شكّلت الانتهاكات الإسرائيلية المتتالية بحق المسجد الأقصى على مدار العقود الماضية، محرّكا أساسيا لثورات وانتفاضات شعبية عمّت مختلف أرجاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، كواقع ترجمته عبارة “القدس والأقصى مفتاح السلم والأمن بالمنطقة”.
فمن ثورة البراق عام 1929 إلى هبة النفق 1996، مرورا بانتفاضة الأقصى عام 2000، ووصولا إلى انتفاضة القدس أواخر عام 2015، وما إن اندلعت شرارة الأحداث في كل منها كرد فعل على عدوان إسرائيلي مسّ المسجد الأقصى، حتى جابت سريعا المدن والبلدات الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة والداخل المحتل.
وأكّد الفلسطينيون في كل مرة من خلال ثوراتهم المتعاقبة على الرفض الشعبي لأي وصاية أو سيادة غير إسلامية على المسجد الأقصى.
ثورة البراق 1929
هي أول ثورة تشتعل في فلسطين ضد الانتداب البريطاني، واندلعت عقب تنظيم حركة “بيتار” الصهيونية لمظاهرة ضخمة يوم 15 أوت 1929، في شوارع القدس إحياء لما قالت إنها “ذكرى تدمير هيكل سليمان”.
واحتجاجا على ذلك، خرج المقدسيون في مظاهرة حاشدة صبيحة اليوم التالي؛ فوقعت اشتباكات مع قوات الشرطة البريطانية التي حاولت التصدّي لهم، وما أن وصلت أنباء أحداث القدس إلى نابلس والخليل والمدن الأخرى، حتى انطلقت الجماهير الفلسطينية في مظاهرات مماثلة تخلّلها تنفيذ هجمات على أهداف استيطانية.
وأدى تصاعد المواجهات التي اندلعت بداية قرب حائط البراق في المسجد الأقصى، ومن ثم عمّت أرجاء الأراضي الفلسطينية، إلى استشهاد 116 مواطنا عربيا وإصابة 232 آخرين، بينما قُتل من اليهود 133 وجُرح 239.
إحراق المسجد الأقصى 1969
اقتحم متطرف أسترالي الجنسية يدعى “دينس مايكل روهان” المسجد الأقصى صبيحة يوم 21 أوت 1969، وأشعل النار في المصلى القبلي، وهو ما أدّى إلى اشتعال الأوضاع الميدانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة احتجاجا على ما جرى.
وأثارت الواقعة استهجانا دوليا واسعا تُرجم بإصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لإدانة “إسرائيل” ودعوتها إلى إلغاء جميع التدابير التي من شأنها تغيير وضع القدس.
وأنشأت الدول العربية والإسلامية على إثر الحادثة في 25 سبتمبر 1969، “منظمة المؤتمر الإسلامي”؛ التي ضمت في حينها 30 دولة عربية وإسلامية، وأنشأت صندوق القدس عام 1976.
حجر أساس “الهيكل”
في ظهيرة يوم 10 أكتوبر 1990، حاول مستوطنون يهود من “جماعة أمناء جبل الهيكل” وضع حجر الأساس لـ “الهيكل الثالث” في ساحة المسجد الأقصى، ما أدى لاندلاع مواجهات أسفرت عن استشهاد 21 فلسطينيًا وإصابة 150 بجروح مختلفة واعتقال 270 شخصًا.
هبة النفق 1996
انطلقت في الـ 25 من سبتمبر 1996، على إثر فتح سلطات الاحتلال لباب النفق الغربي أسفل المسجد الأقصى، وذلك في فترة حكم بنيامين نتنياهو الذي كلّف رئيس بلدية الاحتلال آنذاك إيهود أولمرت بافتتاحه.
ودارت مواجهات مع الفلسطينيين في مختلف أنحاء فلسطين المحتلة على مدار ثلاثة أيام، ما أدى لاستشهاد 63 مواطنًا وإصابة 1600.
انتفاضة الأقصى 2000
بعد 4 سنوات من اندلاع هبة النفق، انطلقت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية (بتاريخ 28 سبتمبر)، عقب اقتحام زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك “أريئيل شارون” لباحات المسجد الأقصى، تحت حماية نحو ألفين من الجنود والقوات الخاصة، ما أدى لمقتل 7 فلسطينيين وإصابة 250 برصاص الاحتلال خلال ساعة الاقتحام.
وارتقى خلال الانتفاضة التي امتدت لـ 5 سنوات 4 آلاف و412 شهيدًا فلسطينيًا، إضافة إلى 48 ألفًا و322 جريحًا، بينما قُتل 1100 إسرائيلي، بينهم 300 جندي، وجرح نحو 4500 آخرين.
وتميزت الانتفاضة الثانية، مقارنة بالأولى التي اندلعت عام 1987، بكثرة المواجهات، وتصاعد وتيرة الأعمال العسكرية بين الفصائل الفلسطينية وجيش الاحتلال، حيث نفذت الفصائل الفلسطينية هجمات داخل المدن الفلسطينية المحتلة عام 48، استهدفت تفجير مطاعم وحافلات، تسببت بمقتل مئات الإسرائيليين.
انتفاضة القدس 2015
شكّلت إجراءات الاحتلال وإصرار المستوطنين اليهود على اقتحام باحات الأقصى ومحاولة فرض تقسيم زماني ومكاني للمسجد، والاعتداء على المقدسيات، أسبابًا رئيسية لاندلاع “انتفاضة القدس”؛ أوائل أكتوبر 2015.
وتميزت انتفاضة القدس، بطابع العمل الفردي، عبر عمليات طعن ودهس لجنود إسرائيليين ومستوطنين بالضفة الغربية والداخل المحتل والقدس.
حالة التحدي ما بين الفلسطينيين والاحتلال الذي يواصل مساعيه لتغيير الامر الواقع في مدينة القدس والمسجد الاقصى بإقدامه قبل أيام على نصب بوابات إلكترونية على مداخل المسجد، والتي يصر المقدسيون على إزالتها ويرفضون الوصول للأقصى والصلاة فيه عبرها ويؤدون الصلاة على مداخل المسجد، ربما ستكون كفيلة بإطلاق شرارة مواجهة جديدة مع الاحتلال.
وكالات