كيف نحصّن أنفسنا من الأخبار المضللة أثناء فترة الانتخابات؟

هدى القرماني

مقاطع فيديو على منصة الـ “تيك توك” وصور تداولتها مؤخرا صفحات التواصل الاجتماعي ومواقع الكترونية على أنها لمترشحين أثناء قيامهم بحملتهم الانتخابية، استعدادا للانتخابات التشريعية المزمع اجراؤها يوم 17 ديسمبر القادم، كانت محلّ تندّر وتنمّر من قبل البعض وانتقاد من قبل البعض الآخر.

وفي بيان لها أوضحت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن تلك المقاطع والصور لا تتعلق في أغلبها بمترشحين لانتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب معتبرة أنّ تداولها “يتنزل في إطار حملة ممنهجة قصد تشويه العملية الانتخابية وترذيلها، بهدف التأثير على المشاركة في هذه الانتخابات”. كما أكّد مدقّقو الأخبار أنها “مضلّلة” و”غير صحيحة”.

وتمثل منصة الـ “تيك توك” اليوم من أهم المساحات التي تسمح بممارسة تقنيات التلاعب والتضليل لما تحتويه من برمجيات وخوارزميات تسمح بإنتاج فيديوهات قصيرة مركبّة بواسطة تقنية الذكاء الاصطناعي.

صور ومشاهد تتكرّر خلال الفترات الانتخابية حيث تكثر عمليات التلاعب والتضليل وبخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي التي تعتبر البيئة والأرضية الخصبة لمثل هذه النوعية من المعلومات والبيانات حيث تحتل المرتبة الأولى كونها الأكثر استعمالا لنشر الأخبار الزائفة والمضللة سواء خلال الحملة الانتخابية أو يوم الاقتراع أو مع نتائج الانتخابات.

ونظرا لما تحمله الأخبار المضللة المنتشرة على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي من خطورة أثناء المرحلة الانتخابية وما يمكن أن تعكسه على نتائج الانتخابات وعلى المناخ الديمقراطي، وهو ما أثبتته التجارب السابقة، تجعلنا نقف عندها قصد التحصين والتوقي من آثارها السلبية مستندين إلى عمليات التضليل التي شابت الاستحقاقات الانتخابية الفارطة والتقنيات المستخدمة في ذلك.

 

الأخبار المضللة ظاهر قديمة غذّتها التكنولوجيات الحديثة

والمعلومات المضللة كما عرّفها دليل اليونسكو لتعليم الصحافة والتدريب هي معلومات خاطئة تم إنشاؤها عن قصد لإلحاق الضرر بشخص أو مجموعة اجتماعية أو منظمة أو دولة.

ووفق العدد 3 لسنة 2020 من المجلة الفصلية الصادرة عن اتحاد إذاعات الدول العربية حول ملف “الأخبار المفبركة: مخاطر الظاهرة وأساليب التوقي منها” يقول وليد الحيوني الأستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار بتونس أنّ “الأخبار الزائفة هي معلومات يمكن أن تكون في شكل نصوص أو صور أو فيديوهات أو مقاطع صوتية خاطئة ومضللة يتم ترويجها بهدف خداع الجمهور من قراء ومشاهدين ومستمعين ومبحرين على شبكة الانترنت وجعله يعتمدها على أنها معلومات موثوق بها. وعادة ما يتم نشر الأخبار الزائفة طوعا من قبل فرد أو مجموعة من الأفراد لغاية تجارية أو ايديولوجية أو لتوجيه الرأي العام”.

 

وليد الحيوني الأستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار

 

وعمليات التضليل ليست بالظاهرة الحديثة وانما يعود تاريخها إلى الجذور الأولى للتاريخ البشري وقد غذتها التكنولوجيات الحديثة وتطورت أكثر مع تقنية التزييف العميق المعتمدة على الذكاء الاصطناعي من خلال برمجيات وأساليب تقنية جديدة للتلاعب بالفيديوهات الأصلية وتغيير محتواها البصري ومعالجة الصوت داخلها حتى تبدو وكأنها حقيقية مثلما حدث مع الرئيسين الأمريكيين السابقين دونالد ترامب وباراك أوباما.

وعملية التلاعب هذه تطال عديد السياسيين وخاصة خلال الحملات الانتخابية قصد تشويه الخصوم وهي تحيلنا إلى احدى تقنيات التضليل المعروفة بـ “انتحال الصفة”.

وقد انتشر مصطلح “الأخبار الزائفة” مع انطلاق الحملة الانتخابية لدونالد ترامب خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية سنة 2016 والذي استخدم كثيرا هذه العبارة في خطاباته ولقاءاته المباشرة مع أنصاره وكذلك في حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي كـ “تويتر” و”فيسبوك” للتهجم على خصومه السياسيين والدفاع عن نفسه خاصة مع ما تروجه بعض وسائل الإعلام التقليدية الأمريكية متخذا منها موقفا عدائيا ومتهما الصحافة في كل مرة “بتزوير الحقائق” وبـ “إعلام الأخبار الكاذبة” وبأنها “عدو للشعب الأمريكي”.

 

تقنيات ومضامين مضللة يستخدمها السياسيون في حملاتهم الانتخابية

وتتعدّد وفقا لما هو متعارف عليه تقنيات التضليل من “انتحال الصفة” إلى “الاستقطاب الثنائي” و”ثنائية الخيارات الزائفة” إضافة إلى “الهجوم الشخصي” وتقنية “كبش المحرقة” و”عدم الترابط” و”التوازن الخاطئ” وأيضا “التلاعب العاطفي” و”التفكير التآمري” وجلها تقنيات يوظفها السياسيون أثناء الانتخابات.

ويصنّف وليد الحيوني، الأستاذ بمعهد الصحافة في مقاله في مجلة اتحاد إذاعات الدول العربية المضامين الزائفة إلى مضامين إعلامية خاطئة تماما لا تمت للواقع بصلة، ومضامين مضللة تستخدم معلومات في غير سياقها من خلال وضع شخص ما في إطار معين ومضامين يقع التلاعب بها مستدلا بالكم الهائل من الصور المفبركة التي تنتشر على وسائط الميديا الجديدة.

ومن المضامين المضللة أيضا، وفقا للمصدر نفسه، الربط الخاطئ باستخدام عناوين رئيسية أو مواد بصرية أو عناوين فرعية لا تشير بشكل صحيح إلى المضمون، وانتحال صفة مصادر حقيقية ونسب أقوال كاذبة أو خاطئة إلى جانب المضامين الساخرة والتي يقول إنها ليست بغاية الأذى أو التضليل بل من باب السخرية والدعابة الا أن إمكانية الخداع فيها تبقى قائمة.

ويبيّن الحيوني أنّ الغاية الكبرى من الأخبار الزائفة تتمثل في توجيه الرأي العام وذلك من خلال نشر أخبار خاطئة الهدف منها خلق أو تعزيز إشاعة يراد منها التحكم في ردود أفعال المتلقين، ويختص بها رجال السياسة.

ومن الغايات الأخرى لهذه الأخبار، الدعاية والبروباغندا وزعزعة الاستقرار حيث تصدر هذه الأخبار في شكل مؤامرة عن أشخاص أو مجموعات أو منظمات يطلقون على أنفسهم القوة والقوة المضادة والهدف من هذه الأخبار الزائفة هو فرض حالة من الفوضى.

إلى جانب ذلك نجد أن هناك غايات تجارية من خلال نشر أخبار خاطئة بهدف تعزيز عدد الزوار وجني أكبر قدر ممكن من الإيرادات الاشهارية إضافة إلى الترفيه والدعابة عبر نشر أخبار غير صحيحة المقصود بها النقد الساخر أو الدعابة فقط.

 

تأثير الأخبار المضللة على توجهات وقرار الناخب وخلق مناخ من الاحتقان السياسي

وفي تصريح خاص لـ “موقع بلادي نيوز” أشار الصحفي ورئيس الجمعية التونسية للتربية على وسائل الإعلام، ناجح الميساوي، أنّ المترشح في الحملات الانتخابية عموما يستخدم عدة تقنيات ووسائل اما اراديا أو بشكل لا ارادي من أجل انجاح حملته.

ومن بين هذه الوسائل يذكر محدثنا الدعاية السياسية والتسويق السياسي وما يسمى بالاتصال الانتخابي غير أن استعمال هذه المحامل بشكل خاطئ أو مفرط أو سيء بإمكانه أن يفرز تضليلا ومغالطة للرأي العام والناخب على وجه الخصوص حسب قوله.

 لذلك لابد وفق محدثنا لأي مترشح أن يكون مطلعا على كيفية استخدام وسائل الدعاية ومطلعا على القانون الانتخابي وملتزما بما تضعه هيئة الانتخابات من ضوابط في هذا المجال.

 

ناجح الميساوي الصحفي ورئيس الجمعية التونسية للتربية على وسائل الإعلام

 

ومن بين أكثر وسائل التضليل استخداما حسب محدثنا تقنية “الفوتوشوب” بغاية تغيير ملامح الصور ومكوناتها مثلا كأن يعمد القائم بالحملة الانتخابية إلى اظهار كثافة عددية للمواطنين في اجتماع انتخابي في حين ان الحقيقة مغايرة لذلك ولم يحضر اجتماعه سوى عدد قليل.

ويضيف الميساوي أنّ هناك من يعمد الى تشويه صورة مترشح منافس باستخدام هذه التقنية من أجل وضع مضمون في معلقة تخصّ المترشح المنافس ويكون هذا المضمون حاملا لشعار محّل تندر وتهكّم من الجمهور.

وتكمن نتائج هذه السلوكيات المخلة بقواعد المنافسة في التأثير على توجهات وقرار الناخب وخلق مناخ من الاحتقان السياسي اثناء المسار الانتخابي فضلا عن أنها تساهم في الحد من مصداقية العملية الانتخابية برمتها في صورة عدم ردعها ومحاسبتها. وهنا يؤكد محدثنا أنه لابد لوسائل الاعلام أن تلعب دورها في التوعية والتحسيس والتثقيف والإخبار وأن تكشف ما هو مضلل من مضامين.

وأشار محدثنا أيضا إلى وجود تقنيات للتحقق من الأخبار الزائفة كالتثبت من المصادر ومقارنتها والتحقق من الصور الأصلية والمزيفة بالنسبة للفيديوهات إضافة إلى التثبت من تاريخ النشر والشخوص والأصوات وإن كان هناك استعمال لمؤثرات سمعية بصرية قد غيرت المحتوى.

ويبيّن رئيس الجمعية التونسية للتربية على وسائل الاعلام أن تثقيف المتلقي وزيادة وعيه السياسي ونشر ثقافة التربية على وسائل الاعلام ونقد المضامين نقدا واعيا وموضوعيا، تظل من أحسن الطرق الكفيلة بالتصدي للأخبار الزائفة والمضللة.

 

نماذج من عمليات التضليل خلال الفترات الانتخابية الفارطة

يقول الباحث عبد الوهاب بن حفيظ في مقالته الافتتاحية “الانتخابات التشريعية التونسية في سياقها العام” أنّ “الانتخابات التشريعية حلبة للمنافسة السياسية الناعمة أحيانا والشرسة أحيانا أخرى وهي حلبة تصرّ أن يكون لها جمهور يتابعها”.

لذلك يجيز أغلب المترشحين ومناصريهم استخدام مختلف الألاعيب للحصول على الهدف المنشود سواء بشكل مباشر أو عبر شبكة من الصفحات.

ومن الأمثلة المضللة التي راجت خلال الانتخابات التشريعية 2019، صورة مركبّة، على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” يصاحبها عنوان: “قائمة الحزب الدستوري الحر في القيروان من عائلة واحدة” حيث تم استخدام تصميم القائمة ذاته وشعار الحزب ورقم القائمة والمحافظة على نفس صور وترتيب المترشحين التسعة مع تغيير أسمائهم ونسب لقب “البعزاوي” لكافة المترشحين للإيهام بأنهم من عائلة واحدة. وبالعودة إلى القائمة الأصلية تبيّن أنّ هذا الخبر زائف.

 

 

كذلك نُشر استطلاع مزيّف يحمل شعار شركة الاستطلاع “سيغما” وفي تدوينة على الفايسبوك ندّد مدير سيغما، حسن الزرقوني، بالاستطلاع معتبرا أن الأسماء والأرقام فيه “لا تتطابق مع الواقع وتحاول التأثير على الناخبين لصالح التصويت التكتيكي”.

ومن الأمثلة الأخرى أيضا، خلال الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، تناقل مقطع فيديو تم التقاطه بالحامة من ولاية قابس مفاده “مسك شاب تابع لحزب قلب تونس يوزّع الأموال قرب مدرسة الحامة الغربية” فسّره البعض على أنه ضبط لأحد أنصار المترشح نبيل القروي وهو بصدد توزيع الأموال لشراء أصوات الناخبين في حين قدمه شق ثان على أنه يوثق اعتداء أنصار النهضة على ممثل حزب أحد المترشحين .
وعبر عملية بحث عكسي للفيديو باعتماد تطبيقة INVID، من قبل وحدة التقصي والتثبت من الأخبار الزائفة التابعة لوسائل الإعلام العمومي، تمّ التأكد من أن هذا الفيديو قد تم فعلا تصويره ذلك اليوم غير أنه لا يتعلق البتة بعملية شراء أصوات أو اعتداء أنصار حزب على ممثل حزب آخر وإنما تم اخراجه من سياقه الأصلي حيث أكدت الهيئة الفرعية للانتخابات بقابس زيف الروايتين وأن الأمر لا يعدو أن يكون سوى مساعدة مالية بسيطة قيمتها 10 دنانير من مواطن عادي ليس له أي انتماء حزبي لإمراة مسنة وبطلب منها.
ويذكر أن الروايتين المذكورتين وردتا علي موقعي Babnet و news 24.tn كما تم تداول الفيديو على صفحة الفايس بوك الرصد التونسي 2 اكثر من 2800 مرة وفقا لوحدة التقصي والتثبت من الأخبار الزائفة التابعة لوسائل الإعلام العمومي.

 

 

خبر زائف أيضا تمّ تداوله على صفحات التواصل الاجتماعي يتعلق بمساندة مفتي الجمهورية الراحل عثمان بطيخ لقيس سعيد، المترشح للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها سنة 2019، وفي ذلك تلاعب بالعواطف عبر توظيف لرمزية المفتي وللبعد الديني قصد التأثير على الناخب.

فيما نفى بطيخ آنذاك في تدوينة بالصفحة الرسمية لديوان الافتاء بالجمهورية التونسية صحة الادّعاء واصفا ما نسب اليه بانها مزاعم لم تصدر على لسانه وهي مجانبة للحقيقة والصّواب.

 

 

كذلك من مقاطع الفيديو الأخرى التي تم تأكيد زيفها واخراجها عن سياقها التاريخي والجغرافي مقطع روّج على أنه دليل على تزوير الانتخابات و باعتماد طريقة التثبت العكسي في الفيديو، توصلت وحدة التقصي والتثبت في الأخبار الزائفة التابعة لوسائل الإعلام العمومي، إلى الفيديو الأصلي الذي يعود إلى شبهات في الانتخابات اللبنانية، نشرته قناة OTV Lebaon بتاريخ 11 ماي 2018.

ويشار إلى أن هذا المقطع الذي ثبت تداوله باعتماد تطبيقة “crowdtangle” على موقع التواصل الاجتماعي فايس بوك عبر صفحات “آخر خور” و”تونسيون على الفيسبوك” و “Akber souk fel facebook” والتي يتابعها مجتمعة 272150 متابعا. وقد حصد هذا الفيديو 2964 تفاعلا كما رصدت ذلك وحدة التقصي.

 

 

 

ومن الأخبار المضللة كذلك، زَعْمُ أنّ رئيس قائمة حركة النهضة للتشريعية سنة 2019 بدائرة منوبة الشاب الذي أنزل العلم في كلية منوبة في 2012.  وأيضا نسب تصريح للأمين العام نور الدين الطبوبي مفاده أنّ “اتحاد الشغل لا يمكن له أن يسلم البلاد لشخص رجعي مثل قيس سعيد وحتى إن فاز لن يكمل مدته الرئاسية” وبالتثبت من التصريح الأصلي للطبوبي على الصفحة الرسمية للمنظمة الشغيلة تبيّن أنه خبر خال من الصحة.

 

 

وللتشكيك في نتائج الانتخابات ونزاهتها تمّ الترويج لخبر يزعم إقدام مجموعة من أنصار أحد الأحزاب على اقتحام مكتب اقتراع بالمتلوي من ولاية قفصة وملء الصندوق بأوراق مجهولة المصدر مما أدى إلى تدخل قوات الأمن.

وقد نفت الهيئة الفرعية للانتخابات بقفصة ذلك مؤكدة أن الأمر لم يتجاوز حدود تجمهر مجموعة من الأشخاص أمام مركز الاقتراع وتدخل قوات الأمن على عين المكان لتفريق التجمع.

كما تناقلت شائعات مفادها أنّ الأقلام المقدمة في مراكز الاقتراع مليئة بالحبر القابل للمسح لضرب مصداقية العملية الانتخابية.

ويتضمن هذا الخبر المضلل تقنية المؤامرة التي يكثر استخدامها زمن الانتخابات والذي برزت أيضا في ما تمّ تداوله بشأن قرار هيئة الانتخابات الغاء ترشح نبيل القروي للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية والغاء القائمات التشريعية لقلب تونس على اثر مسألة التعاقد مع شركة اللوبيينغ الكندية. وأكدت وحدة التقصي والتثبت من الاخبار الزائفة التابعة للإعلام العمومي زيف التدوينة التي تداولتها صفحة “الصندوق الأسود” على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك وتمت مشاركتها لأكثر من 10 آلاف مرة كما فندت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تلك الشائعة المذكورة.

 

 

 

تقنية الهجوم الشخصي كترويج خبر مفاده “قيس سعيد عضو بالمجلس الاسلامي الأعلى” وأن “نوفل سعيد رئيس مكتب حركة النهضة بالزهروني” والحال أنه لا وجود لمكتب محلي للحركة في تلك المنطقة كما نفت وجود اسم نوفل سعيد في أي من مكاتبها في كامل أنحاء الجمهورية.

 

من ناحية أخرى، استخدمت الأخبار المضللة لتدعيم ظاهرة الاستقطاب الثنائي، خلال الانتخابات التشريعية 2014، عبر توجيه الناخبين نحو حزبي حركة النهضة كحزب إسلامي وحركة نداء تونس كحزب علماني. والاستقطاب نفسه تكرر في انتخابات 2019 لتنحصر المعركة الكبرى بين حركة النهضة وحزب قلب تونس وتكرّر أيضا في الانتخابات الرئاسية 2014 بين المترشحين، المرحوم الباجي قائد السبسي والمنصف المرزوقي، وكذلك بين قيس سعيد ونبيل القروي في الانتخابات الرئاسية 2019.

 

أسباب انتشار الأخبار الزائفة

وتنتشر الأخبار المضلّلة والمزيفة خلال الفترة الانتخابية عبر التصريحات وحسابات لأشخاص ومواقع مشبوهة وساخرة وأيضا في بعض وسائل الإعلام وتقوم مواقع التواصل الاجتماعي بالترويج لها.

وتتزايد خلال هذه الفترة الصفحات المشبوهة والوهمية واستغلال الصفحات الكبيرة من حيث عدد المتابعين لترويج الشائعات وفبركة الأخبار بهدف ضرب الخصوم وقلب موازين القوى والتأثير في اختيارات الناخبين في الانتخابات.

فإلى جانب صفحاتهم الرسمية يستغل بعض المترشحين أو مناصريهم، خلال حملاتهم، “شبكة من الصفحات” على مواقع التواصل الاجتماعي تستخدم حسابات وهمية لإدارتها وتقوم، بالتزامن، بمشاركة المضامين المضللة.

كما تنخرط صفحات لا علاقة لها بالسياسة في التضليل السياسي ودعم مترشح أو حزب ما، كصفحات التسلية، حيث تصبح أكثر نشاطًا مع اقتراب الانتخابات بوصفها تستقطب الكثير من المتابعين وهذا ما أثبته تقرير نشرته الجمعية التونسية لنزاهة وديمقراطية الانتخابات “عتيد” حول مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي في الفترة الممتدة من 15 ماي إلى 15 جويلية 2019.

وتعود أسباب انتشار الأخبار الزائفة وفق “دليل الصحفي التونسي في التثبت من صدقية أخبار الواب والشبكات الاجتماعية” الصادر عن الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري إلى قابلية الأفراد لتصديق الشائعات والمعلومات الخاطئة. كما أن انتشار وسائل الاتصال الحديثة والتطور التقني الكبير الذي شهدته العقود الأخيرة في مجال الاتصالات وسرعة نقل المعلومات يظلّ البيئة الأكثر ملائمة لنشر وترويج الشائعات والأخبار الزائفة والمضللة.

ويشكّل الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي مناخا جيدا لانتشار الحسابات الوهمية والأخبار الزائفة والصور ومقاطع الفيديو المفبركة والمتجزأة من سياقها.

ويعود الإقبال المكثف على استهلاك المضامين والمعلومات الرائجة على الشبكات الاجتماعية سواء كانت صحيحة أو كاذبة إلى ازدياد عدد مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في تونس يوما بعد يوم (قرابة 7.5 ملايين مستخدم لشبكة الفايسبوك سنة 2021 و 2.5 مليون مستخدم لشبكة الأنستغرام و 1.4 مليون مستخدم لشبكة لينكدين)، مقابل تصدّع العلاقة بين وسائل الإعلام التقليدية والجمهور نتيجة تراجع مصداقية هذه الوسائل ، وفقا للمصدر ذاته.

 

 

ومن بين أسباب رواج الأخبار الزائفة أيضا، عدم خضوع وسائل التواصل الاجتماعي إلى الرقابة والتدقيق وانتشار وتطور البرمجيات التي تقوم بعمليات النشر التلقائي على شبكات التواصل الاجتماعي وجلب عدد كبير من المتابعين وزيادة التفاعل والمشاركات الوهمية. كما يلعب الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة دورا كبيرا في انتشار هذا النوع من الأخبار.

 

كيفية نحصّن أنفسنا من الأخبار المضللة خلال فترة الانتخابات؟

 يعمل مروجو الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة على نشرها وبث الخلافات الاجتماعية خلال الفترة التي تسبق الانتخابات. وتتركّز جهود المروجين على منصات وسائل التواصل الاجتماعي وفقا لمقال نشره الاتحاد الدولي للصحفيين بعنوان “10 إرشادات لاكتشاف المعلومات المضلّلة عبر الإنترنت”، حيث يقوم الكثير من المستخدمين بمشاركة المنشورات حتى قبل قراءتها، متفاعلين مع المعلومات الواردة بطريقة عاطفية لا منطقية، وأحيانًا تتطابق المعلومات المضللة مع أفكار يقتنع فيها أو يفكّر بها المتابع بالأصل.

ويواصل المقال أنه “فيما يجري إلقاء اللوم على الروبوتات والمتصيدين في انتشار هذه المعلومات، لا يدرك كثيرون أنّهم يرتكبون خطأ كبيرًا بالمشاركة في النشر عبر حساباتهم الاجتماعية بشكل كبير، في وقتٍ خلصت أبحاث إلى أنّ الأكاذيب تنتشر بشكل أسرع من الحقيقة، لأنها لا تخضع لنفس قواعد الحقيقة.”

 وفي هذا السياق، قدّمت كولين سينكلير وهي أستاذة متخصصة في علم النفس الاجتماعي في جامعة ولاية مسيسيبي نصائح تساعد الصحفيين والمواطنين على حماية أنفسهم من الأكاذيب والأخبار المضللة حول الأحداث والتي تنتشر عبر الإنترنت.

وتتمثل هذه النصائح في أنه على مستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بداية قبل مشاركة أيّ خبر النظر في إن كان المنشور يثير داخله غضبا أو اشمئزازا أو خوفا ويتسبب بمشاعر سلبية لديه فقد يكون الهدف من ذلك المنشور التلاعب بعواطف المستخدم ومنعه من التفكير لذلك يجب أن يتأنّى ويفكّر قليلاً ويتحقق من المعلومات المنشورة.

وتتابع أنه على مستخدم الانترنت أن يتساءل إن جعلته الأخبار المنشورة يشعر بالراحة ذلك أن مروّجي الأخبار المضللة يعتمدون تقنية جديدة تتمثل في نشر قصص تجعل الناس يشعرون بالراحة ويرغبون بمشاركتها. وتشير الكاتبة إلى إمكانية أن تتضمن هذه القصص جزء من الحقيقة ومن خلال مشاركتها من قبل عدد كبير من الأشخاص، فذلك سيعطيها طابعًا من الشرعية ومصداقية للحسابات المزيفة التي هي مصدر الأخبار، وستكون هذه الحسابات في وضع مريح لمشاركة المزيد من الأخبار الخبيثة والمضللة حسب قولها.

كما تطرقت الكاتبة إلى حيل أخرى يستخدمها مروجو الأخبار المضللة تجعل المستخدم يشعر كذلك بالسعادة ويتمكنون هم من مزيد من المشاركات أو بناء جمهور والحصول على الملف الشخصي للمستخدم على وسائل التواصل الاجتماعي وذلك عبر نشر اختبارات على غرار “قم بإجراء هذا الاختبار لمعرفة ما إذا كنت عبقريًا” وطلب الإجابة عنه.

ووفق نفس المصدر فعلى المستخدم أن ينظر في إن كان من الصعب تصديق المعلومات المنشورة نظرا إلى أن بعض المروجين يقومون بدعم ادعاءاتهم بأدلة غير عادية ويصعب تصديقها أحيانًا، ولهذا يتعيّن على المستخدم التحقق من الدليل المرتبط بالأخبار المضللة.

كما يجب أن ينتبه المستخدم إن كان المنشور يتوافق مع ما يفكر به فقد يميل الى الاعتقاد أنّه صحيح فعلاً ويشاركه على الفور، متجاهلاً وجهات النظر المختلفة. ولهذا تنصح الكاتبة المستخدمين بالحرص على إبقاء الحسّ النقدي للمقالات والأخبار التي تتوافق مع تفكيرهم، وأن يسعوا للبحث عن الأخطاء الكامنة فيها بدلاً من التأكيد سريعًا أنها صحيحة. وكذلك عليهم الانتباه أنّ الخوارزميات معدة لتظهر لهم الأمور التي يحبونها، ولهذا عليهم ألا يقعوا في الفخ على الإنترنت.

 وتلفت الكاتبة إلى ضرورة الانتباه إن كان المنشور يتضمن أخطاءً لغوية وإملائية وكذلك إلى المنشورات التي يتم استخدام أكثر من نوع خط فيها ما يثير الشبهة بأنّها غير دقيقة وقد تكون المعلومات الواردة فيها غير حقيقية.

 وتشير سينكلير إلى أنه عادةً ما تكون الميمات عبارة عن صورة واحدة أو أكثر أو مقاطع فيديو قصيرة، لكنّها تنشر معلومة معينة بشكل سريع، لذلك يجب الانتباه إلى الميمات التي تخلق الخلاف السياسي والتي يُستخدم بعضها كواحدة من الوسائط الناشئة للدعاية.

وتؤكد الكاتبة أنّه يجب التحقق من مصدر الخبر وإن كانت الأخبار المضللة قد نشرت على موقع مؤسسة إعلامية غير موثوقة؟ وتوصي الكاتبة بإيجاد مصدر موثوق للمعلومات ومشاركة رابط الموقع الموثوق بدلاً من المشبوه.

وتنبّه المستخدمين إلى أنّهم وعند مشاركتهم خبرًا ما، فإنّ وسائل التواصل الاجتماعي وخوارزميات محرك البحث تحسب مشاركتهم على أنها تصويت على مصداقية الموقع بشكل عام، لذلك يجب الانتباه وعدم مساعدة مواقع المعلومات المضللة على الاستفادة من المستخدمين حسب قولها.

هذا ويجب الانتباه إلى من الذي قال هذه المعلومات؟ حيث توضّح الكاتبة أنّ “السياسيين أو الشخصيات العامة الأخرى لا يقولون الحقيقة دائمًا” وفقها.  ولهذا يجب على المستخدم الاعتماد على التفكير النقدي في تقييمه للمعلومات وأن يتساءل إذا ما كانت موثوقة؟ وهل هناك مصادر أخرى أوردتها وما مدى موثوقية هذه المصادر؟

كذلك على المستخدم أن يتحقق إن وجدت هناك أجندة خفية وراء الخبر والنظر في ماذا تقول المصادر غير المتحيزة عن الموضوع، ولا بدّ أن يسأل المستخدمون باستمرار عن سبب اختيار مصدر ما لكتابة مقال معيّن أو مشاركة معلومات محددة، وهل هناك غاية بالتأثير على طريقة تفكير المستخدمين من خلال ما نُشر؟

أخيرا تنصح الكاتبة بضرورة تقصي الحقائق والتدقيق بالمعلومات بدلاً من التسبب بأضرار ناجمة عن مشاركة المعلومات الخاطئة.

 

 

يعّد التأني والتدقيق والتحققّ قبل مشاركة الأخبار والمعلومات المنتشرة بوسائل التواصل الاجتماعي من الخطوات الهامة للتحصين من الأخبار الزائفة وتوقيا من مخاطرها على الفرد وعلى المجموعة وعلى المصلحة العامة وفقا لآليات وفكر نقدي وجب التسلّح به في ظلّ استفحال ما يسميه البعض بـ “وباء الأخبار الزائفة” وفي “عصر اللاحقيقة”.

وتعتبر تقنية “انتحال الصفة” و”الهجوم الشخصي” و”المؤامرة” من أكثر التقنيات التي استخدمت خلال الفترات الانتخابية السابقة لذلك وجب التحصين جيدا من هذه التقنيات والمضامين المضللة وعدم المساهمة في مشاركتها حماية لإرادة الناخب وضمانا لمناخ ديمقراطي سليم.

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

صدور أمر يتعلق بطرح خطايا التأخير بعنوان اشتراكات أنظمة الضمان الاجتماعي ونظام التعويض عن الأضرار

صدر بالرائد الرسمي، أمس الجمعة، أمر من وزير الشؤون الاجتماعية يتعلق بطرح خطايا التأخير المستوجبة …