حكومة الشاهد: حكومة الألف فرصة ضائعة

منذ الثورة، ومنذ تتالي الحكومات بمختلف أشكالها (تصريف أعمال، مؤقتة، وحدة وطنية،..،) لم تأخذ حكومة حظها مثلما أخذته حكومة يوسف الشاهد، ولكن دون نتائج ملموسة، ودون تحقيق هدف واحد من أهدافها ودون تطبيق بند واحد من بنود وثيقة قرطاج.

 البداية كانت، في شهر ماي 2016، عندما لمّح رئيس الجمهورية إلى ضرورة إجراء تعديل شامل على العمل الحكومي، تلاه اندلاع حملة إعلامية وسياسية هاجمت أداء الحبيب الصيد، فتعالت الأصوات المطالبة بحل حكومته من قبل قيادات الأحزاب الحاكمة والمعارضة في نفس الوقت، دون تقديم تبريرات واقعية. بل وصل الأمر ببعض الوزراء إلى مساندة رئيس الجمهورية ضد رئيس حكومة هم بعض عناصرها..!

بعد ترك حكومة الصيد دون غطاء سياسي وحزبي، ومهاجمة أدائه في جلسة برلمانية تلاها سحب الثقة منه، لمع اسم أحد كتاب الدولة في نفس الحكومة وهو يوسف الشاهد الذي تم تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بتشكيل حكومة في بداية أوت 2016، وصادق عليها مجلس النواب في آخر نفس الشهر، بمباركة من أحزاب الإئتلاف الحاكم، وتحفظ من الاتحاد العام التونسي للشغل وتشكك من منظمة الأعراف، خاصة بعد الخطاب الذي ألقاه يوسف الشاهد في يوم التصويت، والذي أكد فيه ما أسماه “ضرورة القيام بإجراءات موجعة ومؤلمة” لمعالجة الوضع الاقتصادي الصعب.

تلقى يوسف المساندة البرلمانية والحزبية والإعلامية الكاملة، ولضمان غطاء أكثر متانة، لقب رئيس الجمهورية هذه الحكومة ب”حكومة الفرصة الأخيرة”، ودعى كل الأطراف الحزبية المشاركة في الحكومة واتحاد الشغل ومنظمة الأعراف لتوقيع وثيقة قرطاج التي حددت خريطة طريق وأهداف الحكومة.

 رغم هذه التحفظات والتشكيكات وقعت المنظمتان هذه الوثيقة التي تلزمهما بنفس حجم التزام الحكومة رغم أنهما ليسا طرفين في الحكم.

 تتالت الشعارات الرنانة ليوسف الشاهد ولم يتحقق منها شيء، ف”الحرب على الفساد الكبير” لم تطل سوى رجل أعمال بتهمة التخابر مع جهة أجنبية، و”الحرب على الفساد الصغير” لم يطل أحدا، و”الإصلاحات الكبرى” لم يعرف أحد مآلها، و”التعديل الضريبي” لم يتم تطبيقه سوى على الطبقة المتوسطة (حتى فئة المتقاعدين والعجز والمعاقين)، و”محاربة التهرب الضريبي” شوش عليه قانون المصالحة الاقتصادية. و”سياسة التقشف” طبقت ضد صندوق الدعم ولم تلمس امتيازات المسؤولين والوزراء وكتاب الدولة. و”الحرب على التهريب” ركزت على المهربين الصغار ولم تواجه حيتان الموانئ التجارية.. ومع ذلك قوبلت هذه الشعارات بمساندة داخلية كبيرة، بدت في الكثير من الأحيان تزلفا إعلاميا ومساندة حزبية عمياء.

فشل الشاهد في معالجة الملفات الجهوية، معتمدا سياسة العصا الأمنية التي “تكسرت” في عدة مناسبات(جمنة، الكامور، المتلوي..). كما فشل وزراؤه في التعامل الإيجابي مع النقابات القطاعية، مذكرا قيادة الاتحاد بالتزامها بوثيقة قرطاج، وهو ما خلق ضغوطات على قيادة الاتحاد من قبل القطاعات الغاضبة، دون أن يكلف الشاهد نفسه عناء مساندة الاتحاد شريكه وضامنه في وثيقة قرطاج، وهو ما أنفذ صبر الاتحاد أكثر من مرة.

والأكثر من ذلك، اعتمد الشاهد اجراءات غير تنموية (تخفيض التمويل العمومي، تجميد الانتداب، ترفيع الضرائب ومضاعفة الأداءات..) بحجة تراجع مداخيل الدولة، ونجح في تمرير قانون مالية 2018 الذي أثار غضب الاتحاد ومنظمة الأعراف في نفس الوقت، ولكنهما قررا إعطاء فرصة ذهبية لحكومة الشاهد لم يستثمرها بقدر ما اعتبرها مكسبا شخصيا حاول عبره مزيد فرض سيطرته وسيطرة حزبه على مفاصل الدولة وبرامجها.

كان الشاهد كذلك رئيس حكومة ندائية وشبه نهضوية فقط، خاصة بعد انسحاب عدة أطراف حزبية من وثيقة قرطاج، وخاصة مع مشاركة أعضاء حكومته ومشاركته هو شخصيا في الحملة الانتخابية البلدية في خرق مفضوح لأخلاقيات العمل الحكومي وحياديته.

وقبلها قام بالتوقيع على تعيينات مشبوهة لمعتمدين ثبت انتماؤهم للنداء أو للنهضة، دون حيازة بعضهم على أي كفاءة أو حتى مستوى تعليمي..! بعد قرابة السنتين لم تنجح حكومة الشاهد سوى في تأزيم الوضع الاقتصادي وتوتير الوضع الاجتماعي وتردي الأوضاع المعيشية لعموم المواطنين وتوريط الدولة في قروض مجحفة.. رغم أنه لم يتلق أي رئيس حكومة مساندة مثل التي تلقاها يوسف الشاهد، ولم يمتلك أحد ما امتلكه من صلاحيات ومن طلاقة اليد، كانت مرتعشة غير قادرة على البناء أو لا تفكر في البناء أبدا. بدأ البعض يطالب بتعديل حكومي قد لا يطال الشاهد نفسه، أو قد لا يطال أي أحد من حكومته، حيث تسود فكرة مواصلة الحكومة لعملها حتى الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة. وهو ما يمنح الشاهد مهلة زمنية أوسع، سوف يضيعها كعادته، بنفس طريقة تضييعه للألف فرصة سابقة.

وتصبحون على وطن.

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

النظام القانوني لتصنيف العقارات

الاعداد : معز بسباس متفقد رئيس للديوان الوطني للملكية العقارية ( فرع المنستير ) 1- …