غلق مصنع الآجر بالقلعة الصغرى: هل تنصّلت السلطة الجهوية من تطبيق القرار؟

هدى القرماني

ينام أهالي القلعة الصغرى من ولاية سوسة ويستيقظون منذ سنوات على مشهد متكرّر من سحابات دخان سوداء خانقة وسماء مغبّرة وهواء ملوّث وروائح تحبس الأنفاس الى حدّ الاختناق.. تمرّ السنين ولاتزال نوافذ المنازل مغلقة وأبوابها مشرّعة للعلل وللموت البطيء.

هكذا هي الحياة في هذه المدينة كما يرويها جلّ أبنائها منتظرين من يوقف هذا الكابوس، كابوس التلوّث البيئي من جراء الانبعاثات الغازية النابعة من مداخن مصنع الآجر وتناثر غبار المواد الأولية.

حق العيش في بيئة سليمة حقّ كفلته الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان وكفلته أيضا القوانين والدستور التونسي الصادر في 27 جانفي 2014 كأعلى مصدر تشريعي في فصله 45 حيث نصّ على أنّه “تضمن الدولة الحق في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ. وعلى الدولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي”.

احتجاجات ومسيرات، طيلة السنوات الأخيرة، قامت بها مكونات من المجتمع المدني وأحزاب بالجهة إضافة الى عدد من الأهالي جابت شوارع المدينة مطالبة بالحدّ من هذه الآفة ومن مخاطرها على البيئة وعلى صحّة وسلامة المواطنين كما أثبتته التقارير الصحيّة والبيئية ولكن شبح التلوّث لازال جاثما في سماء المدينة والضغط متواصل من اجل تفعيل قرار غلق هذا المصنع وسط صمت وتجاهل من المسؤولين جهويا وفقا لتصريحات المواطنين.

وقد رفع المحتجون خلال تحركاتهم عديد الشعارات على غرار “طبق القرار على معمل الياجور”، “الوالي مطالب بتنفيذ القرار” ، ”القلعة تستغيث والولاية في نوم عميق”، “نريد تطبيق قرار المجلس البلدي بغلق مصنع الآجر” وكلها شعارات تحمّل المسؤولية للسلطة الجهوية في عدم تفعيل قرار غلق المصنع الذي اتّخذه المجلس البلدي بالإجماع في 14 ديسمبر 2018.

وللإشارة يقع مصنع الآجر على الطريق الرابطة بين مدينتي القلعة الصغرى وسوسة وتحيط به أحياء ذات كثافة سكانية متفاوتة حيث يحدّه من الجنوب حي أولاد عون والقصارنية ومن الشرق حي المنازه ومن الشمال المنطقة الفلاحية الشراقي ومن الغرب الحي الجديد باتجاه مدينة القلعة الصغرى.

وقد تأسّس المصنع سنة 1972 وتحوّلت ملكيته سنة 2006 اثر تسوية قضائية الى مالك جديد ويشغّل المئات من العمال كما يوفّر لبلدية المكان إيرادات هامة لكنّه في نفس الوقت يعتبره غالبية الأهالي والسلطة المحلية كما المجتمع المدني كارثة على صحة الموطنين وعلى البيئة ومحيط المدينة.

 

 

أكثر من سنة مرّت على اصدار قرار الغلق لكنّ تنفيذه بقي معلّقا لليوم ويتأرجح بين سلطة محليّة تحمّل مسؤولية ذلك الى السلطة الجهوية وسلطة جهويّة تتنصّل من تنفيذ القرار بدعوى أنّ قانون الجماعات المحليّة يخوّل تفعيل القرار للمجلس البلدي الذي اتّخذه بالاستعانة بقوات الأمن وفي صورة تعذّر ذلك يمكن للولاية أن تتدخّل وهو ما جاء على لسان عادل الشليوي والي سوسة خلال المجلس الجهوي للتنمية يوم السبت 01 فيفري 2020.

خلاف بين سلطتين محلية وجهوية يجعلنا نتساءل عن الإشكالات التي تعترض المجالس البلدية في تنفيذ قراراتها كالتضييق أو عدم توفر الآليات مثل غياب فريق شرطة بلدية وبيئية وهو الحال في مدينة القلعة الصغرى ومن المسؤول في هذه الحالة عن تنفيذ القرار؟

تنصّ مجلة الجماعات المحلية في قسم صلاحيات رئيس البلدية وتحديدا في الفصل 257، ومن جملة مهام رئيس البلدية التي جاءت في هذا الفصل، على “التخاطب مع ممثل السلطة المركزية المختص ترابيا حول تنفيذ كل القرارات البلدية باللجوء عند الاقتضاء للقوة العامة.”

كما ينصّ الفصل 266 من المجلة على أنّ رئيس البلدية مكلّف بالتراتيب البلدية وبتسيير الشرطة البيئية وبتنفيذ قرارات المجلس البلدي.
ويتولّى رئيس البلدية اتخاذ التراتيب الخاصة بالجولان وحفظ الصحة والسلامة والراحة وجمالية المدينة والمحافظة على البيئة داخل كامل المنطقة البلدية بما تشمله من ملك عمومي للدولة.
ويسهر أعوان البلديات المكلّفون بالشرطة البيئية تحت مسؤولية رئيس البلدية بالمهام الموكولة إليهم بمقتضى القانون.
وفي صورة عدم الامتثال للقرارات الصادرة عن رئيس البلدية، يلتزم الوالي بالإذن بتنفيذ القرارات المتخذة في نطاق التراتيب البلدية. ويعلم رئيس البلدية كتابيا بمآل القرارات المتخذة في أجل لا يتجاوز شهرين ويعلّل عدم التنفيذ عند الاقتضاء.
وتعيّن السّلطة المركزية مخاطبا أمنيا لكل رئيس بلدية. ولرئيس البلدية الطعن في رفض السّلطة المركزية تنفيذ القرارات البلدية أمام القضاء الإداري.”


وفي حين طالبت رئيسة البلدية سميحة بوراوي من والي الجهة، خلال المجلس الجهوي للتنمية، تحديد جلسة قبل تنفيذ القرار بمقرّ الولاية تجمع بين جميع الأطراف بما في ذلك الاتّحاد العام التونسي للشغل ومنظمّة الأعراف لتحميل صاحب المصنع مسؤولية حفظ كرامة العمال وحقوقهم وهي خطّ أحمر يجب احترامه وفق قولها رفض الوالي عقد أيّ جلسة مشددا على أنّ الجلسة يجب أن تكون بداية بين المجلس البلدي والسلطة الأمنية بجهة سوسة التي من شأنها المساعدة على تنفيذ قرار الغلق ومقرّا في الآن ذاته بانّ الولاية ليست معترضة على ما قرّره المجلس.

وسبق أن صرّحت لنا رئيسة البلديّة واجابة عن سؤالنا لماذا لم يفعّل قرار الغلق بعد أكثر من سنة على اتّخاذه قالت محدثتنا أنّ مسألة التفعيل مرتبطة بالجهة المخول لها التنفيذ وهي السلطة الجهوية والسلطة الأمنية مشيرة الى أنّه قد تمّت مراسلتهما رسميا وأنّ اتصالات دائمة تقوم بها تقريبا أسبوعيا مع والي الجهة من أجل تنفيذ هذا القرار.

وأكّدت محدثتنا أنّه قيل لها “لأسباب أمنية يجب التمهّل في تنفيذ القرار الى ما بعد جانفي وبأنّ الوقت غير مناسب لذلك” ولكنّها لا تزال حريصة على تحقيق هذا المطلب حسب قولها.

من جهته أكّد اقبال الرواتبي رئيس لجنة النظافة والصحة والبيئة ببلدية القلعة الصغرى أنّ هذا القرار اتّخذه المجلس البلدي حماية للمواطنين وحفاظا على صحتهم ووزير الشؤون المحلية والبيئة أكّد سلامته، وتنفيذه موكول للسلطة التنفيذية في الجهة والممثلة في شخص الوالي والسلطة الأمنية التي تأتمر بأمره منتقدا عدم تفعيل هذا القرار الى حدّ الآن ومحمّلا مسؤولية ذلك الى الوالي.

ويرى محدثنا أنّ تنفيذ القرار يتطلب كذلك توفّر إرادة سياسية من أعلى الهرم مشيرا الى تخوفات أطراف عدّة بما في ذلك السلطة الجهوية من فقدان مئات العمال لموطن شغلهم ولكنّه يشدد على أنّ المحافظة على صحة المواطنين تبقى فوق كلّ اعتبار.

ويقول رئيس اللجنة أنهم مستعدون للتصعيد في صورة عدم التنفيذ والالتجاء الى القضاء واتخاذ كافة الإجراءات من أجل الدفاع عن سلامة المواطنين.

وانتقد محدثنا غياب شرطة بيئية في المدينة لافتا الى أنه سبق وأن طالبوا بتوفير سيارة لكن يقول الى حدّ الآن لم نتلقّ سوى الوعود.

كما أوضح أنّ الشرطة البلدية في القلعة الصغرى لم تبدأ العمل فعليا مشيرا الى توصّلهم بقرار الموافقة على تركيز هذا الجهاز وانه تمّ توفير مقرّ خاص لهم لم يتمّ الى اليوم استغلاله وأنّه لا يوجد حاليا سوى رئيس المركز يعمل بمفرده دون فريق عمل.

وردا على اتهامات رئيس الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة، علي بن يحي، الّذي اتهم في تصريح اعلامي الأطراف التي اتخذت قرار الغلق بأنّها أطراف ضدّ الاستثمار في الجهة تساءلت رئيسة البلديّة لماذا لم تتدخّل منظمة الأعراف حين طالب الأهالي بالحدّ من تلوّث هذا المصنع مضيفة عليها بدل رشقنا بهذه الاتهامات مساعدة المستثمر على إيجاد مكان مناسب للانتصاب به خارج المناطق العمرانية تجنبا للإضرار بصحة السكان.

 

بلغنا مرحلة اللاعودة مع صاحب المصنع بعد اتّخاذ قرار الغلق

اعتبرت رئيسة البلدية أنّ هذا الموضوع هو الموضوع الحارق بمدينة القلعة الصغرى وأنّه منذ حوالي عشر سنوات قد استفحلت المشكلة البيئية خاصة أمام زيادة عدد المداخن بالمصنع والتوسعة التي قام بها المالك الحالي والاستحداثات التي أحدثها مع تسلمه للمؤسسة وما نتج عن ذلك من آثار سلبية على صحة المواطنين وعلى البيئة والزراعات في محيط المصنع.

وأشارت محدثتنا الى نوعية الأمطار الحمضية بالمدينة والتي بينتها احدى الإطارات الطبية التي تمّت الاستعانة بها من قبل البلدية مؤكدة بشريط موثّق وبالتقارير أنّ آثار التلوّث السلبية تتجاوز محيط المصنع لتصل الى حدود 10 كلم وبنفس التأثير على البيئة وعلى المواطنين.

وعلميا يحدث المطر الحمضي عندما تختلط انبعاثات دخان المصانع مع الرطوبة الموجودة في الهواء لتشكيل هطول حمضي.

وتقرّ بوراوي أنّ اتّخاذ قرار الغلق جاء بعد تتالي احتجاجات المواطنين أمام نتائج التقارير الكارثية وتحميل المجلس البلدي مسؤوليته للمحافظة على صحّة الأهالي إضافة الى عدم استجابة صاحب المصنع الى أيّة حلول عرضت عليه من طرف الوكالة الوطنية لحماية المحيط ومن وزارة الصحة لإزالة التلوّث ما أدّى الى استفحال الأمور وبلوغها مرحلة اللاعودة على حدّ قولها.

وأشارت محدّثتنا أنّ صاحب المصنع قد تراجع عمّا أدلى به خلال الاجتماع به في بلدية القلعة الصغرى بتاريخ 06 ديسمبر 2018 والذي أكّد فيه أنّ المصنع لن يحافظ على المدى المتوسط على مكانه أمام التوسع العمراني في محيط المؤسسة بينما تقول تبيّن خلال الجلسة التي انعقدت بوزارة الصناعة بتاريخ 11 جانفي 2019 أنّه لم يعد يتحدّث عن التفكير في الغلق ونقلة المصنع الى خارج مناطق العمران بل أصبح يتحدّث عن البحث عن حلول وأساليب للحدّ من التلوّث.

وبيّنت بوراوي أنّ المجلس البلدي يرفض الرجوع الى الوراء خاصّة بعد اتّخاذ قرار الغلق مشيرة الى أنّ هذه المؤسسة تعمل دون ترخيص قانوني.

يذكر أنّ صاحب المصنع قد تقدّم لوزارة الصناعة يوم 02 جوان 2016 بمطلب بغاية الحصول على رخصة فتح واستغلال مؤسسة مصنفة من الصنف 2 متمثلة في معمل آجر.

واعتبرت بوراوي أنّ المصفى ذات الأكمام التي قال صاحب المصنع أنه اقتناها لن تحدّ من نسب الدخان الصاعد من المداخن بل ستزيد من انتشاره وهو ما سيجعل ضغط المواطنين متواصلا كما جاء على لسانها.

 

 

تقارير صحية وبيئية سلبية

وعودة على تقرير إدارة حفظ صحة الوسط وحماية المحيط بتاريخ 28 جويلية 2018 حول متابعة الوضع البيئي لمعمل الآجر بالقلعة الصغرى من ولاية سوسة فقد أفاد بأنّ فريقا مختصا من الإدارة قام بتاريخ 28 فيفري و01 و05 مارس 2018 بأخذ قياسات الجسيمات الدقيقة ذات قطر 2.5 ميكرو متر داخل بعض المنازل المنتصبة بالمحيط المباشر للمصنع وأظهرت النتائج تجاوز جميع القياسات لمعدّل التركيز اليومي الموصى به من طرف منظمة الصحة العالمية بخصوص نوعية الهواء الداخلي والمقدرة بـ 25 ميكروغرام في المتر المكعب هواء خلال 24 ساعة.

وبيّن التقرير أنّ المعدّل اليومي لتركيز هذه الجسيمات بلغ 188 ميكرو غرام في المتر المكعب هواء خلال 24 ساعة بمسكن خلف المصنع على بعد 50 مترا.

وبلغت أعلى معدلات التركيز 11900 ميكروغرام في المتر مكعب على الساعة الخامسة ونصف مساء وذلك بمسكن يمين المصنع على بعد 50 مترا و5960 ميكروغرام على الساعة السابعة مساء بمسكن يمين المصنع على بعد 800 متر و2870 ميكروغرام على الساعة الثانية ونصف ظهرا بمسكن قبالة المصنع على بعد حوالي 100 متر. فيما تم تسجيل 607 ميكروغرام على الساعة منتصف الليل بمسكن خلف المصنع على بعد 50 مترا.

وتعتبر الجسيمات ذات قطر 2.5 ميكرومتر شديدة الخطورة على صحة الانسان نظرا لسهولة اختراقها الحويصلات الهوائية أثناء عمليّة التنفس وقد أثبتت عديد الدراسات الارتباط الوثيق بين التعرض لهذه النوعية من الجسيمات بنسب تركيز عالية وحالات الإصابة بأعراض القلب والشرايين إضافة الى حالات الوفيات اليومية وهو ما جاء في تقرير إدارة حفظ صحة الوسط وحماية المحيط بتاريخ 01 سبتمبر 2015.

وقد سبق أن أثبت هذا التقرير أيضا أنّ تركيز الجسيمات لا يتطابق مع الحدود القصوى الموصى بها من طرف المنظمة العالمية للصحة حول ” نوعية الهواء الداخلي”.

كما أشار التقرير الى أنّ فريق المراقبة المشترك بين إدارة حفظ الصحة والإدارة الفرعية للصحة البيئية بسوسة قد رصد ظهور جسيمات عالقة من الغبار حمراء اللون في فترة الليل ترى بالعين المجرّدة من خلال ضوء أعمدة النور الكهربائي المنتصبة قبالة المصنع كما ظهرت على أفراد المراقبة الصحية خلال فترة الليل أعراض متعلّقة بتهيّج في العينين والأنف وصداع في الرأس إضافة الى إحساس واضح بطعم لاذع في الفم.

وبيّن أنّ المصنع لا يتوقّف عن النشاط وينبعث الدخان منه في الهواء الطلق عبر 4 مداخن وفوهتين كامل فترات اليوم مشيرا الى تغيّر مسار الدخان بحسب اتجاه الريح وهو ما يجعل جميع المناطق السكنية المحيطة بالمصنع عرضة للدخان في أوقات مختلفة من اليوم.

ولاحظ فريق المراقبة أيضا تكدّس أكوام غير مغطاة من مادة “الطفل” بالمصنع حيث تتناثر في شكل غبار عند هبوب الرياح مع وجود آثار واضحة لغبار أحمر اللون قبالة المصنع وحواليه.

هذا وسبق أن راسلت الإدارة وزارة البيئة والتنمية المستدامة في الغرض قصد اتّخاذ الإجراءات الكفيلة بالحدّ من تلوّث الهواء الناتج عن نشاط المصنع بما يجعل الانبعاثات مطابقة للمواصفات الجاري بها العمل ودراسة إمكانية نقلة المصنع الى مكان ملائم.

من ناحيتها قامت الوكالة الوطنية لحماية المحيط بعدة زيارات ميدانية للمصنع وبيّنت أنّ التلوّث الهوائي الناجم عن نشاط المصنع يتمثّل أساسا في الانبعاثات الغازية (أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد الأزوت بصفة خاصة) الصادرة عن مداخن المصنع من جهة وتناثر الغبار (خاصة أثناء عملية خزن ونقل المواد الأولية) من جهة أخرى.

وفي زيارتها بتاريخ 11 نوفمبر 2018 للقيام بالتحاليل اللازمة أقرّت أنّها لم تسجلّ أيّ تقدّم واضح بخصوص الافرازات الغازية وأنّ الوضع البيئي المخلّ لا يزال قائما بالمصنع.

من جهته لا طالما حذّر الدكتور عصام العامري رئيس الجمعية التونسية لإعانة المتضررين من الأخطاء الطبيّة ولطيلة سنوات من مخاطر الانبعاثات الغازية على الانسان والبيئة مؤكدا ارتفاع عدد الوفايات بمدينة القلعة الصغرى والأحياء المجاورة لها وارتباط إصابات المواطنين بأمراض القلب والجهاز التنفسي والحساسية والسرطان في أغلبها بهذه الانبعاثات.

وفي تصريح اعلامي أكّد العامري أنّ أكثر من 80 طبيبا واطارا طبيا وشبه طبي بالمستشفى الجامعي سهلول قد وقعوا على عريضة من أجل تطبيق قرار غلق المصنع لما له من أضرار صحيّة.

 

 

صاحب المصنع يؤكدّ قيامه بكافة الإصلاحات التي تعهد بها

وفي مقابل ذلك سبق وأن دعا أمين تقية، المدير العام لهذه المؤسسة، السلطة المحلية للتحلي بروح المسؤولية مذكرّا أنّ المصنع يشغلّ أكثر من 800 عامل ويجب التفكير في مصيرهم اذا ما تمّ غلق المؤسسة.

واكّد أنّه قام بكافة الإصلاحات التي تعهّد بها ونفى أن يكون المصنع اليوم مصدر تلوّث قائلا لو ثبت أنّ هذا المصنع مصدر ضرر على صحة المتساكنين فنحن مستعدون لغلقه.

وأشار تقيّة خلال حضوره الجلسة التي انعقدت بوزارة الصناعة الى أنّ عمليّة نقلة المصنع تكاد تكون مستحيلة لأسباب تقنية واقتصادية مبيّنا أنّ تكلفة النقلة تبلغ حوالي 70 مليون دينار الى جانب رفض أغلب العملة التحول للعمل في مكان آخر وتكبّد مشاق التنقل.

وحذّر تقية من ردّة فعل عنيفة للعمال في حال تمّ غلق المصنع ووجدوا أنفسهم في وضعيّة بطالة.

 

إجراءات لمراجعة مثال التهيئة وتغيير صبغة المنطقة

ياسين الرواتبي أحد المواطنين الذين تحدثنا معهم وقد كشف أنّ لمدينة القلعة الصغرى معضلة كبرى يراها من الأسباب التي أوقفت مسيرة التنمية في الجهة ألا وهي مصنع الآجر ويقول “شخصيا أعتبره كان حجرة عثرة في طريق التنمية باعتباره أوقف امتداد المدينة في اتجاه سوسة وأوقف التوسّع العمراني دون أن ننسى الأضرار الصحيّة التي تسبّب فيها وجعل عددا من الأهالي يتخلون عن أراضيهم ويتجهون الى مناطق أخرى هربا من الموت ” على حدّ قوله.

السيدة علياء هي الأخرى مواطنة فضلت بيع ارض لها خلف المصنع واقتناء أرض فلاحية بعيدة عن وسط المدينة قائلة ” لا أستطيع العيش هنا ولا استغلال قطعة الأرض التي أملكها سواء في البناء أو الفلاحة… لي طفل وحيد وأخاف عليه وعلى صحتنا جميعا لذلك فرطت في هذه الأرض بالرغم من موقعها الممتاز”.

وفي هذا الإطار أعلنت رئيسة البلدية سميحة بوراوي أنّ المجلس البلدي انطلق مؤخرا في إجراءات مراجعة مثال التهيئة وتغيير صبغة المنطقة المنتصب بها المصنع من منطقة صناعية الى منطقة سكنية بالاستعانة بمكتب دراسات مشيرة الى تقدّم الأعمال وأنّ هذا كان مقترحا من قبل مختلف المستشارين البلديين.

وفي سياق متصل اعتبر اقبال الرواتبي رئيس لجنة النظافة والصحة والبيئة أنّ مصنع الآجر الى جانب أضراره البيئية والصحية فقد أثّر على جمالية مدخل المدينة وشوّهها وجعلها أشبه الى منطقة صناعية منها الى مدينة يعيش فيها أكثر من 40 ألف ساكن.

وانتقد رئيس اللجنة الغبار الأحمر المتناثر من الآجر والذي غطى حسب قوله كل ما يحيط بالمصنع من طريق وأشجار وغيرها، وآثار الطفل (مادة أولية) التي لطّخت المكان، وكذلك كثرة شاحنات النقل الحاملة لشحنات الآجر وللمواد الأولية وما تمثله من خطر على المارين في تلك المنطقة خاصة وأنه الطريق الرئيسي للمدينة في اتجاه سوسة.

وأشار محدّثنا أنّ صاحب المصنع ليست له نيّة إزالة التلوّث وأنّه يعمل دون رخصة ودون تدابير سلامة مؤكدا بدوره سعي المجلس البلدي حاليا الى تغيير صبغة تلك المنطقة مع الامتداد العمراني هناك خاصّة وأنه يحيط بها مستشفى جامعي ومركبات جامعية ومدرسة ابتدائية.

المجتمع المدني على الخطّ

لعب المجتمع المدني دورا هاما في الدفاع عن حق الأهالي في العيش في بيئة سليمة وفي الضغط على كلّ من السلطة المحلية والجهوية وحتى المركزيّة وعلى صاحب المصنع والى جانب التحركات السلمية خاض المعارك القضائية من أجل تفعيل قرار غلق المصنع ومن أجل تحرير أيضا نشطاء تمّت محاكمتهم اثر شكاوى رفعها ضدّهم صاحب المصنع.

وفي هذا السياق حمّل مالك رجيبة رئيس جمعية حماية البيئة “اينيفار” بالقلعة الصغرى والي الجهة مسؤولية تطبيق قرار الغلق خاصة وأنّ صاحب المصنع قد استوفى جميع الطعون أمام المؤسسات العمومية وأمام المحاكم وقضى قرار المحكمة الإدارية بفرعها الجهوي بسوسة في 07 جوان 2019 برفض مطلب إيقاف التنفيذ.

وكانت الجمعية قد تقدمت بدفوعاتها ومؤيّداتها لتأييد قرار الغلق والدفاع عن متساكني المدينة والمتضررين من التلوّث للمحكمة الإدارية.

وذكّر رجيبة أنهم كجمعية وتنسيقية للبيئة هم ملّمون بكافة معطيات هذا الملّف وانه سبق وأن تفاوضوا مع صاحب المؤسسة والمؤسسات العمومية التي أثبتت تقاريرها أنّ هذا المصنع “ملوّث ومخالف للقوانين وللمعايير” حسب قوله.

واعتبر رجيبة أنّ قضيتهم عادلة خاصة وأنّ الغازات السامة المنبعثة من مداخن المصنع أصبحت خطرا كبيرا على البيئة وعلى صحة المواطنين مشدّدا على إقرار العزم نحو تطبيق قرار غلق المصنع وعلى إمكانية اتّخاذ خطوات تصعيدية إذا ما دعا الأمر الى ذلك.

وذكّر رجيبة بأنّ صاحب المصنع سبق وأن أخلّ بكافة الاتفاقيات المبرمة بينه وبين هياكل الدولة ومنها اتفاقية إزالة التلوث المبرمة سنة 2016 مع الوكالة الوطنية لحماية المحيط وأيضا الاتّفاق على ضرورة نقلة المصنع الى مكان آخر خارج مناطق العمران إضافة الى المماطلة في القيام بالإصلاحات.

 واعتبر رئيس الجمعية أنّ الحلّ المتمثل في تركيز مصفيات ذات أكمام غير ناجع ولا يمثّل حلّا جذريا للقضاء على التلوّث الهوائي.

من جهته أدان محمّد حمدي المنسق الجهوي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان في اجتماع المجلس الجهوي للتنمية عدم تفعيل قرار غلق المصنع مذكرّا بكافة التحركات التي قام بها الأهالي وبحجم الأضرار التي دفع ثمنها متساكنو المدينة ومن حولها من حياتهم وصحتهم مشيرا الى حقهم في العيش في بيئة سليمة وصحيّة.

وفي الأثناء يقع التوقيع حاليا على عريضة من قبل سكان المدينة من أجل غلق المصنع وايصالها الى مختلف السلطات.

 

غلق مصنع الآجر كان من أهمّ الوعود الانتخابيّة لمختلف القائمات المترشحة للانتخابات البلدية بالقلعة الصغرى لسنة 2018 والتي أوصلت أوّل مجلس بلدي للجهة كان من أهمّ قراراته تجسيد هذا الوعد وإصدار قرار بلديّ في ذلك.

وهنا نرى في ظلّ غياب الذراع التنفيذي للسلطة المحلية وفي أوّل درس لتنفيذ قرارات المجلس البلدي يعترض المجلس اشكالا على مستوى التنفيذ ليكون بذلك الحكم المحلي بمدينة القلعة الصغرى منقوصا.

وهو ما يحيلنا الى ضرورة توفير كافة الآليات والأدوات لتفعيل قرارات المجالس البلدية وتجسيد الحكم المحلي الذي جاء به الدستور ونظمته مجلة الجماعات المحلية.

 

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

قضية الجيلاني الدبوسي: بطاقة إيداع بالسجن ضد وكيل عام سابق لدى محكمة الاستئناف بتونس

أصدر عميد قضاة التحقيق اليوم الإثنين 15 أفريل 2024، بطاقة إيداع بالسجن ضدّ إطار قضائي …