أحمد البديري
جلس أبو فراس مع صديقه أبو نائل في أحد مقاهي القدس العتيقة، يشاهدان مع بقية رواد المقهى الشعبي بدء مراسم إنهاء الانقسام الفلسطيني الذي استمر لسبع سنين.
أبو فراس كان مندهشًا، أما أبو نائل فانفجر من الضحك وصرخ قائلا ضحكوا علينا.
هكذا هو المزاج العام في القدس وفي عموم الأرض الفلسطينية، لأن الجمهور الفلسطيني يتمرس السياسية منذ الطفولة، فمن لم يكن فدائيًا فقد شارك في الانتفاضتين الأولى أو الثانية. ما حدث ليس بحاجة لمحلل استراتيجي يجلس على الفضائيات ليشرح توقيت المصالحة أو الأسباب الموجبة لها، فالجميع يعلم أن ما حدث لم يكن بريئًا أو فيه أية تضحية سياسية.
ليس من أجل سواد عيونكم
الجمهور الفلسطيني يدرك تمامًا أن ما حدث هو فرصة سياسية سانحة لحماس وفتح معًا، لإنجاح واستمرار برنامجين سياسيين متعارضين. فلا علاقة لطموح أو مصلحة الشعب بأكمله ولا علاقة لما حدث بالرغبة الجامحة لشعب الفلسطيني بإنهاء الانقسام.
فما الذي تغير منذ سبع سنين حتى الآن داخليًا؟ الطرفان لم يتوقفا عن الاعتقال السياسي أو التحريض الإعلامي أو التنازع على المقدرات المالية بل وحتى في اليوم الأخير اتهما بعضهما بالخيانة العظمى التي تستجوب الإعدام.
حماس تعيش حصار خانق وصل أشده بعد الإطاحة بشريكهم الأبرز محمد مرسي وفتور مُمول مهم وهي دولة قطر. فتح ترى أن خيار المفاوضات سيطيح بشعبيتها للأبد، إذا ما استمرت به، لأن نتنياهو يماطل ولا يريد التسوية السياسية. توجه فتح أو السلطة قبل عام للأمم المتحدة للاعتراف بها كدولة تم دون إنهاء المصالحة، لكن نتنياهو يتوعد بحرب ضروس إذا ما توجهت المنظمة إلى الجنايات الدولية.
حماس من جانب آخر، ترى أن الضغوط المصرية بإعلانها منظمة ممنوعة في مصر، خنق أية حركة لها، لأن الجغرافيا هي التي جمدتها خاصة قيادتها في الخارج، وتحديدًا خالد مشعل في قطر الذي كان خيارًا أدى إلى رفع مستوى قوة القيادة في غزة لأسباب تتعلق بالثقل السياسي للجغرافيا السياسية.
أبو فراس وأبو نائل يعلمان أنهما لم يكونا في سلم أولويات الفصيلين حماس وفتح، عندما قررا إنهاء الانقسام هذا لو تم أصلا، لأن أبو فراس وأبو نائل يدركان أن الانقسام كالاحتلال لا يهدف إلا لكسر عزيمة الشعب بطرق ملتوية، تؤدي في النهاية للقبول بالأمر الواقع وبالقبول بسياستين، أحيانًا يحاولون اغتيال بعضهم ثم يتعانقون كأن شيئًا لم يكن وهذا شأن السياسة.
حالة الابتسامة الجماعية
عندما بدأ المؤتمر الصحفي ابتسم كل الشعب الفلسطيني ابتسامة صفراء توحي أنه يفهم ما يحدث، لكن عليه أن يكبر أمام الصغائر ويتناسى سبع سنين من الظلمة, سبع سنين من تراجع القضية الفلسطينية, سبع سنين من كراهية الضفة لغزة، وليس فتح لحماس. الابتسامة التي تراها في كل المقابلات التليفزيونية للمواطنين المتمنين إنجاحها بابتسامة صفراء، تشبه تلك التي ترتسم على وجه الفلسطيني قبيل أية قمة عربية منذ ستين سنة أو أكثر.
حالما تتغير الظروف فلا يمنع انهيار المصالحة تحت أي مسمى أو أي سبب وهمي أو حقيقي، فتبقى غزة لحماس والضفة لفتح وبقية فلسطين للاحتلال، وتعود الفضائيات تبث برامج مضحكة لقيادات فلسطينية تهين دماء الشهداء وأمهات الأسرى بحجج واهية. لو أن ما حدث كان في كينيا أو البرازيل لعل الشعب لن يفهم ولكن الفلسطيني يعلم قواعد اللعبة ومناورة اللاعبين وأهمية التشجيع بالهتاف أو حتى برمي زجاجات لو اقتضى الأمر. لهذا كانت ردة فعل أبو نائل هي الأكثر رواجًا في المقاهي الفلسطينية أو الصالونات السياسية.
بوابة الشروق