الانطلاق في تقديم مشروع دليل الإيقاف التحفظي

هدى القرماني

على مدى أربعة أيام متتالية نظّمت وزارة العدل ومكتب المعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب بتونس مائدات مستديرة في كلّ من تونس وطبرقة والحمامات وسوسة وصفاقس انطلقت من 29 جوان الى غاية 03 جويلية 2020 لتقديم مشروع دليل الإيقاف التحفظي بحضور عدد من القضاة.

وتمّ خلال هذا العرض التطرق الى التشريعات والقوانين التونسية وممارستها والمعايير الدولية المتعلقة باستخدام الإيقاف التحفظي الى جانب نقاش عام حول محتوى الدليل ومناقشة أهم المحاور في علاقة بالإيقاف من الشروط المسبقة للإيقاف التحفظي ومدى توافقها مع المعايير الدولية، الى الإجراءات الأساسية ومدة الإيقاف التحفظي إضافة الى الضمانات القانونية وحقوق الموقوفين تحفظيا وأيضا بدائل الإيقاف التحفظي وسبل تكريسها في الممارسة.

والايقاف التحفظي نظمه المشرع ويرجع اصدار هذا القرار الى قاضي التحقيق بعد اتخاذ وكيل الجمهورية لقرار فتح بحث تحقيقي ويقضى بالسجن بمقتضى بطاقة إيداع ومدته القصوى قد تصل إلى 9 أشهر في الجنحة و14 شهرا في الجناية.

وأشار الكسندر آدم مدير مكتب المعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب في تونس الى أنّ الغرض من هذه الورشات مناقشة مسودة المشروع ورفع توصيات القضاة بغاية تحسين هذه المسودة قبل أن تتمّ مراجعتها من قبل خبراء دنماركيين لتحسينها أيضا ولتكون ملائمة للمعايير الدولية الدنيا وفق قوله.

ومن المنتظر أن يقع إطلاق هذا الدليل في شهر ديسمبر القادم كما سيتمّ تكوين عدد كبير من القضاة في المرحلة القادمة.

والمعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب مؤسسة دولية تعمل في أكثر من 20 دولة بالعالم ولها تواجد كبير بمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وانطلقت في العمل بتونس سنة 2012 وتعمل على عدة مستويات خاصة على إعادة تأهيل الناجين من التعذيب وسبق أن أصدرت بالتعاون مع وزارة العدل أيضا دليلا أولا حول دور القضاة في الوقاية من التعذيب سنة 2016 وتمّ تكوين أكثر من 750 قاض في هذا الغرض من كافة أنحاء الجمهورية.

وذكر حسام الرابحي المستشار القانوني للمعهد انّ مشروع دليل الإيقاف التحفظي انطلق منذ سنة 2018 وكان مرّ بالعديد من المراحل.

وأشار الى أنه قد تمّ عقد عدة اجتماعات ولقاءات مطولة بين خبراء المعهد في الدنمارك وبين خبراء من وزارة العدل بتونس المتمثل في فريق عمل مشروع هذا الدليل.

وإقامة اللقاءات والمائدات المستديرة اليوم حسب رأيه هدفها إثراء مسودة الدليل بآراء وتجارب وخبرة القضاة ورفع توصياتهم نحو الممارسات الفضلى ومعرفة التنقيحات المطلوبة أو المسائل التي يمكن أن ترتقي بمنظومة الإيقاف التحفظي الى ما يوفر للمواطن التونسي أكثر حقوق وحريات تقترب من المعايير الدولية التي تراعي جوانب الحقوق والحريات.

ويرى محدثنا أنّ الإيقاف التحفظي في تونس يشكو من بعض الهنات والاشكاليات المتعلقة خاصة بطول آجال الإيقاف ولذلك فهو يحتاج الى مراجعة صغيرة حسب قوله.

ولفت الرابحي الى أنه خلال أزمة كوفيد 19 اتخذت تونس إجراءات جريئة ومتميزة في علاقة بالتخفيض في عدد المشمولين بالإيقاف التحفظي وتخفيف طاقة استيعاب السجون التي كانت تشهد اكتظاظا كبيرا.

ويرى أنّ من مصلحة تونس اليوم أن تبرز هذه الإنجازات وهذا التطور منوها في الآن نفسه بتفهم القضاة وبحثهم عن مجموعة من البدائل لهذا الإيقاف وهي الهدف الذي يسعى اليه المعهد كما جاء على لسانه.

من جانبها بيّنت آمال الوحشي متفقدة بوزارة العدل ورئيسة الفريق الذي يعمل على انجاز الدليل أنّ من الأسباب التي دعتهم الى التفكير في هذا الموضوع، التأثير الكبير للإيقاف التحفظي على نسبة الاكتظاظ داخل السجون لذلك وجب التفكير في حلول للتخفيف من عبء هذا الاكتظاظ من خلال التركيز على مبدأ استثنائية هذا القرار والتوجه نحو بدائل للإيقاف التحفظي.

وتقول بدورها ماجدة العبيدي مديرة الدراسات بالمعهد الأعلى للقضاء وعضو فريق عمل مشروع هذا الدليل أنه وقع التفكير في اعداد هذا المشروع باعتبار أنه قد وقع سابقا اصدار دليل يتعلّق بعملية الاحتفاظ.

ونوهت العبيدي بأهمية مؤسسة الإيقاف التحفظي بحكم ارتباطها بحرية الانسان والتي لا يمكن المساس بها الّا بضوابط معيّنة.

واعتبرت محدثتنا أنّ هذا الدليل سيكون مرجعا للقضاة وهو اثراء لأنه سيتضمن النصوص والمعايير الدولية في علاقة بالإيقاف التحفظي والجانب المتعلق بالتشريع الداخلي فضلا عن الدستور الذي كرّس هذه الحقوق.

وذكرت العبيدي أنّ جميع الحقوق والضمانات موجودة مبدئيا في الترسانة القانونية بتونس معتبرة أن ما يحصل في بعض الأحيان من تجاوزات على مستوى التطبيق لا يعدو أن يكون سوى تجاوزات محدودة وشاذة.

من ناحيته يقول فريد بن جحا دكتور في القانون الدولي لحقوق الانسان ومكوّن بالمعهد الأعلى للقضاء ومن بين المشاركين في هذه الورشة “نحن مع توفير أكثر ضمانات للأشخاص الذين يتمّ ايقافهم تحفظيا سواء من حيث شروط الإيقاف أو مدته وضماناته خاصة مع التزامات البلاد التونسية”.

ويتابع بأن أهمية هذا المشروع في ملاءمة القانون الوطني مع القانون الدولي خاصة وأنّ تونس صادقت على جلّ الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان وترجم هذا في دستور 2014 في باب الحقوق والحريات.

وقد تمّ تنقيح مجلة الإجراءات الجزائية في خطوة أولى فيما يتعلق بالاحتفاظ المؤقت وتبقى المعضلة في الإيقاف التحفظي من حيث طول المدة والتي يمكن أن تصل الى 14 شهرا وكذلك على مستوى الطعن في قرار الإيقاف وفق قوله.

وذكر محدثنا أنّ هناك نيّة اليوم لمراجعة مجلة الإجراءات الجزائية للتقليص من الإيقاف التحفظي وضبط شروطه.

وطالب فريد بن جحا في الأخير بالتفكير في بدائل أخرى مشيرا الى أنّه قد صدر مؤخرا مرسوم متعلق بإجراء السوار الالكتروني إضافة الى وجود بديل آخر يتمثل في الافراج بضمان مالي والذي استخدمه شخصيا في بعض المناسبات حسب تأكيده.

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

قضية الجيلاني الدبوسي: بطاقة إيداع بالسجن ضد وكيل عام سابق لدى محكمة الاستئناف بتونس

أصدر عميد قضاة التحقيق اليوم الإثنين 15 أفريل 2024، بطاقة إيداع بالسجن ضدّ إطار قضائي …