غالب قنديل
الإعلان عن تعثر تحضيرات جنيف 2 لأن واجهات المعارضات السورية المرتبطة بحلف العدوان غير جاهزة يكشف حقيقة المعادلة الآخذة بالتبلور في سوريا ومن حولها بعد انكسار قرار العدوان الأميركي وانتهاء عصر الهيمنة الأحادية في حصيلة الصمود السوري ونتيجة معادلات القوة التي فرضها هذا الصمود في وجه أعتى حرب كونية شهدها مطلع القرن الحالي .
أولا أعطت الدولة الوطنية السورية موافقتها على حضور مؤتمر جنيف 2 منذ الإعلان عن التفاهم الروسي الأميركي خلال زيارة جون كيري لموسكو قبل أشهر ومذاك عطلت الولايات المتحدة وشركاؤها في الناتو والحلف الخليجي التركي عقد المؤتمر بوهم تعديل التوازنات وفي حصيلة اختبارات القوة انتهى ذلك الرهان إلى الفشل وتبلورت توازنات جديدة في الميدان السوري وتدحرجت تعبيرات الفشل الشامل للعدوان من الرهان على تعديل التوازن إلى تجريب خيار ” ضربة اوباما ” التي أسقطها توازن الردع الاستراتيجي الذي أقامته سوريا وحلفاؤها في المنطقة والعالم وبات واضحا سقوط وهم العدوان الأميركي على سوريا المحصنة بإرادة شعبها وبصمود جيشها وتصميم قيادتها المستمر على الدفاع عن الاستقلال والسيادة والحصيلة لخصها جون كيري بسقوط الرهان على تغيير التوازن وحتمية التوجه للتفاوض الذي سيكون بين الدولة الوطنية السورية والدول المشاركة اما الحوار السوري فهو إطار لا صلة به لجميع المشاركين الآخرين وفق اعترافات الأخضر الإبراهيمي عن آلية جنيف التي قال أنها تقضي بحوار بين وفد يمثل الدولة السورية وممثلين للمعارضة بحضور مراقب أممي.
ثانيا جاءت حصيلة مشاورات التحضير لجنيف 2 تؤكد حقيقة انقلاب التوازنات وتفكك حلف العدوان وارتباكه والفضيحة المتجددة بعبارة ” الائتلاف غير جاهز ” التي تكررت في التصريحات والتعليقات الواردة من قاعات النقاش الروسي الأميركي امس تقدم الصورة المعبرة عن المأزق الذي دخلته الحرب الكونية على سوريا وسواء كانت الغاية من تلك النتيجة تأجيل موعد المؤتمر لإعطاء مزيد من الوقت لاختبار أوهام قطرية سعودية عن تغيير التوازنات ام لإعطاء فرص لمحاولة ترتيب وضع الواجهات السياسية العميلة او لاستدارة الحكومات التابعة في حلف العدوان او لكليهما فما سيحدث في هذا الوقت هو تعزز التوازن الذي يميل لصالح الدولة الوطنية السورية ورجحان فرص انتصارها التاريخي لأن المتغير الحاسم على الأرض هو التحول النوعي في موقف سكان الأرياف السورية من العصابات المسلحة وهو السر الكامن خلف انتصارات الجيش العربي السوري المتلاحقة بفضل الدعم الشعبي الواسع وتسارع العودة إلى حضن الدولة الوطنية بعد سقوط اوهام التمرد.
ثالثا الموافقة السورية الواضحة على جميع المبادرات بما فيها دعوة جنيف 2 حملت معها بعدين حاسمين منذ اندلاع الأحداث :
البعد الأول : اختبار فرص التوصل إلى تدابير والتزامات عملية من حلف العدوان بوقف إرسال السلاح والمال والإرهابيين إلى سوريا وهذا ما أدرجه الرئيس بشار الأسد في مبادرته حول الحل السياسي تحت عنوان آلية وقف العنف وهو ما تبناه التصور الروسي.
البعد الثاني : انطلاق حوار سوري سوري حول مستقبل البلاد ومضمون التغييرات السياسية والإصلاحات التي تتيح توسيع الشراكة الوطنية وتكرس التعدد السياسي وتضمن الانتقال عمليا إلى وضع داخلي جديد يعبر عن تطلعات السوريين وطموحاتهم التي بات في مقدمتها فرض الاستقرار ومكافحة الإرهاب والشروع في إعادة البناء الوطني وإزالة آثار العدوان الاستعماري اقتصاديا واجتماعيا وعمرانيا وعودة النازحين إلى ديارهم على قاعدة وحدة التراب الوطني السوري في ظل دولة سيدة مستقلة.
رابعا تعرف الحكومات المتورطة في العدوان وفي مقدمها السعودية وتركيا وقطر حقيقة ما ستواجهه في المؤتمر وما سيكون مطلوبا منها من التزامات وتدابير وهي مدركة لحقيقة انها ستجد نفسها محاصرة بالدعوة الروسية لدعم جهود الدولة الوطنية السورية في مكافحة الإرهاب الذي دعمته تلك الدول واحتضنته لإسقاط الدولة الوطنية وفشلت وهي تدرك أيضا ان الواجهات السياسية العميلة والعصابات المرتزقة على الأرض تحاصرها الكراهية الشعبية ولا وجود لأي منها في صورة مستقبل سوريا ساعة الاحتكام لصناديق الاقتراع وان جحافل التكفير القاعدية التي أرسلت إلى سوريا وحظيت بالدعم المالي والعسكري باتت مصدرا لقلق عالمي وأميركي غربي متزايد بعد الهزيمة خشية استدارتها نحو اوروبا والولايات المتحدة على غرار ما حصل في أفغانستان ولدى حكومات العدوان معلومات أكيدة عن حجم الاتصالات التي تتلقاها القيادة السورية لطلب التعاون الأمني مؤخرا .
خامسا بعد شهر ، أو شهرين او ثلاثة ماذا سوف يستجد إذا قالت حكومات العدوان انها باتت جاهزة للذهاب إلى المؤتمر مع عملائها ومرتزقتها ؟
الأكيد اننا سنشهد تطورا كبيرا في التوازنات الميدانية لصالح الجيش العربي السوري حتى لو استمر إرسال السلاح والمال للعصابات من الخارج فالعسكريون الفارون سيواصلون العودة إلى المؤسسة العسكرية الوطنية والمتورطون من السوريين سيواصلون إلقاء السلاح والإفادة من العفو الرئاسي المتجدد لأن المناخ الشعبي الحاضن للدولة الوطنية وللجيش العربي السوري يترسخ ويزداد حصانة بقوة الإنجازات المتلاحقة للقوات المسلحة النظامية والشعبية التي تقاتل الإرهابيين وتعيد الاستقرار إلى الربوع السورية.
أمّا في المنطقة فتلوح في الأفق تطورات كثيرة ترسخ توازن القوى المواتي لانتصار الدولة الوطنية أقلها تحرك المفاوضات على خط الملف النووي الإيراني والحوار المتشعب والصعب بين إيران والولايات المتحدة الذي ينطلق من الاعتراف بالجمهورية الإسلامية كقوة إقليمية كبرى وهكذا سيتصاعد اختناق الحكومات التابعة للغرب في نفق التكيف مع الأوضاع الجديدة التي ستفرض عليها تغييرات داخلية مؤلمة بينما تزحف من حولها تطورات وأحداث قد ترغمها على تعديل أولوياتها ومن يرد التبصر فليسأل عن أحداث اليمن والبحرين .
الشرق الجديد