القوى الاستعمارية الغربيـــة، بقيادة بريطانيا وتواطؤ من الحكام العرب في حينـــه، العصابات الصهيونية من الاستيلاء على أرض فلسطين.

عند النكبة عام 1948 كان عدد اليهود نسبة لعدد السكان لا يتجاوز الـ 5 % أما اليوم فإنهم باتوا يفوقون بقليل عدد الفلسطينيين الموجودين على ارض فلسطين نتيجة استقدام مئات الآلاف من اليهود من أنحاء العالم وتوطينهم في فلسطين على مدى العقود الماضية.

البداية كانت بدعم غربي وتخاذل عربي وانخداع القيادات الفلسطينية بمسرحية التفاوض، بديلا عن التمسك بالمقاومة المسلحة ضد العصابات الصهيونية والاحتلال البريطاني، ومن ثم تمكن الصهاينة عبر ارتكاب الجرائم والمجازر الوحشية من تشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين من أرضهم إلى الدول العربية المجاورة على مرأى من العالم أجمع، ورغم النضال الطويل والشاق الذي خاضه الشعب العربي الفلسطيني لتحرير أرضه والعودة إليها، إلا أنه لم ينجح حتى الآن في تحقيق هذا الهدف الوطني، نتيجة عوامل عديدة أهمها الدعم الغربي المتواصل لإسرائيل بالمال والسلاح، وغياب استراتيجية مقاومة مسلحة تحررية على غرار مقاومات الشعوب الظافرة التي انتصرت على الجيوش الأجنبية التي احتلت بلدانها أن كان في فيتنام، أو الصين أو الجزائر أو اليمن الجنوبي.. الخ.

وقد أسهم استمرار تخلي معظم الدول العربية عن دعم المقاومة الفلسطينية المسلحة والعمل بدلا من ذلك على دفع القيادة الفلسطينية إلى الجنوح نحو خيار التفاوض باعتباره هو الخيار الواقعي، في تمكين الصهاينة من الاستقرار في فلسطين ومواصلة الاستيلاء على مزيد من ارضها وتهويدها، وبالتالي فرض المزيد من الوقائع على الأرض مما زاد من العراقيل أمام نضال الشعب الفلسطيني.

على أن اخطر ما أنتجه سلوك خيار التفاوض هو قبول القيادة الفلسطينية بتوقيع اتفاق أوسلو المشؤوم عام 1993، والذي تمخض عنه إقامة سلطة حكم ذاتي فلسطيني في غزة وأريحا، مقابل التخلي عن الانتفاضة والمقاومة المسلحة ووعد بأن تفضي المفاوضات في نهاية المطاف إلى إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

غير أن كل ذلك لم يكن سوى خداع صهيوني غربي وفخ انزلقت إليه القيادة الفلسطينية، التي باتت أسيرة سلطة تحت الاحتلال تعيش على المساعدات الغربية، فيما الكيان الصهيوني واصل، بغطاء أوسلو واستمرار مسرحية المفاوضات، اجتياحه الاستيطاني للأرض الفلسطينية وفرض المزيد من الوقائع على الأرض حتى بات عدد المستوطنين في الضفة الغربية يفوق الثلاثمائة ألف مستوطن ويقيمون في مستوطنات شيدت في مناطق إستراتيجية وحيوية، ولا سيما القدس التي شكلت الهدف الصهيوني الثاني بعد أن انتزعت إسرائيل اعتراف قيادة منظمة التحرير بوجودها على أراضي فلسطين المحتلة عام 48 بموجب اتفاق أوسلو، فإسرائيل بنت استراتيجيتها في احتلال فلسطين على فرض الوقائع على الأرض ومن ثم تكريسها واضفاء الشرعية المزيفة عليها، وهذا ما تسعى إليه من وراء هجومها الاستيطاني غير المسبوق هذه الأيام في القدس الشرقية، حيث يجري الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين المقدسيين وإشادة مستوطنات صهيونية عليها.

غير أن اخطر ما تقوم به سلطات الاحتلال هذه الأيام هو العمل على ضم الضفة الغربية نهائياً للدولة الصهيونية وإسقاط أحلام وأوهام قيادة السلطة الفلسطينية بإقامة دولة على مساحة الضفة وغزة وعاصمتها القدس، ويتجسد ذلك بالخطوات العملية التالية:

الخطوة الاولى: اعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو عن اتخاذ قرار ببناء جدار على طول الحدود مع الأردن، ومعروف أن منطقة الأغوار من أهم المواضيع التي تبحث في المفاوضات الجارية بين السلطة الفلسطينية والحكومة الصهيونية، وهي تشكل 26% من مساحة الضفة الغربية، وتعتبر المصدر الأساسي للمياه والسلة الغذائية التي يتزود منها الشعب الفلسطيني، والبوابة الوحيدة المتبقية له للتواصل مع الخارج عبر الأردن، وبناء هذا الجدار يعني عمليا دق آخر آسفين في نعش المفاوضات وتأكيداً إسرائيلياً عملياً برفض الانسحاب من الأغوار في أي اتفاق يتم التوصل إليه.

الخطوة الثانية:أما الإجراء الثاني الخطير فيكمن في بدء الكنيست الإسرائيلي رسميا مناقشة قانون تقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، وتعديل الوضع القائم الذي يحظر على اليهود الصلاة في المسجد.

ويندرج هذا الإجراء في سياق استكمال عمليات الاستيطان الجارية في القدس المحتلة بغية تهويدها بالكامل وإعلانها عاصمة أبدية للدولة اليهودية بادعاء أن هيكل سليمان موجود تحت المسجد.

والأخطر إن هذا الهجوم الاستيطاني لتهويد القدس والأقصى والأغوار يجري في مناخات وظروف دولية وعربية وفلسطينية، غاية في السوء بالنسبة للشعب الفلسطيني وقضيته، وهي تشبه تلك الظروف التي كانت سائدة عشية تنفيذ وعد بلفور البريطاني الأول، حيث أن ما يجري ينذر بتنفيذ وعد بلفور ثان لكنه أميركي هذه المرة ويقضي بتمكين الحكومة الإسرائيلية من تكريس اغتصابها للضفة الغربية وضمها إلى الدولة الصهيونية.

الوطن القطرية

تعليقات

عن taieb

شاهد أيضاً

التغوّل التركي في السوق الليبية ينهك الإقتصاد التونسي

لم يعد النظام التركي يخبأ نواياه تجاه الدول العربية، بل وبكل صراحة أصبح الرئيس التركي …