ويكيليكس : تونس في مستندات الخارجية السعودية

 نشرت ويكيليكس دُفعة أولى من ‘الوثائق السعودية’ : ‘أكثر من نصف مليون وثيقة ومُستند من الخارجية السعودية تحتوي على مراسلات سرية من مختلف السفارات السعودية حول العالم’ ¹ ، و وعدت بأن تواصل على مدى الأسابيع القادمة نشر ماعتبره جوليان أسانغ، مؤسس موقع ويكيليكس، ‘وثائق ترفع الغطاء عن دكتاتورية محاطة بالسرّية وغير منتظمة على نحو متزايد والتي لم تحتفل ببلوغ عدد الرؤوس المقطوعة فيها الى المئة هذه السنة فحسب، بل أصبحت تشكل خطراً على جيرانها وعلى نفسها’ ² .

تصف الوثائق، وأغلبها تقارير سرية تعود لوزارة الخارجية ولباقي المؤسسات الحكومية بما فيها وزارة الداخلية والمخابرات، تصف عقلا دبلوماسيا مهووسا بمطاردة وسائل الإعلام والنشر في كل أصقاع الدنيا، من تنزانيا ³ حتى النّيجر ⁴ ، مرورا بزامبيا ⁵ و بورندي ⁶ ودول أخرى لا تُمثل بأي حال هدفا إستراتيجيا ، أو يعتبر تطويع الرأي العام فيها مصلحة حيوية لفائدة المملكة (في بوروندي وحدها غطّت المملكة رواتب موظفي إذاعة محلية لمدة أريع سنوات).

لم تكن تونس بمنأى عن سطوة المال النّفطي، إذ يرد إسم ‘تونس’ تحديدا في 351 وثيقة مِمّا مجموعه 61214 منشورة حتى الآن ، تظهر حينا بصفة عرضية في ‘تقارير إيران اليومية’، جرْدٌ يومي لوكالات الأنباء الإيرانية فيما يرتبط بالمملكة (كشفت وثيقة عن إهتمام المملكة بالنشاط الإيراني الإعلامي في تونس وما رأته ‘شراء بعض الأقلام الصحفية التونسية من قبل إيران’ ⁷)، وترد في المراسلات بين سفارة المملكة بتونس (أو نجدية تونس) و وزارة الخارجية المتعلّقة بتسوية وضعيات مواطنين سعوديين إما يدرسون بتونس أو راغبين في الإرتباط بتونسيات (تكشف مراسلة عن تزعّم سعودي لعصابة تقوم بإغواء فتيات تونسيات بالعمل كحاضنات في المملكة ليتم إرغامهم في مابعد على ‘ممارسة أنشطة مُخلّة بالحياء واستدراجهن إلى شبكات الدّعارة’ ⁸ ).

وفي أحيان أخرى، يكون ورود تونس مُتعلّقا بمحاولات المملكة إستمالة وإحتواء مجموعات من النخب ‘المُثقفة’ والأساتذة الجامعيين، الذين بدورهم لم ينتظروا حتى تمتدّ إليهم أيدي السفارة. يظهر في وثيقة مٌرسلة ⁹ من ‘نجدية تونس’ إسم جمعه شيخه، مدير ومؤسس مجلة دراسات أندلسية، مُرسلا برقية ومجموعة من الكتب لملك الدولة السعودية طالبا مساعدة مالية لمجلتته.وتَكشفُ مراسلة¹⁰ بين وزير الخارجية سعود الفيصل و وزير الثقافة والإعلام عن توسّط الطيّب الزهّار، مدير مجلة حقائق المُقربة من نظام بن علي والرئيس الحالي لجمعية مديري الصحف التونسية، لدى سفير المملكة بتونس بُغية مساعدة أستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية حمادي الرديسي ‘للقيام برحلة بحثية وإعلامية للمملكة بهدف التعرف على الحياة الفكرية والأدبية والدينية والاجتماعية’ هناك. وساطة نصحت السفارة بالإستجابه لها بالنظر للمواقف الإيجابية لمجلة حقائق من المملكة.

الصحّف التونسية كانت الصّيد الأثمن، إذ دأبت الدبلوماسية السعودية على تقديم مساعدات مادية – في شكل إشتراكات – لقرابة 15 صحيفة ومجلة تونسية نظير تحييد أو إحتواء الأقلام العاملة فيها، ‘التحييد’ هو “أن تقيم السفارة صلة مالية مع مؤسسة أو كاتب أو شخصية، حتى يكون نتاجهم الإعلامي خالياً من أي نقدٍ للمملكة وسياساتها ورموزها”. مقدّمة للهدف الأساسي للديبلوماسية السعودية وهو ‘الإحتواء’ و “هو تحويل وسيلة إعلامية (أو شخصية وكاتب) إلى «رصيد» في الترسانة السعودية، يُسهم في الترويج لخط النظام، ويشارك في حملاته ضد خصومه”(عامر محسن – صناعة الصمت: كيف طوّعت السعودية الإعلام العربي | جريدة الأخبار اللبنانية عدد السبت 20 جوان 2015).

حظيت الخمس عشرة نشرية بين صحيفة ومجلة بدعم مالي ناهز سنويا ما قيمته 143300 دينار تونسي (مئة وثلاث أربعون ألف وثلاث مئة دينار)، —(لا يرد في الوثائق المُسرّبة حتى الآن إلا ما يثبت هذا الرّقم بالنسبة لستنتي 2006 ¹¹ و 2007 ¹² ) – وهُم، مُرتّبون حسب قيمة الدّعم المُقدّم:
جريدة الصباح ،جريدة الشروق، جريدة Le Temps، جريدة الأنوار، جريدة الأسبوع المصور، جريدة الصباح الأسبوعي، جريدة الصريح، مجلة الملاحظ، مجلة حقائق، جريدة الحرية، جريدة لابراس، جريدة الأخبار الأسبوعية، جريدة Tunis Hebdo، جريدة أخبار الجمهورية، جريدة الصحافة. ولم يكن بإمكان هذه النشريات الحصول على هذا المال لولا ‘خطابات التّعميد’، وهي وثائق تُرسلها سفارة المملكة بتونس إلى وزارة الثقافة والإعلام السعودية تتضمن ملاحظات وتوجيهات ‘بناءاً على تجاوب الصحف والمجلات وتقديرها لهذا الاشتراك ونوع المادة الصحفية التي تنشرها عن المملكة’ ¹².

لم يتغيّر الأمر بعد الثّورة، استمر الدّعم السّعودي وإن يبدو أنه تخلّف عن موعده لسنة 2011 مما دفع هذه الصحف إلى المطالبة بتسديد الاشتراك السنوي للسفارة، بصفة ‘يومية’ ¹³ ! وأمام المُتغيرات التي عرفتها الساحة الإعلامية، وسقوط نظام الرقابة والعقاب ارتأى سعود الفيصل ، وزير الخارجية السايق ، إعتماد ولاية المملكة على المُقدّسات الإسلامية، من أجل إغواء ‘رؤساء تحرير الصحف المهمة والإعلاميين’ بدعوتهم لأداء فريضة الحج مع زوجاتهم¹⁴. سياسة ‘إغواء مُقدّس’ هي غيض من فيض أساليب الديبلوماسية السعودية في مطاردة كل نقد للمملكة والعائلة المالكة، وشراء الأقلام وتأجيرها في شبكة إعلامية تمتد من المُحيط إلى المحيط، عابرة بالطّبع ، لصحف ومجلات ونخب تونس ..

محمد عطاء الله

____________________________________
¹ : www.wikileaks.org/saudi-cables
² : www.wikileaks.org/saudi-cables/buying-silence
³ : www.wikileaks.org/saudi-cables/doc78.html
⁴ : www.wikileaks.org/saudi-cables/doc118488.html
⁵ : www.wikileaks.org/saudi-cables/doc117209.html
⁶ : www.wikileaks.org/saudi-cables/doc118762.html
⁷ : www.wikileaks.org/saudi-cables/doc118896.html
⁸ : www.wikileaks.org/saudi-cables/doc87880.html
⁹ : www.wikileaks.org/saudi-cables/doc124477.html
¹⁰ : www.wikileaks.org/saudi-cables/doc118938.html
¹¹ : www.wikileaks.org/saudi-cables/doc123125.html
¹² : www.wikileaks.org/saudi-cables/doc123329.html
¹³ : www.wikileaks.org/saudi-cables/doc124153.html
¹⁴ : www.wikileaks.org/saudi-cables/doc119663.html

تعليقات

عن Maher

شاهد أيضاً

النظام القانوني لتصنيف العقارات

الاعداد : معز بسباس متفقد رئيس للديوان الوطني للملكية العقارية ( فرع المنستير ) 1- …