“على حافة البرية”. بهذا التعبير وصف واحد من أشهر كتاب إسرائيل المنطقة التي افتتحت بها السفارة الأمريكية الجديدة في القدس. غير أن ذكريات آخرين عنها تختلف اختلافا كبيرا.
تقع قطعة الأرض في واد أسفل تل ارتفعت عليه أعلام إسرائيلية وأمريكية وقال فلسطينيون إنها كانت حقولا يملكها عرب ويزرعون فيها أشجار التين والكروم والقمح.
كل ما في القدس موضع خلاف كما كان الحال دائما. فوضع المدينة المقدسة هو لب الصراع المرير.
ويتفق الإسرائيليون والفلسطينيون على أمر واحد: أن قرار قوة عظمى نقل سفارتها إلى القدس من تل أبيب وفي الذكري السبعين لقيام إسرائيل لحظة فارقة.
يعتقد الإسرائيليون أن إدارة الرئيس دونالد ترامب دعمت موقفهم بأن القدس هي العاصمة القديمة للشعب اليهودي وفيها مواقع مقدسة مثل الحائط الغربي ومعابد يهودية.
غير أن الفلسطينيين ثارت ثائرتهم من القرار الأمريكي بنقل السفارة إلى مدينة يعيش فيها أكثر من 300 ألف عربي ومقر ثالث الحرمين الشريفين في الإسلام.
وقد رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس مقابلة مسؤولين أمريكيين وقال إن الولايات المتحدة لم تعد تصلح للقيام بدور الوسيط النزيه.
وكصورة مصغرة للخلاف الأكبر تكتنف قطعة الأرض التي اختيرت موقعا للسفارة مجموعة من التعقيدات الخاصة إذ تقع في حي أرنونا الذي يعد الآن حيا يهوديا في أغلبه جنوبي القدس القديمة.
* الأرض الحرام
تقع قطعة الأرض على جانبي الخط الفاصل بين القدس الغربية ومنطقة تعرف باسم الأرض الحرام تحددت في نهاية حرب 1948 بين إسرائيل وجيرانها من الدول العربية.
وبعد الهدنة في 1949 انسحبت القوات الإسرائيلية إلى الغرب من خط متفق عليه وانسحب الأردنيون شرقا. وفي بعض المناطق كانت هناك فراغات بين الجانبين أصبحت تعرف باسم الأرض الحرام.
وكان أحد هذه الفراغات جيب بين حي تل بيوت اليهودي وقرى عربية تقع إلى الشرق.
وظلت المنطقة منزوعة السلاح حتى حرب الأيام الستة في 1967 التي استولت فيها إسرائيل على الضفة الغربية من الأردن ووسعت فيما بعد حدود القدس وضمت بعض القرى العربية إلى المدينة.
ولم تحظ هذه الخطوة باعتراف دولي وواصل الفلسطينيون المطالبة بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقبلية.
وفي فبراير سلمت هيذر ناورت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية بأن أرض السفارة “يقع جزء منها في القدس الغربية وفيما يوصف الآن بالأرض الحرام”.
وأكد ذلك مسؤول كبير من الأمم المتحدة ليس مخولا سلطة الحديث للإعلام نظرا لحساسية المسألة.
وقال المسؤول لرويترز “ثمة شيء من عدم اليقين بشأن الموضع الذي يسير فيه الخط عبر قطعة الأرض لكني لا أعتقد أن هناك أي شك في حقيقة مرور الخط عبرها”.
وأضاف “بموجب القانون الدولي لا تزال أرضا محتلة لأنه ليس لأي من الجانبين الحق في احتلال الأرض بين الخطين” اللذين يمثلان الأرض الحرام.
وعندما اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ترك الباب مفتوحا أمام إسرائيل والفلسطينيين لتقسيم المدينة فيما بينهما بقوله إنه لا يتخذ موقفا بشأن تسوية الحدود موضع النزاع.
غير أن الدبلوماسي الفلسطيني المخضرم نبيل شعث قال إن نقل السفارة لهذا الموقع قد يعقد محادثات السلام مستقبلا. وقال الأسبوع الماضي إن وجود السفارة في الأرض الحرام يعد فعليا انتهاكا للتقسيم السكاني والجغرافي للقدس.
إلا أن يوسي بيلين مفاوض السلام الإسرائيلي السابق قال إن موقع السفارة لن يكون له أي عواقب إذا ما قرر الفلسطينيون والإسرائيليون إحياء عملية السلام.
وقال لرويترز “في النهاية إذا اضطررنا للتوصل إلى ترتيبات في القدس كما آمل فسيتعين علينا رسم خط في غاية الدقة وسيكون علينا التعويض”.
آخر الدنيا
يمكن في الأيام التي تكون السماء فيها صافية رؤية البحر الميت والأردن من الشارع الذي يمر على مستوى أعلى من مجمع السفارة.
كان ذلك الشارع في وقت من الأوقات يمثل حد حي تل بيوت الذي أقامه مهاجرون يهود في عشرينيات القرن العشرين وعاشت فيه شخصيات مثل إس. واي. أجنون أبو الأدب العبري الحديث الحائز على جائزة نوبل في العام 1966.
وبعد عشرات السنين كتب واحد من أبرز كتاب إسرائيل هو أموس أوز في سيرته الذاتية التي نشرها عام 2002 بعنوان (قصة الحب والظلام) عن ذكريات طفولته في حي تل بيوت.
فقد زار أوز عمه جوزيف كلاوسنر الباحث المعروف ومنافس أجنون ووصف عمته وعمه أثناء السير مساء يوم السبت في شارعهم المشرف على الوادي.
“في نهاية الزقاق الذي كان أيضا نهاية تل بيوت ونهاية القدس ونهاية الأرض المعمورة كانت تمتد تلال جرداء قاتمة لصحراء يهودا. وكان البحر الميت يتلألأ من بعيد مثل طبق من الصلب المنصهر … بوسعي أن أراهما واقفين هناك في آخر الدنيا، على حافة البرية”.
غير أن محمد جادالله الفلسطيني البالغ من العمر 96 عاما من قرية صور باهر على الناحية الأخرى من الوادي يقول إنه يتذكر أن جيل والده كان يزرع تلك الأرض.
ويقول “كل شيء تغير. والآن وجود السفارة الأمريكية هنا. هم ضد العرب والفلسطينيين”.
المصدر: رويترز