ينقل الفيلم الوثائقي لزهر الشرايطي “أسد عرباطة” مسيرة أحد أبرز رموز المقاومة المسلحة في تونس وأهم محطات حياته التي انطلقت بالعمل في مناجم مظيلة أين انفتح وعيه على معاناة العمال والتمييز الذي يعانون منه مقارنة بالعمال الفرنسيين.
ولكن التطوع في حرب فلسطين 1948 أو مايسمى بالنكبة سيمثل منعرجا حاسما في حياته اذ اكتسب في هذه الحرب مهارات القيادة العسكرية وخبرات قتالية مكنته حين رجوعه إلى تونس بعد سنوات من إطلاق العمل المسلح مع الزعيم بورقيبة وأحمد التليلي.
ويطرح هذا الوثائقي الذي تم عرضه مساء أمس الاثنين بقاعة الطاهر شريعة بمدينة الثقافة، حكاية ابنه سليم الشرايطي الذي يعود من سويسرا بعد غياب لعقود ليحاول اكتشاف خطى والده في المقاومة المسلحة فيتنقل هذا العمل بالمشاهد بين جبال عرباطة وسيدي يعيش ومغيلة مع رفاق أبيه ليتحدثوا عن معارك المقاومة وانتصاراتهم على فرنسا بقيادة لزهر الشرايطي.
ويغوص الفيلم كذلك في تفاصيل إعدام لزهر الشرايطي والتخطيط للاطاحة ببورقيبة سنة 1962 ، وهنا ينزاح العمل لراوية سليم الشرايطي عن طفولته الضائعة ومغادرته تونس صغيرا وهو ماسيبقى جرحا غائرا يلازمه.
وتتجلى رحلة سليم الشرايطي الذاتية في هذا العمل بين رؤى المؤرخين ليتداخل الذاتي والموضوعي والحميمي والتاريخي لرسم سيرة أخرى لأسد عرباطة ولجزء من تاريخ تونس المعاصر.
وقبل بداية العرض الأول لفيلم “الأزهر الشرايطي… أسد عرباطة” الذي شهد متابعة عدد هام من الوجوه السياسية والنقابية وسفيري فلسطين والجزائر بتونس بالخصوص، قالت ابنة الأزهر الشرايطي ربح الشرايطي أن هذا العمل السينمائي “هو جزء من رد الاعتبار للتضحيات التي قدمها والدها من أجل وطنه، مشيرة إلى أنه سيكون فرصة لإحياء ذكرى الرجال الوطنيين والصادقين بالإضافة إلى تقديمه مادة تاريخية حقيقية، تبعث في نفوس المواطنين حب الوطن وتغرس فيهم مجموعة من القيم النضالية والأخلاقية”.
واستنادا لشهادات لباحثين في التاريخ الحديث والمعاصر ومؤرخين بالمعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر، فضلا عن روايات عائلة المناضل الراحل، استعرض هذا العمل الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية ونفذته شركة folk stories company ، مسيرة أحد أبرز المقاومين في البلاد التونسية أثناء فترة الاستعمار الفرنسي، حيث شارك الشرايطي في تكوين أول خلية مسلحة لمواجهة الاستعمار سنة 1951 .
وانضم الشرايطي إلى الاتحاد العام التونسي للشغل بهدف الدفاع عن حقوق العمال وخاصة عمال المناجم والدفاع أيضا عن القضية التونسية.
مسيرة مكللة بالنضالات والتضحيات من أجل الوطن انتهت بإعدام الشرايطي مع عدد من المدنيين وضباط الحرس الوطني سنة 1963 بتهمة محاولة الانقلاب على الرئيس الأسبق الراحل الحبيب بورقيبة.
تأثرت عائلة الراحل الأزهر الشرايطي بخبر إعدامه وعانت كثيرا بعد تلك الفاجعة حيث تعرضت لمضايقات من طرف النظام السياسي في تلك الفترة وهو ما دفعها قسرا للهجرة خارج البلاد.
يؤكد الفيلم الوثائقي أن مبتغى عائلة الشرايطي اليوم ليس الانتقام من أي طرف سياسي، بل هو البحث المتواصل والأبدي عن رفات أبيها، فهي لا تعرف كثيرا عن خفايا إعدامه منذ 24 جانفي 1963.
جبل عرباطة كان أحد أهم الأماكن المبهرة والجميلة في الفيلم الوثائقي “الأزهر الشرايطي.. أسد عرباطة”، حيث وظف مخرج العمل عبد العزيز الحفظاوي الخصوصيات التضاريسية لهذه الجبال ليقدمها في صورة إخراجية تقنية تتماشى مع الطابع التوثيقي والتاريخي للفيلم.
وتجدر الإشارة إلى أن فيلم “الأزهر الشرايطي.. أسد عرباطة”، سيعرض اليوم الثلاثاء 14 جانفي على قناة الجزيرة الوثائقية بمناسبة إحياء الذكرى التاسعة لقيام الثورة التونسية ضد نظام الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي.
وات