فاطمة البدري
مع دخول الجزائرفي مرحلة سياسية جديدة قديمة بعد أن حسم بوتفليقة أمره وترشح لولاية رابعة، دخل الاعلام والفضائيات في سجال الجزائريين. أقول قديمة جديدة لأن المعطيات التي تتداولها وسائل الإعلام داخليا وخارجيا ترجح بشدة فوز بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية منذ الآن.
وقد لا نستغرب هذه الأمور لأنها سمة كل الأنظمة العربية التي لم تستوعب بعد مبدأ التعددية والتداول على السلطة. المشهد الجزائري بمختلف تناقضاته هذه الفترة كان مجسدا في مشهد مصغر على قناة ‘فرانس 24 ‘ في برنامج ‘نقاش’، الذي يقدمه الاعلامي توفيق مجيد، حيث كان السجال الدائر بين عضو المكتب التنفيذي لجبهة التحرير الصادق بو قطاية، والصحافي المقيم بفرنسا هشام عبود، وعضو المجلس التنفيذي لحركة مجتمع ‘حمس′ عبد الوهاب يعقوبي عبارة عن اختزال للمشهد الجزائري في هذه الفترة.
بو قطاية كان يمثل الجبهة الداعمة لترشح عبد العزيز بوتفليقة للولاية الرابعة ودافع بشدة عن أحقيته في ذلك، وقد علل ذلك بأنه تم جمع أربع ملايين استمارة من 48 ولاية لصالح بوتفليقة، وأن أغلب الجزائريين يساندون مبدأ العهدة الرابعة.وفي الحقيقة هذا السيناريو هو عادة الحكام العرب، الذين يتقنون مبدأ صناعة الأرقام الخيالية التي تجعلك تتوهم أنهم إنما ظلوا على سدة الحكم بتفويض شعبي، وأن وصولهم إلى ذلك المنصب تم بمنتهى الشفافية والديمقراطية. والحال أنه بمجرد إلقاء نظرة متفحصة على الواقع ستدرك العكس كذلك الشأن مع بو قطاية، حيث أعلنت العديد من الأحزاب والشخصيات الجزائرية مقاطعتها الانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر بسبب عدم نزاهة الحملة الانتخابية، ودعت الشعب للانخراط في المقاطعة.وبدا دفاعه المستميت وصراخه أشبه بأولئك الذين اعتدنا رؤيتهم في الحملات الانتخابية العربية المزيفة. فبوتفليقة الذي أحبه الجزائريون، بسبب نجاحه في ضبط الأمن في البلاد منذ توليه السلطة، مقارنة بما كان عليه الوضع في الحقبة التي يصح تسميتها بحقبة الموت على أرض المليون شهيد. ولكن هذا لن يكون مبررا ليختصر النظام في الجزائر على شخص بوتفليقة.
بين بوتفليقة وبورقيبة
إمارته، وأبى إلا أن يبقى رئيسا للجمهورية حتى آخر حياته. وهو ما جعل شخصا مثل بن علي ينقلب عليه ويجبره على ترك السلطة بالغصب ويكسر كبرياءه.هذه الحلقة من النقاش وهذه الصورة لبوتفليقة أعادتني لشخصية بورقيبة، الرئيس الأول لتونس بعد الاستقلال، الذي قدم لتونس الكثير من الانجازات. وأسس مختلف مؤسسات الدولة وأرسى نمطا حياتيا وثقافيا حداثيا في تونسيدين له به كل التونسيين، ولكن رغم تقدمه في السن وعجزه عن الاستمرار في تسيير شؤون الدولة إلا انه ظل يعتبر أن تونس وهو ما يجعل السؤال مطروحا، ماذا سيكون مصير بوتفليقة بعد حيازته للولاية الرابعة التي باتت أمرا أكيدا؟على الضفة الثانية من النقاش بدا هشام عبود وعبد الوهاب يعقوبي، وقد علت أصواتهم غيضا مما آلت إليه الأوضاع في الجزائر. كان الحوار عربيا بامتياز، حيث الصراخ والشتائم المتبادلة بين الطرفين على غرار الانتهازي والمهرج وغيرها.وطبعا تعودنا رؤية هذه المشاهد في المنابر التلفزيونية التي تستضيف شخصيات عربية تختلف في وجهات النظر. وقد كشف الصحافي هشام عبود أن التزوير هو سمة الانتخابات في الجزائر هذه المرة، كاشفا عن أن رئيس لجنة الانتخابات هو نفسه الوزير الأول في حكومة بوتفليقة مما يعني أن أمور الانتخابات باتت أمرا محسوما.زد على ذلك عدم تقديم الرئيس الجزائري لشهادة طبية، رغم أنه لم يكن في قواه العقلية والجسدية، ودمية بين الأيادي على حد تعبيره. فيما اتهم عبد الوهاب يعقوبي حكومة بوتفليقة بالفساد والسرقة.وكما قلت منذ البداية أن كواليس برنامج ‘نقاش’ أواسط الأسبوع الماضي كان ترجمانا للغليان على الساحة في الجزائر، التي تراوحت بين داعم لمواصلة بوتفليقة على رأس الحكم وأطراف أخرى سئمت الوضع وتتحدث عن كواليس التزوير والفساد في بلاد المليون شهيد. ويبقى السؤال القائم ماذا سيكون ثقل هذه الأطراف التي تصرخ هنا وهناك معبرة عن رفضها للولاية الرابعة؟
القدس العربي