القنب الهندي، تلك النبتة التي لطالما اشتهرت أفغانستان بزراعتها، أصبحت الآن سوريّة. ففي الشمال البعيد عن ساحات المعارك، بدأ القنب الهندي، الذي يصنع منه الحشيش، ينمو بحريّة، بعد أن وجد أرضاً خصبة، وأيادي استغلت الفراغ الأمني فبدأت برعايته بحثاً عن الثروة، وأخرى وجدته مصدر تمويل لحربها.
على طول الشريط الحدودي مع تركيا، والخارج عن سيطرة الحكومة السورية، بدأ مزارعون ينتجون نبتة القنب الهندي، حيث تزرع في بقع موزعة بين القرى، من ريف الرقة، إلى ريف حلب، وصولاً إلى ريف إدلب.
لا توجد إحصاءات دقيقة عن المساحات التي باتت مزروعة بالقنّب، إلا أن أهالي من ريف حلب الشمالي يؤكدون أن زراعة هذه النبتة بدأت تزدهر وتنمو بشكل مطرد.
ويقول مصدر محلي في إحدى قرى اعزاز شمال حلب “على الرغم من معرفة الجميع أن القنب الهندي بدأ يُزرع وينتشر، إلا أن أحداً لا يجرؤ على الحديث عن الأمر خشية ملاحقته من ممولي هذه الزراعة”.
ويضيف المصدر “لا يفصح من يزرع القنب عن الجهة أو المجموعة التي تدعمهم، أو تقوم بتشغيلهم في زراعته، إلا أن تنامي هذه الزراعة يدلّ على أن الجماعة التي تدعمهم تتمتع بسلطة في هذه المنطقة”.
و يسيطر تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) على مدينة اعزاز، وتتقاسم فصائل “جهادية” و”إسلامية” أخرى السيطرة على قرى اعزاز، أبرزها “لواء التوحيد” التابع لجماعة “الإخوان المسلمين”.
و يؤكد مصدر معارض أن زراعة القنب الهندي بدأت تزدهر منذ توافد “الجهاديين” إلى سوريا، خصوصاً هؤلاء القادمين من أفغانستان، سواء ممن ينتمون إلى حركة “طالبان”، أو الذين ينتمون لتنظيم “القاعدة”، مشيراً إلى أن الأراضي في المناطق الحدودية مع تركيا تبدو مناسبة لزراعة هذه النبتة.
ويشير المصدر إلى أن وجود شريط حدودي طويل، يساعد على تهريب المنتجات إلى خارج سوريا عبر تركيا، أو حتى توزيعها في الداخل السوري.
ويقول “صحيح أن الجهاديين يدّعون محاربتهم لهذه الزراعة، إلا أن جميع الأدلة تشير إلى أن ازدهارها يتم برعايتهم، فهي مصدر تمويل مهم، خصوصاً أنها باتت مطلوبة في الداخل السوري”، مذكّراً بأن أفغانستان، التي تعتبر أحد أهم معاقل “الجهاديين” في العالم، تصدرت في العام 2010 قائمة الدول الأكثر إنتاجاً للحشيش.
بدوره، يشير مصدر كردي إلى أن ظاهرة زراعة الحشيش انتشرت في بعض المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل كردية، شمال حلب، موضحاً أن “الوحدات الكردية تحاول منع انتشار هذه الزراعة ومعاقبة من يقدم على زراعتها”.
ويوضع المصدر أنه “انتشرت زراعة وإنتاج الحشيش في منطقة عفرين والنواحي التابعة لها، حيث تمّت زراعتها بكثافة وبشكل سري، قبل أن تقوم الوحدات الكردية التي تبسط سيطرتها على المنطقة بشن حملة للقضاء على هذه الزراعة، والتي انتهت بمصادرة وإتلاف نحو 200 طن من نبتة القنب الهندي، ومصادرة نحو 35 ألف حبة مخدرة”.
وفي حين يؤكد المصدر أن هذه المناطق لم تكن تشهد هذا النوع من الزراعة، يشير إلى أن “أمراء الحرب، وبعض ضباط الاستخبارات التركية يقفون وراء تمويل زراعة وإنتاج الحشيش”. ويتابع “اعترف بعض من قام بزراعة الحشيش بأنه حصل على بذور النبتة عن طريق ضباط في الاستخبارات التركية”.
وفي السياق ذاته، يؤكد مصدر متابع لنشاط “الجهاديين” في سوريا أن الفصائل “الجهادية”، خصوصاً المنتمية إلى “القاعدة”، تمارس لعبة في المناطق التي تسيطر عليها تهدف إلى تسويق الحشيش وضمان ارتفاع سعره.
ويقول المصدر “يقومون برعاية إنتاج الحشيش وتوزيعه، وفي الوقت ذاته يشددون على حرمته ويطاردون بعض الحشاشين، ما يساهم بضمان ارتفاع سعره، على الرغم من انتشار زراعته وكثافة إنتاجه”.
ويتقاطع ما قاله المصدر “الجهادي”، مع تصريح كان أدلى به وزير الداخلية محمد الشعار، خلال لقاء تلفزيوني قبل أيام، والذي أكد فيه أن “الظروف التي تمر بها سوريا أوجدت البيئة الملائمة لمهربي المخدرات، سواء لتهريبها عبر سوريا إلى دول أخرى أو استثمارها في الداخل السوري”.
من الجدير ذكره أن سوريا كانت، قبل بدء الأحداث في العام 2011، تعتبر شبه خالية من صناعة المخدرات، حيث تعتبر دولة عبور فقط، إذ يشدد القانون السوري العقوبات على متعاطي المخدرات وتجارها لتصل في بعض الأحيان إلى الإعدام.
ومع دخول الأحداث عامها الثالث، تلوح في الأفق زراعة المخدرات وصناعتها، كإحدى مخلفات حرب دمرت، ومازالت تدمر، الزراعة والصناعة، وأخيراً الإنسان السوري، الضحية الأكبر لهذه الحرب.
الخبر