تصبحون على وطن: النهضة ورفض حكومة الفخفاخ: موقف واقعي ولكن لا أخلاقي.. !

   بقلم يامن أحمد حمدي

 فسّر رئيس مجلس الشورى في حركة النهضة التونسية عبد الكريم الهاروني رفض حزبه لدعم حكومة إلياس الفخفاخ التي أعلن عنها مساء السبت، بكون “النهضة” تشدّد على تشكيل حكومة “وحدة وطنية بدون إقصاء”، رافضا أن تتولي حكم البلاد ما اعتبرها أحزابا ذات تمثيلية ضعيفة في البرلمان. ومن ناحية واقعيّة يبدو موقف النهضة سليمًا جدًّا، فالأحزاب المشاركة في حكومة الفخفاخ (التيّار وحركة الشعب وتحيا تونس)، لا تمتلك سوى 52 نائب، وهو عدد أقلّ من نوّاب النهضة الـ54، التي حظيت برضا فئة كبيرة من المنتخبين. كما أنّ الدستور ينصّ على تكليف الحزب الفائز في التشريعية بتشكيل الحكومة خلال شهر واحد، ورغم أنّ سقوط حكومة حبيب الجملي قد أفقد حركة النهضة حقّها الدستوري لصالح رئيس الجمهوريّة، فإنّ موقفها الرافض والمتشدّد من حكومة الفخفاخ، يبدو غير واضح من عدّة نواحي أخرى، وربّما يصل إلى حدود اللاّأخلاقيّة:

 أوّلا: هو الإعلان عن رفضها للحكومة يومًا واحدًا فقط قبل تقديم الفخفاخ تشكيلة حكومته لرئيس الجمهوريّة، بعد قرابة ثلاث أسابيع على بداية المشاورات، في سعي مؤكّد لتأزيم الوضع والدخول بالحياة السياسيّة في مأزق خطير.

 ثانيا: لم يكن موقفها هذا منذ شهر فقط، حين أقصت حركة النهضة أحزاب عديدة (إن لم يكن كلّها)، من حكومة الحبيب الجملي، ودفعته إلى تقديم تشكيلة حكوميّة من طرف واحد: النهضة وتوابعهم.

 ثالثا: مفهوم “حكومة وحدة وطنيّة” لم يصدر عن قناعة من حركة النهضة، التّي صرّح قادتها سابقًا أنّ حكومة الوحدة الوطنيّة تُناقض جوهر الانتخاب والديمقراطيّة لأنّه يضع الأحزاب ذات الأغلبيّة مع الأحزاب ذات الأقليّة في مستوى واحد.

 رابعًا: ودائما مع مقترح “حكومة الوحدة الوطنيّة” يبدو أنّه صمّم لمقاس واحد وهو مقاس حزب قلب تونس، حيث لم تطالب النهضة بضمّ الحزب الدستوري الحرّ ضمن هذه الحكومة.. ليبدو الأمر انحيازًا كبيرًا لنبيل القروي ومكافأة له على تصويت نوّابه لصالح راشد الغنوشي في رئاسة مجلس النوّاب.

 خامسًا: النهضة تصرّح برفضها إقصاء الكتل النيابيّة الأخرى من المشاركة في الحكومة، ومع ذلك فهي لا تذكر أيّ طرف نيابي أو حزبي من هذه الكتل، ولم تدخل معها في مشاورات للتنسيق فيما بينها، بل تكاد تكون في قطيعة معها (خاصّة مع الحز الدستوري الحرّ وحتى الائتلاف).

 سادسا: رفض النهضة لحكومة الفخفاخ لم يكن رفضًا مبدئيًّا ولا جوهريًّا بل شكليًّا، ويمكن التعبير عنه كنوع من المناورة السياسيّة بدليل أنّها دخلت في مشاورات مكثّفة مع الفخفاخ منذ إعلان موقفها، وبدأت في المفاوضات حول مقاعد وزاريّة، في الوقت الذّي لم يتمّ عرض مقاعد على بقيّة الأحزاب المقصيّة.

  حسبما ما تقدّم يبدو أنّ حركة النهضة لديها غايات أخرى من رفض حكومة الفخفاخ: ليس بهدف تشريك الأحزاب المقصيّة، بل تعويضها بأحزاب مشاركة أصلا، يعني تريد إقصاء أحزاب بعينها من تشكيلة الحكومة: التيّار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس، عقابًا لها على تعطيل المصادقة على حكومة الحبيب الجملي، وبسبب خلافاتها السياسيّة واختلافاتها الإيديولوجيّة معها. وليس أدلّ على من ذلك معاركها الكلاميّة مع قيادات التيّار وحركة الشعب إضافة إلى تلميحها بإمكانيّة سحب الثقة من حكومة تصريف الأعمال ليوسف الشاهد رئيس حزب تحيا تونس.

  وسوف تتوضّح هذه النيّة في الإقصاء حين تعمد النهضة إلى عرقلة مشاركة هذه الأحزاب الثلاث أو بعضها ومنعها من المشاركة في الحكومة، عبر دفع الفخفاخ على الإخلال بشروط التيّار وحركة الشعب وتحيا تونس، والتي على أساسها أمضت الوثيقة التعاقديّة (في 1 فيفري 2020)، ووافقت مكاتبها الوطنيّة والسياسيّة على منح الثقة لحكومة الفخفاخ والمشاركة فيها (في 14 فيفري 2020).

  ولو صحّ ذلك فحينها سوف تسقط مقولات “حكومة الوحدة الوطنيّة” و”عدم إقصاء أيّ طرف سياسي”. مثلما سقطت مقولات “حزب قلب تونس حزب الفساد ونرفض العمل معه”، ومثلما سقطت أوراق توت كثيرة عن لاأخلاق “أكبر حزب محافظ في البلاد”.

..وتصبحون على وطن..

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

النظام القانوني لتصنيف العقارات

الاعداد : معز بسباس متفقد رئيس للديوان الوطني للملكية العقارية ( فرع المنستير ) 1- …