مع انطلاق أول يوم من الحملة الدعائية لمشروع الدستور الذي أعلن عنه الرئيس قيس سعيد سادت حالة من الجدل الواسع إثر نشر صحيفة الصباح المحلية للنسخة التي قدمها رئيس الهيئة الاستشارية الصادق بلعيد وقد برز اختلاف واضح بين المشروعين، وذلك رغم تعيين سعيد لبلعيد على رأس الهيئة التي كلفت بصياغة دستور البلد الجديد.
وفي مقابلة مع صحيفة (لوموند) الفرنسية وصف بلعيد المشروع الرئاسي للدستور بالخطير، وأنه توجد مسافة كبيرة بين النصين، وأن مشروٍع سعيد يكرس للاستبداد بالسلطة ويعيد الجدل غير المجدي بشأن الهوية الوطنية.
أبرز نقاط الخلاف
- خصص مشروع بلعيد الباب الأول للجانب الاقتصادي التنموي للدولة والذي ينص على دور الدولة في الشأن الاقتصادي والتنموي، في حين اهتم مشروع سعيّد في الأجزاء الأولى بجانب هوية الشعب التونسي والدولة والجوانب السياسية والقانونية لتنظيمها، كما حذف بشكل كامل الباب الاقتصادي الذي ورد في نسخة الهيئة.
- مشروع قيس سعيد يعتبر أن السلطات الثلاث هي مجرد وظائف ولا سلطة إلا للشعب، في حين أشار دستور بلعيد إلى السلطة التشريعية (باب الوظيفة التشريعية).
- حسب مشروع بلعيد يُمارس “الوظيفة التشريعية” مجلس النواب، فيما ينص مشروع سعيّد على تفويض “الشعب صاحب السيادة” الوظيفة التشريعية لمجلس نيابي أوّل يسّمى مجلس نوّاب الشعب ولمجلس نيابي ثان يسمى المجلس الوطني للجهات.
- يتيح دستور بلعيد سحب الثقة من رئيس الجمهورية عبر لائحة بأغلبية الثلثين في البرلمان في حين لم يشر مشروع قيس سعيد إلى سحب الثقة من الرئيس على الإطلاق.
- خصّص مشروع دستور سعيد في عدد من فصوله (خاصة الفصل 5) جانبا مهما للتأكيد على الهوية “العربية الإسلامية ” للتونسيين، بينما ينص مشروع بلعيد (خلال التوطئة) على تعلق الشعب التونسي بـ ” تعاليم الإسلام ومقاصده المتسمة بالتفتح والاعتدال”.
- اتفق مشروع دستور بلعيد ومشروع سعيد على منع الإضراب في القضاء والأمن والجيش.
- يشير مشروع بلعيد إلى تكريس الديمقراطية التشاركية وتعزيز اللامركزية، في حين يتجه مشروع دستور سعيد إلى تركيز السلطات وحصرها لدى مؤسسة رئاسة الجمهورية.
- اهتم مشروع دستور بلعيد بمكاسب الحقوق والحريات الفردية والعامة، لكن مشروع دستور سعيد سعى إلى حصرها في مفاهيم عامة وغير دقيقة على غرار “الآداب العامة” و”الأمن العام”.
- ينصّ مشروع بلعيد على أن انتخاب أعضاء مجلس النواب يكون “عاما وحرا ومباشرا وسريا”، مثل طريقة انتخاب رئيس الجمهورية، في حين خصّ مشروع سعيّد عملية انتخاب رئيس الجمهورية بالانتخاب العام والمباشر، ولم ينص على ذلك فيما يتعلق بعملية انتخاب نواب الشعب.
- لا يذكر مشروع بلعيد سحب الوكالة من النائب في مجلس النواب، كما لا يحد من الحصانة الممنوحة له مقارنة بالدساتير السابقة، فيما ينصّ مشروع دستور سعيّد على إمكانية سحب الوكالة من النائب رفع الحصانة البرلمانية عنه في “جرائم القذف والثلب وتبادل العنف المرتكبة داخل المجلس، كما لا يتمتع بها أيضًا في صورة تعطيله للسّير العادي لأعمال المجلس”.
- يمكّن مشروع بلعيد مجلس النواب من إسقاط الحكومة عبر لائحة لوم تستوجب إمضاء ثلث أعضاء مجلس النواب لتقديمها والأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب للمصادقة عليها، فيما ترتفع هذه الأغلبيات المطلوبة في مشروع سعيّد إلى نصف أعضاء مجلس نواب الشعب ونصف أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم لقبول عرضها، بواقع أغلبية الثلثين لأعضاء المجلسين مجتمعين للمصادقة عليها.
- في حالة الشغور الدائم لمنصب رئيس الجمهورية، تُحال الصلاحيات إلى رئيس مجلس النواب بحسب مشروع بلعيد، في حين اختار مشروع سعيّد أن تحال الصلاحيات إلى رئيس المحكمة الدستورية.
- في مشروع بلعيد تتألف المحكمة الدستورية من أساتذة قانون وقضاة سامين ومحامين ويُعينون بالتساوي بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، على عكس التركيبة التي تنحصر في القضاة في مشروع دستور سعيّد حسب الأقدمية.
- يعيد مشروع بلعيد عملية انتخاب القضاة ومشاركة غير القضاة في تركيبة المجلس الأعلى للقضاء (يتركب كل مجلس من المجالس الثلاثة في أغلبيته من قضاة منتخبين وقضاة بالصفة، وفي بقية أعضائه من غير القضاة من المستقلين من ذوي الاختصاص)، في حين لا ينص مشروع سعيّد على تركيبة المجالس العليا للقضاء ويتركها للقانون.
- يفرض مشروع بلعيد رقابة من الجلسة العامة للمحكمة الإدارية على دستورية المراسيم التي يواصل رئيس الجمهورية إصدارها خلال المرحلة الانتقالية وحتى شروع مجلس النواب المنتخب في ممارسة اختصاصاته، في حين ينص مشروع سعيد على أن “يستمر العمل في المجال التشريعي بأحكام الأمر الرئاسي (عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بالتدابير الاستثنائية) إلى حين توليّ مجلس نوّاب الشعب وظائفه بعد تنظيم إنتخابات أعضائه.” وهو ما يعني عدم إمكانية الطعن في المراسيم الرئاسية.
- في باب الأحكام الختامية يشير مشروع بلعيد بدقة ووضوح إلى نشر “الموافقة على هذا الدستور على إثر إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بأن نتائج الاستفتاء أفضت إلى موافقة الشعب بأغلبية الأصوات المصرح بها”. في حين اختار سعيد صياغة مختلفة لإعلان دخول الدستور حيز التنفيذ وهي “يدخل الدستور حيز التطبيق ابتداء من تاريخ الإعلان النهائي عن نتيجة الاستفتاء من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات”.
المصدر : الجزيرة مباشر