جيهان فوزي
«اتفاق أوسلو»، الذى وقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل منذ 29 عاماً، لم تُبق إسرائيل منه شيئاً إلا الذى يخدم مصالحها. وعلى مدار ثلاثة عقود عملت إسرائيل على إجهاض حلم الفلسطينيين فى الوصول إلى حل عادل للصراع القائم، وإقامة دولة فلسطينية مُستقلّة على حدود عام 1967.
يعزى المراقبون فشل الاتفاق إلى وجود ثغرات فى بنوده استطاعت إسرائيل استغلالها وتوظيفها لشرعنة الاحتلال، وتوسيع الاستيطان وترسيخ وجودها، وبدلاً من طرح حلول سياسية واقعية لإنهاء الصراع، اكتفت إسرائيل بوضع حلول أمنية واقتصادية كنوع من التسوية الدائمة، متجاهلة الحلول السياسية التى هى أصل القضية، وهو أيضاً تجاوز لبنود اتفاق أوسلو، فمنذ عام 2014 توقفت عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين وذلك لرفض إسرائيل وقف الاستيطان وتنكرها لحل الدولتين.
وقد أسهم ضعف السلطة الفلسطينية وعدم امتلاكها أوراق ضغط على إسرائيل فى تعميق الأزمة وفشل المفاوضات، حتى أصبح الرئيس محمود عباس فى موقف لا يحسد عليه، يقف عاجزاً أمام الوضع المتأزم، وذلك بسبب عوامل عدة أهمها تنصل إسرائيل من جميع التزاماتها، فضلاً عن سعيها إلى تدمير أى أمل فى الوصول إلى حل الدولتين الذى تم الاتفاق عليه.
لم تعد القضية الفلسطينية محور الاهتمام الدولى أو العربى، بل تدهور وتراجع الاهتمام بها إلى الحد الذى وقعت فيه بعض الدول العربية اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل عُرفت بـ«اتفاقيات أبرهام»؟! ومن هنا يسعى الرئيس الفلسطينى جاهداً للحصول على عضوية كاملة لفلسطين فى الأمم المتحدة نهاية الشهر الجارى، ومع ذلك يرى المحللون أن اتفاقية أوسلو كان فيها العديد من الثغرات التى لم يلق الفلسطينيون لها بالاً.
الثغرة الأولى هى القبول الفلسطينى بالاعتراف بإسرائيل دون أن تعترف الأخيرة بحق الفلسطينيين فى دولة، واكتفت باعترافها بالمنظمة كمُمثل شرعى ووحيد للشعب الفلسطينى، وهذا أمر غير كافٍ.
والثغرة الثانية أن الاتفاقية أظهرت أن الفلسطينيين مهتمّون بالأراضى المحتلّة فقط على حساب الفلسطينيين فى الداخل (الإسرائيلى) أو فى الشتات، الأمر الذى أدى إلى تشتيت الحالة الفلسطينية.
أما الثغرة الثالثة فهى مرتبطة، وبحسب المحللين، بعدم اشتراط الفلسطينيين «وقف الاستيطان كشرط أساسى ومبدئى لقبول هذه الاتفاقية». كما أن استمرار إسرائيل فى الاستيطان أفقد الفلسطينيين القدرة على المبادرة، وتوحيد الشعب حول برنامج نضالى.
لكن فى دراسة حديثة أصدرها معهد السلام الدولى تتناول أسباب انهيار عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين المعروفة باتفاق أوسلو، يعزى فيها مؤلف الدراسة روبرت روثستين، أستاذ الدراسات الدولية بجامعة كولجيت الأمريكية، فشل اتفاق أوسلو إلى «عقدة النزاع»، فالإجابة التى يطرحها «روثستين» تتمثل فى فكرة «عقدة النزاع» Conflict Syndrome.
ويقول المؤلف إن مشكلة «عقدة النزاع» هى الافتراضات والمواقف الخفية التى يتبناها الطرفان بخصوص طبيعة النزاع وبخصوص الطرف الآخر.
وينتج هذا المنظور المتشائم عن عهود طويلة من الحرب والعداء بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ويتسبب هذا العداء فى غياب عامل الثقة بين الطرفين ويخلق شكوكاً كبيرة حول عملية السلام ونجاحها.
وفى هذا المناخ السلبى يعتقد كل من الطرفين أن الطرف الآخر لن يحترم أية وعود أو اتفاقيات، وبالتالى يشعر كل طرف أنه إذا لم يبادر بانتهاك الاتفاقيات فسيصبح فريسة خصمه عندما يقوم الأخير بمخالفة الوعود والالتزامات.
وفى شرحه المفصل لفكرة «عقدة النزاع» يشير «روثستين» إلى أن الشعور بالمخاطر وبالقلق فى المفاوضات المعنية بمثل هذه النزاعات عادة يكون عالياً للغاية، وتكون النتيجة ألا يشعر طرف بالحاجة للمجازفة بتقديم تنازلات كبيرة للطرف الآخر فى المفاوضات. ولا يقوم أى من أطراف النزاع بتقديم تعهدات ملزمة افتراضاً بأن عملية المفاوضات ستنهار فى أية لحظة.
كما يشعر الطرفان بعدم الارتياح تجاه أى مشروع اتفاق، ودائماً يحاول أحدهما إعادة التفاوض حول القضايا التى سبق الاتفاق عليها، فضلاً عن محاولة كلا الطرفين استغلال عملية المفاوضات لخدمة مصالح سياسية أخرى غير متعلقة بتحقيق السلام.
وفى الكثير من الأحيان يشعر أطراف النزاع بأنه ليس هناك حل سلمى للصراع، لذا تتسم عمليات التفاوض باليأس والتشاؤم.
ومع ذلك يرى الفلسطينيون أن إسرائيل اخترقت اتفاقية أوسلو منذ عام 1999 حينما لم تطبق الاتفاق كما نصّ بفتح النقاش حول القضايا الخمس (القدس واللاجئون والمياه والمستوطنات والحدود). فيما يرى «روثستين» أن الإصرار على تحديد تفاصيل التسوية النهائية منذ البداية كان سيؤدى إلى انهيار المحادثات، وأن «عملية أوسلو» لم تكن حلاً نهائياً للصراع، بل كانت بمثابة «هدنة استكشافية» Exploratory Truce تهدف لبناء ثقة بين الجانبين، وخلق مناخ مناسب للتفاوض وللحصول على التنازلات الصعبة.
غير أن الأمر الأكثر وضوحاً بين وجهتى النظر أن اتفاق أوسلو انتهى، ولا بد من البحث عن بدائل أكثر جدية تنهى حالة الاستنزاف الفلسطينية التى طال أمدها.
* نقلا عن “الوطن”