قال وزير الداخلية خالد النوري، اليوم الثلاثاء، إنّ النجاح في مكافحة العنف والتوقي منه والحدّ من تداعياته السلبية على المجتمع لا يمكن أن يقتصر على المقاربة الأمنية وإنما يتطلب اعتماد مقاربة تشاركية شاملة باعتماد وسائل وآليات ملائمة ذات بعد توعوي بمخاطر العنف وترسيخ قيم المواطنة وثقافة حقوق الإنسان وفق تمش منهجي علمي متكامل.
وأشار الوزير، خلال الندوة الختامية المخصصة لاستعراض أهم نتائج الأنشطة المنجزة من قبل هياكل الوزارة تحت عنوان “مساهمة وزارة الداخلية في معاضدة المجهود الوطني لمكافحة العنف وتعزيز حقوق الإنسان”، إلى أنّ هذه المسألة أكّدتها سلسلة الأنشطة التي حرصت الوزارة على تنظيمها والمرتبطة بمكافحة العنف مواكبة لتظاهرة “ستة عشر يوما من النشاط لمناهضة العنف ضد المرأة” التي انطلقت بداية من 25 نوفمبر الماضي وتواصلت إلى غاية اليوم 10 ديسمبر.
كما أوضح أنّ نتائج هذه الأنشطة أبرزت أن تطويق ظاهرة العنف والحد من تداعياته السلبية على المجتمع يستوجب التأكيد على أهمية التدخل الوقائي من خلال التوعية والتحسيس والعمل على ترسيخ السلوك الحضاري القائم على ثقافة التسامح ونبذ العنف انطلاقا من الأسرة النواة باعتبارها الخلية الأساسية للمجتمع، مرورا بالمؤسسات التربوية الحاضنة المؤطرة لسلوك الناشئة وصولا إلى الفضاءات العامة ومن بينها الفضاءات الرياضية التي يفترض أن تكون فضاءات ترفيهية آمنة، وفق تعبيره.
ولاحظ أنّ هذه الندوة تتزامن مع الذكرى 76 لاعتماد الاعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي كرس الحقوق الأساسية للأشخاص ومن أهمها “حق الفرد في الحياة والأمان على شخصه”، مؤكدا أنّ الدستور التونسي كرّس قيم التسامح ونبذ العنف وتضمّن تأكيد تأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية وانتمائها الوطني ونشر ثقافة حقوق الإنسان وتحميل هياكل الدولة واجب اتخاذ التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة والعنف عموما بالنظر لتداعياته السلبية على أمن واستقرار المجتمع .
وفي هذا الصدد، أشار إلى أنّ تونس حرصت على تنزيل هذه الضمانات الدستورية على المستوى التشريعي من خلال إصدار ترسانة من القوانين لمكافحة العنف بمختلف أشكاله وضمان حسن التعهد بالضحايا باعتماد مسار حمائي يضمن تعزيز منظومة حماية حقوق الإنسان على مستوى الممارسة.
وتابع قوله إنّ البحوث والدراسات الحديثة بيّنت أن العنف يمثل ظاهرة مركبة متعددة الأبعاد تتداخل في إطارها الجوانب النفسية والاجتماعية والثقافية والتربوية والقانونية وغيرها وهو كذلك ظاهرة عابرة لكل الفضاءات (الرياضية والتربوية والأسرية)، التي تحولت إلى فضاءات محفوفة بالمخاطر ومهددة لأمن وسلامة الأفراد بما ينال من جوهر الحقوق التي تكفلها الدولة بمقتضى الدستور والاتفاقيات الدولية المصادق عليها في مجال حقوق الإنسان.
وقال إنّ وزارة الداخلية سخرت كافة مجهوداتها لمكافحة هذه الظاهرة في إطار مشمولاتها المحددة والمتضمنة خاصة السهر على احترام القانون والمحافظة على الأمن والنظام العامين وحماية الأشخاص والممتلكات العامة والخاصة في كامل تراب الجمهورية”، مشيرا إلى أنّ تحقيق الأمن يعدّ الهاجس الأول لكافة الدول وأنّ المؤشرات كشفت أن مجابهة المخاطر الماسة بالاستقرار المجتمعي تقتضي اعتماد مقاربة تنموية شاملة تكرس منظومة حقوق الإنسان تكريسا لأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة في أفق 2030 وخاصة الهدف 16 المتعلق بالسلام والعدل والمؤسسات الناجعة، الذي تضمن عدة غايات من بينها الغاية 1.16 المتمثّل في “الحد بقدر كبير من جميع أشكال العنف”.
بدوره، أكّد رياض الجمني المدير العام للمدرسة العليا لقوات الامن الداخلي، التزام المؤسسة الأمنية الدائم بمواصلة تعزيز القيم التي أرساها الإعلان العالمي لحقوق الانسان، مبينا أن هذه الذكرى تعدّ فرصة لوزارة الداخلية لتجديد تأكيد انفتاحها المجتمعي مع الجهود الوطنية الرامية إلى صون حقوق الإنسان والدفاع عنها.
وأضاف أنّ وزارة الداخلية تؤمن أنّ “حقوق الانسان .. شرط أساسي لتحقيق الأمن المجتمعي والتنمية المستدامة”، وهي تعمل على تعزيز ممارساتها من خلال مقاربة شاملة ترتكز على ترسيخ ثقافة حقوق الانسان عبر تعزيز التكوين الأمني القيادي ومكافحة العنف في الفضاء الأسري والمدرسي والرياضي وتعزيز أهداف التنمية المستدامة مع مختلف الشركاء ودعم استخدام التكنولوجيا الحديثة لدعم الشفافية وتحسين التفاعل وتقديم خدمات ذات جودة للمواطن.
واعتبر رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمركز جينيف لحوكمة قطاع الأمن، أيمن أيوب، أنّ تنظيم هذه الندوة تزامنا مع اليوم العالمي لحقوق الانسان ” له دلالة واضحة على الأهمية التي توليها تونس شعبا ومؤسسات لحقوق الانسان”، مشيرا إلى أنّه منذ انضمام تونس إلى مجلس إدراة مركز جينيف لحوكمة قطاع الأمن سنة 2011 دأب المركز على مرافقة السلطات التونسية في مبادراتها المتعلقة بتعزيز مبادئ الحوكمة الرشيدة في قطاع الأمن وتقديم الدعم الفني لمبادرات الإصلاح الأمني التي قدمها الشركاء التونسيون.
وأشار إلى أنّ ” مركز جينيف يسعى إلى حوكمة قطاع الأمن من خلال الجهود الرامية الى تعزيز مبدأ المساءلة في القطاع ودعم السياسات الأمنية الشاملة والتشاركية المتمحورة حول اهتمامات عموم المواطنين”، مبيّنا أنّ هذا المركز استطاع على مدى سنوات ومن خلال هذه المقاربة إرساء تعاون وثيق مع السلطات التونسية بشكل عام ووزارة الداخلية بشكل خاص.
بدورها، عبٍّرت السفيرة الممثلة المقيمة لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتونس، “سيلين مويرود”، عن الاعتزاز بدعم مشاريع الوزارة المتعلقة بحقوق الإنسان، مبرزة أن الشراكة القائمة ساهمت في تنفيذ عدّة إصلاحات تتعلق بالحوكمة في مجال الأمن على غرار مشروع “شرطة الجوار”.