ماهر جعيدان
المنستير 23 أكتوبر 2011 العاشرة ليلا مجموعة من الشباب تناهز المائة فرد يحاولون اقتحام المقر الجهوي لحركة النهضة بالمنستير و يلقون المقذوفات و الحجارة على الطابق الأول في حين يحتمي العشرات من أنصار حركة النهضة داخل المقر و تتوافد أنباء من هنا و هناك عن احتقان في عدة مدن تونسية و محاولة حرق المقرات إثر توافد النتائج الأولية بتقدم حركة النهضة على منافسيها و توالي التصريحات السياسية و تواتر الأنباء عن “كابوس” النهضة في الحكم .
اشتعلت الشماريخ أمام مقر النهضة المركزي بمونبليزير و تعالت الأناشيد و الأهازيج و دعت قيادة النهضة أنصارها إلى الاحتفال إثر نجاح أول انتخابات بعد ثورة 14 جانفي 2011 انتخابات رمت بالنهضة في مرمى النار و الاكتواء بممارسة الحكم .
في المقابل لم تستوعب أغلب مكونات المجتمع السياسي التونسي هذه النتائج و لم يكن من السهل تصديق ذلك الوجوم الذي بدا على وجوه العديد من أعضاء الهيئة العليا للانتخابات تأسفا على مآل هذه التجربة التي انتهت بحزب “إسلامي” في الحكم .
89 مقعدا لحركة النهضة ،29 مقعدا للمؤتمر من أجل الجمهورية ، 26 مقعدا للعريضة الشعبية ،20 مقعدا للتكتل الديمقراطي من أجل العمل و الحريات ،16 مقعدا للحزب الديمقراطي التقدمي ..و بنسبة مشاركة تجاوزت 52 بالمائة . و مجلس وطني تأسيسي سيصيغ دستورا جديد للبلاد .
لا أريد أن أفارق يوم 23 أكتوبر 2011 لما كان يتوافد الآلاف من التونسيين على مكاتب الاقتراع في المدن و القرى و الأرياف ، و لم يكن بالهين نسيان تلك الصفوف المتراصة و تلك التعبئة الجماهيرية من أجل نجاح أول تجربة ديمقراطية غاب عن تزييفها العمدة و المعتمد و رئيس الشعبة و أخفق المال الفاسد في عودة المنظومة القديمة إلى الحكم عبر شراء أصوات الناخبين و التكتل داخل قائمات حزبية و مستقلة و ائتلافية أظهرت العداء للثورة .
انتخابات أكتوبر 2011 أدخلت الإسلاميين معركة الكراسي الثابتة كما أقعدت اليسار على الكراسي المتحركة و تذبذب آخرون بين هذا و ذاك و الدخول في خانة “الموازي” الذي لا يعترف بالمؤسسات القائمة (مجلس تأسيسي موازي ) .
لم تكن النهضة مستعدة للحكم أو حتى إدارة حكومة و لم يكن ينتظر الشعب من النهضة إدارة دواليب الدولة و لم تكن الدولة مبرمجة على إدارة النهضة و لم يكن من رصيد النهضة ما يقود دولة و لم تكن الإدارة قوية بما يجعلها تستوعب حزبا جديدا في الحكم .و لم يكن للنهضة أبواقا إعلامية و لم يجد رصيد الإعلام في تونس ما يبث الروح في نهضة أشرفت على الموات و ظلت لعقود في مرمى النار .
النهضة بعد 4 سنوات من انتخابات 2011 لم تعد في محور الحكم (الحزب الأغلبي ) و لكنها ظلت في مدار الحكم ( الحزب الثاني) و لئن اختلف المحللون في كون النهضة كانت ذكية في الخروج من السلطة فإن آخرين يعتقدون أن النهضة لا تزال في الحكم .