أمام تزايد تأثير تغيّر المناخ وخاصة ارتفاع درجات الحرارة في العالم ولاسيما في تونس التي تُعدّ من أكثر دول المتوسط تعرضا لهذه الظاهرة، نظّم المعهد العربي لرؤساء المؤسسات مؤخرا خلال برنامج “90 دقيقة مع L’IACE”، حلقة نقاش تحت عنوان “استعدادات تونس لموجة الحر”.
وناقش المتدخلون في هذه الحلقة مسائل تأثير موجة الحر على التزود بالماء والكهرباء وعلى تدخلات الحماية المدنية واستعدادات كل من الشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه لتأمين هذه الصائفة التي أجمع كافة الحضور على أنها ستشهد أرقاما قياسية في ارتفاع درجات الحرارة.
توقعات بوصول الاستهلاك إلى قرابة الـ 5200 ميغاوات خلال هذه الصائفة ولا برمجة لقطع الكهرباء
واعتبر المدير المركزي المكلف بالإدارة المركزية للاستراتيجية والتخطيط بالشركة التونسية للكهرباء والغاز جمعة السويسي، خلال حلقة النقاش، أن ارتفاع درجات الحرارة أصبح واقعا لا مفر منه.
وقد انطلق هذا الارتفاع، وفقه، منذ بداية سنة 2015، حيث سجلت حينها الشركة ذروة في الاستهلاك وارتفاع في درجات الحرارة، ولم تعد بعدها إلى مستوياتها العادية، وأصبحت بذلك سنة 2015، سنة مرجعية بالنسبة للشركة التونسية للكهرباء والغاز.
وتوقّع السويسي، وصول الاستهلاك إلى قرابة الـ 5200 ميغاوات خلال هذه الصائفة، منها ما يناهز الـ 4600 ميغاوات ستُوفرها الشركة عبر محطاتها، في حين سيتم تأمين قرابة الـ 700 ميغاوات من الجزائر.
وأشار السويسي إلى أن ارتفاع درجات الحرارة والحرائق، قد تُخرج عديد الخطوط عن الخدمة، بما فيها الخط الذي يربط بين تونس والجزائر.
ولفت إلى أنّ الأعطال التي تطرأ على المنظومة قد تدفع الشركة ربما إلى قطع الكهرباء مستدركا أنّ الشركة لم تُبرمج قطع الكهرباء لا على المواطنين ولا على المؤسسات.
أوقات الذروة تغيرت
وبالإضافة إلى ارتفاع الاستهلاك (قرابة الـ 3000 ميغاوات للمكيفات فقط) وتغيّر سلوك المستهلك التونسي في السنوات الأخيرة، فقد تغيرت أيضا حسب المدير المركزي المكلف بالإدارة المركزية للاستراتيجية والتخطيط بالشركة التونسية للكهرباء والغاز، جمعة السويسي، أوقات الذروة، فبعد أن كانت بين الساعة الحادية عشر صباحا والساعة الواحدة ظهرا قبل سنة 2021، أصبحت الذروة بين الساعة الثالثة والرابعة مساء بسبب عودة الموظفين إلى منازلهم والالتجاء إلى استخدام أكثر من مكيّف داخل البيوت، حسب قوله.
لا نيّة لقطع الماء الصالح للشراب ولا للعودة لسياسة فترات التزوّد التي تم اعتمادها في السنة الفارطة
من جهته أعلن مدير الاستغلال بتونس الكبرى بالشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، منير الدريدي، عن عديد الإشكاليات التي تعاني منها الشركة، ومنها المضخات وتراجع مستوى المياه في الآبار، ما دفع الشركة لمحاولة الوصول إلى أعماق أكبر للحفاظ على نفس معدّل التدفق وفق قوله.
وأكّد الدريدي أن الشركة لا تنوي قطع الماء، ولا للعودة لسياسة فترات التزوّد بالماء التي تم اعتمادها في السنة الماضية مضيفا أن أي انقطاع في التزوّد بالماء الصالح للشراب سيكون إما انقطاعا فجئيا مرتبطا بأعمال بعض المقاولين، أو بحوادث فجيئة، أو ببرامج صيانة خاصة بالشركة يتم الإعداد له مُسبقا، وإعلام المتساكنين به.
أما في ما يتعلق بمشكلة التزوّد بالمياه في الشمال الغربي، وخاصة في ولايتي الكاف وسليانة، فأوضح المسؤول أنّها مرتبطة بانحباس الأمطار طيلة سنوات، وبنضوب المائدة المائية في هذه المناطق مشيرا إلى التوجه نحو حفر المزيد من الآبار في المنطقة لتجاوز الإشكاليات.
مواصلة العمل على برامج تحلية المياه والسعي نحو بلوغ معدل استهلاك للفرد الواحد في حدود الـ 100 لتر في اليوم
وذكّر مدير الاستغلال بتونس الكبرى بالشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، منير الدريدي، بضعف نسبة امتلاء السدود في السنوات الأخيرة مقارنة بالسنوات الماضية معتبرا أن الوضعية المائية وضعية حرجة، وعمّقها ارتفاع درجات الحرارة.
وتحدّث المسؤول أيضا عن المشاريع الكبرى في تحلية المياه، والتي هي بصدد الإنجاز، على غرار محطة تحلية مياه البحر في الزارات من ولاية قابس، والتي دخلت حيّز الاستغلال في منتصف شهر جوان الجاري، ومكّنت من تحسين وضعية التزود بالمياه في الجنوب الشرقي (في كل من تطاوين ومدنين وقابس).
كما أشار إلى محطة تحلية مياه البحر بصفاقس، والتي ستنطلق في العمل بداية من شهر جويلية القادم، وهو ما سينعكس إيجابا، وفقه، على التزود بمنطقة الساحل (المنستير، والمهدية وسوسة) باعتبار ارتباط المدن الساحلية بنفس منظومة التزود بالمياه (عبر مياه الشمال)، بالإضافة إلى محطة تحلية مياه البحر بسوسة، والتي من المنتظر أن تدخل حيّز الاستغلال أواخر سنة 2024 أو بداية 2025.
وأعلن الدريدي عن مجموعة من توجهات الشركة، منها الاقتصاد في استهلاك المياه، ومحاولة بلوغ معدل استهلاك للفرد في حدود الـ 100 لتر في اليوم (النسبة الآن في حدود الـ 124 لتر في اليوم)، مضيفا أنّ الشركة ستواصل العمل على برامج تحلية المياه وأنّه قد تمّت برمجة محطتين إضافيتين في كل من المهدية (انطلقت الدراسات الخاصة بها) وجرجيس.
أرقام حول تأثير موجة الحرّ على تدخلات الحماية المدنية
اعتبر العميد عبد العزيز الهرماسي، مدير إدارة الدراسات والتصرف في الأزمات في الديوان الوطني للحماية المدنية، أن للتغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة تأثير مباشر على فصول السنة، موضحا أننا أصبحنا نعيش ما يقارب الـ 9 أشهر في فصل الصيف، وبعد أن كانت عمليات إطفاء الحرائق مرتبطة بأوقات الحصاد أصبحت اليوم تتمّ على مدار السنة.
وقدّم الهرماسي مجموعة من الأرقام تهُم الفترة الممتدة من غرة ماي إلى غاية 25 جوان 2024، حيث تدخّلت مصالح الحماية المدنية في اخماد 190 حريقا نتج عنها احتراق 478 هكتارا، بعد أن كانت التدخلات في حدود الـ 43 مناسبة نتج عنها احتراق قرابة الـ 66 هكتارا في نفس الفترة من السنة الماضية.
أما بالنسبة للغابات، فقد سجلت مصالح الحماية المدنية 4 حرائق في نفس الفترة من سنة 2023، نتج عنها احتراق قرابة الـ 3 هكتارات، في حين بلغت الحرائق في السنة الحالية 18 حريقا، نتج عنها احتراق قرابة الـ 18 هكتارا حتى الآن، وفيما يخص “الحصائد والأعشاب الجافة”، فقد وصلت في نفس الفترة إلى 457 حريقا، نتج عنها احتراق قرابة الـ 400 هكتار، بعد أن كانت في السنة الماضية قرابة الـ 46 حريقا فقط، نتج عنها احتراق قرابة الـ 21 هكتار.
كما سجلت مصالح الحماية المدنية قرابة الـ 26 حالة وفاة في شواطئ البلاد، وأكثر من 8 حالات في قنال مجردة، منذ بداية فصل الصيف.
هدى القرماني