كاتب وصحفي جزائري
في خطوة لاقت ترحيباً واسعاً بين نشطاء الحَرَاك الشعبي الجزائري، أُفرج مؤخراً عن عدد من النشطاء، منهم ثلاثة سياسيين بارزين، كانوا في السجن بأمر قضائي، وبينما رأى البعض أن هذه المبادرة سلوك يترجم وعود السلطة في إقرار إجراءات تهدئة تحسباً لفتح نقاش موسع حول مشروع التعديل الدستوري المرتقب، يعتبرها آخرون خطوة غير كافية، ولا تعكس رغبة من السلطة في الاستجابة لمطالب الحراك، ويستدلون على ذلك، باستمرار حملات اعتقال النشطاء، والتضييق الممارس على وسائل الإعلام المختلفة.
الإفراج عن عدد من النشطاء أو ما يطلق عليهم «سجناء الرأي»، جاء تزامناً مع إحياء الذكرى السنوية لاستقلال البلاد «في الخامس من يوليو (تموز)»، بالإعلان عن عفو رئاسي شمل عددا منهم، مع الإفراج المؤقت عن ثلاثة نشطاء بارزين، من بينهم كريم طابو الناطق الرسمي للاتحاد الديمقراطي الاجتماعي )غير معتمد(، والمعارضة أميرة بوراوي، إلى جانب الناشطين السياسيين سمير بلعربي، وسليمان حميطوش، لتكون بذلك هذه الخطوة أول بادرة من الرئيس عبد المجيد تبون منذ انتخابه خلفاً للمُقال عبد العزيز بوتفليقة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تجاه نشطاء الحراك الشعبي، على أمل أن تفتح الخطوة مجالا للتقارب بين السلطة والحراك الشعبي، الذي علق احتجاجاته السياسية منذ منتصف مارس (آذار) الماضي، بسبب تفشي وباء كورونا.
وقرار العفو الصادر عن الرئيس تبون يتراوح بين العفو النهائي والإفراج المؤقت، وحسب مصادر حقوقية يعود ذلك إلى أن «المشمولين بالعفو كانوا يقضون عقوباتهم بعد صدور أحكام نهائية في حقهم، أما المفرج عنهم مؤقتا فقضاياهم في طور الاستئناف للأحكام الابتدائية».
ويُعدُ طابو وبلعربي وبوراوي من أبرز ناشطي الحراك الشعبي، وتحول سجنهم إلى قضية حقوقية تعدت حدود البلاد، حيث اهتمت بها العديد من المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية لا سيما مع النقاش حول ضغط السلطة على جهاز القضاء، حيث سبق لطابو أن أخلي سبيله لكن في اليوم التالي تمت إعادة اعتقاله وتوجيه تهم جديدة له.
ويأتي قرار الإفراج، الذي شكل أحد المطالب المرفوعة من طرف عدة جهات سياسية ومستقلة للتخفيف من حالة الاحتقان، في أجواء من التوتر السياسي في البلاد بسبب القبضة الأمنية للسلطة تجاه الناشطين المعارضين، حيث تم اعتقال العشرات منهم بحسب تنسيقية الدفاع عن معتقلي الرأي التي تؤكد أن «أكثر من 70 ناشطا يوجدون في السجون بسبب انخراطهم في الحراك»، وأن «العديد منهم أدانهم القضاء بأحكام بالسجن تتراوح بين عام وثلاث سنوات».
وكانت قوى سياسية وشخصيات مستقلة على غرار رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور، وما يعرف بـ«مجموعة الـ20»، قد طالبوا تبون بالقيام بخطوات تهدئة كفتح المجال الإعلامي وتحريره من قبضة السلطة، وإطلاق سراح المساجين السياسيين، ورفع القيود الأمنية عن التظاهر السلمي قبل فتح حوار سياسي شامل.
وعلى مستوى شبكات التواصل الاجتماعي أطلق نشطاء هاشتاغ )الحرية لمعتقلي الرأي( عبّروا من خلاله عن تمسكهم بمطلب الإفراج عن سجناء الرأي قبل الشروع في أية عملية سياسية، وتكشف منظمة شعاع لحقوق الإنسان) منظمة حقوقية مستقلة غير حكومية( في تقرير خاص بمعتقلي الرأي في الجزائر صدر في يونيو (حزيران) الماضي، بأن «حالات معتقلي الرأي من أهم القضايا الحقوقية في الجزائر، وأغلب حالات معتقلي الرأي خلال الشهر المنصرم كانت على خلفية تدوينات أو فيديوهات مسجلة لهم على وسائل التواصل الاجتماعي عبروا فيها عن رأيهم ومارسوا حقهم في التعبيرالذي يدخل في إطار الحرية التي كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وكفلها الدستور الجزائري، وأغلبهم متابعون بتهمة عرض منشورات من شأنها المساس بالمصلحة الوطنية وتهمة إهانة رئيس الجمهورية وتهمة التحريض على التجمهر».
المختص في القانون لعمري نسيم، أوضح لـ«المجلة» أنه من «المعروف أن العفو الرئاسي من صلاحيات رئيس الجمهورية المخولة له على سبيل الحصر بموجب الدستور الجاري، وله بمقتضاه الحق في إسقاط العقوبة الجزائية كلها أو تخفيفها لشخص محدد أو مجموعة من المحكوم عليهم، وبالتالي هو إجراء شخصي قد يتعلق بالأفراد لذواتهم أو لصفاتهم، في حال استيفائهم للشروط اللازمة، مع استثناء المحكوم عليهم في بعض الجرائم الحساسة كالإرهاب أو جرائم الدولة وغيرها، ولا يكون العفو الرئاسي إلا عن طريق مرسوم رئاسي في الأحكام النهائية الباتة المستوفية كل أشكال الطعن».
ومن حيث المبدأ يعتبر أن «الإفراج عن المعتقلين السياسيين أو غيرهم عن طريق العفو الرئاسي، فعل دستوري مشروع، لكنه مؤشر واضح على عدم استقلالية القضاء الذي يفترض به أن يكون السلطة الوحيدة المخولة بالفصل في القضايا وإصدار العقوبات أو إسقاطها، إذا ما كان مبدأ الفصل بين السلطات مكرسا في الدستور، وهو ما يفتقر له الدستور الجزائري الجاري وحتى مشروع التعديل المقترح أيضا، بالنظر إلى الصلاحيات الممنوحة لكل واحدة من السلطات الثلاث والتي تسمح لكل منها بالتدخل في مهام الأخرى». وفي قضية كريم طابو وسمير بلعربي كمثال، أوضح أن «الأحكام المتعلقة بالتهم الموجهة لهم ليست نهائية بعد، وبالتالي الإفراج عنهم ليس ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية، لأن وضعيتهم لا تستوفي شروط العفو الرئاسي».
ولكن في كل الأحوال يعتقد أن «الأحكام القضائية الصادرة خلال جلسات المحاكم أو مجالس القضاء تكون غالبا مبنية على خلفية سياسية، ترتبط بحجم الضغط الشعبي وتغيرات موازين القوى داخل النظام، وهي وضعية العدالة في أغلب الدول الشمولية».
لكن في المقابل هناك من يعتقد أن عدة نشطاء لا يفرقون بين حرية الرأي، وبين التعرض للحياة الخاصة للأشخاص مهما كان موقعهم، وفي السياق كتبت الإعلامية نسرين عامر عبر صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي تقول «لا يمكن اعتبار من يسب ويشتم أو يقذف الناس في عرضهم معتقلا سياسيا، المعارضة ليست بنشر صور شخصية مُهِينة أو بانتهاك حياة المسؤولين وعرض صور أبنائهم في مناسبات عائلية خاصة، وغيرها من الانتهاكات التي تتعلق بالحقوق اللصيقة بالشخصية وسلامة الكيان المعنوي للإنسان، المحمي دستوريا على الصعيد الوطني وبموجب ميثاق حقوق الإنسان عالميا».
وتعليقاَ منه على مبادرة إطلاق سجناء الرأي، نوّه رئيس حزب «جيل جديد» المعارض سفيان جيلالي، بأهميتها في تهدئة المناخ السياسي بالبلاد، ويُعدُ جيلالي من الشخصيات السياسية المعارضة بقوة لنظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ونافسه على كرسي الرئاسة في انتخابات 2014.
وكان جيلالي من بين الشخصيات السياسية التي أعلنت منذ أسابيع عن نية الرئيس تبون إصدار عفو عن سجناء الرأي، وذلك بعد لقاء جمعه بالرئيس تبون في السابع والعشرين من مايو (أيار) الماضي، حيث أصدر بياناً عقب الاجتماع بالرئيس أعلن فيه عن إصدار عفو رئاسي قريباً عن أوجه سياسية بارزة من الحراك.
وفي حديثه لـ«المجلة»، يعتقد جيلالي أن «المواقف الردايكالية التي برزت لدى بعض النشطاء خلال الحراك، خلقت نوعاً من الصدام في المشهد السياسي، وتسببت في بروز مشاكل لهم مع العدالة، وتم إيداعهم السجن بسبب تلك المشاكل». لكنه بالمقابل يرى أن «بناء النظام السياسي الجديد لا يكون إلا بتوفير الأجواء السياسية الهادئة لفتح نقاش وحوار سياسي موسع يشارك فيه الجميع دون إقصاء»، خاصة وأن الجزائر برأيه «تستعد لتمرير مشروع الدستور الجديد».
واعتبر جيلالي أن «اختيار حزبه من طرف الرئيس للإعلان عن مبادرة العفو الرئاسي ليس من باب الصدفة، ولكنه رسالة للطبقة السياسية على أن الحوار هو الحل الوحيد للتوافق على معالم المرحلة الجديدة»، فـ«حزب جيل جديد»، يؤكد سفيان «كان فاعلاً في الحراك ولطالما أعلن تمسكه بالتغيير، لكنه بالمقابل لم يحدث القطيعة مع النظام، وأعلن في عدة مناسبات قبوله بفكرة الحوار كحل لتجاوز الأزمات السياسية». لذلك يرى أن «فكرة القطيعة ومواجهة ومحاولة عزل السلطة تؤدي للانسداد لا غير». الرسالة حسب جيلالي هي أن «الرئيس يشجع الحوار كوسيلة للوصول إلى الأهداف الأساسية للحراك».
وبالمناسبة يعتقد أنه «على الطبقة السياسية أن تكون طرفا بنّاء وفاعلا في تغيير النظام»، لأن الجزائر اليوم برأيه «أمام رهان تشكّل نظام سياسي جديد، أن تتعامل المعارضة مع الواقع، وتبني مع جميع الشركاء نظاما سياسيا تكون ضمن أهدافه الأساسية بناء دولة الحق والقانون على أسس ديمقراطية»، الرهان الآن يتابع «كيف أن المعارضة مع منظمات المجتمع المدني ممن كانوا فواعل رئيسية في الحراك أن يصبحوا طرفاً أساسياً وفاعلاً في بناء النظام السياسي الجديد».
وفي سياق متصل بموضوع الحريات، أصدر ما يقارب مائة صحافي، عريضة نددوا فيها بما اعتبروه تضييقا جديدا من وزارة الاتصال ضد حرية الصحافة، معربين عن رفضهم لما قالوا إنه «محاولات للتدخل المباشر في عمل الصحافيين وفرض إملاءات فوقية لما يصح كتابته وما لا يجب نشره»، كما أعلن الموقعون عن تضامنهم المهني والمبدئي مع جريدة «ليبرتي» الناطقة بالفرنسية والمملوكة لأحد أكبر رجال الأعمال بالجزائر وهو يسعد ربراب مالك مجمع سيفيتال.
يأتي ذلك بعد أن أصدر وزير الإعلام المتحدث باسم الحكومة، عمار بلحيمر وهو من قدامى الصحافيين، بياناً أول الأحد، حذر فيه من «التضليل الإعلامي وخطاب التهويل لبعض وسائل الإعلام، في إطار معالجة المعلومات المتعلقة بوباء فيروس كورونا». وخص البيان «ليبرتي» بالذكر، بعد أن نشرت في اليوم نفسه، ثلاث صفحات حول كورونا. وعنونت صفحتها الأولى بـ«الاعتراف بالفشل»، وفهم منه أن الحكومة تعترف بعجزها عن مواجهة الأزمة، وهو ما أثار حفيظة بلحيمر الذي هدد بمتابعة الصحيفة قضائياً، بموجب قانون يتعلق بتسيير الأزمات، يتضمن عقوبة السجن بتهمة «التهويل بغرض زرع الفوضى».
واستند بلحيمر في تعليمته إلى حالة الطوارئ الصحية وإلى قانون الوقاية من الكوارث الطبيعية الذي وقعه بوتفليقة في ديسمبر 2004، ليؤكد أن الصحافيين عليهم التقيد بالقانون، وإلا فإن قانون العقوبات سيطبق بحذافيره، والقانون يعاقب بالسجن والغرامات المالية.
وفي بيانهم الذي نشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تنشره حتى الصحيفة التي طالها التهديد ما يطرح عدة تساؤلات، أعرب الصحافيون عن «بالغ أسفهم لإصدار وزارة الاتصال لهذه التهديدات». وقال الصحافيون، إنه «بدلا من مهاجمة الصحافة، ينبغي على الحكومة ووزارة الاتصال أن تُوفر للصحافيين مناخ عمل يتميّز بالشفافية، والسماح لهم بالوصول إلى المعلومة بصفة منتظمة دون أيّ تمييز، لمواجهة هذه الأزمة الصحية غير المسبوقة».
واعتبر الصحافيون أن ما نشرته صحيفة «ليبرتي» هو «عمل استقصائي من صميم عمل الصحافة ودورها المركزي، والخلاصات التي توصلت إليها بشأن وضع ومآلات تسيير الأزمة الوبائية من قبل الحكومة، هي ترجمة إعلامية لنفس الخلاصات التي تضمنها بيان الرئاسة الأخير الصادر في 10 يوليو (تموز) 2020، والذي أكد غياب التنسيق بين القطاعات الحكومية وإخفاق الإدارة الاتصالية للأزمة والتناقضات الواضحة بين الإمكانات المتوفرة والتسيير الميداني، وهي نفس الاستنتاجات التي يعبر عنها وزير الصحة عبد الرحمن بن بوزيد خلال تصريحاته الأخيرة».
وذكّر الصحافيون أن «نشر المعلومات الخاصة بالأحداث الوطنية هو حق دستوري مضمون للمواطن تلتزم الصحافة بإطلاعه عليها دوريا وبصفة آنية وخاصة حالة الكوارث الطبيعية وكل ما يمس بصحة المواطن».
وتعليقاً منه على محتوى بيان وزارة الاتصال، يرى الباحث والأكاديمي رضوان بوجمعة أن «الإعلام في الجزائر ومنذ مارس الماضي لم يقم بنشر إلا ما تنشره الحكومة والناطق الرسمي باسم الرئيس تبون حول الجائحة»، وفي هذا المجال يؤكد أنه «لم يقرأ ولم يشاهد ولم يسمع الجزائريون والجزائريات إلا ما كانت السلطة تريد سماعه أو قراءته أو مشاهدته، فلا تحقيق ولا ريبورتاج داخل المستشفيات، ولا بورتريهات عن الضحايا ولا عن الأطباء، ولا تحقيقات جدية عن الآثار الاقتصادية والاجتماعية للجائحة، وعدد الشركات التي أغلقت أو المرشحة للإفلاس وغيرها من عشرات الآلاف من القضايا التي منع الصحافيون والصحافيات من تناولها بسبب سياسة تكميم الأفواه، عوض توزيع الكمامات لمواجهة الوباء».
وعلى عكس بوجمعة، يعتقد رئيس حزب جيل جديد المعارض سفيان جيلالي أن «مشكلة حرية الصحافة قديمة متجددة»، ووفق تقديره «لا توجد في الجزائر حرية صحافة حقيقية لعدة اعتبارات، أولها أن هذه المهنة أصبحت تحت تأثير عدد كبير من اللوبيات التي تستعمل الصحف والصحافيين كأدوات ضغط، هذه الضغوطات تنامت مع بداية الحراك وتطوره، وتم استعمال معلومات مغلوطة بكثرة»، على الصحافة، يتابع: «أن تبتعد عن هذه الممارسات غير السليمة، ومن جهة أخرى على السلطة أن تتقبل فكرة وجود نقاش حرّ ودون قيود، يجب أن يكون هناك توازن ما بين الجهتين، وأن نقضي على المزايدات الموجودة من كل جانب».
المصدر: المجلة