سالم الحداد: السبسي يريد مكافأة رؤوس الأموال ومشروع المصالحة سيمر بعد تعديله

هناك فرق بين الأخطاء التي يمكن أن تقع فيها هيئة الحقيقة والكرامة والخطيئة التي يمكن أن تحدث لو فرطنا في هذا المكسب

 

هدى القرماني

أثار مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية منذ أن اقترحه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي جدلا كبيرا داخل الأوساط السياسية وأوساط المجتمع المدني تحول مؤخرا إلى تحركات احتجاجية في مختلف الولايات .

عن هذا المشروع وعلاقاته بمسألة العدالة الانتقالية وعن المعارضة التونسية ومدى فعاليتها ومسائل أخرى تحدثنا مع النقابي والناشط الحقوقي والسياسي رئيس فرع الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بالمنستير وعضو حركة الشعب سالم الحداد وكان معه الحوار التالي :

انتقادات عدة لعدد المشاركين في المسيرة المناهضة لمشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية بشارع بورقيبة. ففي اعتقادك لما يعود هذا النقص في المشاركة؟

الأمر طبيعي لأن القيادات السياسية وقيادات المجتمع المدني لم تكن متفقة وكان الموقف يتراوح بين السحب و التعديل وإلى حد الآن فأغلب القوى الفاعلة متجهة إلى حد ما نحو التعديل كالاتحاد العام التونسي للشغل وأيضا حركة النهضة والذين لم يشاركا بصفة تنظيمية في المسيرة وهما قوتان لهما حضور كبير في الساحة وإن أعلنت الجبهة الشعبية رفضها لهذا المشروع فاللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بحمة الهمامي الناطق الرسمي باسم الجبهة يُقرأ منه أنّ هناك أيضا توجه نحو التعديل.

ولكن صرّح حمة الهمامي خلال مسيرة يوم السبت أن الجبهة الشعبية مصرة على سحب مشروع قانون المصالحة كخطوة أولى في انتظار مناقشة مشروع بديل؟ فما هو هذا البديل؟

لا يوجد بديل وإنما ستقع مراجعة المشروع الحالي ولا يمكن أن يكون هناك بديلا لأن هذا من شأنه إلى حد ما أن يضرب مصداقية رئيس الجمهورية ومصداقية حزب نداء تونس ولذلك هم مستعدون لمناقشة المشروع المطروح ومراجعته على مستوى مجلس النواب ولن يقع سحبه.

في اعتقادك لو تم تمرير هذا المشروع وتمت المصادقة عليه هل سيكون في ذلك حقا ضرب للعدالة الانتقالية؟

سوف لن تقع المصادقة عليه بهذا الشكل أعتقد أنه سيقع تغيير الفصلين الثاني والثالث من هذا المشروع بغاية مزيد إنعاش الحياة الاقتصادية مثلما يقولون وكذلك للتضييق خاصة على الإداريين الذين ساهموا في الارتشاء.

والمصادقة على المشروع فيها ضرب للعدالة الانتقالية لأن للعدالة الانتقالية مؤسسة ولها فروع وخبراء ولها آليات وهذه الآليات سيقع التفريط فيها بطريقة مباشرة وطريقة غير مباشرة وضرب العدالة الانتقالية يدخل ضمن الثورة المضادة.

النظام الحالي في حاجة إلى رأس مال فالمعلوم أن نجاح رئيس الجمهورية أو نجاح حركة نداء تونس يعود في جزء كبير منه إلى أمرين إلى القصف الإعلامي لفائدته من ناحية وكذلك إلى مال رؤوس الأموال الذين لا بد من إرضائهم ومكافئتهم ومحاولة استيعابهم للمراحل القادمة من ناحية أخرى.

البعض يقول أن غياب الإرادة السياسية الفعلية في تفعيل العدالة الانتقالية هي التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم. فكيف ترون ذلك؟

الإرادة السياسية القوية يمارسها الثوريون الذين حموا الثورة والذين حاولوا إلى حد ما أن يبنوا مجتمعا جديدا. وبالنسبة إلى النظام الموجود الآن فهو قائم على رجال الأعمال وليس في الرباعي المكون للحكومة من له توجه اجتماعي وليس من مصلحة الباجي قائد السبسي المرتبط بأوساط دولية رأسمالية والذي استند إلى الجبهة الشعبية في صعوده وتنكر لها الآن إقحام قوى سياسية لها أبعاد اجتماعية أو لها أبعاد تنحو نحو العدالة الاجتماعية.

وبلادنا تتجه اليوم إلى نوع من التحالف بين حزب نداء تونس والإسلاميين وهو مطلب القوى الرأسمالية الكبرى الآن التي تريد الحفاظ على هذا التحالف وخاصة التحالف بين النداء وحركة النهضة والخارطة السياسية في تونس بدأت تتشكل من خلال هاتين القوتين.

وبالنسبة إلى حركة النهضة فهي تريد أن تحافظ على وجودها سواء كان من خلال التفاعل مع نداء تونس أو كذلك التفاعل مع القوى العظمى لذلك فمن مصلحتها أن تدخل داخل هاته اللعبة السياسية ودرس مصر أعطاها الكثير من العبر وهي الآن تعيش مرحلة التكيف مع الأبعاد المحلية و اختيارات نداء تونس وكذلك مع الخيارات الدولية.

تعيش هيئة الحقيقة والكرامة إشكالات واتهامات عدة منذ تأسيسها وخاصة لرئيسة الهيئة سهام بن سدرين ما زاد من تعثر مسار العدالة الانتقالية فكيف تنظرون إلى هذه الاتهامات؟

صحيح..هناك من يقول أن هيئة الحقيقة والكرامة هي محاصصة بين الأحزاب وأحزاب الترويكا أساسا وهناك من يتهم رئيسة الهيئة بأن لها علاقات خارجية وغيرها قد يكون هناك جانب من الصحة فيما يتعلق بالمحاصصة ولكن هناك دائما التناقضات الثانوية والتناقضات الرئيسية والمشكل المطروح ليس حول شخصية من الشخصيات وإنما حول خيارات والهيئة خاضعة للنقد وللتقييم ولتسليط الأضواء عليها وإن أخطأ أحدهم فيمكننا محاسبته.

هيئة الحقيقة والكرامة تعيش بعض الإشكالات من ناحية هناك اختراق من داخل الهيئة ومن ناحية ثانية هناك سيل من الهجومات الخارجية عليها للحد من فاعليتها ولكن الفعاليات الوطنية الواعية لم تسقط في تحويل القضية من صراع مع النظام إلى صراع مع هيئة الحقيقة والكرامة بالرغم من أن لها الكثير من الاحترازات عليها كالرابطة التونسية لحقوق الإنسان وقد لعب الإعلام في معظمه دور التضليل ومازال لا يملك القدرة على قول الحقيقة.

هيئة الحقيقة والكرامة هي مكسب وانجاز من انجازات الثورة التي بدأنا نتخلى عنها ومشروع قانون المصالحة هو محاولة لسحب البساط من هيئة الحقيقة والكرامة بتمكين الجناة من الإفلات من العقاب وبالتالي التفريط في مبادئ وقيم الثورة التي أخرجتنا من مجتمع الرعية إلى مجتمع المواطنة والنظام الجديد يحاول أن يقضي على كل ذلك ليعود بنا إلى الوراء.

العديد من مكونات المجتمع المدني والأحزاب السياسية لها مآخذ على الهيئة ولكن هناك فرق بين الأخطاء التي يمكن أن تقع فيها الهيئة والخطيئة التي يمكن أن تحدث لو فرطنا في هذا المكسب.

هل تعتقد أنه لم تمت المصادقة على هذا القانون وبالتعديل المطلوب سيكون في ذلك حلا للأزمة التي تعيشها تونس اليوم كما يدّعي مقترحو هذا المشروع؟

لا أعتقد ذلك أبدا وخلفية هذا المشروع إلى حد ما سياسية أكثر منها اقتصادية وهي كما قلنا الحد من فاعلية العدالة الانتقالية لأن العدالة الانتقالية ستتناول قضايا مهمة جدا ومحطات من تاريخ تونس والباجي قائد السبسي أخطأ كثيرا باقتراح هذا المشروع.

أعتقد ان الحل الأسلم هو سحب هذا المشروع وترك هيئة الحقيقة والكرامة تمارس مهمتها ونقوم نحن بمراقبتها ونقدها لكن أن يقع تمرير هذا القانون فذلك يعني أننا مهدنا لتغول الثورة المضادة.

شاهدنا يوم السبت الماضي خروج مسيرات وليس مسيرة واحدة موحدة ما أثبت استمرار تشتت المعارضة. فهل لم تستفد المعارضة بعد من دروس الماضي؟

المعارضة هي فسيفساء ليس هناك رؤية واحدة هناك شقان تنسيقية أحزاب المعارضة وشق الجبهة الشعبية هاتان المعارضتان بدون شك بينهما خلاف كبير لأننا نعلم أن الجبهة هي التي دعمت وساهمت في صعود نداء تونس وهذا خطأ استراتيجي فالمفروض أن تبقى الجبهة هي الحامية للثورة لكن لحسابات سياسية وربما لشيء أيضا من الايديولوجيا تذيّلت للنداء وللباجي قائد السبسي ولكن هذا الأخير عندما انتصر وأخذ بزمام المبادرة اختار حركة النهضة ليتحالف معها وألغى البقية وهذا يعود إلى الإرادة الوطنية وأيضا إلى إيحاءات خارجية حتى لا نقول إملاءات.

وما درجة فعالية المعارضة اليوم؟

ليس لها فعالية قوية هناك معارضات وليس معارضة واحدة وكل معارضة لها منطلقات والـ 26 صوتا للمعارضة في مجلس النواب غير قادرة على تغيير موازين القوى ولكن بإمكانها تحريك الشارع وهذه المظاهرة التي وقعت في الشارع هي التي ستجير مجلس النواب على إعادة النظر وربما بعمق في هذا المشروع.

والمسيرة التي خرجت يوم السبت برغم ضعف حجمها إلا أنها كانت رسالة إلى الماسكين بالحكم أنهم لن يحكموا بمفردهم وأن السيادة للشعب وليس للنظام وأن للشعب موقفا مغايرا.

لننتقل إلى مسألة التعامل الأمني مع التحركات الأخيرة خاصة مع تلازمها مع التمديد في حالة الطوارئ . هل هناك فعلا مثلما يرى العديد من الحقوقيين اليوم تخوفا على الحريات في تونس؟

أكيد أن هناك تخوفا على الحريات اليوم وعلى الشعب التونسي أن يحمي حريته ومؤسسات الحرية لأن التفريط فيها يعني التشجيع على عودة الاستبداد والفساد. والحرية بالنسبة إلى الشعب التونسي شيء مقدس قد تتقلص شيئا ما  لكن لن تعود إلى الوراء.

الثورة المضادة تحاول قدر الإمكان انتزاع المكاسب التي حققناها في تونس والوضعية الأمنية تشهد الكثير من الاشكالات خاصة في مواجهة الإرهاب والمشاكل التي تعاني منها المنظومة الأمنية التونسية ككل وهي في حاجة إلى إعادة الرسكلة والتطهير.واذا استطعنا أن نوجد المعادلة الصعبة بين الحرية والأمن والاستقرار نكون بذلك قد حققنا التوازن.

أخيرا مسألة عودة المقاتلين التونسيين إلى تونس أثارت الكثير من الجدل حتى أن البعض طالب بعدم عودتهم . بوصفك حقوقيا كيف ترى إمكانية التعامل مع هؤلاء؟

الإرهاب ظاهرة عالمية وسجل حضوره عبر الأديان وتونس ليست بلد إرهاب نعم هناك إرهابيون ولكن ليست هناك ظاهرة إرهابية لأن الشعب التونسي ليس حاضنة للإرهاب و هو شعب متسامح ومنفتح يقبل التعايش والسؤال الذي يطرح لماذا لتونس العدد الأكبر من المقاتلين في سوريا والعراق؟

 الضربات التي تلقاها المجتمع التونسي بكل أطيافه جعلته إلى حد ما يعيش نوعا من التصحر السياسي فشبابنا عاش الفراغ السياسي وهذا الفراغ خاصة على مستوى روحي وفكري جعل الشعب التونسي شعبا هروبيا غير قادر على مواجهة المشاكل فيهرب إلى المخدرات والى الانتحار وإلى أوروبا وكذلك إلى الإرهاب.

القضية ليست كيف سنتعامل معهم أولا هناك دولة لها قوانين تتحمل مسؤولياتها في ذلك وهناك دراسة علمية يجب أن تقع على هؤلاء ويجب أن نشرك فيها مختصون في علم النفس وعلم الاجتماع وفي القانون وفي الشؤون الدينية ومحاولة إعادة تأهيلهم فأسباب عدة سياسية واقتصادية وثقافية وغيرها وراء تحول هؤلاء إلى إرهابيين.

علينا أن ندرس ملف هؤلاء حالة بحالة و يجب أن نشرك المجتمع المدني والمجتمع السياسي وعائلات هؤلاء فالعمل جماعي ولا يجوز استعمال الإرهاب لتغطية الكثير من التجاوزات أو تمرير قوانين بتعلة أننا نعيش  على وقع الإرهاب. وما يلوح من تصريحات ومناداة بمنع هؤلاء من العودة إلى تونس كلام لا معنى له.

السؤال المطروح الآن هل نحن قادرون على معالجة كل هذه القضايا؟ لا أعتقد أن نداء تونس قادر على فهم المشكل هو فقط أراد الوصول إلى السلطة وتمكن من ذلك..علينا العودة إلى العدالة الانتقالية وهي ليست مربوطة بسهام بن سدرين وبالتهم الموكولة إليها بل هي نظرة شمولية وفعاليات وطنية يجب أن تعيد النظر وهذا ليس موجودا.

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

انتخاب عماد الدربالي رئيسا للمجلس الوطني للجهات والأقاليم

تم إنتخاب عماد الدربالي رئيسا للمجلس الوطني للجهات والاقاليم، بعد حصوله على 49 صوتا مقابل …