النساء في مواقع القرار من أجل مأسسة الحقوق وتحقيق العدالة الاجتماعية

 ماهر جعيدان

عندما تتحدث النساء عن بلوغها لموقع في صنع القرار لن يكون نقلا لمجرد تجربة مهنية أو اجتماعية أو سياسية و إنما هي قصّة كفاح لنساء بلغن مركزا متقدما في المجتمع و ولادة صعبة لمشروع يحمل أبعادا حقوقية و انسانية من أجل العدالة و المساواة بين مكونات المجتمع و يستبطن صراعا قديما من اجل انتزاع المكانة و اقتلاع الصدارة.

 

شهادات نساء في مواقع القرار

” ليس من الصعب أن تبلغ امرأة مركز قرار وإنما يجب أن تثبت النساء أنهن فاعلات في صنع القرار ” هكذا عبرت ريم عبد اللاوي، رئيسة مصلحة بوزارة البيئة ورئيسة الدائرة البلدية خزامة بسوسة، عن موقفها من المسألة كامرأة في موقع متقدم في موقع إداري على المستوى الجهوي وشأن بلدي محلي.

تحدثت إلينا ريم عبد اللاوي عن كثير من الإصرار والتحدي لبلوغ مواقع متقدمة للنساء في مجتمع متغير ومتحول لا يخفى عنه الطابع الذكوري الذي يتجلى في تمظهرات اجتماعية عديدة تعيق التقدم والنجاح.

وأقرت ريم عبد اللاوي بأننا “نشهد تراجعا لتواجد المرأة في مواقع القرار وتشهد الارادة السياسية تراخيا إذ كانت الارادة السياسية أقوى باعتبار تزكية الدولة والحكومة لوجود المرأة في مناصب متقدمة لكن اليوم وجب ان تتحمل النساء مسؤولياتهن في افتكاك نصيبهن من تلك المواقع”.

كما عبرت عبد اللاوي عن الانعكاسات السلبية لمرسوم القانون الانتخابي الجديد لسنة 2022 الذي سيلقي بظلاله على المترشحين ونوعيتهم ويقلص وجود المرأة في المواقع التشريعية”.

وتقول ريم أن”المشهد السياسي ضبابي فبعد أن كانت تونس يشهد لها بالتقدم في مجال ارتقاء المرأة إلى مناصب صنع القرار تراجعت مما يدفع النساء الفاعلات إلى الدفع نحو مزيد من المثابرة والاجتهاد ودفع الصعوبات، وتجربتي في الشأن المحلي كرئيسة دائرة بلدية تكشف عن مجال قد تنجح فيه المرأة للارتقاء بالشأن العام المحلي”.

وأضافت ريم عبد اللاوي أن ” تونس اليوم تسع الجميع رجالا ونساء غير ان العراقيل التي تعترض المرأة لا تعود إلى الترسانة القانونية التي تنصفها بشكل جيد بل إلى التطبيق دون المأمول للقوانين فجميل ان تكون لنا وحدة امنية لمقاومة العنف ضد المرأة مثلا ولكن آليات تطبيق تلك القوانين لا ترتقي إلى حد الان إلى المستوى التطبيقي الاجرائي المطلوب و دليل ذلك تفاقم ظاهرة العنف ضد النساء و هو ما تبيناه في جلسات الانصات للنساء المعنفات”.

 

 

من جهتها استعرضت لبنى رجيبة ، إطار سامي بالبريد التونسي و كانت قد ترأست اللجنة الاقتصادية و المالية ببلدية سوسة ، تجربتها في تلك المواقع إذ اعتبرت أنها “لا ترى أن حقها كامرأة مسؤولة في الإدارة التونسية يتعرض إلى الهضم بل العكس ترى أنها تتمتع بكافة الصلاحيات التي يخول لها القانون مثلها مثل الرجل”.

غير أن لبنى رجيبة باعتبار ترؤسها للجنة الاقتصادية والمالية ببلدية سوسة أفصحت عن تجربة مريرة في ممارسة مسؤوليتها كعضو بلدي منتخب باعتبار احتكاكها بشرائح اجتماعية مختلفة واتصالها المباشر بفضاءات تابعة للبلدية مثل الأسواق وأصحاب المحلات التجارية وتعرضها للتنمر والتصنيف الجندري خاصة عند التدخل لأمور ترتيبية وفرض قوة القانون على التجاوزات المسجلة أو التدخل لتنظيم قطاع الأسواق البلدية ومراجعة الرخص وأماكن الانتصاب وتهيئة البنية التحتية”.

وقد أكدت لبنى رجيبة على أن وصول النساء إلى مراكز صنع القرار استحقاق وليس منّة وهو حصن للحقوق وتحقيق للعدالة الاجتماعية والاقتصادية باعتبار مهاراتها المكتسبة ولابد للمرأة أن تكابد وتجاهد لتتمكن من موقع متقدم وتتحدى العقلية الذكورية التي تصدّ المرأة عن الفعل وتشدها إلى الوراء وتكبحها عن التقدم”.

 

 

مؤشرات تبعث على القلق

قصص متنوعة ترويها نساء في مختلف المواقع المتقدمة تكشف عن حجم التحدي الذي يعتري النساء من أجل تكريس مبدأ المساواة في الحقوق مع الرجل ومساهمتهن في تحقيق الرقي المجتمعي المنشود ودور الدولة في مناصرة هذا التمشي أو التخاذل عنه والتخلي عن واجباتها تجاهه في ظل أنظمة سياسية غير مستقرة.

وقد تكشف لنا عديد المؤشرات عن وضعية المرأة في الوصول إلى مراكز صنع القرار أهمها ولوج النساء إلى الشغل وتطور معدل نشاط المرأة بالمقارنة بالرجل ونسبة زيادة النساء في المناصب العليا ومدى تعزيز ريادة الأعمال النسائية وتمكينهن من المساواة مع الرجل تنظيميا واقتصاديا ومراعاة أهداف التكافؤ في للتشغيل والتوظيف والتسميات والتعيينات.

وهنا نشير إلى أن “النساء فازت بنسبة 31% من المقاعد في البرلمان سنة 2014 وبحلول نهاية 2019 كن يحتللن ما يقارب 36% من المقاعد مما يجعل تونس في المرتبة ثلاثين من أصل 193 دولة حسب نسبة تمثيلية المرأة كما نجحت النساء في تعديل القانون الانتخابي على مستوى البلديات سنة 2017 ليشمل التناصف الأفقي و كان نتيجة ذلك أن 47% من المستشارين البلديين من النساء” وفق دراسة نشرها مركز كارتر.

ويضيف التقرير أن” المرأة ذات تمثيلية ناقصة في المناصب القيادية على جميع المستويات داخل الحكومة وداخل الهياكل السياسية فلم تترشح سوى 3 نساء لمنصب الرئيس من بين 53 مترشحا منذ سنة 2014 وبيانات الاستطلاع تفيد أن 74% من النساء المستطلعات صرحن بأن الخوف من العنف يمنعهن من الترشح للمناصب “.

وفي تصريح صحفي لمحللة السياسات العامة في جمعية “أصوات نساء” سارة مديني، لموقع العربي الجديد، تقول أنّ “حضور المرأة في ديوان رئيس الجمهورية لم يتجاوز 21%، وهي نسبة ضعيفة. وفي ما يتعلق ببقيّة التسميات في الوظائف التي تدخل في صلاحيات رئاسة الجمهورية بمقتضى الدستور وحتى تاريخ 25 يوليو، فلم تمثّل نسبة التعيينات النسائية إلا 32.08%، كذلك لم يُحترَم مبدأ التناصف الذي بقي قائماً في الوظائف الإدارية بخلاف الوظائف السياسية. ففي السلك الدبلوماسي، لا تمثّل نسبة السفيرات اللواتي اختارهنّ رئيس الجمهورية إلا 10% من السلك الدبلوماسي، فيما لا توجد أيّ مبادرة قانونية لسعيّد بخصوص المرأة”.

و لعل من أوكد آليات دعم النساء في مواقع صنع القرار عدم التسامح مع العنف ضد النساء و مأسسة حقوق الانسان و تعزيز دور المرأة في كافة المجالات و إدماج بعد النوع الاجتماعي في تدبير كفاءات موظفي الدولة و موظفاتها و الدعم المؤسساتي لصالح مختلف الفاعلين و تخصيص ميزانية النوع الاجتماعي من أجل تحسين مراعاة المساواة بين النساء و الرجال و الادراج الشامل و الفعلي للانصاف.

في جانب آخر ووفقا للتقرير السنوي للبنك الدولي حول “المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2022” الصادر بداية مارس الفارط فإن مؤشر تونس في مجال المساواة في الحقوق الاقتصادية والقانونية جد ضعيف ولا يتجاوز 64.4 نقطة من أصل حد أقصى يساوي 100 نقطة مما يجعلها في المرتبة 14 في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في محور حقوق الشغل بواقع 75 نقطة في حين يناهز رصيد المرأة التونسية 25 من 100 في مجال المساواة في الأجر وهي مرتبة متدنية للغاية حتى على الصعيد الدولي.

وشهد ارتفاع نسبة البطالة من بين حاملي الشهائد العليا بحوالي 1.5 نقطة إذ ارتفعت نسبة البطالة من بين حاملي الشهائد العليا لتصل إلى 24.3 % خلال الثلاثي الثالث من سنة 2022، مقابل 22.8 % خلال الثلاثي الثاني من نفس السنة. وتقدر هذه النسبة لدى الذكور خلال الثلاثي الثالث من سنة 2022  بـ 15.2 % بينما بلغت 32.0 % لدى الإناث وفق ما نشره المعهد الوطني للإحصاء.

و من خلال هذه المؤشرات نستقرئ الأزمة المتفاقمة في سوق التشغيل التونسية و مدى انعكاس ذلك على وضعية المرأة العاملة باعتبار أن نسبة تدفق النساء في سوق الشغل يحدد مدى الاندماج الاقتصادي و الاجتماعي للمرأة و مدى التمكين من الشغل و التوظيف و بالتالي تحقيق التوازن المنشود، غير أن ارتفاع نسبة البطالة من بين حاملات الشهائد العليا و بلوغها نسبة 32.0 % خلال الثلاثي الثاني من سنة 2022 مؤشر يبعث على القلق ويكشف عن أزمة حقيقية تمس مستقبل تواجد المرأة في مواقع متقدمة.

 

المرأة التونسية والمشاركة في الشأن السياسي: بين فائض القوانين وعجز التفعيل

 

رحمة بن سليمان الباحثة في علم الاجتماع اعتبرت في لقاء لها مع بلادي نيوز أن “تجذر الثقافة الديمقراطية   يُقاس في مجتمع ما، بحجم مشاركة قطاع واسع من المواطنين في الشأن العام، وبقدرة التشريعات والمنظومات القانونية، والثقافة المُجتمعية، على تمكين كل الفئات الاجتماعية من النفاذ إلى الممارسة السياسية في إطار من المساواة والعدالة “.

 

 

كما تقول بن سليمان أن “عوامل التنشئة الاجتماعية لازالت ترفض –في جانب ما – مشاركة المرأة في الشأن السياسي، وتُعيد إنتاج نفس القيم والعادات التي تقوم على تراتبية جندريّة”.

وأضافت رحمة بن سليمان “صراعات التموقع وكسب نقاط التمركز السياسي تنسف كل إمكانيات الانفتاح على عناصر جديدة، أو تضع النصوص التشريعية وخاصة منها، تلك التي تسمح للمرأة بكسب عائدات المشاركة. حيث تنغلق النخب أو ما أسماهم “بيير بورديو Pierre Bourdieu” الأسماء المُكرّسة، تلك التي لا تسمح للفاعلين من خارج دائرتهم الضيقة، بالتمكُّن من مفاصل إدارة العملية السياسية، أو المشاركة في أدنى الحالات.”

وتقول بن سليمان:”رغم تسجيل بعض من الإجراءات العملية التي تخص افراد المرأة التونسية بإدارة الشأن السياسي، من خلال تعيين البعض منهن في مناصب وزارية، وتعيين امرأة على رأس الحكومة، الا أن ذلك لم يتجاوز حدود التطبيق الحرفي للنص القانوني دون روح القانون، الذي يتطلب توازي القاعدة التشريعية مع إرادة سياسية وثقافية لجعل مسألة مشاركة المرأة، أمرا قطعي التطبيق، وثابت من حيث الإرادة. غير أن واقع الحال، لا زال يُبينّ إعادة إنتاج نفس مسارات التنشئة الاجتماعية التي لا زالت قاصرة على قبول المرأة في موقع القرار السياسي.”

يشار أنّ مشاركة المرأة في الحكومات المتعاقبة تميّزت بالضعف فقد ضمت حكومة إلياس الفخفاخ 6 نساء فقط مقابل 24 رجلا وتمّ تعيين 8 نساء في حكومة هشام المشيشي مقابل 28 رجلا لينخفض عدد النساء إثر التحوير إلى أربعة. أما الحكومة الحالية فكان نصيب النساء فيها بعشر حقائب من بينها منصب رئاسة الحكومة مقابل 16 منصبا للرجال.

ومن أجل ضمان مشاركة فاعلة للمرأة تقول رحمة بن سليمان “علينا أن نبدأ بكسر حلقة إعادة انتاج التمييز الثقافي والجندري والاجتماعي، ولا يكون ذلك، إلا بتغيير تمثّلات المجتمع ككل بما فيه المرأة للفكرة التي تبلورت حول المرأة وأدوارها السياسية.”

و رغم ما لمسنا من خلال الشهادات المذكورة لنساء في موقع القرار و رأي أكاديمي في علم الاجتماع من رغبة في تحقيق المساواة و العدالة من أجل مشاركة المرأة في صنع القرار وتموقعها في الصفوف القيادية الأمامية فإن انتكاسة القانون الانتخابي لسنة 2022 الذي لا يحترم مبدأ التناصف في الانتخابات التشريعية القادمة أصبغ مسحة من القتامة حول مستقبل ارتقاء المرأة و مدى فاعليتها السياسية و الاقتصادية في إرساء العدالة المنشودة.

هذا العمل بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان ضمن مشروع “عالم كندا: صوت النساء والفتيات”

تعليقات

عن Houda Karmani

شاهد أيضاً

سامي الطاهري: “جولة جديدة من المفاوضات الاجتماعية ستنطلق قريبا حول أجور العمال في القطاع الخاص”

أكد الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري، اليوم الخميس، تمسك اتحاد الشغل …