إيمان محمد درويش
تلك الزيارة التي قام بها ترامب للسعودية قد حملت معها الكثير من الاشمئزاز، بدأت مع ذلك الهاشتاغ “بنت ترامب” الذي أوضح حقيقة الكثير من العرب، في وقت انشغال ترامب وحماسه الشديد في الوفاء بوعده أمام شعبه، ومدى تقديره لهم، وأنه سيعود إليهم بالمليارات التي ستسهم كثيراً في استقرار أميركا الاقتصادي بأموال أولئك الذين لم ينشغلوا سوى ببنت ترامب، في ظل جوع الكثير من البلدان العربية وتشردها وإبادتها، نقدم أيادينا لأميركا، متناسين أن الأقربين أولى بالمعروف، في ظل غلق الأبواب أمام اللاجئين نفتحها أمام ترامب وعائلته.
ولم نكتفِ بذلك بل جعلنا العالم بأسره يسخر من العقل العربي صاحب هاشتاغ بنت ترامب، لقد وضعوا المرأة السعودية في موضع لا يليق بها أمام إيفانكا، لقد تهافت الكثير من المواقع الإعلامية لسؤال المرأة السعودية: ما الذي يوجد في إيفانكا ترامب ولا يوجد هنا في المرأة السعودية؟ ولم نكتفِ بذلك الموقف، بل خرج علينا من يعلن أنه بنى مسجداً لإيفانكا خوفاً عليها حين تسأل يوم القيامة، فلم نجنِ من تلك الزيارة سوى الكثير من الاستفزاز.
في ظل كل ذلك لم تعط إيفانكا له بالاً؛ لأنه لا يستحق، بل كانت تفكر في تلك الزيارة الأخرى التي تحمل لها معنى آخر ألا وهي زيارة إسرائيل، زيارة ذلك البناء المقدس لعقيدتها، وهو حائط البراق، أو كما يسميه اليهود حائط المبكى، وجدناها تقف بكل تواضع باكية أمام ذلك البناء واقفة في فلسطين، تلك الأرض الشاهدة على مر العصور على تخاذلنا، تلك الأرض التي تعترف إيفانكا اليهودية بأنها للعرب بأكملها، كنت أنتظر أن يخرج أحد آخر ليقول: أفتدي تلك الدموع يا إيفانكا.
نعم.. موضوعي ذلك لا يحمل إلى الآن سوى سخرية مما وصلنا إليه، ولكنه يحمل في طياته الكثير من الألم والحسرة، يحمل في طياته الكثير من التساؤلات: ما الذي أوصلنا إلى هذا الحد أصبحنا سخرية العالم أجمع؟ ما الذي ننتظره؟ أننتظر أن نباد جميعاً حتى تمد البلاد العربية أياديها إلى بعضها البعض؟ لماذا نسلم أنفسنا بتلك الطريقة للآخرين؟ لماذا ننتظر من الآخرين المساعدة بالرغم من أن فينا وفي بلادنا الخير الكثير؟ لماذا نسلم اللاجئين إلى بلاد بعيدة ونحن بهم أولى؟ لماذا نرضى لأنفسنا كل ذلك الذل؟ لماذا كل ذلك الكره الذي نزرعه في قلوبنا من بعضنا البعض؟ لماذا ننتظر الخطأ لكي نعلن الحرب على إخواننا العرب مثلنا؟
تساؤلات كثيرة إلى الآن لا يستطيع أحد الرد عليها؛ لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم بلادنا العربية وشعوبها لا تستحق، بل نستحق كل خير في بلادنا، وفي أنفسنا أحياناً تذكر الماضي يكون عاملاً أساسياً في بناء مستقبل واعد، فلنتذكر الماضي قليلاً، ولنعِد بناء أجيال تفكر في هَم العرب في عودة العربي بأصالته، ولا تفكر في أشياء أخرى نحن في غنى عنها، وسلام إلى البلاد العربية الحزينة التي خلقت للسلام، وما عاشت يوماً سلاماً حال الوطن العربي، يذكرني بتلك القصة الشهيرة التي نعرفها جميعاً، والغريب أننا تناسينا سريعاً ونظل في تعنتنا نحو بعضنا البعض.
يحكى أنه كان هناك ثلاثة ثيران إخوة يعيشون في سهل كبير يتوفر فيه الماء والغذاء بشكل وفير، وكان كل واحد منهم يحمل لوناً مميزاً، فكان الثور الأول والأقوى لونه أبيض، والثور الثاني أسود، والثالث أحمر، وكانوا متحدين على الخير والشر، ويقضون يومهم بالأكل والمرح واللعب، وفي يوم من الأيام خرج أسد كبير من الغابة المجاورة، ورأى الثيران الثلاثة وهي منهمكة في الأكل، فقال في نفسه: سوف أهاجمهم وأصطاد واحداً منهم أخرس به صراخ معدتي التي ينهشها الجوع، وفعلاًَ هذا ما فعله، ولكنه تفاجأ عندما رأى اتحاد الثيران وقوتهم، فكانت الثيران تهاجم الأسد بشراسة، فما كان منه إلا أن يلوذ بالفرار، وجلس الأسد منهك القوى يتضور جوعاً يفكر كيف يستطيع التغلب على الثيران الثلاثة، وفجأة خطرت له فكرة، فذهب إلى طرف الحقل، وأخذ ينادي على الثور الأسود والثور الأحمر، وقال لهم بأنه يريد أن يعقد معهم اتفاقاً وصلحاً، فقال الأسد للثورين: أنا لا أستهدفكم إنما أريد أن أخلصكم من الثور الأبيض؛ لأنه أقوى منكم ويشكل خطراً عليكم، فإذا سمحتم لي بقتله سوف يصبح الحقل لكما الاثنين فقط لكل واحد منكما النصف، فوافقا على اقتراح الأسد، وفعلاً هجم الأسد على الثور الأبيض وقتله وسحبه إلى الغابة، وبدأ بأكله وبعد عدة أيام، وبعدما بدأ الجوع يهاجم معدة الأسد من جديد ذهب إلى طرف الحقل، وبدأ بالنداء على الثور الأسود، ولما حضر قال له: أنا أرى أن الثور الأحمر يأكل أكثر منك، وبعد فترة سيكون أقوى منك، وسوف يشكل خطراً عليك، وربما يستولي على الحقل كله، فإذا سمحت لي بقتله الآن سوف يكون الحقل ملكاً لك وحدك، فوافق الثور الأسود، فقتل الأسد الثور الأحمر، وأكله، وبعد عدة أيام جاء الأسد إلى الثور الأسود، وقال له: اليوم جاء دورك كي آكلك فلا يوجد من يدافع عنك الآن؛ لأنك تنازلت عن إخوتك بسبب طمعك، فقال الثور الأسود: أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض.
هاف بوست عربي