عبد الباري عطوان يكتب: أمريكا تبيع مرسي والإخوان وتدعم انقلاب السيسي رسميا وتغازل السعودية

عندما يقول جون كيري وزير الخارجية الأمريكي في مؤتمر صحافي عقده في القاهرة في ختام زيارة جرى حشرها في برنامج جولته الحالية، استغرقت ست ساعات “ان قادة الجيش المصري مستعدون لإرساء الديمقراطية، وان مصر تتحرك لتحقيق خارطة الطريق الديمقراطية، والجميع يجب أن يساعد على ذلك، فان هذا التصريح يعكس واحدا من أمرين:

الأول: ان يكون الاعتراض الرسمي الأمريكي على قلب حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي، وتجميد المساعدات المالية والعسكرية لمصر احتجاجا ما هو الا مسرحية للالتفاف على قانون أمريكي يعارض الانقلابات العسكرية، ويطالب بعقوبات للسلطة او الحكومة التي تتمخض عنها، ولإظهار أمريكا بأنها دولة داعمة للحريات الديمقراطية في العالم.

الثاني: ان يكون الموقف الأمريكي من الانقلاب العسكري في مصر جديا، وان تكون التهديدات المصرية باللجوء الى روسيا ودول أخرى بحثا عن السلاح نجحت في لي الذراع الأمريكي فعلا، وأجبرت إدارة الرئيس باراك اوباما على تغيير سياساتها تجاه مصر، والتراجع عن قراراتها في تجميد المساعدات المالية واستئناف صفقة دبابات وأسلحة أخرى أوقفت تسليمها.

نميل إلى الأمر الأول ونرجحه، لان العلاقات الإستراتيجية بين الجيش المصري والإدارة الأمريكية اقوى من ان يؤثر فيها اي عامل ديمقراطي متصنع، او الإطاحة برئيس منتخب، لان الإدارات الأمريكية المتعاقبة وقفت دائما خلف الانقلابات العسكرية التي أطاحت برؤساء منتخبين في إيران (حكومة مصدق) وفي تشيلي (حكومة الليندي) والقائمة تطول، كما ان تغيير مصادر تسليح الجيش المصري، بعد أربعين عاما من الاعتماد على السلاح والتدريب الأمريكيين يحتاج إلى قرار استراتيجي شجاع وليس مناورة تكتيكية تعكس حردا او عتبا.

الحكومة الأمريكية لم “تهضم” مطلقا حكومة الرئيس محمد مرسي وحكم الإخوان، واضطرت للقبول بها، والادعاء، من منطلق كسب الوقت لا أكثر ولا اقل، وللتعايش مع نتائج ثورة شعبية حقيقية جارفة أطاحت بديكتاتور صلب الجذور كانت تدعمه ونظامه بقوة، بدليل أنها رفضت رفضا مطلقا ان تصف عزل مرسي بأنه “انقلاب عسكري”، وهو اكبر تزوير سياسي في العصر الحديث.

السيدة بيت جونز مساعدة وزير الخارجية الأمريكي عبرت بشكل واضح عن هذه السياسة المضللة بقولها أمام مجموعة من البرلمانيين “مرسي اظهر انه لا يريد، او لا يمكنه، الحكم بمشاركة كل الأطراف ما أثار غضب العديد من المصريين، واستجاب الجيش لرغبات ملايين المصريين الذين كانوا يعتقدون ان الثورة تأخذ منحا سيئا”.

***

الوصلة الوحيدة التي تهتدي بهدبها الادارة الامريكية في تعاطيها مع مصر وكل العرب هي بوصلة كامب ديفيد وموقف الحكومة المصرية، اي حكومة مصرية، من الاتفاقات التي حملت اسمها، ولو شعرت هذه الادارة بأن المؤسسة العسكرية المصرية الحاكمة من خلف ستار تفكر بالغاء هذه الاتفاقات او تعديلها، لما زار كيري القاهرة اساسا، ولما اعلن تأييده للحكم الجديد، والشراكة معه في مؤتمره الصحافي.

الرئيس مرسي وقادة الاخوان من خلفه، ارتكبوا خطأ قاتلا عندما اعتقدوا انهم يمكن ان يطمئنوا للدعم الامريكي الكاذب، ولم يقرأوا الخطوط العريضة للسياسة الامريكية في الشرق الاوسط قراءة جيدة، واعتقدوا ان امريكا لا تعرف نواياهم الباطنية والظاهرة، وباستطاعتهم خداعها وها هم يكتشفون خطأهم الاستراتيجي هذه متأخرين جدا، وبعد ان بلعوا الطعم الامريكي، وخسروا الحكم، وانتهوا في سجون اصدقاء امريكا والاقصاء الكامل من اي عملية ديمقراطية حقيقية في البلاد.

اسرائيل لعبت دورا كبيرا، من خلال اللوبي التابع لها في واشنطن في الضغط على الادارة الحالية لتغيير موقفها بسرعة من الانقلاب العسكري وفك التجميد عن المساعدات الامريكية لمصر، مثلما اكدت على تأييدها للانقلاب من خلال السماح للجيش المصري بادخال اسلحة ثقيلة وزيادة عدد جنوده، وطلعات طائراته الحربية فوق سيناء في اطار الحرب التي يعلنها على “الارهابيين” حسب التوصيف الحكومي للجماعات الاسلامية المتشددة.

الحكم الحالي في مصر قدم اوراق اعتماده منذ اليوم الاول من اطاحة الرئيس مرسي للولايات المتحدة من خلال اعتباره لحركة “حماس″ حركة عدوة التخابر معها جريمة، وبادر في تدمير جميع الانفاق، واغلاق معبر رفح، وتشديد الحصار على القطاع ومليونين من ابنائه.

امريكا لم تكن، ولن تكون، مع ترسيخ الديمقراطية وقيمها في الوطن العربي، وخاصة الدول المحيطة باسرائيل لان الديمقراطية هي حكم الشعوب، والشعوب العربية، والمصري على رأسها، لا يمكن ان يقبل بالاحتلال الاسرائيلي لمقدساته العربية والاسلامية في القدس المحتلة، وابتلاع الارض من خلال سياسات استيطانية متوحشة.

كيري زار القاهرة قبل يوم واحد من محاكمة رئيس مصري منتخب بتهم ملفقة، ومعه المئات من اتباعه، ولم ينطق بكلمة واحدة تضامنا معه، او للسؤال عنه، والمطالبة باطلاق سراحه، فهل يمكن ان نصدق كل الادعاءات الامريكية الكاذبة حول توتر العلاقة مع مصر احتجاجا على الانقلاب العسكري، وهل يمكن ان نقتنع بأن المساعدات الامريكية العسكرية والمالية قد جرى تجميدها فعلا؟

الاجابة معروفة، ولا ننتظرها من كيري او غيره نحن الذين اكتوينا من الحروب الامريكية “الديمقراطية” في بلداننا العربية والاسلامية تحت عناوين مختلفة، امريكا استثمرت اكثر من 45 مليار دولار لتسليح الجيش المصري، ولتثبيت اتفاقات كامب ديفيد ودولة اسرائيل بالتالي، ولا يمكن ان تضحي بكل هذا الاستثمار من اجل عيون رئيس اخواني يدعم مقاومة حماس ويستند الى قاعدة سلفية.

كيري بجولته الحالية يريد ان يطمئن اصدقاء بلاده في المنطقة بانها ما زالت على العهد، واولهم المملكة العربية السعودية التي ستكون محطته الثانية، وتأييده انقلاب الفريق السيسي علنا هو اجمل هدية يقدمها لها، معترفا بالذنب مطالبا الصفح والغفران!

تعليقات

عن taieb

شاهد أيضاً

التغوّل التركي في السوق الليبية ينهك الإقتصاد التونسي

لم يعد النظام التركي يخبأ نواياه تجاه الدول العربية، بل وبكل صراحة أصبح الرئيس التركي …