قناة السويس.. الممر المائي الذي لم تستطع أمريكا السيطرة عليه

نرمين توفيق

تعتبر السيطرة على الممرات المائية العالمية إحدى أهم الأدوات التي تعتمد عليها الاستراتيجية الأمريكية في فرض نفوذها على العالم واقتصاده، خصوصا بعد خسارتها في معاركها البرية في عديد من الدول، فقد خسرت برا في فيتنام والصومال، وبعدها أفغانستان والعراق، وهذا جعلها تفكر في استراتيجية جديدة للسيطرة على المواقع الحيوية وبأقل الخسائر الممكنة، وكان البديل هو السعي للسيطرة على أبرز الممرات البحرية العالمية، مستعينة بالجملة التي قالها ضابط بالبحرية الأمريكية، يدعى ألفريد ماهان في أربعينيات القرن الماضي، “من يسيطر على المحيط الهندي سيكون لاعبا بارزا على الساحة الدولية”.

 

الخطة الأمريكية تشمل عسكرة المحيط الهندي بالكامل، باعتباره مفتاح البحار السبع بالقرن الـ21 المحدد لمصير العالم، يؤكد هذا الأمر التقرير الذي نشره موقع “جلوبال ريسيرش”، لإلقاء الضوء على الأجندة العسكرية الأمريكية غير المعلنة وهي التحكم في الممرات المائية الهامة، وتشمل الأهداف الاستراتيجية لدى واشنطن، عسكرة معظم الطرق البحرية.

وهناك أربعة ممرات مائية رئيسية من يسيطر عليها يستطيع السيطرة على التجارة البحرية الدولية تماما وهي قناة السويس بمصر ومضيق باب المندب على حدود جيبوتى واليمن، ومضيق هرمز على الحدود الإيرانية مع سلطنة عمان، ومضيق ملقا على حدود إندونيسيا وماليزيا، خاصة وأن هذه الممرات الأربعة  تمثل مراكز اختناق حاسمة لتجارة النفط العالمية، وللمضايق المائية فوائد هائلة حيث تؤدي إلى تقصير المسافات بين الدول. بالإضافة إلى كونها مراكز كبيرة لمرور التجارة العالمية.

وقد حققت أمريكا سيطرة فعلية على بعض هذه الممرات إلا أن الممر الذي خاب أملها في السيطرة عليه هو قناة السويس وبالتبعية القناة الجديدة، وساعدت ثورة الـ 30 من يونيو على هدم المخطط الأمريكي الذي كان أهم أهدافه السيطرة على قناة السويس.

ومن أمثلة تحركات أمريكا للسيطرة على الممرات العالمية الهامة ما يلي:

قناة بنما:

قناة-بنما
قناة بنما

تعتبر قناة بنما من أهم الممرات المائية في العالم، وترتبط بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ ويمر في قناة بنما أربعة عشر ألف سفينة سنوياً، تم الانتهاء من شقها عام 1914، وساعدت على تقصير مسافة رحلة السفن ما بين مدينة نيويورك وسان فرانسيسكو إلى أقل من 8,370 كم، لذا يعتبرها البعض من أهم الإنجازات الهندسية في العالم.

وقبل شق قناة بنما  كان على السفن التي تقوم بمثل تلك الرحلة، أن تبحر حول أمريكا الجنوبية قاطعة نحو 20,900 كم، وقد ارتفعت حركة المرور السنوي من حوالي 1000 سفينة خلال الأيام الأولى لإنشائها إلى 14702 سفينة في عام 2008.

ولأهمية القناة خضعت لسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية بموجب اتفاقية بينها وبين جمهورية بنما بدأت من سنة 1978 م وانتهت سنة 1999م. وبالرغم من أن بنما استعادت سيادتها على القناة بعد إدارة الولايات المتحدة الأمريكية لها 85 عاما إلا ان اليد العليا على القناة تظل لأمريكا.

مضيق باب المندب:

مضيق باب المندب
مضيق باب المندب

يصل مضيق باب المندب البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب. المسافة بين ضفتي المضيق هي 30 كم من رأس منهالي في الساحل الآسيوي إلى رأس سيان على الساحل الإفريقي.

 زادت أهمية باب المندب بعد افتتاح قناة السويس 1869 وربط البحر الأحمر وما يليه بالبحر المتوسط . فتحول إلى واحد من أهم ممرات النقل والمعابر على الطريق البحرية بين بلدان أوربية والبحر المتوسط، وعالم المحيط الهندي وشرقي أفريقيا.

ولأهميته المحورية في حركة التجارة والنقل العالمي، استغلت أمريكا ما حدث من عمليات اختطاف للسفن قبالة باب المندب، وروجت لما أطلقت عليه عمليات قرصنة في تلك المنطقة، واستطاعت الحصول على تفويض أممي ومعها عدد من الدول الأوروبية وغيرها من الدول التي أرادت أن يكون لها تواجد في المضيق، وبالفعل باتت قواتها تتواجد بحريا في المضيق، وبعد أن حققت هدفها لم يعد أحد يسمع على عمليات القرصنة التي كانت وسائل الإعلام العالمية تتملئ بها منذ سنوات قليلة.

أرخبيل سقطرة:

أرخبيل سقطرة باليمن
أرخبيل سقطرة باليمن

هو أرخبيل مائى يمنى يقع بالمحيط الهندى تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لفرض سيطرتها عليه مستغلة الاضطرابات التي حدثت في اليمن، حيث يقع على بعد 80 كيلو مترا قبالة القرن الأفريقي، وعلى بعد 350 كيلو مترا إلى الجنوب من الساحل اليمني.

الأرخبيل اليمنى موجود على مفترق طرق بحرية رئيسية، ويمتد على مساحة بحرية كبيرة في الجانب الشرقى من خليج عدن، وهى منطقة بحرية دولية تكمن في المياه الإقليمية اليمنية.

ويعد الأرخبيل ذا أهمية قصوى لأمريكا وفق تقرير «جلوبال ريسيرش» بسبب رغبتها السيطرة على خليج عدن البحرى بأكمله بداية من الساحل اليمنى إلى الصومالي، لأنه يربط البحر المتوسط بجنوب آسيا والشرق الأقصى عبر قناة السويس والبحر الأحمر وخليج عدن، ويمثل ممرا رئيسيا لناقلات النفط ولصادرات الصين الصناعية لأوربا الغربية، كما أنه يقع على بعد 3 آلاف كيلو متر من القاعدة العسكرية الأمريكية في دييجو جارسيا، والتي تعتبر من أضخم منشآتها العسكرية بالخارج، ومن ثم فإحكام السيطرة على هذا الممر المائي يدعم سيطرتها على المحيط الهندي.

وقد نقل إعلام المعارضة اليمنية، أن إدارة الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وافقت على السماح للقوات الأمريكية باستخدام الميناء والمطار على جزيرة سوقطرة. وأشارت صحيفة “بتسبورغ بوست غازيت” الصادرة في بنسلفانيا في 18 أكتوبر 2000، إلى أنه تم بناء مطار مدني على سوقطرة ليخدم السياحة وقد صُمِم بشكل يلبي الخصوصيات العسكرية الأمريكية.

وتشير المعلومات أن علي عبدالله صالح سبق وأن التقى في اجتماع مغلق في يناير 2010 بالجنرال ديفيد بترايوس، قائد القيادة المركزية الأمريكية حينها، واتفقا على إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية كاملة في جزيرة سقطرة، بحجة مواجهة القراصنة وتنظيم القاعدة باليمن، كرد فعل على هجوم ديترويت الإرهابى على إحدى الرحلات الجوية الأمريكية.

مضيق هرمز:

مضيق هرمز
مضيق هرمز

مضيق باب السلام، أو مضيق هرمز، أحد أهم الممرات المائية في العالم، وأكثرها حركة للسفن. يقع في منطقة الخليج العربي، فاصلاً ما بين مياه الخليج العربي من جهة، ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، فهو المنفذ البحري الوحيد للعراق والكويت والبحرين وقطر، وله أهمية بالغة في عبور سفن النفط من الدول العربية إلى الغرب وتطل عليه من الشمال إيران ومن الجنوب سلطنة عمان.

يعتبر المضيق في نظر القانون الدولي جزءا من أعالي البحار، ولكل السفن الحق والحرية في المرور فيه ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها.

وتستخدم إيران هذا المضيق بين حين وآخر كورقة ضغط وهددت أكثر من مرة بتعليق العمل به، ويرى البعض أن إتمام أمريكا للاتفاق النووي الأخير مع إيران يأتي ضمن تحسين العلاقات بين البلدين ولا شك أن مضيق هرمز سيكون حاضرا بقوة في أي اتفاقات أخرى بين الطرفين.

 قناة السويس.. عصية على السيطرة الأمريكية:

لقناة السويس أهمية بالغة في طريق التجارة العالمي وذلك لأنها تسمح بعبور السفن القادمة من دول المتوسط وأوروبا وأمريكا للوصول إلى آسيا دون سلوك الطريق الطويل، طريق رأس الرجاء الصالح. وتعتبر قناة السويس حاليا أهم مجرى ملاحي في العالم حيث تتحكم في 40% من حركة السفن والحاويات في العالم، وكذلك لربطها بين دول جنوب شرق آسيا وأوروبا والأمريكتين.

 

قناة السويس
قناة السويس

السفن في قناة السويس كانت تسير بصفة عامة في اتجاه واحد ثم تتبعها السفن في الاتجاه المعاكس. ومن هنا تأتي أهمية قناة السويس الجديدة لأنها ستساعد في زيادة عدد السفن التي تعبر وبسلاسة أكبر، وهذا المشروع قد أضر بمصالح دول أخرى وعلى رأسها إسرائيل لأنه قطع عليها محاولات تحويل مرور التجارة العالمية إليها، وقد سعت إسرائيل وأمريكا في إحداث الاضطرابات في منطقة مضيق باب المندب رغبة في إغلاقه أمام عبور السفن بقناة السويس لتتمكن هي من التحكم في طريق التجارة العالمي.

ومنذ عام 2012 أعلنت إسرائيل عن مشروع “قومي” لمدّ خطّ سكة حديد يربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، ليكون هذا الخطّ منافسًا لقناة السويس ولم تكتف بذلك فقط ففي شهر مارس الماضي أعلنت الأردن وإسرائيل عن مشروع إنشاء رابط مائي ضخم بين البلدين، مشروع ربما سيغير موازين المنطقة يربط بين البحر الميت والبحر الأحمر، تقوم فكرته على قناة مائية، منافسة، موازية لقناة السويس تمتدّ من ميناء إيلات بالبحر الأحمر إلى ميناء أشدود بالبحر المتوسط، مما دعا صحيفة هآراتز الإسرائيلية لدعوة المشروع بـ “مشروع قناة السويس الإسرائيلي”. وهذا يوضح سعي إسرائيل لخنق قناة السويس وحرمان مصر من أحد مواردها الهامة، لكن مصر قناة أسبق واستطاعت افتتاح القناة الجديدة في عام واحد فقط.

محاولات أمريكا المستمرة للسيطرة على قناة السويس لم تتوقف وإن كانت باءت في معظمها بالفشل، كان مشروع السيطرة بدأ خطواته الفعلية مع وجود الجماعات الإسلامية في حكم مصر، ثم انهار المشروع بثورة 30 يونيو وأصبحت قناة السويس مرة أخرى خارج السيطرة الأمريكية، وفسر هذا الأمر الموقف الأمريكي السلبي والمعادي للثورة الشعبية التي قام بها المصريون وأيدهم فيها الجيش.. وبالرغم من النجاح المصري في المضي قدما بافتتاح قناة السويس الجديدة إلا أن الخطر لا يزال قائما وهذا يستدعي اليقظة من الجميع.. فما يحدث في سيناء الهدف منه بشكل أو بأخر إشعال النار بها على غرار ما حدث في بعض الدول العربية كليبيا وسوريا لإبعاد سيطرة الدولة المصرية عن مناطقها الاستراتيجية ومنها قناة السويس التي لا تعتبر مجرد ممر بحرى يربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، وليست حتى أقصر طريق ما بين الشرق والغرب، أو مجرد موقع جغرافى فريد من يتحكم فيه يصبح له جزء هام من السيطرة على البحرين الكبيرين وإنما هي تاريخ تضحية دماء الأجداد وسيكون بها مستقبل الأبناء، فهي أرض وعرض لكل مصري حر.

شبكة رؤية الاخبارية

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

المرسوم عدد 55 لسنة 2022: تخوفات من خسارة المرأة التونسية لمكتسباتها

فادية ضيف كان اختيار تونس عاصمة “المرأة العربية ” لسنتي 2018 و 2019 و عاصمة …