قد تكون اتصالات بوتين المتسلسلة والتي بدأت بمكالمته مع الملك عبدالله (المؤجل الإعلان عنها إلى اليوم) ولاحقاً مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، والرئيس السوري بشار الأسد، سرعت عجلة قطار التسوية، وتحمل الكثير من الدلالات على بدء التحضير لإنطلاق فعاليات مؤتمر جنيف٢ حول سوريا، لكنها في الحقيقة وفي الوقائع الميدانية سرعت أيضاً، حركة أرتال الدبابات والمقاتلين على الأراضي السورية، من قبل طرفي الصراع لتحقيق «إنجازات وازنة»، تزيد من قوة فريقها المفاوض لاحقاً على طاولة المفاوضات.
إذا افترضنا أن الطرف السوري النظامي، المتمثل بالقيادة والجيش السوري قد وجد في «القلمون» أرضاً خصبة لتحقيق إنجازاته تلك، فعلى ما يبدو أن الطرف «السعودي» لا يزال يراهن على جبهة «درعا»، وعلى تحقيق وقائع يستطيع من خلالها تغيير الواقع الميداني لصالح إنهاء وجود الجيش السوري فيها لكي تكون أولى المناطق «الواسعة» التي يستطيع أن ينشئ عليها ما يمكن تسميته إصطلاحاً «أرض نزاع وتفاوض» أو رأس جسر لممثله في المفاوضات لدخول دمشق والحكومة السورية ما بعد «جنيف ٢».
قد يعتبر البعض ما نشر نقلاً عن المصادر العسكرية البريطانية ضرباً من الخيال، وأن الترويج للدور السعودي في إنشاء ما يسمى «جيش محمد» بمساعدة باكستانية، هو مجرد حبكة مخابراتية لرواية لم تحصل في الواقع، وقد يساهم الإنكار المدفوع «إعلاميآً» في تسفيه ما نشرته تلك الصحف، لكن الوقائع تثبت يوماً بعد يوم، معززة بالكثير من الأسئلة التي طرحت مؤخراً، أن السعودية تعمل على تشكيل «جيش ما» في «مكان ما» من الأردن الى باكستان، ووجهته ليست بالتأكيد، القدس الشريف.
هذه المعلومات أكدها الرئيس السوري بشار الأسد، خلال لقائه قادة في أحزاب عربية مختلفة شاركوا في مؤتمر انعقد في دمشق مؤخراً، وكان رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض وحليف السعودية احمد الجربا أول من كشف عن هذا المخطط السعودي، في بيان بتاريخ 8 آب عام 2013 بقوله «المملكة العربية السعودية ستشكل جيشاً وطنياً خارج سوريا».
الجربا هو نفسه من تقاتل السعودية في سوريا لإيصاله الى رئاسة الحكومة الانتقالية وتشترط ضمان حصوله على هذا المنصب قبل الدخول في النقاشات والمفاوضات التفصيلية الأخرى.
بناء عليه، ولتثبيت هذه الوقائع مستقبلاً، لا بد للسعودية من تحقيق اختراق ميداني واسع، على جبهة ذات مساحة جغرافية كبيرة، تستطيع من خلالها «فرض وقائعها» السياسية على طاولة المفاوضات، ولا يوجد حالياً، بعد خسارة أتباعها في سوريا لسيطرتهم على حمص ومناطق واسعة من حلب لصالح الجيش السوري، أي فضاء يمكنها التحرك فيه عسكرياً مع ضمان الدعم اللوجستي، غير محافظة درعا، بحدودها الممتدة مع الأردن، الأرض التي تحتضن معسكرات التدريب السعودية والأميركية والفرنسية لمسلحي المعارضة السورية المدعومة سعودياً.
سورياً، كان الرد في القلمون، ولا حاجة للمزيد من الشروحات والتفصيل، فلقد كتب الكثير عن تأثير إتصال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس السوري بشار الأسد على تحريك القيادة السورية لقواتها بإتجاه القلمون وتسريع عملياتها في ريف حمص الشرقي، والإندفاعة القوية التي بدأتها في قارة وحسمها للمعركة فيها خلال أيام قليلة، ووصول أرتال الجيش السوري إلى مشارف النبك حيث خاضت اليوم معارك ومواجهات مع مسلحي المعارضة السورية المتحصنين بداخلها منذ أكثر من عام.
أما من جهة المعارضة، فقد لفت في الوقائع الميدانية، أن «جيش الإسلام» الذي يقوده زهران علوش، ورغم ضخامة الهجمات التي يشنها الجيش السوري تباعاً على معاقل المسلحين في القلمون، ورغم سقوط بلدة قارة «الإستراتيجية» الواقعة على مفترق الطرق بين حمص ودمشق والقلمون والحدود اللبنانية، لم يحرك بعد قواته، ولم يدخل بشكل فعلي وفاعل في المواجهات، ورغم الإتهامات الشديدة من قبل ناشطين وتنسيقيات وفصائل مسلحة له، كان رد قائده زهران علوش اليوم في تسجيل نشر على يوتيوبمجرد عملية دفع للإتهامات من جهة، ودعوة ملفتة في الختام لجميع الفصائل للإنضمام والتوحد تحت راية واحدة لم يحدد هويتها وشكل وشعارها، الأمر الذي يعيد إلى الذاكرة، رواية المصادر البريطانية التي تداولتها الصحف، عن سعي السعودية لتأسيس «جيش محمد»، فهل تم سحب نواته الأولى (جيش الإسلام) من القلمون إلى أمكنة أخرى، أم أنه بانتظار إكتمال النصاب وإنضمام باقي الفصائل، لفتح معركة كبرى يكون هدفها السيطرة على الأتوتوستراد الدولي بين دمشق وحمص، بداية، ووجهتها مكان آخر، لاحقاً؟!..
سلاب نيوز