يطرح التقسيم الترابي الجديد للدوائر الانتخابية، الذي ينص عليه المرسوم الانتخابي عدد 55 الصادر يوم 15 سبتمبر الجاري، العديد من الإشكاليات والتحديات، أهمها المساواة بين التونسيين في التمثيل البرلماني، وغياب معايير موضوعية لاعتماد هذا التقسيم دون غيره، وفق ما أكده عدد من أساتذة القانون والخبراء في الشأن الانتخابي، خلال مائدة مستديرة نظمتها أمس السبت الجمعية التونسية للقانون الدستوري.
وأفادت رئيسة الجمعية سلوى الحمروني، بأن التقسيم الترابي في أغلب الحالات له خلفيات سياسية، وأن المبادئ الدولية في هذه المسألة واضحة، وأهمها أن يتم التقسيم سنة على الأقل قبل الانتخابات، لما له من تبعات سياسية، كما أنه مرتبط بصفة وثيقة بالإرادة والحسابات السياسية.
وأضافت أن التقسيم الترابي، كان يقوم على فكرة المساواة بين عدد الناخبين، كما تم طيلة السنة الماضية الترويج لفكرة أن الاقتراع على الأفراد سيكون في دوائر ضيقة جدا بطريقة تجعل الناخب يعرف المترشحين، غير أن التقسيم الحالي يجمع بين معتمديات لا رابط بينها على مختلف المستويات.
أما أستاذة القانون العام منية قاري، فقد اعتبرت أن هذا التقسيم “لا يحترم مبدأ النزاهة ولا المساواة في وزن كل صوت، وتم التفكير فيه على أساس المحليات وتهيئة للمجالس الجهوية أكثر منه للانتخابات التشريعية”، مذكرة بأن التقسيم الترابي يكون له علاقة بالبرنامج الانتخابي للمترشح الذي يكون مبنيا على احتياجات جهته.
وبينت في هذا الصدد، أن انتخاب فرد واحد من قبل عدة معتمديات ذات مطالب ومشاكل وتحديات مختلفة، يمكن أن يكون سببا لسحب الوكالة من هذا النائب الذي وضع برنامجا يعنى بجهته التي ترشح فيها فحسب.
من جهتها، قالت أستاذة القانون هناء بن عبدة “نحن كنا نطالب بالتقليص في عدد النواب، فما راعنا إلا انه تم إضافة غرفة برلمانية أخرى”، مشيرة إلى أن التقسيم الترابي للدوائر لا يتماشى مع القاعدة السكانية، وليس هناك معيار محدد لهذا التقسيم “الذي يبدو أنه تم على أساس مناطق التأثير التي يتمتع بها الحاكم اليوم”، حسب تعبيرها.
بدورها لاحظت أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي، أن تقسيم الدوائر “تم في غياب تام للشفافية، وكان من المفروض الاعتماد على مختصين في الجغرافيا البشرية”، مضيفة أن “التقسيم في ظاهره إداري، درءا لشبهة توظيف التقسيم لأغراض سياسية، ومبني على معيار إداري هو المعتمديات، لكن بالنظر إلى الجداول المرفقة بالمرسوم عدد 55 نجد أن التقسيم ليس كذلك”.
كما لفتت إلى أن هذا التقسيم “سيطرح اشكالا عند الترشح، خاصة إذا كانت هناك حساسيات بين المعتمديات”، وهو أمر مطروح وبشدة حسب تقديرها قائلة “لقد وضعنا أنفسنا في مآزق نحن في غنى عنها”.
وصرح رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية شوقي قداس، بأن كل المعتمديات ليست بنفس الطبيعة السكانية، وأن هناك 94 معتمدية يناهز فيها عدد السكان 100 الف ساكن، كما أن هناك 241 معتمدية يتراوح عدد سكانها بين 4 الاف و60 الف ساكن، ولا يمكن تقسيمها بالتساوي خاصة في ظل غياب منظومة معلومات جغرافية.
وقال “إن خيار نظام الاقتراع على الأفراد سيضعنا امام اشكاليات صعبة جدا”، معتبرا أن نظام الاقتراع السابق لم يكن سيئا لو تم اعتماد عتبة انتخابية بنسبة 7 بالمائة ، بما قد يجنب افراز مشهد برلماني مشتت كالبرلمان السابق، معربا عن اسفه من الدخول في ما وصفه “بتشويه المسار الانتخابي”.
من ناحيتها، اعتبرت رئيسة شبكة “مراقبون” رجاء الجبري، أن هذا المرسوم “جاء لينسف المكاسب التي تحققت بالأمس وعمق المشاكل المطروحة”، مشيرة إلى أن تقسيم الدوائر الانتخابية خلال هذا الوقت القصير من الطبيعي أن يؤدي إلى هذه النتائج.
وأضافت أن شبكة “مراقبون” تعمل منذ سنة على تقسيم ترابي يأخذ بعين الاعتبار المعطى الاقتصادي والبشري والاجتماعي، “لأنه لا يمكن جمع معتمديات بينها نزاعات، والحال أن التقسيم الجديد يجمع بين معتمديات بينها خلافات”، على حد قولها.
وقالت “نحن نطالب ببعض الشفافية، وأبسط حق للناخب أن يعرف المعيار المعتمد في هذا التقسيم، لأنه لا يتماشى حتى مع سجل الناخبين، ومن أهم المعايير في التقسيم هي ضمان العدالة الانتخابية، لكن بدلا من ذلك سيؤدي هذا التقسيم الى تعميق الاختلافات”.
واعتبر رئيس جمعية “عتيد” بسام معطر، أن هذا التقسيم يستشف منه “محاولة توجيه للأصوات”، لافتا إلا أن عملية رصد لوسائل التواصل الاجتماعي خلال الشهرين السابقين، كشفت عن وجود صفحات تشتغل على أماكن تواجد متابعيها الذين يعدون بمئات الآلاف، “وهي نقطة إضافية تطرح بسبب الضبابية التي تحيط بخلفية هذا التقسيم”، حسب تعبيره.
وات