جمعيات نسوية/ القانون عدد 58 لسنة 2017: الدولة تحتفي به في المنابر والمناسبات وتتخاذل عن تطبيقه على أرض الواقع

هدى القرماني

بين نهاية شهر أكتوبر وبداية شهر ديسمبر الحالي 5 نساء قتلن نتيجة تعرضهن للعنف إما من قبل الزوج أو الابن في مناطق مختلفة من الجمهورية، ظاهرة كانت كفيلة لتدق ناقوس الخطر لدى جمعيات نسوية وتعلن هذه الأخيرة صيحة فزع محمّلة الحكومة وعلى رأسها وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن مسؤولية استشراء العنف وتطوره من التمييز الجنسي إلى مرحلة قتل النساء.

وعلى خلاف العادة قررت الديناميكية النسوية والتي تضم عدّة منظمات وجمعيات تعنى بقضايا المرأة مقاطعة أنشطة الحملة الوطنية الرسمية السنوية “16 يوما من النشاط لمناهضة العنف ضد المرأة” والتي اختارت لها الوزارة هذه السنة شعار “لنتحرّك معا” من 25 نوفمبر (اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة) إلى 10 ديسمبر الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان.

وتنخرط مختلف الدول المنضوية تحت لواء الأمم المتحدة في إحياء مثل هذه الحملة والتي يقودها الأمين العام للأمم المتحدة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة منذ عام 2008.

وتهدف الحملة العالمية لهذا العام والتي اتخذت شعار“اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة ” إلى حشد كافة أطياف المجتمعات في كل أقطار الأرض وتنشيطها في مجال منع العنف ضد المرأة، والتضامن مع ناشطات حقوق المرأة ودعم الحركات النسوية في كافة بقاع الأرض لمقاومة التراجع عن حقوق المرأة والدعوة إلى عالم خالٍ من العنف ضد المرأة والفتاة وفقا لما أعلنته الأمم المتحدة.

ويُعد العنف ضد المرأة والفتاة وفقا للأمم المتحدة واحدا من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا واستمرارا وتدميرا في عالمنا اليوم، ولم يزل مجهولا إلى حد كبير بسبب ما يحيط به من ظواهر الإفلات من العقاب والصمت والوصم بالعار.

 

مقاطعة جمعيات نسوية لأنشطة الحملة الوطنية لوزارة المرأة

“الذكورية تقتل فينا وصمت الدولة زاد علينا” “القانون في القجر والنساء في القبر” “صمتكم سلاح للقتل” شعارات رفعتها جمعيات نسوية ضدّ سياسة الدولة في تعاملها مع إنفاذ القانون عدد 58 لسنة 2017 المناهض للعنف ضد المرأة والمؤرخ في 11 أوت 2017.

وجاءت مقاطعة الديناميكية النسوية لأنشطة الحملة الوطنية لوزارة المرأة والاكتفاء بأنشطتها الخاصة لهذه المناسبة احتجاجا على ما أسمته في بيانها بـ “تقاعس الدولة وصمتها المريب وغير المبرر وضعف التحرّك من أجل حماية النساء ضحايا العنف مع شبه تام للمؤشرات والاحصائيات الرسمية المتعلقة بجرائم قتل النساء”.

وأضافت الديناميكية “خمس سنوات مضت على المصادقة على القانون عدد 58 لسنة 2017 المناهض للعنف ضد المرأة والدولة تحتفي به في المنابر والمناسبات وتتخاذل عن تطبيقه على أرض الواقع لمكافحة جريمة العنف المبني على النوع الاجتماعي التي بسببها تقتل النساء وتنسى”.

وتابعت أن أربع سنوات مضت على دخول هذا القانون حيز النفاذ وما زالت النساء يقتلن بسبب عدم اكتراث الوحدات المختصة بالمخاطر التي تهدد حياة الضحايا وسلامتهن وتقاعسهم على اتخاذ وسائل الحماية المنصوص عليها بالقانون ورفض القضاة، في غالب الأحيان، الاستجابة إلى مطالب الحماية التي تتقدم بها النساء والتي يضمنها القانون ويفرضها واجب الحماية المحمول على الدولة.

وتوجهت الديناميكية النسوية لجميع هياكل الدولة المعنية بـ 16 مطلب من أجل تفعيل القانون عدد 58 لسنة 2017 وحماية النساء من العنف.

 

 

وزارة المرأة تستعرض الآليات المستحدثة للوقاية من العنف المسلط على النساء

 

وفي حين تعتبر عديد الجمعيات النسوية أّنّ هناك غيابا للإرادة السياسية للدولة في القضاء على العنف ضد المرأة وغيابا للرؤية والإجراءات لمرافقة النساء المعنفات، سعت وزارة المرأة خلال الحملة الوطنية الـ 16 يوما من النشاط، إلى جانب أنشطتها التوعوية والتحسيسية على المستويين المركزي والجهوي، إلى التعريف بالآليّات المستحدثة التي وفرتها فيما يتعلق بالوقاية ضدّ العنف المسلط على النساء ودعم المكاسب التشريعية.

 وقد أعلنت الوزارة إلحاق الهيئات التنسيقية الجهوية لمقاومة العنف ضد المرأة المحدثة في 2020 بالمرصد الوطني لمقاومة العنف ضد المرأة حتى تكون آلية عمل على المستوى الجهوي تمكنه من استقراء وبيان الوضع على أرض الواقع.

وقد أشارت وزيرة المرأة، آمال بالحاج موسى، إلى أنّ هذا المرصد والذي تأسس في فيفري 2020 لم يضطلع إلى حد الآن بالمهام المنوطة بعهدته والواردة في الآمر الحكومي عدد 126 لسنة 2020 المتعلق بإحداث مرصد وطني لمناهضة العنف ضد المرأة لافتة إلى أن الظروف والموارد الراهنة للمرصد قد تحسنت وتسمح بحدوث نقلة وظيفية له.

 كما تمّ افتتاح 03 مراكز جديدة لإيواء النّساء ضحايا العنف وأطفالهنّ في بن عروس والقصرين وسيدي بوزيد ليُصبح العدد الجملي لهذه المراكز 10 حاليا، كما صرحت وزيرة المرأة مؤكّدة مواصلة الجهود لإحداث 14 مركزا جديدا خلال السنتين القادمتين لتغطية كل الجهات قبل موفى 2024.

هذا وانطلق الرقم الأخضر 1899 للإصغاء وتوجيه النساء ضحايا العنف بداية من يوم 25 نوفمبر الفارط في العمل على مدار ساعات اليوم دون انقطاع 24 على 24 ساعة كامل أيّام الأسبوع.

وتمّ إدراج خط تمويل خاص بالفئات الهشة سيّما منهن النساء ضحايا العنف وذلك في إطار البرنامج الوطني الجديد لريادة الأعمال النسائية والاستثمار المراعي للنوع الاجتماعي “رائدات” الذي تمّ إحداثه من أجل التمكين الاقتصادي للمرأة.

وأكدت الوزيرة بأنّ خيار الوزارة هو مأسسة آليات الوقاية من العنف المسلّط على النساء وتصويب الاستراتيجيّات وتوجيه التدخلات بناء على القراءات البحثية والأكاديمية وطنيا ودوليا.

وأفادت الوزيرة أنه تمّ منذ 14 مارس المنقضي إمضاء منشور مشترك بين وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن ووزارة الصحة حول الشهادة الطبيّة الأوّليّة المجانية لفائدة النساء ضحايا العنف وتيسير إجراءات استخلاص معاليم الفحوصات الطبية والإقامة لفائدتهن وتمكينهن من الحصول على الشهادة الطبيّة الأوّليّة المعتمدة في إثبات حالات الاعتداء مجانا وفي أجل لا يتجاوز 48 ساعة ومهما كان القائم بالعنف.

وفي جانب آخر أعلنت الوزارة أنها تعمل من خلال مؤسساتها تحت الإشراف على تأمين التكوين اللازم لكافة الفاعلين في مسار التعهد وذلك لضمان تحسين تطبيق القانون 58 لسنة 2017.

 

أرقام حول العنف المسلط على النساء في تونس

استنادا إلى التقارير السنوية حول تطبيق القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 يشهد منسوب العنف ضد المرأة ارتفاعا ملحوظا.

ووفق الاحصائيات المسجلة التي أصدرتها وزارة المرأة حول العنف ضد المرأة والطفل فقد تلقى الرقم الأخضر 1899 في الفترة الممتدة بين جانفي- أكتوبر 2022 ، 5343 اتّصالا تضمن 769 إشعارا حول العنف الزوجي.

كما قام الخط الأخضر 1899 بتوفير الإصغاء لفائدة 749 طلبا والإرشاد القانوني لفائدة 737 طلبا والإحاطة النفسية لفائدة 60 متّصلة، وتمّ توفير الإقامة لـ 16 حالة والحماية لفائدة 15 حالة، كما استفادت حالتان من الإحاطة الاجتماعية وحالتان من الإرشاد الطّبي.

 

 

وحسب أرقام للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات قدمتها عضو الهيئة المديرة جليلة زنايدي في تصريحات إعلامية أنه خلال هذه السنة وإلى حدود 31 أكتوبر الفارط تمّ رصد 838 حالة عنف مسلط على النساء مع تسجيل ارتفاع في نسب العنف الزوجي ضد المرأة إلى 74 بالمائة مقارنة بالسنة الفارطة والتي لم يتجاوز فيها 67 في المائة مشيرة إلى أنه أصبح يحتل المرتبة الأولى من ضمن أنواع العنف المسلط على النساء.

 

القانون عدد 58 لسنة 2017 قانون شامل يشهد عمليات شدّ وجذب

حملة الـ 16 يوما أنشطة مناهضة للعنف ضد المرأة كانت فرصة أيضا لتقييم تجربة أربع سنوات على دخول القانون عدد 58 حيز النفاذ ومدى تفعيل هذا القانون على أرض الواقع.

وتعتبر الناشطة الحقوقية والعضو بالجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، فتحية حيزم، أن القانون عدد 58 لسنة 2017 قانون شامل يتعرّض إلى مسألة الوقاية من العنف، وحماية النساء ضحايا العنف والتعهد بهن، إضافة إلى أنه يصف الجريمة ويحدد العقوبة المناسبة لها.

وأضافت أن هذه المقاربة الشاملة التي تتبنى الحقوق في كونيتها وترابطها وعدم تجزئتها، تتبنى أيضا في الفصل الثالث من القانون المفاهيم مثلما وردت في النصوص والاتفاقيات الدولية، وهو سبق قانوني نحسد عليه على حدّ قولها.

ومع كلّ ما يحمله هذا القانون من إيجابيات متعددة تعتقد الناشطة الحقوقية أنّ الدولة التونسية وعلى مدى خمس سنوات، لم تفعل شيئا لحسن إنفاذه معتبرة أنّ كافة أقسام القانون تتطلب ميزانية هامة لتفعيلها.

كما انتقدت الناشطة الحقوقية النقص في عمليات التحسيس والتكوين لأعوان مختلف الوزارات المتداخلة الذين تقول يجدون أنفسهم في وقت ما في الصف الأول في مواجهة النساء ضحايا العنف مثل أعوان الضابطة العدلية، موظفي /ات وزارة العدل بمختلف اختصاصاتهم/ن، وموظفي/ات وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة وكذلك الشأن بالنسبة لوزارات التربية والتعليم العالي، مضيفة أن القانون يلزمهم بإدراج برامج تربوية حول المساواة بين النساء والرجال ومكافحة العنف المسلط على النساء في مختلف مراحل التعليم إلا أننا لم نشهد شيئا من ذلك عدا بعض أعمال التدريب التي حصل عليها قضاة وأعوان الوحدات الأمنية المختصة في العنف المسلط على النساء.

 وتابعت بالقول أن دورة تكوينية واحدة قد لا تكفي خاصّة عندما لا نقدر على ضمان استمرارية الأعوان الذين تم تكوينهم/ن في مراكزهم.

 

الناشطة الحقوقة فتحية حيزم

 

وتذكّر الناشطة الحقوقية أنّ عددا من الجمعيات قد قام في السنة الفارطة بدراسة حول مسارات النساء ضحايا العنف، محاولة منها لتقييم تأثير القانون على حياتهن. وتبيّن لنا أن النساء ضحايا العنف، وفي معظمهنّ لم يسمعن البتة بوجود قانون يحميهن من العنف، وهذا يدلّ وفقها على أن الدولة لم تبذل المجهود اللازم للتعريف به من أجل تمكين النساء الناجيات من العنف وغيرهن من معرفة حقوقهن وما يقدّمه القانون لهن من خدمات.

كما لوحظت خلال هذه الدراسة، حسب محدثتنا، عمليات شدّ وجذب إلى الوراء من طرف بعض أعوان الضابطة العدلية الذين يحاولون ثني النساء عن رفع قضايا رغم أن القانون يعاقب من يرفض تسجيل شكوى أو يسعي إلى منع الضحايا من رفع دعوى (قد يصل العقاب إلى السجن مدّة ستة أشهر).

 وتضيف محدثتنا “شاهدنا نفس الأمر لدى بعض القضاة الذين لا يسعون إلى تطبيق القانون كما يجب، ويتساهلون مع الجناة مثلما كان الأمر بالنسبة لزوج رفقة الشارني الذي أودع السجن بمقتضى القضايا من أجل العنف والتهديد التي رفعتها زوجته، إلا أن القاضي أطلق سراحه معتقدا أن الجاني لن يلوذ بالفرار وبمجرد إطلاق سراحه، أسرع إلى إفراغ مسدسه في جسد زوجته”.

تزامن ارتفاع حالات العنف مع الأزمات الاجتماعية والسياسية وحالات النزاعات

وترى الناشطة الحقوقية أنه كثيرا ما يتزامن ارتفاع حالات العنف مع الأزمات الاجتماعية والسياسية وفي حالات النزاعات.

 وتابعت “نحن نمرّ منذ 2011 بحالات عدم استقرار سياسي واقتصادي، إضافة إلى بروز تيارات سياسية محافظة ساهمت في استشراء العنف بصفة عامة، والعنف المسلط على النساء الذي كثيرا ما كانت تسعى إلى التطبيع معه، بل إنها غذّته في وقت من الأوقات عبر إرسال عدد من النساء والفتيات إلى مناطق النزاعات وأساسا إلى سوريا وتعرضت الفتيات هناك إلى عدد من الاعتداءات الجنسية”.

وتشير محدثتنا إلى أنه كان لهذه الأوضاع الاجتماعية وقع سيئ على أوضاع النساء وإلى انتهاكات مختلفة رغم ما قام به المجتمع المدني من أجل مكافحة العنف وذلك عبر تنظّم الجمعيات النسائية في إطار التحالف الوطني من أجل مكافحة العنف والسعي إلى وضع القانون الشامل الذي تمّ تبنيه يوم 11 أوت 2017 ودخوله حيّز النفاذ بداية من فيفري 2018.

 

 

 ولفتت فتحية حيزم أنه إذا اعتبرنا أن تقتيل النساء هو أقصى أشكال العنف ضدّ النساء، وقد ورد الحديث عنه في الفصل الثالث من القانون والذي يعتبره شكلا من أشكال العنف المادي المسلط على النساء فإنّ القانون لم يفرد هذه الجريمة بفصل خاص لتبيان خطورته، كما أن التدخلات التي قام بها المجتمع المدني لم تركّز على تقتيل النساء، رغم وجود هذه الظاهرة منذ القدم.

ويعرّف الفصل الثالث من قانون عدد 58 لسنة 2017 العنف المادي بأنه : “كل فعل ضار أو مسيئ يمسّ بالحرمة أو السلامة الجسدية للمرأة أو بحياتها كالضرب والركل والجرح والدفع والتشويه والحرق وبتر أجزاء من الجسم والاحتجاز والتعذيب والقتل”.

وتطرقت الناشطة الحقوقية إلى نتائج نضالات الحركة النسوية في العالم في هذا الإطار مبينة أن بلدانا في أمريكا الجنوبية قد تبنت قوانين خاصّة لمكافحة ظاهرة “اغتيال النساء”، كما تبنّت بلجيكا منذ شهر تقريبا قانونا في هذا المعنى.

 وتضيف أن النسويات في العالم لا يزلن يناضلن من أجل إفراد هذه الظاهرة بقوانين خاصّة، وقد أصبح الاتحاد الأوروبي يتحدّث في أدبياته عن تقتيل النساء (féminicides) متمنية أن تصل النضالات النسوية في تونس قريبا إلى فرض وضع قانون في هذا الإطار.

وشدّدت محدثتنا أنه يتعيّن على المجتمع المدني الحديث باستمرار عن ظاهرة تقتيل النساء لأن هذه الجرائم ليست ككل الجرائم قائلة “إنهن يقتلن لأنهن نساء، علينا أن نفضح هذه الممارسات التي تأتينا من عصور غابرة ولا نفعل الشيء الكثير لمكافحتها”.

واعتبرت أنّ للإعلام دورا محوريا في مثل هذا النضال لأنه ينفذ إلى البيوت والعقول.

جرائم قتل النساء تتصاعد أمام صمت مطبق للدولة

الذكورية تحكم فينا وصمت الدولة يقتل فينا” شعار رُفع خلال المسيرة التي نظّمتها الديناميكية النسوية بالكاف على إثر قتل وفاء السبعي من قبل زوجها. شعار اعتبرته محدثتنا جدّ معبّر محملة المسؤولية الأساسية لظاهرة “تقتيل النساء” إلى العقلية الذكورية التي تسود المجتمعات البشرية وتضع النساء في مرتبة دونية وتسمح للرجل بتملّك المرأة جسدا وروحا.

ولا يأتي قتل النساء وفق محدثتنا بصورة فجئية، بل نتيجة لتراكمات من أشكال العنف المختلفة التي تمارس على النساء، وكثيرا ما يأتي عندما تقرر المرأة التخلص من سيطرة العلاقات السامة القاتلة (rapports toxiques avec l’homme).

 وتشير الناشطة الحقوقية إلى أن رغبة النساء في الانفصال هي التي تسرّع عمليّة القتل ومن يرتكب هذه الجرائم هم الرجال الذين يرفضون أن يتخلوا عن الامتيازات التي يمنحهم إياها الفكر الذكوري والعقلية البطريركية حسب قولها.

وإلى جانب العقلية الذكورية تحمّل محدثتنا المسؤولية في عملية القتل أيضا إلى الدولة التي لا تتخذ الإجراءات اللازمة لحماية النساء من التهديدات التي تحيط بهن وفق تقديرها. وتعتقد حيزم أن التشدّد في تطبيق القوانين هو ممارسة جيّدة.

وفي سياق آخر تعتبر محدثتنا أن المعركة اليوم أيضا حول إقرار المساواة التامة والفعلية بين النساء والرجال، يخوضها النسويات والنسويين الذين يدافعون على ضرورة بناء مجتمع عادل تسود فيه المبادئ الكونية لحقوق الإنسان ويناضلون معا من أجل عالم خال من العنف.

وترى حيزم أن المجتمع المدني قد تم انهاكه في الفترة الأخيرة وانخفضت التعبئة التي يمكن أن تساعده على تحقيق أهدافه إلا أنّه يقظ تجاه كلّ محاولات الردّة، وفقها منوهة وأنه لأوّل مرّة في تاريخ تونس الحديثة، يتم التراجع في حقوق النساء على غرار اسقاط مبدأ التناصف في القانون الانتخابي.

وعن مقاطعة الديناميكية النسوية لأنشطة وزارة المرأة فيما يتعلق ب 16 يوما من النضال ضد العنف، تقول الناشطة الحقوقية أنهن يعتقدن أن الوزارة لا يهمها مسألة القضاء على العنف المسلط على النساء بقدر ما يهمها تلميع صورتها أمام المجتمع الدولي لذلك خيّرن هذه السنة التحرك في مختلف الجهات التي تتواجد فيها أطراف الديناميكية دون انخراط ككل سنة مع الطرف الرسمي.

وذكّرت محدثتنا قائلة كنا قدّمن وفي أوقات مختلفة مطالب حول قضايا مختلفة تهمّ حقوق النساء وخاصة إنفاذ القانون 58 لسنة 2017، إلا أننا لم نجد آذانا صاغية ولا رغبة في تشريك المجتمع المدني الحقوقي والنسوي في صياغة السياسات العمومية لمكافحة العنف، بل إننا نتساءل إن كانت هناك سياسات عمومية لمكافحة هذه الظاهرة؟ فالعنف، وتقتيل النساء يتصاعدان أمام صمت مطبق للدولة ووزارة المرأة بصفة خاصّة حسب قولها.

إجراءات الدولة منقوصة وتسير بخطى بطيئة لا تتماشى وارتفاع منسوب العنف

المحامية وفاق بن حليمة

ترى المحامية والناشطة في المجتمع المدني وفاق بن حليمة أن علاقة المرأة بالرجل ليست دائما في حالة انسجام وتعاون بل قائمة كذلك على الصراع.

وأشارت المحامية أن أرقام جرائم العنف ضد المرأة أصبحت في السنوات الأخيرة مفزعة نظرا لتسارع نسق ارتكابها وخطورة آثارها التي تصل في بعض الحالات الى مقتل العديد من النساء مما أدى بنا الأمر كنشطاء في المجتمع المدني الى إطلاق حملة “أنا زادة” وحملة “أنا الضحية القادمة”.

 وتتعدد أسباب تفاقم هذه الظاهرة وفقا للأستاذة ومنها ما يتعلق بالمشرّع الذي لم يعمل على التنظيم الهيكلي للمؤسسات الضامنة لمكافحة العنف ضد المرأة بل اهتم أكثر بالإجراءات والخدمات فقط.

كذلك من الأسباب الأخرى بطء اجراءات التقاضي وتهاون بعض القضاة في التعامل مع قضايا العنف ضد المرأة مما أدى الى نتيجة الموت في قضية رفقة الشارني كما تذكر الأستاذة بن حليمة إلى جانب عدم إحاطة المرأة المعنفة بالحماية الفورية.

وتقرّ محدثتنا بمجهودات الدولة نحو خلق الآليات لتفعيل القانون عدد 58 لسنة 2017 لكن تقول أنّ الإجراءات المتخذة مازالت منقوصة وتسير بخطى بطيئة جدا لا تتماشى وارتفاع منسوب العنف.

 

وتعتبر المحامية أنّ مراكز الإيواء المخصصة للنساء الناجيات من العنف ليست حلا جذريا وإنما توفر حماية وقتية لظرف وجيز ونوعا من المساعدة على تخفيف آلام المرأة المعنّفة مشيرة إلى أن هذه المرأة بمجرد خروجها من مركز الإيواء ستكون عرضة للعنف مجدّدا.

وتثمّن الأستاذة مجهودات المجتمع المدني التي تحث الدولة على التسريع في تفعيل القانون المناهض للعنف.

وتشدد محدثتنا على ضرورة أن تعطي الدولة التونسية الأولوية القصوى لظاهرة الحدّ من العنف وأن تتكاتف جميع المجهودات بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني من أجل تحقيق هذا الهدف.

وتقترح المحامية مجموعة من الحلول كسرعة تحرك مؤسسات الشرطة والحرس عند معاينة العنف أو الشكاية المقدمة من المرأة المعنفة وكذلك النيابة العمومية بمختلف المحاكم.

ومن النقاط الأخرى التي نادت بها الأستاذة أيضا القيام بإصلاحات في العمل القضائي وذلك بتخصيص فضاءات مستقلة بالمحاكم تنظر استعجاليا في قضايا العنف ضد المرأة إضافة إلى الادماج الفعلي لمكافحة هذه الظاهرة في المنظومة التعليمية وتسخير وسائل الإعلام لمناهضتها.

 

رغم تحكّمنا على قانون مناهض للعنف ضد المرأة يحتل المراتب الأولى في الدول العربية كأفضل القوانين في هذا المجال إلا أنه على المستوى التطبيق مازال يفتقر إلى عديد الآليات والإجراءات. وتنامي ظاهرة العنف على المرأة تتطلب وفقا للملاحظين والاخصائيين الاجتماعيين معالجة علمية تنطلق من التنشئة الاجتماعية والتعليمية والقطع مع الصورة النمطية إضافة إلى الانتقال نحو مقاربة أكثر فعالية لتفعيل هذا القانون يكون المجتمع المدني شريكا فيها إلى جانب المؤسسات الرسمية.

وإذا كانت الأضواء تسلط سنويا بشدة خلال حملة الـ 16 يوما أنشطة مناهضة للعنف، على مدى تفعيل القانون عدد 58 واعداد التقارير في هذا الخصوص، فيجب أن لا تقتصر هذه المجهودات على فترة الحملة وإنما الاستمرار في ذلك على مدار السنة.

 

هذا العمل بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان ضمن مشروع “عالم كندا: صوت النساء والفتيات”

تعليقات

About Houda Karmani

Check Also

وزير الصحة: برمجة 3500 خطة انتداب جديدة وتخصيص 150 مليون دينار لدعم المستشفيات الجهوية

أفاد وزير الصحة مصطفى الفرجاني الاثنين 18 نوفمبر 2024، أثناء الجلسة  المشتركة لمجلس نواب الشعب …