“هل الحرب باتت قريبة في لبنان؟”. عاد هذا السؤال ليشغل اللبنانيين، بالسرعة نفسها التي شغلهم فيها إعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته من الرياض.
شكل الاستقالة (أعلنها من السعودية على قناة “العربية”) وتوقيتها (أتت بعد لقائه بمستشار مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي أكبر ولايتي وبوزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان في بيروت)، ومعهما تصريحات الحريري التصعيدية ضد إيران وتدخلها في لبنان، عوامل أسهمت في تعويم طرح احتمال الحرب.
ما الذي يرجّح قيام الحرب في لبنان وعليه؟
“ثمة شيء كبير يُحضّر للبنان”، هي عبارة تحظى بمكانة خاصة في حديث المواطن اللبناني، يناقشها في يومياته، ليكاد يكررها بالمعدل نفسه لإلقاء التحية.
خلال الشهر الماضي، انشغل اللبنانيون بهذا “الشيء الكبير”، بعدما انتشرت تقارير تشي بالتحضير لحرب ستشنها إسرائيل على لبنان. تحدثت التقارير عن ظروف مؤاتية لهذه الحرب، ودعمتها بالأخبار عن تصعيد تصريحات المسؤولين الإسرائيليين.
استقالة الحريري من الرياض، مع ما ظهر من نيّة سعودية/ أمريكية لمواجه النفوذ الإيراني في المنطقة من خلال ضرب “حزب الله” (فرض العقوبات مثلاً)، زاد من ذلك الإنشغال.
جاء في خطاب الاستقالة من الحكومة التي يشارك فيها الحريري مع “حزب الله” ما يلي:
“أريد أن أقول لإيران وأتباعها أنهم خاسرون وستقطع الأيادي التي امتدت إلى الدول العربية بالسوء وسيرتدّ الشرّ إلى أهله”.
“إن إيران لا تحل في مكان إلا وتزرع فيه الفتن والدمار يشهد على ذلك تدخلاتها في البلاد العربية يدفعها على ذلك حقد دفين على الأمة العربية وللأسف وجدت من أبنائنا من يضع يده بيدها… أيها الشعب اللبناني العظيم استطاع حزب الله فرض أمر واقع بقوة سلاحه”.
بموازاة ذلك، كانت قناة “العربية” السعودية – التي انفردت ببث قرار الاستقالة – تستضيف محللاً تلو الآخر للتنافس في الاحتفاء بانهيار “حزب الله” وإيران.
في وقت خرج رئيس تحرير صحيفة “عكاظ” السعودية ليدعو إلى مواجهة عسكرية ضد حزب الله، مظهراً حماسته لـ”قرب استقلال لبنان”، وداعياً “اللبنانيين لمواجهة الحزب عبر تظاهرات شبيهة بتلك التي شهدها العام 2005”.
شراسة خطاب الحريري ضد إيران وذكره مصطلح “قطع اليد الإيرانية” الذي يستخدمه “حزب الله” عندما يتعلق الأمر بنزع سلاحه، جعل محللين يربطون بين الاستقالة ورفع الغطاء عن لبنان تمهيداً لحرب إسرائيلية.
هذه الحرب كانت قد وجدت كما ذكرنا خلال الفترة الماضية، مؤشرات تدعم قربها:
أول المؤشرات كان ما حكي عن إيعاز وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان إلى بعض السياسيين اللبنانيين للتصعيد ضدّ رئيس الجمهورية ميشال عون و”حزب الله”، مشجعاً إياهم على رفع السقف ومطمئناً أن لبنان “غير متروك”.
ثاني المؤشرات كان خطاب السيّد حسن نصرالله في ذكرى العاشر من محرم، حيث حذّر الإسرائيليين من السياسات الحمقاء لرئيس حكومتهم، مؤكداً أن “حكومة نتنياهو تخطّط للحرب”.
ثالث المؤشرات كان التقارير الصحفية المتتالية عن تخطيط إسرائيل للحرب، وانتظارها الفرصة الاستراتيجية والسياسية الملائمة، ومنها تقرير “فورين أفيرز” الذي قال “في الوقت الذي تستعيد القوات السورية السيطرة على أجزاء مهمّة في سوريا، بدأ المخطّطون الإسرائيليون يركّزون من جديد على حرب مع “حزب الله”.
التقرير الذي كتبه المحلل الروسي ديمتري آدامسكي، ليناقش عبره موقف روسيا من الحرب، رأى فيه أن الأخيرة قد تستفيد في حال الصراع بين الطرفين، ما يضعف الهيمنة الإيرانية ويتيح للكرملين فرض موقفه في المنطقة.
من جانب آخر، رأى آدامسكي أن روسيا لن تسمح لإسرائيل بحسم تام لمصلحتها، لأنها ما زالت مستفيدة من “حزب الله” في مواقع عدة، مشيراً إلى تطور ترسانة الأخير بما يكفي ليجعل الحرب القادمة ضارية.
كل هذه التحليلات تحتمل تأويلات كثيرة، لكنها تشي بمناخ متأزم قادم على لبنان، أسهمت استقالة الحريري في جعله أكثر تأزماً.
لماذا تستبعد نظريات أخرى الحرب؟
الإجماع على الاعتراف بدخول لبنان فترة سياسية حرجة، بما تحمله الفترة من تداعيات تمهد للحرب، قابله سيناريو استبعاد لوقوع الأخيرة بالسرعة التي يتوقعها البعض.
وفق هذا السيناريو سيكون للاستقالة تداعيات عدة، لكنها ليست الحرب السريعة. فالأسباب التي جعلت الحرب خياراً معلقاً، لن تلغيها الاستقالة بهذه السهولة.
يعوّل أصحاب هذا السيناريو على عوامل عدة، من بينها الترسانة العسكرية التي عمل “حزب الله” على تطويرها في السنوات الماضية، وعدم نيّة إسرائيل تكرار نتائج حرب تموز العام 2006.
يُضاف لذلك، حسب منظري ذلك السيناريو، تفضيل كل من أمريكا والسعودية حصر مواجهة “حزب الله” بسوريا، وتجنب انتقالها للبنان.
وأسباب ذلك من بينها الخوف من حرب طائفية أخرى على الساحة اللبنانية، وعامل وجود النازحين السوريين بهذا الثقل على أرضه. ولذلك كان الهدف من الضغط السعودي هو تحييد “الدولة اللبنانية” عن “حزب الله”، وبالتالي تجنب انتقال المواجهة معه من سوريا إلى لبنان.
يُصاحب هذا السيناريو الحديث عن تصعيد العقوبات التي بدأت على “حزب الله” في لبنان، كعامل ضغط إضافي.
أما عامل عودة الاغتيالات السياسية، فلم يجد ترجيحاً قوياً، ولكنه كان جزءاً من بعض التعليقات التي صاحبت الاستقالة. كان ذلك بسبب الخبر الذي انتشر عن محاولة اغتيال الحريري قبل أيام ونفت قوى الأمن اللبناني امتلاكها أي معلومات عنه، وبسبب ما صرّحه الحريري عن “الشبه بين الفترة الحالية والفترة التي سبقت اغتيال والده في العام 2005”.
وسط ذلك، تستمر السيناريوهات المتعلقة بهوية رئيس الحكومة الجديد، لا سيما بعد قبول عون الاستقالة. ثمة كلام عن صعوبة في إيجاد شخصية سنيّة تناسب المرحلة، فما فعله الحريري يصعّب على المرشح المحتمل قبول التكليف من عون (حليف “حزب الله”) لما يمكن اعتباره تحديا للسعودية.
وبين تحفظ سياسي لبناني وسط الانقسام المعتاد، وبين احتفاء سعودي و”عتب شديد اللهجة” إيراني، يدخل لبنان مرحلة تخبط واضحة، على الصعيد الأمني والسياسي (الإقليمي والمحلي) بعدما بات مصير الانتخابات النيابية مجهولاً.
المصدر: رصيف 22