قال الفيلسوف والمفكر نعّوم تشومسكي في مقالة تحليليّة حول الوضع الراهن في المنطقة، إنّ خيار الدولة الواحدة ليس سوى وهم وسراب. ولا يحظى هذا الخَيار بأيّ دعم دوليّ، وما من سبب يدعو إسرائيل وراعيتها الأمريكيّة لقبوله، فهما تحملان في جعبتهما حلاًّ أفضل بكثير وهو ما يطلق عليه الكاتب اسم الخيار الثالث الذي يتحقق أمام ناظرينا، وسيفضي في النهاية إلى دولة إسرائيليّة كبرى ذات أغلبيّة يهوديّة ساحقة.
وقد خصّ الفيلسوف والمفكر البارز نعوم تشومسكي، كتاب الأبحاث السنوي لمركز دراسات “كتاب دراسات” بمقالة تحليلية تتناول الوضع الراهن في الشرق الأوسط، وتستشرف عددا من السيناريوهات المحتملة لتطور القضية الفلسطينية والملف الإيراني. وستُنشر المقالة كاملة حصريا في الكتاب السنويّ الذي يصدره المركز حول المجتمع الفلسطيني في إسرائيل ويصدر في بداية الشهر المقبل.
يتحدث تشومسكي في مقالته عن أن هناك فرضيّة شبه عالميّة بوجود خيارين بالنسبة للمنطقة التي تقع غربيّ نهر الأردن: الأول، قيام دولتين، واحدة فلسطينيّة والأخرى يهوديّة-ديمقراطيّة، أو دولة واحدة من البحر إلى النهر، وأنّ الكثير من الفلسطينيّين ومناصريهم يؤيّدون حلّ الدولة الواحدة، ويعولون على نضال مدني ضد الأبرتهايد (على غرار النضال الذي شنّه السود الأفارقة ضد نظام الفصل في جنوب أفريقيا)، والذي سيُفضي إلى بناء نظام ديمقراطيّ عَلمانيَ على كامل التراب.
من ناحيتهم، يتخوف بعض الإسرائيليين من (المشكلة الديموغرافيّة)، ومن أنّ أعداد الفلسطينيّين في الدولة اليهوديّة تفوق الحدّ المقبول، وعليه ينادون بنوع من التسوية التي تتضمّن حلّ الدولتين، ويحذر يوفال ديسكين رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك الإسرائيليّ السابق) من أنّ عدم تبنى هذا النوع من الحل سيفرض تهديدًا وجوديًّا يتمثّل في محو هُويّة إسرائيل كدولة يهوديّة وديمقراطيّة.
وسيفضي “الخيار الثالث” في النهاية إلى دولة إسرائيليّة كبرى ذات أغلبيّة يهوديّة ساحقة، لافتًا إلى أنّه لن تكون هنالك مشكلة ديموغرافيّة، ولا حقوق مواطن، ولا نضال ضدّ الأبارتهايد، ولن يكون هناك أكثر ممّا هو قائم الآن داخل الحدود الإسرائيليّة المعترَف بها، حيث تُرنَّم تعويذة يهوديّة وديمقراطيّة على نحوٍ منتظم لصالح مَن يختارون –متغافلين– تصديق التناقض المتأصّل، الذي هو أبعد بكثير من أن يكون مجرّد مسألة رمزيّة.
وأضاف قائلاً: تعمل إسرائيل على تحقيق هذا الخيار منذ سنين طويلة من خلال إجراءات عدة: تمثلت الخطوة الأولى في بناء مدينة القدس الجديدة على نطاق يفوق بكثير حدود القدس التاريخيّة، وضمّ العشرات من القرى الفلسطينيّة والأراضي المحيطة بها، وتحويلها إلى مدينة يهوديّة، وإلى عاصمة دولة إسرائيل، وربطها بمدينة (معاليه أدوميم) التي بدأ بناؤها الفعليّ بعد اتّفاقات أوسلو في العام 1993، وضَمّت أراضيَ تصل افتراضيًّا حتّى أريحا، وتقوم ببتر وتقطيع أوصال الضفّة الغربيّة. الممرّات الشماليّة التي تربط القدس بمدينتَيِ المستوطِنين أريئيل وكدوميم تقوم بمزيد من تقطيع الأوصال للمساحات التي تبقّت تحت درجة معيّنة من السيطرة الفلسطينيّة.
وفي سبيل استكمال فصل القدس الكبرى عن سائر الكانتونات الفلسطينيّة، تحاول إسرائيل الاستيلاء على المنطقة E1، وتربط بين القدس ومستوطنة معاليه أدوميم، على حدّ قوله.
الخطوة الثانية بحسب تشومسكي تتمثل في قضم الأراضي التي تقع على الجانب الإسرائيليّ من جدار العزل غير الشرعيّ، وتعادل مساحتها ما يقارب 10 بالمائة من مجْمل أراضي الضفّة الغربيّة. وتتمثل الخطوة الثالثة بالاستيلاء على غور الأردنّ، وتطويق وحبس ما تبقّى من الكانوتنات الفلسطينية، وعمليّات إبعاد على نحوٍ ثابت واعتياديّ للفلسطينيين، حيث تراجع عدد السكّان الفلسطينيّين في غور الأردن وحده من 300,000 نسمة في العام 1967 إلى 60,000 في يومنا هذا.
ويشير الكاتب إلى أنّ إسرائيل ماضية في إقامة شبكة ضخمة من الطرق الالتفافيّة للمستوطنين بالمراكز المدينيّة الإسرائيليّة مما يمكنهم من التنقّل بدون رؤية أيّ فلسطينيّ. في الوقت ذاته وَتبعًا للموديل النيو- كولونياليّ التقليديّ، فقد أُبْقِيَ مركز عصريّ للنخب الفلسطينيّة في رام الله، بينما تعيش البقيّة – غالبًا – في حالة من الضعف والهوان.
أمّا بالنسبة للمفاوضات، فيعتقد الكاتب أنها ستبقى تراوح في المكان، حيث تفرض إسرائيل وراعيتها أمريكا شرطا مسبقا أساسيا يتمثل في تواصل عملية الاستيطان. بالإضافة إلى ذلك، يتطرق تشومسكي في مقالته كذلك إلى الدور الأمريكي غير الحيادي الذي يغضّ الطرف عن الممارسات الاستيطانية.
أمّا بالنسبة لأوروبا فيعتقد أنها تستطيع القيام بدَوْر في تعزيز الآمال بتسوية دبلوماسيّة سلميّة لو توافرت لديها إرادة في اتّباع مسار مستقلّ، وأنّ القرار الأوربي الأخيـر بإقصاء المستوطنات اليهوديّة في الضفّة الغربيّة من الصفقات التجاريّة مع إسرائيل يشكّل خطوة في هذا الاتّجاه.
ويخلص الفيلسوف والمفكر نعّوم تشومسكي إلى صورة قاتمة حول المستقبل المنظور بالنسبة لآفاق حل القضية الفلسطينية ويدعي أن الصورة من النهر إلى البحر ستتطابق مع الخيار الثالث، أنّ حقوق الفلسطينيّين وطموحاتهم ستوضع على الرفّ، مؤقّتًا على الأقلّ.
في النهاية يتناول تشومسكي الملف الإيرانيّ النوويّ ويربط بين الصراع الإسرائيليّ ـ الفلسطينيّ والخطر الإيرانيّ المزعوم ويقول إنّه ما دامت الولايات المتّحدة الأمريكيّة وإسرائيل مصمّمتين على موقفهما الرافض لحلّ الدولتين، لن تنجز أيّ ترتيبات لتحقيق الأمن الإقليميّ، وبالتالي لن تُتَّخَذ أيّ إجراءات في هذا السياق، على حدّ قوله.
القدس العربي