نظمّ اليوم الخميس 16 جانفي 2025 مركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان المقارنة بسوسة محاضرة بعنوان “الموريسكيون سيرة وهوية” أثثها رئيس قسم الإسبانية بجامعة منوبة، رضا مامي.
وتعرّض مامي، الذي تمّ تكريمه بهذه المناسبة، إلى تاريخ الموريسكيين ورحلتهم والمعاناة التي واجهوها في إسبانيا نتيجة تشبثهم بالهوية العربية والدين الإسلامي خاصة إثر سقوط غرناطة سنة 1492.
وظهرت عبارة “الموريسكيون” لأول مرة سنة 1502، وهم أصيلو إسبانيا مولدا ونشأة ويتكلمون لغتها ولكنهم يختلفون عن الاسبانيين بمعتقداتهم الدينية.
وأوضح مامي أنّ الموريسكيين عانوا طيلة الفترة ما بين 1492 و1607 الإهانات والعذابات وإجبارهم على تغيير أسمائهم إلى المسيحية والكتابة باللغة الإسبانية والمنع من أداء شعائرهم الدينية مع فرض الحصار والرقابة عليهم مما اضطرهم للعيش حياة مزدوجة بين ممارسة شعائرهم سرّا والتظاهر بالامتثال لعادات المسيحيين في العلن.
وقد أجبر هؤلاء على مغادرة إسبانيا هربا من الموت بعد طرد الكنيسة لهم سنة 1609 ليتوجّه إثرها ما بين 80 و100 ألف موريسكيا نحو تونس، أين رحّب بهم عثمان داي، رغبة منهم في عيش نصرة الإسلام داخل أرض عربية إسلامية انتصر فيها العثمانيون على ملك إسبانيا وإمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة، شارلكان، في حرب دامت أربعون سنة بين 1534 و1574.
وتتواصل المعاناة…
يؤكد رئيس قسم الإسبانية بجامعة منوبة، رضا مامي، أنّ معاناة الموريسكيين، وفقا لما هو مدوّن في كتاباتهم ومخطوطاتهم، لم تنته بقدومهم إلى تونس لعدم تقبّل التونسيين لهم، بداية، نظرا لاختلاف اللغة واللباس ولبعض الشكوك في هويتهم الإسلامية.
ويضيف مامي أنّ اندماجهم داخل المجتمع التونسي لم يكن سهلا وتطلب ما يناهز قرنا من الزمن خاصة وأنّ الموريسكيين كانوا منغلقين على أنفسهم وأسسوا تجمعات موريسكية على ضفاف وادي مجردة والعالية وتستور وقلعة الأندلس وكذلك في الوطن القبلي وتونس العاصمة، ما أجلّ اندماجهم، وفقه.
وأمام رغبة عثمان داي في إعمار مدينة المهدية أرسلهم إلى هناك مع إعفائهم من الضرائب كحافز لتشجيعهم على الاستقرار بها، وهم من منحوا أصول بعض العائلات الموريسكية المتواجدة في الساحل التونسي، اليوم، في كلّ من مساكن وسوسة والمهدية وطبلبة وغيرها من المدن الساحلية، حسب نفس المصدر.
وذكر مامي أن الموريسكيين كانوا متطورين في جميع المجالات وتفوقوا على مستوى الصناعات التقليدية وفي المجال الفلاحي فغرسوا أشجار الزيتون والكروم وأدخلوا تقنيات جديدة غير معروفة وتميزوا كذلك في المعمار والزخرفة وبرزوا بالمالوف والموشحات الأندلسية.
وتحدّث مامي عن تأثّر الموريسكيين، بعد اندماجهم في مجتمعنا، بالعربية والإسلام في تونس، وعن الأثر الذي تركوه في حياتنا وعلى لهجتنا التونسية من خلال بعض الكلمات وعديد الأكلات ذات الأصول الاسبانية وأيضا على مستوى الألقاب مشيرا إلى أن ما يقارب الـ 500 عائلة تونسية لديها أصولا أندلسية وموريسكية.
مخطوطات توثق لمعاناة الموريسكيين تمت سرقتها من تونس
أشار رضا مامي إلى أنّ الموريسكيين إثر قدومهم إلى تونس خطّوا 7 مخطوطات باللغة الإسبانية إلا أنه رغم أهميتها وتوثيقها لعديد الحقائق الصادمة حول معاناتهم، حسب توصيفه، لم يقع استغلال هذا الإرث، الذي يمثلّ جزء لا يتجزأ من تاريخنا وأدبنا وثقافتنا، من قبل التونسيين وترجمته أو دراسته باستثناء ما يزيد عن مخطوطان، قام بترجمتها وتحقيقها بنفسه، مؤكدا سرقة هذه المخطوطات من تونس وتواجدها حاليا بالمكتبة الوطنية بباريس وكذلك بكل من مدريد وإيطاليا.
وبيّن أنّ هذه المخطوطات تتمحور حول 3 مضامين أدبية وتعليمية دينية ومضمون ثالث حول الجدل المسيحي والإسباني وردّ الموريسكيين عليه.
وشدّد مامي على ضرورة أن تنفتح بلادنا على الحضارات الإسبانية وأمريكا اللاتينية وعدم الاقتصار على الفرنكوفونية.
الإسبان اعتذروا من اليهود ولم يعتذروا من الموريسكيين
انتقد رئيس قسم الإسبانية بجامعة منوبة اعتذار الاسبان لليهود مقابل عدم اعتذارهم للموريسكيين ولما أسماها بالتراجيديا التي عاشوها.
وكشف مامي أنّ ما يقارب عن 600 أستاذ من تونس ومن خارجها أمضوا سنة 1992، خلال مؤتمر أقيم بمناسبة مضي 500 سنة على سقوط غرناطة، على وثيقة طالبوا فيها الملك الإسباني خوان كارلوس بتقديم اعتذار من الموريسكيين لكن ما راعهم أن قدّم هذا الأخير اعتذارا لليهود، الذين يمثلون أقلية، وتجاهل ذلك بالنسبة للموريسكيين.
وتابع مامي أنهم أعادوا الكرّة، منذ ما يقارب عن السبع سنوات، مع الملك الإسباني الحالي، فليب السادس نجل الملك السابق خوان كارلوس، فكانت الإجابة أنهم بصدد دراسة ذلك ولكن يقول للأسف لم يتلقّ الموريسكيون الذين تعرضوا للشتات والموت والقتل ومغادرة بلادهم بتعلة أنهم ليسوا بمسيحيين، اعتذارا بعد إلى يومنا هذا.
هدى القرماني