الصراع الروسي الأمريكي على سوريا وإستراتيجية الطرفين.. بوتين لبندر: سوف نقطع أرجلهم ورؤوسهم

في ندوة عقدتها في مجلس النواب الفرنسي إحدى الجمعيات الفرنسية المحسوبة على حلقات  التفكير والدراسات الإستراتيجية في فرنسا ، ألقى العقيد الركن السابق في الجيش الفرنسي  ألان كورفيس محاضرة عن الأبعاد الإستراتيجية للحرب في سوريا. تحدث الضابط الفرنسي الذي عمل في قوات اليونيفل في جنوب لبنان ومن ثم مستشارا لرئاسة الحكومة الفرنسية، ان التحول في موازين القوى العالمية بدا في العام 2007 في حرب جورجيا عندما تدخلت القوات الروسية ضد حكومة الرئيس الجورجي سكاشفيلي  بعد أن هاجمت قوات الأخير اوسيتيا الجنوبية  التي تعتبرها روسيا موقعا استراتيجيا حيويا لها، مضيفا أنّ الروس تحركوا عسكريا لأول مرة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وكانت هذه الحرب بداية العودة الروسية كقوة عالمية فروسيا بحربها هذه قالت للغرب أنها لا يمكن أن تقبل بعد الآن أيّ تخط لمصالحها الحيوية .

في تلك الفترة تدخل الرئيس الفرنسي السابق  وسيطا نيكولا ساركوزي  بتفويض أمريكي  لإيقاف الهجوم الروسي بسبب اتهام روسيا لديك تشيني بتحريض الرئيس الجورجي للهجوم على اوسيتيا الجنوبية. وقد روى الصحفيون الفرنسيون الذن رافقوا ساركوزي ما دار في اللقاء الذي جمع ساركوزي مع الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف، وفلاديمير بوتين الذي كان رئيسا للوزراء حينها.

كان بوتين في قمة غضبه وكان يصيح عاليا وقال لساركوزي  سوف اشنقه ، سأل ساركوزي سوف تشنق ساكاشيفيلي؟ أجاب بوتين نعم سوف أعلق مشنقته، ألم يشنق بوش صدام؟ وأنا سوف اشنق ساكاشفيلي. حينها قال ساركوزي وهل أعجبتك نهاية بوش؟.

صادف موعد الهجوم الروسي في جورجيا وجود الرئيس السوري بشار الأسد في موسكو بزيارة رسمية كانت قررت قبل عام وكانت سوريا أول دولة تعلن على لسان رئيسها تأييد موسكو في تلك الحرب في مفارقة ملفتة .

في العام 1990  تسبب انهيار الاتحاد السوفياتي في تراجع الحدود الرسمية لروسيا ألاف الكيلومترات نحو الشمال وتسبب التراجع الروسي في المنطقة بحالة من الفراغ حاولت كل من  ( الولايات المتحدة، تركيا، إيران، الصين ، وباكستان) أن تملأه  حيث تحولت منطقة آسيا الوسطى حلبة صراع بدأت مع انهيار الاتحاد السوفيتي.

كانت تركيا البلد الأكثر هجومية في هذا الصراع حيث رأت انقرة   بلدان أسيا الوسطى الناطقة باللغة التركية يستقلون عن سلطة موسكو، بينما اعتمدت إيران سياسة أكثر براغماتية بسبب  الفارق المذهبي مع تلك الدول والبعد اللغوي باستثناء طاجيسكتان في وقت كانت فيه الصين حذرة.  أما الولايات المتحدة  فكانت حذرة في الفترة الأولى وفضلت التعاون مع روسيا.

في العام 2002 وضعت أحداث 11 ايلول منطقة آسيا الوسطى تحت أنظار العالم ، حيث  أسهم  وصول الجيش الأمريكي إلى آسيا الوسطى وتثبيته قواعد عسكرية في جنوب الاتحاد السوفياتي السابق في إضعاف حالة من التوازن في المنطقة التي كانت منذ سقوط الاتحاد السوفياتي تعيش في ظل روسيا.

لقد حقق التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان هدفين اساس للولايات المتحدة :

1 – على المدى القصير وهو إسقاط نظام حركة طالبان في أفغانستان وضرب شبكات القاعدة .

  1. وضع الولايات المتحدة  في قلب المعادلة الأمنية والإستراتيجية للمنطقة. وجود أعطى واشنطن رافعة سياسية تحتاجها للبدء في استخراج واستغلال الموارد النفطية لآسيا الوسطى بعيدا عن النفوذ الروسي بالدرجة الأولى كونه الأكبر والنفوذ الصيني والإيراني بالدرجة الثانية وهذا  الوضع خلق تحالف ثلاثي بين هذه الدول استمر حتى بانت معالمه الواضحة في الأزمة السورية.

في  العام 2011 وعلى  هامش مؤتمر مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في جنيف والتي كانت حول سوريا بطلب من السعودية وقطر وللمفارقة بطلب من إسرائيل أيضا ، في نهاية الجلسات التقت شخصيات من المعارضة السورية السفير الروسي في الأمم المتحدة الذي قال للمعارضين السوريين أن روسيا سوف تتخذ عشرين فيتو إذا اقتضى الأمر لمنع تكرار السيناريو الليبي في سوريا، في اليوم التالي كان الوفد المعارض في الدوحة في اجتماع مع خالد العطية الذي كان نائب وزير الخارجية القطرية، وفي الاجتماع قال  أحد أعضاء الوفد للعطية ان الروس قالوا إنهم سوف يستخدمون حق النقض الفيتو ضد اي مشروع قرار في مجلس الآمن الدولي ، فأعطى العطية إشارة من يده تفيد برشوة روسيا فقال له الوفد أن هذا الأمر لن ينجح مع الروس في الحالة السورية.

عملت روسيا منذ بداية الأزمة السورية على خط  منع التدخل العسكري الغربي في سوريا، ودعم النظام السوري في المحافل الدولية في عملية معقدة من التعاون مع الصين في المحافل الدولية ومع إيران في سوريا وفي الإقليم  وفرضت على النظام السوري استقبال المراقبين العرب ومن ثم كانت وراء موافقة الرئيس السوري على الذهاب إلى جنيف 1 هي أيضا من يقف وراء موافقة سوريا على الذهاب إلى جنيف 2.

في سوريا أيضا كانت روسيا  على علم  مسبق بالعمل الذي قام به حزب الله في القصير ومناطق أخرى في سوري  وهي منعت في حزيران الماضي  مشروع قرار فرنسي سعودي في مجلس الأمن الدولي يدين التدخل في القصير.

في نفس الوقت كانت الدبلوماسية الروسية  تحاور الولايات المتحدة حول الكيماوي السوري منذ أشهر طويلة كما ذكرت جريدة لوموند الفرنسية في شهر أيلول الماضي، في محاولة للوصول إلى نقطة التقاء روسية أمريكية يمكن  البناء عليها في عملية توافق كاملة .

استفادت الإستراتيجية الروسية من انتصار القصير في زيادة أوراق القوة التي في يدها في التفاوض مع أمريكا ومن ثم اتى انتصار حي الخالدية في حمص والتقدم في ريف دمشق ليثبت عدم قابلية التيارات السلفية المحاربة المحلية والعالمية في مواجهة الجيش السوري و  حزب الله كم  قال لي دبلوماسي فرنسي يعمل حاليا في دولة إسلامية كبرى.

في زيارة قام بها رئيس المخابرات السعودية الأمير بندر بن سلطان لموسكو لثنيها عن دعم سوريا في الموضوع الكيماوي والتراجع عن تهديداتها باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن، عرض بندر على بوتين تاريخ التحكم السعودي بالسلفية العالمية المحاربة من أفغانستان حتى سوريا مرورا بالعراق والشيشان، قال بندر لبوتين أنّ السعودية سوف تمنع هذه القوى من محاربة روسيا في آسيا الوسطى شرط أن تساعد روسيا في تغيير النظام في سوريا .

بوتين استعاد مع بندر لغة التهديد التي استعملها مع ساكشفيلي، قال لبندر بن سلطان أنّ روسيا لن تسمح بتدخل عسكري غربي في سوريا وفي حال أتى السلفيون الذين يتحدث عنهم إلى روسيا  سوف نقطع أرجلهم ورؤوسهم.

 

بعد فشل الحلفاء الإقليميين  والعرب  والعالمية التكفيرية المحاربة في إسقاط النظام السوري وبدء الانهيارات المتتالية في صفوف الجماعات المسلحة مع بروز صراعات داخلية  ضمن الجماعات المسلحة نفسها تطورت لحروب متنقلة من الشمال السوري وصولا إلى درعا فضلا عن الحرب التي اندلعت بين الأكراد  السلفية المحاربة في الشمال السوري، أجبرت الولايات المتحدة على الدخول مباشرة في الحرب عبر التهديدات الأمريكية بشن ضربة عسكرية ضد سوريا بحجة استعمال السلاح الكيماوي في معظمية الشام يوم 21 آب الماضي.

التقط الروس الفرصة واقترحوا على الطرف الأمريكي ان تقوم دمشق بالتخلي عن سلاحها الكيماوي في مرحلة كان فيها الرئيس الأمريكي قد ذهب بعيدا في التهديد بالحرب دون ان يجد من ينقذه من تبعات تهديداته هذه، وكان الاقتراح الروسي بمثابة طوق النجاة للرئيس الأمريكي .

 

في هذا الموضوع تحديدا تعتمد روسيا إستراتيجية المراحل في عملية سياسية شاملة نواتها  التوافق على الكيماوي السوري، للذهاب في اتفاق شامل حول سوريا فضلا عن اتفاق حول النووي الإيراني تثبيتا لمواقع النفوذ الجديدة التي رسمت بعد هزائم أمريكا في أفغانستان والعراق و هزائم حلفاء أمريكا في سوريا.  هذا الحلف المؤلف من روسيا الصين إيران سوريا و الذي تشكل بفعل الاحتلالات العسكرية  الأمريكية في آسيا الوسطى وفي العراق أعاد لروسيا حضورا دوليا فقدته طيلة عقدين من الزمن ، وكل هذه التغييرات تحصل أمام أعيننا في سوريا منذ ثلاث سنوات تقريبا

المنار

تعليقات

About taieb

Check Also

التغوّل التركي في السوق الليبية ينهك الإقتصاد التونسي

لم يعد النظام التركي يخبأ نواياه تجاه الدول العربية، بل وبكل صراحة أصبح الرئيس التركي …