في مثل هذا اليوم وقبل 11 عاما، دخلت القوات الامريكية الى مدينة بغداد، وظهر الرئيس صدام حسين للمرة الاخيرة فيها متوعدا بالمقاومة للاحتلال، وقطع السيد محمد سعيد الصحاف وزير الاعلام في حينها مؤتمرا صحافيا كان يتحدث فيه عن استمرار الحرب بينما كانت دبابة امريكية تتقدم نحو ساحة الفردوس.
المعارضة العراقية التي وصلت الى العاصمة العراقية مع الدبابات الامريكية كانت من ابرز المحتفلين بهذا النصر الامريكي حتى انها اقترحت، واثناء الاجتماع الاول لمجلس الحكم الذي اسسه بول بريمر الحاكم الامريكي للعراق، جعل هذا اليوم، يوم سقوط بغداد، عيدا وطنيا، تقام فيه الاحتفالات وتغلق فيه المدارس والجامعات لاتاحة الفرصة للطلاب والطالبات الرقص في الشوارع ابتهاجا.
دول عربية احتفلت بدورها بهذا الانتصار الذي لعبت دورا كبيرا في تحقيقه من خلال فتح قواعدها العسكرية واراضيها للطائرات والدبابات الامريكية المشاركة في العدوان للانطلاق نحو بغداد وباقي المدن العراقية الاخرى لتقتل وتدمر بكل حرية ودون اي عوائق.
الامريكيون الذين استخدموا اكذوبة اسلحة الدمار الشامل العراقية لتبرير عدوانهم هذا وعدوا العراقيين بتحويل بلدهم الى واحة للديمقراطية وحقوق الانسان والازدهار الاقتصادي، وقالوا ان العراق ستصبح نموذجا للاستقرار في المنطقة، ووجدت هذه الوعود آذانا صاغية مرحبة من قبل العراقيين الذين عانوا كثيرا تحت الحصار التجويعي لاكثر من عشر سنوات كان من الصعب عليهم ايجاد رغيف الخبز او علبة حليب لاطفالهم.
الوعود نفسها كررها الامريكيون وحلفاؤهم الاوروبيون وبعض العرب للشعب السوري، واكدوا له، اي للشعب السوري، ان اشهرا معدودة تفصله عن مرحلة جديدة من الاستقرار، ودفعوه للجوء للسلاح، وصدق البعض هذه الاكذوبة ايضا، وها هي الازمة السورية تدخل عامها الرابع، وعدد القتلى يصل الى 150 الف قتيل وهناك من يرى ان الرقم الحقيقي اكبر من هذا بكثير، اما عدد المشردين في داخل سورية وخارجها فقد تجاوز حاجز الخمسة ملايين نازح ولاجيء.
المقاومة العراقية نجحت في اخراج القوات الامريكية الغازية ذليلة مهزومة، مثلما نجحت في الحاق خسائر بشرية ومادية بالولايات المتحدة غير مسبوقة، فامريكا خسرت 4500 جندي قتيل وثلاثين الفا من الجرحى، وحوالي خمسة تريليونات دولار كنفقات للحرب، مباشرة وغير مباشرة.
الشعب العراقي لم ينعم بالديمقراطية ولا بحقوق الانسان ولا بالتعايش، ولا بالخدمات الاساسية، وانما بالتقسيمات الجغرافية والديمغرافية لبلده، والحرب الطائفية، والفوضى الدموية، وبات العراق دولة فاشلة تماما، والسيارات المفخخة هي الخبر اليومي، والفساد العنوان الرئيسي في النقاشات العامة والخاصة، ونشرات الاخبار في محطات الاذاعة والتلفزة المستقلة.
مليون عراقي سقطوا قتلى اثناء فترة الاحتلال الامريكي، ولا توجد ارقام حقيقية لعدد القتلى الذين سقطوا اثر اندلاع الحرب الاهلية الطائفية التي انفجرت بعد تحريره، وما زالت مستمرة حتى الآن.
المشكلة ان لا احد يريد الحديث عن هذه المأساة داخل العراق وخارجه، كما ان الذين وقفوا مع الاحتلال الامريكي، ومهدوا له، واضفوا شرعية عراقية، وضللوا الشعب العراقي باكاذيبهم وادعاءاتهم حول العدالة والديمقراطية والرخاء لم يظهروا اي ندم، وما زال بعضهم في السلطة، ولا احد يجرؤ على الحديث عن محاسبتهم او محاكمتهم، وهذه هي قمة المأساة.
“راي اليوم”
تعليقات