من نكسة 1967 إلى الحرب على غزة.. 57 عاماً من “الإبادة والتهجير”

تحل يوم 5 جوان 2024 الذكرى السنوية 57 للنكسة، ويرى الفلسطينيون أن الحرب على غزة أشد تدميراً من حرب عام 1967 التي احتلت خلالها إسرائيل باقي أراضي فلسطين التاريخية، وأراضي مصرية وسورية وأردنية.

“نكسة حزيران” مصطلح أطلقه العرب على الحرب التي اندلعت في 5 جوان عام 1967 أو “حرب الأيام الستة”، حيث شن جيش الاحتلال الإسرائيلي هجوماً على كل من مصر وسوريا والأردن.

في ذلك الوقت، كانت القضية الفلسطينية تمثل عنصراً أساسياً في الصراع العربي الإسرائيلي، الذي جسّدته هذه الحرب، إذ كانت الأراضي الفلسطينية التي لم تحتلّها إسرائيل عام 1948، تخضع آنذاك لإدارتين عربيّتَين، الأولى مصرية مسؤولة عن قطاع غزة، والثانية أردنية مسؤولة عن الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.

إسرائيل تواصل الحرب على غزة

خلال الأيام الستة التي دارت فيها رحى الحرب، احتلّت إسرائيل الضفة وغزة، وشبه جزيرة سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية. وقال مؤرّخون إن إسرائيل نهبت المناطق التي احتلّتها عام 1967، واستغلّت مصادرها المائية والاقتصادية، ما ساهم في دعم اقتصادها، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.

وتتكرر بعض مشاهد النكسة من نزوح وتدمير ممنهج لأحياء سكنية، فيما يجمع الفلسطينيون أن الحرب الحالية تبقى الأشرس والأقسى منذ عام 1967.

إذ تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 حرباً مدمرة على غزة بدعم أمريكي مطلق، خلفت أكثر من 119 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.

ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي هذه الحرب متجاهلاً قراراً من مجلس الأمن يطالبها بوقف القتال فوراً، وأوامر من محكمة العدل الدولية بوقف هجومها على رفح، واتخاذ تدابير فورية لمنع وقوع أعمال “إبادة جماعية”، و”تحسين الوضع الإنساني” بغزة.

المحكمة في حيثيات حكمها قالت إن إسرائيل لم توضح كيف ستحافظ على سلامة سكان رفح الذين تم إجلاؤهم وكيف ستوفر الغذاء والماء والدواء لهم. وفي هذا الإطار تسعى تل أبيب إلى إعادة فتح معبر رفح لإدخال شاحنات المساعدات، وفي الوقت نفسه تواصل جرائمها بحق المدنيين في رفح، كما فعلت في مذابح الخيام الأسبوع الماضي.

“إبادة جماعية” في غزة

المسن الفلسطيني محمد بيان عبد الوهاب (80 عاماً) عاش حرب جوان 1967، ولكنه يرى أنه “لا يمكن مقارنة الحرب الحالية بتلك الحرب. ما نعيشه اليوم هو إبادة جماعية وليس حرب”.

عبد الوهاب، وهو معلم متقاعد، أضاف للأناضول: “كنا نروي لطلابنا في المدارس حكاية النكبة والنكسة ونتحسر على ما فقدنا في الحربين، لكن ما أعيشه اليوم مع مئات الآلاف من الفلسطينيين هنا من تشرد ونزوح وما شاهدناه من قتل لآلاف الأطفال والنساء لم تشهده القضية الفلسطينية على مر التاريخ”.

المسن الفلسطيني، الذي نزح من مدينة غزة ويقيم حالياً في خيمة متهالكة بمنطقة المواصي غربي مدينة خان يونس وصف كيف “شاهدنا أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ والشباب تعجن تحت أنقاض منازلهم وجيش الاحتلال دمر كل شيء في القطاع ولم يعد هناك منطقة صالحة للسكن بأي شكل وهذا لم يحدث في حربي 1948 و1967”.

ويرى عبد الوهاب أن ما كان مختلفاً أيضاً في هذه الحرب “المقاومة الفلسطينية الشرسة التي ألحقت خسائر كبيرة في قوات الاحتلال وهو ما لم يحدث بهذه الصورة من قبل”.

ما وصفه المسن الفلسطيني يتطابق مع تقارير وشهادات عشرات المنظمات الأممية والغربية العاملة في غزة، والتي توثق حرب الإبادة التي يمارسها جيش الاحتلال بحق المدنيين في القطاع ضارباً عرض الحائط بالقانون الدولي والقرارات الأممية المتتالية التي تطالب بوقف هذا العدوان الإسرائيلي المنفلت.

عدوان إسرائيل غير مسبوق

من جانبه، يقول الفلسطيني محمد رضوان (77 عاماً)، الذي عاش حرب جوان 1967، إن الحرب الحالية التي يعيشها الفلسطينيون في غزة هي “الأشرس”، وأضاف: “عشنا حالة التهجير والنزوح والقتل في السابق، لكن ما نعيشه اليوم لم يمر علينا مثله من حيث الشراسة في القتل والدموية وحالة التدمير الانتقامي”.

وذكر أن مشهد التوغل الإسرائيلي في مناطق مختلفة من قطاع غزة لم يختلف كثيراً عن مشاهد الاحتلال الإسرائيلي للقطاع عام 1967، وما رافقه من حالة تدمير وقصف وقتل: “رؤية الآليات الإسرائيلية العسكرية وهي تجوب شوارع مدينتنا، ورفع الأعلام الإسرائيلية على بعض المباني والمناطق السكنية تدمي القلوب”.

كان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد بدأ الهجوم البري على قطاع غزة في السابع والعشرين من أكتوبر الماضي، معلناً عن أهدافه المتمثلة في القضاء على فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، وتحرير الأسرى الإسرائيليين. لكن بعد 8 أشهر من القصف والتدمير وحرق خيام النازحين وارتكاب جميع أنواع جرائم الحرب بحق المدنيين، لا يزال جيش الاحتلال لم يحقق أياً من أهدافه العسكرية.

كانت إسرائيل قد أجبرت على الانسحاب من داخل قطاع غزة عام 2005 بعد الفشل في إخضاع الفلسطينيين أو إسكات المقاومة، لكنها فرضت حصاراً على حدود القطاع البرية والبحرية والجوية وحولته إلى أكبر سجن مفتوح في العالم، بحسب توصيف الأمم المتحدة على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريش، وخبراء آخرين.

“تطهير عرقي”

بدورها، تقول الفلسطينية مها سلامة (59 عاماً) وهي جالسة أمام خيمتها بمدينة دير البلح وسط القطاع، بعد رحلات نزوح متعددة، إن وجه التشابه بين الحربين الحالية والنكسة هو حالة “التطهير العرقي للفلسطينيين”.

“إسرائيل وخلال حروبها تعمد لإجراء تحولات ديمغرافية داخل الأراضي المحتلة، وهو ما حدث خلال احتلالها لغزة والضفة من خلال عمليات الترحيل القسري للفلسطينيين من منازلهم وأرضهم، وهو ما حدث اليوم أيضاً حينما أجبرت بقوة السلاح الفلسطينيين على النزوح من مناطق سكنهم إلى مناطق أخرى”، بحسب السيدة الفلسطينية، مضيفة: “والبعض نزح نحو خارج القطاع، ترافقهم التخوفات الكبيرة بعدم العودة إلى منازلهم”.

ووفق إحصائيات فلسطينية، ترتّب على “نكسة 1967” تهجير نحو 300 ألف فلسطينيّ من الضفة وغزة؛ معظمهم نزح إلى الأردن. بينما يوم 2 جوان الجاري، قال المكتب الإعلامي الحكومي إن عدد النازحين في قطاع غزة بلغ نحو مليوني نازح (داخل القطاع) بفعل الحرب من أصل 2.4 مليون نسمة.

ولأكثر من مرة طالب وزراء إسرائيليون بإعادة بناء المستوطنات في قطاع غزة، كان أحدثها لوزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير في ماي الماضي، حينما دعا على “إعادة توطين اليهود في قطاع غزة، ومغادرة سكان القطاع الفلسطينيين منه”.

كما تحدث إعلام إسرائيلي، في أكثر من مرة، عن خطة يعمل عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتنفيذ “الهجرة الطوعية” لسكان قطاع غزة إلى دول أخرى.

ومنذ بداية الحرب الحالية، حذرت دول الجوار، وبخاصة مصر والأردن، من هذا المخطط علانية أكثر من مرة، بينما أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن -علانية أيضاً- عن معارضتها لتهجير الفلسطينيين، لكن سياسات واشنطن الداعمة بشكل مطلق لما تفعله إسرائيل يضعها في مقدمة المتهمين بالمشاركة الفعالة في الجرائم الإسرائيلية بحق أهل غزة خصوصا والشعب الفلسطيني بصفة خاصة.

إسرائيل في القائمة السوداء

من جانبه، يقول فتحي أبو مرزوق (63 عاماً)، إن الحرب الدائرة اليوم في قطاع غزة هي استمرار لنهج وحرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني والتي بدأتها إسرائيل عام 1948. وأضاف للأناضول: “إسرائيل تحاول تصفية القضية الفلسطينية وسرقة الأرض من خلال ارتكاب جرائم القتل للفلسطينيين وتدمير مناطقهم، غير آبهة بالقانون والقرارات الدولية”.

إسرائيل، في هذه الحرب، لا تتوقف عن إظهار ملامح الإبادة الجماعية للفلسطينيين سواء من خلال “قتلهم بشكل جماعي بمجازر دموية، أو التدمير المتعمد والممنهج للمنازل والبنى التحتية، أو تجويعهم وتعطيشهم ومنع مصادر الغذاء عنهم وحصارهم بشكل عسكري وقاس”، بحسب أبو مرزوق، مضيفا: “هذا ما حدث عام 1967 حينما هدمت إسرائيل قرى فلسطينية لإجبار سكانها على النزوح منها وإخلائها”.

“تبقى هذه الحرب الأقسى والأشرس على الفلسطينيين، حيث ترتكب إسرائيل يوميا مجازر بحق الفلسطينيين، وتمحو عائلات كاملة من السجل المدني بعد قتلهم بشكل جماعي”، معربا عن تخوفاته من استمرار هذه الحرب لأشهر أخرى، قائلا: “لم يعد لدينا قدرة على تحمل هذه الجرائم التي يقف العالم صامتا أمامها”. ويرفض أبو مرزوق النزوح خارج القطاع قائلا: “سنبقى صامدين هنا ولن نكرر أي مأساة حلت بنا في السابق، وإن كبرت أوجاعنا”.

وعلى الرغم من أن إسرائيل تواجه تهم إبادة جماعية، حيث رفعت جنوب أفريقيا في نهاية ديسمبر 2023، دعوى قضائية ضد الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية على أساس أنها انتهكت اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 بشأن منع الإبادة الجماعية، إلا أن ذلك لم يردع تل أبيب حتى الآن من مواصلة جرائمها في غزة.

وتتجه الأمم المتحدة الآن إلى إدراج إسرائيل في القائمة السوداء الخاصة بالجيوش والمنظمات التي تتعمد “إيذاء وقتل الأطفال”. ففي منتصف فبراير/شباط الماضي، وجهت مجموعة من خبراء الأمم المتحدة اتهامات مباشرة لجيش الاحتلال الإسرائيلي باستهداف المدنيين الفلسطينيين الذين لا علاقة لهم بأي عمل مسلح ويبحثون عن ملجأ آمن، ومن ضمنهم الأطفال.

“إننا مصدومين من التقارير بشأن الاستهداف المتعمد والقتل خارج إطار القانون لنساء وأطفال فلسطينيين في أماكن النزوح أو خلال هروبهم من القتال. بعض هؤلاء الضحايا كانوا يرفعون قطع قماش بيضاء اللون عندما تعرضوا للقتل بواسطة الجيش الإسرائيلي أو ميليشيات مرتبطة به”، بحسب تقرير الخبراء.

“لصوص وليسوا جنوداً”

الفلسطينية ربا محمد (26 عاماً)، التي تعيش في خيمة بمدينة دير البلح بعد أن نزحت من مدينة غزة، تقول إن قوات من الجيش الإسرائيلي نهبت وسرقت مصاغ وأموال أحد أقربائها، بعد أن تركها في منزله وفر هارباً من حمم القصف الذي ضرب منطقة سكنه. وأضافت للأناضول: “التاريخ يعيد نفسه، هذا ما عهده الفلسطينيون على الإسرائيليين، الذين لا يتوانون عن سرقة الأموال أو الأراضي أو الخيرات الزراعية والمائية”.

جنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي يقومون بأنفسهم بتوثيق قيامهم بسرقة محتويات منازل ونهبها داخل قطاع غزة، وذلك عبر حساباتهم الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي. وتتبع موقع “عربي بوست” عدداً منهم وحصل من حساباتهم على صورهم التي ظهروا فيها وهم يتفاخرون بالمقتنيات التي أخذوها من المنازل التي أجبر الاحتلال سكانها على مغادرتها.

يُشير نشر الجنود لصورهم وهم يرتكبون أعمال نهب وسرقات في غزة، إلى غياب أية محاذير لديهم من احتمالية تعرضهم للمساءلة من قِبل قيادة جيش الاحتلال، لا سيما أن تقارير لصحف ومواقع إخبارية إسرائيلية، وشهادات لعسكريين إسرائيليين، كشفت وأقرت في وقت سابق بقيام جنود بجيش الاحتلال بسرقة المنازل داخل القطاع.

وتُشير تقارير إسرائيلية إلى أن جنود الاحتلال يأخذون معهم ما يعتبرونه “تذكارات” من غزة، وهو الاسم الآخر الذي يستخدمونه للأشياء التي تتم سرقتها من ممتلكات الفلسطينيين في غزة.

وفي السياق ذاته، كانت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية قد كشفت، في تقرير لها فبراير/شباط الماضي، كيف أن الجيش استولى على 200 مليون شيكل من أموال السلطة الفلسطينية، كانت في بنك فلسطين بمدينة غزة. وفي جانفي الماضي، قال المكتب الإعلامي الحكومي إن الجيش الإسرائيلي سرق أموالاً ومصاغاً ذهبية من القطاع، قدر قيمتها بنحو 25 مليون دولار، منذ 7 أكتوبر الماضي.

المصدر: العربي بوست

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

الوكالة الوطنية للسلامة السيبرنية: ما من تداعيات للعطب التكنولوجي العالمي على المستوى الوطني

« لم نسجل أي تداعيات للعطب التكنولوجي العالمي، إلى حد الآن، على المستوى الوطني »، ذلك ما …