سنوات الخطر القادمة

سمير كرم

يمكن القول بداية إن إسرائيل بدأت تفقد كل ما شيدته من عداء اميركي في بلدان الشرق الاوسط طوال السنوات، منذ بداية الثورة الايرانية (1979). وقد خلق هذا الوضع الجديد موقفاً بالغ الخطورة على الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران بالمثل، فضلا عن الخطورة التي يخلقها هذا الموقف على بلدان الشرق الاوسط والخليج، وبصفة خاصة على مصر. ذلك ان مصر هي الاخرى تمر بمرحلة يمكن وصفها بأنها مرحلة “عدم يقين”. وهي مرحلة تتسم بالانتقالية، بعد ان اسقطت حكم «الاخوان المسلمين» وبدأت في بناء حكم ديموقراطي جديد. وهي تظهر، بينما تبني عهدها الجديد، حرصاً صريحاً على مركزها الاقليمي والدولي على السواء. لكنها، اي مصر، لا تزال تواجه مصاعب جمة من جانب الذين بنوا الفترة الماضية ودورهم فيها على تراجع دور مصر الى حد ساهم بالنصيب الاكبر في ثورة «25 يناير».

واذا عدنا الى حيث بدأنا، ونعني ان اسرائيل بدأت تفقد كل ما شيدته من عداء اميركي في بلدان الشرق الاوسط، فإننا نلمس بوضوح ان تراجع ما أطلق عليه على سبيل الخطأ “الربيع العربي” مستمد اساسا من مقاومة مصر حتى الآن، ولفترة قادمة، من الصعب تقدير مداها، لخطط اميركا واسرائيل الرامية الى تقليص دور مصر الاقليمي والعالمي، اي محاولة الحليفين، اميركا واسرائيل التعويض عن تراجع خطة الربيع العربي بتحطيم هذا الدور المصري. ولا بد هنا من القول إن اسرائيل تريد ان تجني من التأييد الاميركي لها اقصى ما يمكنها الحصول عليه، ولكنها تدرك في الوقت نفسه ان أميركا آخذة في الانكماش والتراجع. وتخشى اسرائيل ان ينال منها هذا الانكماش والتراجع، وستحاول بشتى الطرق ان تحول دون الوقوع تحت تأثيرات هذا التراجع الاميركي.

وأهم ما تحرص اسرائيل عليه في هذه المرحلة المقلقة لها، هو ان تحاول إفشال دور ايران المشهود في المنطقة والعالم. وقد بدأت اسرائيل تستشعر ان ايران بدأت تجني ثمار سياساتها الثابتة التي لا تتغير بتغير الرئيس او الحكومة الايرانية. لقد بدأت الولايات المتحدة تستفيد من هذا التغير في ايران بالسعي الى اصلاح ما أفسدته سياستها الاسرائيلية طوال السنوات والعقود الماضية. وتلاحظ اسرائيل، ان ايران لا تتكلف اية خسائر من اي نوع سياسي او اقتصادي او إستراتيجي نتيجة لتحول السياسة الاميركية تجاهها من سياسة سلبية الى سياسة إيجابية. ان ايران لا تدفع اي ثمن مقابل الدخول في علاقة من نوع جديد مع الولايات المتحدة. وهي ـ أي إيران ـ لا تدفع لإسرئيل اي ثمن مقابل هذا التغير. لقد تساءلت الصحافة الاسرائيلية خلال الايام الماضية على هذا النحو: ان الشك والتخوف حيال كل ما يتعلق بالسياسة الايرانية امران مفهومان. فهناك العديد من التساؤلات مثل: هل الرئيس الايراني الجديد مستعد لوقف تخصيب اليورانيوم؟ وهل الخطاب الجديد الذي يستخدمه وزير الخارجية الايراني الجديد يعني ان ايران تعكس مواقف المرشد الاعلى؟ وهل من الممكن تبديد الخوف من السلاح النووي الايراني؟

ان هذه التساؤلات الاسرائيلية لا تعني الا ان اسرائيل متمسكة بسياسة الاعتراض على إيران و”النيات” الايرانية، اي انها تريد الاستمرار في اثارة مخاوف اميركا من نيات ايران. هذا بينما بدا من تصريحات الرئيس الاميركي باراك اوباما ـ وخاصة خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة، ثم تصريحاته في اعقاب المكالمة الهاتفية بينه والرئيس الايراني الجديد روحاني ـ انه يريد ان يخلق بردود افعاله ازاء ايران وضعاً جديداً اكثر ملاءمة لعلاقات بنّاءة بين الولايات المتحدة وايران. ولقد لخصت اورلي ازولاي، مراسلة صحيفة “يديعوت آحرونوت” الاسرائيلية في واشنطن، هذا الموقف الجدي في مقال لها بعنوان “رفض واشنطن لمقاربة نتنياهو بشأن ايران”. وفيه قالت “مع ان خطاب اوباما لم يعتبر تصريحات الرئيس الايراني روحاني بمثابة تحول تاريخي الا انه (اي اوباما) على رؤوس الاشهاد امام العالم اجمع قال إنه ينوي ان يمنح المسار الديبلوماسي فرصة كبيرة، وألمح الى انه يرغب في الحكم على الرئيس الايراني الجديد وفقاً لأعماله لا لأقواله… وبالنسبة لاسرائيل لا بد من ملاحظة ان اوباما اكد انه غير موافق على مقاربة رئيس الحكومة نتنياهو بشأن إيرانيواجه نتنياهو الآن أمماً متحدة مغايرة لتلك التي خاطبها في العام الماضي، أمماً متحدة لا تتعامل مع ايران باعتبارها دولة معزولة”.

خلاصة القول في هذا كله ان ايران لم تتغيرفي مناهجها وأهدافها الإستراتيجية والسياسية بتغير رئيسها، وأميركا هي التي انتهزت الفرصة كي لا تقف اسرائيل عقبة امام تغيرالسياسات الاميركية تجاه ايران، اما اسرائيل فإنها باقية على معارضتها بل عدائها المطلق تجاه ايران. وهنا يمكن ان نرى بدايات خلاف اميركي اسرائيلي. وأن نرى في الوقت نفسه دليلاً أكيداً جديداً على ان اسرائيل من بدايات سياساتها تجاه ايران لم تعنَ برؤية جوهر السياسات الايرانية. «هآرتس» وصلت الى حد القول صراحة “ان تقارباً قد حدث بين اسرائيل وعدة دول خليجية (اي عربية) في الوقت الذي حدثت فيه انفراجة في العلاقات بين واشنطن وطهران”. ومضت “هآرتس” الى القول إنه قد “حدث تطور ايجابي في العلاقات بين تل ابيب ودول الخليج على خلفية بدء ذوبان الجليد بين واشنطن وطهران بسبب العداء المشترك بين اسرائيل ودول الخليج (من ناحية) وايران (من ناحية أخرى) وتخوف الطرفين من تداعيات تحسن العلاقات بين الولايات المتحدة وايران”. وأضافت ان ديبلوماسيين اسرائيليين عقدوا حوارات مع مسؤولين من الاردن ودولة الامارات وعدد من دول الخليج الاخرى.

هل يمكن القول في هذا المجال إن اسرائيل تستبدل اميركا بعدد من بلدان الخليج، ام ان هذه هي الوسيلة التي تمارس بها اسرائيل ضغطها على واشنطن لكي تعود بسياستها تجاه ايران الى سيرتها الاولى، اي سيرة العداء والتهديد المتواصل بشن الحرب على الاراضي الإيرانية؟ والإجابة عن هذا السؤال الاول هي بالتأكيد لا، لان الدول الخليجية لا يمكن ان تغني اسرائيل عن الولايات المتحدة. وذلك ما لم تكن اسرائيل تتصور ان بإمكانها إقناع بلدان الخليج بأن تعطي ظهرها للولايات المتحدة وأن تستعيض عنها بعلاقات اوثق مع اسرائيل. أما عن السؤال الثاني فانه يحمل قدرا كبيرا من المصداقية. ان اسرائيل تملك من وسائل الضغط على البيت الابيض ومجلس الامن القومي ووزارة الخارجية ما يمكّنها من اجبار واشنطن على تغيير سياساتها الاساسية تجاه ايران. ومن المؤكد ان اسرائيل لن تكف عن اطلاق الاتهمات واصطناع الأدلة ضد ايران في ما يتعلق بطموح ايران الذي لا تراه اسرائيل مشروعاً ابداً لامتلاك قوة نووية للاهداف السلمية. وقد أعلنت اسرائيل قبل ايام قليلة انها “تملك ادلة جديدة على ضلوع ايران في صنع سلاح نووي”. وقد بدا مؤخراً ان زعماء اسرائيل قرروا انتهاج سياسة توزيع الادوار بينهم. ففيما شن نتنياهو هجوما حادا على ما أسماه “ابتسامات روحاني” اختار شيمون بيريز ـ رئيس اسرائيل ـ ان يحذر من انتقاد الاسرائيليين للرئيس الاميركي.

وعند هذه النقطة بالتحديد يتعين علينا ان نعود الى التساؤل مجددا عن موقف مصر ودورها في هذه التغيرات، ما حدث منها وما هو منتظر الوقوع. إن مصر تمر بمرحلة حرجة سواء في علاقاتها بالولايات المتحدة او باسرائيل. اما في ما يتعلق بدول الخليج فان مصر تبدو أكثر ثأثيرا او قدرة على التأثير على مواقف وسياسات الدول الخليجية، ربما باستثناء قطر التي تنتهج سياسة اقرب الى اسرائيل. لكن مصر مرشحة لاستغراق وقت أطول في محنة المواجهة بينها وبين «الاخوان» في الداخل والخارج، الامر الذي يمكن ان يحول بينها وبين اتخاذ موقف صريح وقوي من القضايا العربية وتلك المتصلة بالعلاقات العربية، مع العالم الخارجي. وتدل المؤشرات على ان مصر في ظل حكومتها الحالية، حريصة على اتخاذ موقف ايجابي من ايران وتبدي حرصاً على إبقاء ايران في جبهة الدول الشرق اوسطية التي تؤدي دورا فاعلا في مواجهة الخطر الاسرائيلي.

اما حالة الأفول التي تبدو على اميركا في هذا الوقت والتي يمكن ان تقوى في السنوات التالية فإن من شأنها ان تلقي بظلال سوداء على اسرائيل والدور الاسرائيلي في المنطقة. ولهذا يمكن القول انه بينما تمضي مصر في دور الصعود فإن اسرائيل تمضي في دور الهبوط. وفي كل الاحوال فإننا مقبلون على سنوات بالغة الخطورة من نواح كثيرة. وستبقى الأعين العربية مركزة على هاتين القوتين ـ مصر وإسرائيل ـ في السنوات التالية.

السفير

تعليقات

عن taieb

شاهد أيضاً

التغوّل التركي في السوق الليبية ينهك الإقتصاد التونسي

لم يعد النظام التركي يخبأ نواياه تجاه الدول العربية، بل وبكل صراحة أصبح الرئيس التركي …